حادث جربة اعتداء “مدبر”، فما ستكون مضاعفاته؟
سقطت فرضية حادث المرور، واتفقت المصادر الأمنية التونسية والألمانية والفرنسية حول الاعتقاد بأن الانفجار الذي حدث بقرب معبد الغريبة في جزيرة جربة كان "عملية إجرامية مدبرة" حسب التعبير الذي استعملته الصحف التونسية نقلا عن مصدر رسمي.
وذكر وزير الداخلية الألماني في حواره مع بعض الصحفيين أن لقاءه مع الرئيس بن علي “مكنه من الحصول على تفاصيل هامة جدا”، مما أكد اقتناعه (مائة بالمائة) مع وفد المحققين الألمان الذين كانوا برفقته أثناء الزيارة بأن الأمر يتعلق “بعمل إرهابي”، وهي قناعة ناجمة عن براهين فنية تتعلق بطبيعة الصهريج، وطريقة نقله والمواد التي يحتويها وطريقة التفجير.
هذا وبقدر توفر بعض المعلومات حول صاحب العملية، بقدر ما يزال الغموض يكتنف دوافعه الحقيقية والاهداف التي أراد الوصول إليها، والجهات السياسية التي قد تكون وراءه. فالشخص تونسي يدعى “نزار بن محمد نصر نوار” من أصيلي منطقة بن غردان الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي على الحدود مع ليبيا، التي زارها قبل فترة وجيزة من وقوع الحادثة.
عائلته – المكونة من والديه وخمسة أشقاء – مهاجرة ومستقرة في مدينة ليون الفرنسية، ولم يتمكن من الالتحاق بها بسبب عدم حصوله على تأشيرة الدخول إلى التراب الفرنسي نظرا لسنه (خمسة وعشرون عاما). وقد دفعه ذلك إلى تغيير وجهته نحو كندا، حيث حاول مواصلة دراسته والعمل هناك. لكن ولأسباب مجهولة عاد إلى تونس ليعمل في وكالة أسفار، وقد يكون بذلك أصبح عارفا بحركة السواح وتنقلاتهم في الجهة. وحسب رواية شقيقه وليد، فإن نزار لم يعرف عنه انتماء سياسي أو تدين ظاهر، وهو ما جعل عائلته في حيرة كبيرة مما قيل عنه. بل أن هذا الشقيق ذهب إلى حد القول بأن نزار لايعرف السياقة ولا يملك رخصة.
تساؤلات تنتظر الاجابة !
هل هو عمل فردي أم وراءه تنظيم حركي؟ وهل كان المقصود بالعملية تفجير المعبد اليهودي أم استهداف السواح الأجانب؟ سؤالان من الصعب الإجابة عليهما حاليا في ضوء المعلومات القليلة المتوفرة. وإذ يستبعد الكثيرون فرضية وقوف الموساد وراء الحادث كما أشارت إلى ذلك إحدى الأسبوعيات التونسية، فإن فرضية انتماء سائق الشاحنة إلى تنظيم القاعدة ما تزال فاقدة للسند القوي، وهو ما جعل الوزير الألماني يميل إلى القول بأنه “لا يمكن في الوقت الحاضر تأكيد وجود مثل هذه العلاقة”، وذلك بالرغم من تزامن الحادثة مع محاكمة عدد من أتباع تنظيم القاعدة المعتقلين في ألمانيا.
هذا التأكيد لم يمنع المحققين من افتراض وجود عدد من الأشخاص خططوا للعملية. وفي هذا السياق يوجد تكتم حول الشخص الموقوف الذي أشار إليه المصدر الرسمي التونسي مكتفيا بالقول أنه من أقارب سائق الشاحنة، فهل هو عمه كما ورد في شهادة شقيقه أم شخص آخر؟
الواضح من خلال جملة التصريحات أن هناك إرادة جماعية من أجل التعاون في مجال التحقيق الأمني، ومحاصرة الآثار السلبية التي يمكن أن تنجر عنها فيما يتعلق بالسياحة التونسية التي تضررت من أحداث 11 سبتمبر، والتي يعد الألمان من أهم روافدها البشرية.
فوزير الداخلية الألماني صرح بأنه “لا يوجد مبرر لدعوة السياح إلى تعليق سفرهم إلى تونس” كما فعلت بعض الوكالات. أما مصادر الديوان التونسي للسياحة، فقد ذكرت أن حادثة التفجير لم تخلق أزمة كساد سياحي في الجزيرة، ونفت بشدة ما راج من أخبار حول تسجيل إلغاء حجوزات من قبل السواح الألمان أو من اي جنسية أخرى.
حركات تضامنية رغم الهموم الداخلية
على صعيد آخر، لم تؤثر حادثة جربة في حركة التضامن المستمرة مع الشعب الفلسطيني التي تقوم بها مختلف فعاليات المجتمع المدني، سواء في تونس أو في مختلف المدن المغاربية. فمحليا أصدرت عديد المنظمات الحقوقية والمهنية بيانات أدانت فيها العملية، ورفضت كل تبرير لها، ورأت فيها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان “مسا خطيرا من حرية المعتقد وانتهاكا صارخا لأماكن العبادة”، وذكرت بموقفها الدائم في عدم الخلط بين العصابة الصهيونية في فلسطين وبين اليهود وخاصة في تونس “حيث أنهم مواطنون لهم من الحقوق ما لغيرهم من التونسيين”. كما انتقدت جمعية الصحفيين التونسيين “التعتيم الإعلامي” الذي تم اعتماده، وطالبت بانتهاج الشفافية.
هذا وتشهد الجمعيات والأحزاب والمنظمات في جميع عواصم دول المغرب العربي حركية تضامنية غير مسبوقة، حيث تعددت المسيرات الجماهيرية، لتبلغ أوجها مع ما سمي بالمسيرة المليونية التي نظمت في الرباط. أما في الجزائر، فقد طغت مسألتا المشاركة من عدمها في الانتخابات التشريعية القادمة والأزمة الأمازيغية المفتوحة على ما يجري في الأراضي المحتلة، غير أن ذلك لم يمنع الجماهير الجزائرية وفعاليات المجتمع المدني المحلي من اختيار صيغ عديدة للتعبير عن الارتباط الوجداني والسياسي بالشعب الفلسطيني. وفي تونس حقوقيون وسياسيون ومحامون ونساء وطلاب وفنانون ومواطنون تبرعوا بالمال والدم، ونظموا التجمعات واندفعوا في الشوارع ضمن مسيرات، بعضها تم بسلام وبعضها تم تشتيتها بالقوة.
حماس يدفع مؤرخا كبيرا مثل هشام جعيط إلى الاعلان عن كونه مع خيار الحرب لاعتقاده بأن “الضرورة تقتضي الآن أن تستمر الحرب”. وإحساس بالصدمة يدفع بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التهديد بالانسحاب من “السيزل” إذا لم تتخذ هذه المنظمة الدولية موقفا إلى جانب الشعب الفلسطيني. أما في ليبيا فقد اختار العقيد القذافي أن يقود بنفسه أكثر من مسيرة، وألقى أكثر من خطاب وتصريح استعرض أفكارا، أقل ما يقال فيها أنها مثيرة للجدل.
وفي موريتانيا حيث يحرص النظام على الاحتفاظ بالعلاقات الدبلوماسية التي أقامها قبل سنتين مع تل أبيب، وجد نفسه غير قادر حاليا على إقناع قطاع واسع من النخبة ومن مواطنيه الذين خرجوا بأعداد غفيرة للتضامن مع فلسطين، حيث حصلت صدامات قوية بينهم وبين الشرطة. وهكذا يتبين للمراقبين أن علاقة المغرب العربي بالقضية الفلسطينية بقيت قوية منذ العشرينات والثلاثينات، قد تطغى عليها الهموم المحلية من حين لآخر، لكنها سرعان ما تتأجج من جديد عند حدوث الهزات الكبرى.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.