حدثٌ استثنائي.. وتوبيخٌ غير معتاد
سارع رئيس الكنفدرالية جوزيف دايس يوم الإثنين إلى وضع حد للسابقة التي شهدها النظام السياسي الفدرالي في نهاية الأسبوع بعد أن كسر وزير الداخلية باسكال كوشبان التقاليد الجماعية للحكومة.
دايس وبخ كوشبان على التصريحات التي أدلى بها لصحف يوم الأحد والتي هاجم فيها بقوة وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر.
“نعم، أعتقد أن مواقف كريستوف بلوخر خطر على ديمقراطيتنا”. هذه من جملة الانتقادات الهجومية واللاذعة التي لم يبخل بها وزير الداخلية السويسري باسكال كوشبان على وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر في حديثين نشرتهما صحيفتان واسعتا الانتشار يوم الأحد 3 أكتوبر.
ولأن تصريحات كوشبان تعدّ سابقة في حد ذاتها وكسرا للتقاليد المتحفظة والجماعية للحكومة، جاء رد رئيس الكنفدرالية جوزيف دايس سريعا وحاسما، إذ قال بوضوح خلال جلسة الأسئلة في البرلمان يوم الإثنين: “لا يجب إطلاقا على أعضاء في الحكومة الاندفاع في نزاعات علنية”.
وأكد السيد دايس أمام وسائل الإعلام لدى خروجه من قاعة البرلمان أنه “من المبالغة الحديث عن أزمة دولة بما أن الحكومة الفدرالية مازالت تعمل ومازالت قادرة على اتخاذ القرارات”.
في المقابل، أقر رئيس الكنفدرالية بضرورة مواصلة النقاش حول حدود الديمقراطية المباشرة التي تتميز بها سويسرا، وحول مواقف الأقليات أو دور البرلمان والحكومة الفدرالية.
وأعرب دايس عن أسفه لإطلاق هذا النقاش بالطريقة غير المناسبة وفي الوقت غير المناسب، وذلك إشارة للحديثين الذين خص بهما وزير الداخلية باسكال كوشبان كلا من صحيفة “لوماتان” الناطقة بالفرنسية والصادرة بلوزان، وطبعة الأحد لصحيفة “نويه تزورخر تسايتونغ” الناطقة بالألمانية والتي تصدر بزيورخ.
ويرى رئيس الكنفدرالية أن التوقيت الذي اختاره وزير الداخلية كوشبان لتوبيخ وزير العدل والشرطة بلوخر في الصحف ليس مناسبا على الإطلاق، خاصة وأن الحكومة كانت قد حددت يوم الجمعة الماضي الأسلوب الذي تعتزم انتهاجه على مستوى التعاون والإعلام في إطار الحملة الترويجية للاتفاقيات الثنائية الثانية مع الإتحاد الأوروبي. واعتبر السيد دايس تصرف كوشبان مسّا بنظام الحكم الجماعي الذي يميز عمل الحكومة الفدرالية.
وامتنع رئيس الكنفدرالية عن التعليق على تصريحات كوشبان التي مفادها أن مواقف بلوخر خطر على الديمقراطية، قائلا: “أنا لا أعلق على حوارات زملائي”.
الخـلفية
وقد اتهم وزير الداخلية باسكال كوشبان وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر في تصريحاته لصحيفتي الأحد بتغذية “النزعات الشمولية” وبـ”التلاعب” بعواطف الشعب، حيث لم يتردد في الإشارة إلى أن بلوخر يحاول ترسيخ نظام ديكتاتوري على غرار بعض الأنظمة الاستبدادية في القرن العشرين.
وكان كوشبان قد أعرب عن استياءه من ردة فعل بلوخر إثر رفض أغلبية الناخبين السويسريين -في الاستفتاء الشعبي الذي نظم يوم 26 سبتمبر- للمبادرتين الحكوميتين الداعيتين إلى تسهيل إجراءات منح الجنسية للجيلين الثاني والثالث من الأجانب.
بلوخر رفض يومها التعليق على نتائج التصويت مبررا ذلك بأن الحكومة الفدرالية لا يسعها إلا أن تلتزم بالصمت أمام قرارات الشعب، علما بأن الحملة الشعواء التي شنها حزب الشعب ضد الأجانب والمسلمين بوجه خاص منذ بداية شهر سبتمبر هي التي نجحت في إثارة مخاوف السويسريين من الأجانب ودفعت أغلبية الناخبين إلى التصويت بـ”لا”.
وحسب المقربين من كوشبان، كان امتناع بلوخر عن التعليق على نتائج الاستفتاء “القطرة التي أفاضت الكأس” لأن كوشبان، ابن كانتون الفاليه، بدأ يشعر منذ بداية هذا العام بغضب متنام إزاء ما يصفه بـ”اللعبة المزدوجة” لميلياردير زيورخ بلوخر وحزبه الذي أثبت صلابة متزايدة في المواقف ومال إلى مهاجمة مؤسسات الكنفدرالية منذ دخول بلوخر عضوا في تشكيلة الحكومة الفدرالية في نهاية العام الماضي.
وبعد فشل محاولاته لتسوية هذه الخلافات داخل الحكومة، قرر كوشبان – دائما حسب مقربين منه – التحرك علنا بارتداء زي المدافع عن النظام السياسي السويسري. في هذا الإطار جاءت انتقاداته اللاذعة لبلوخر، وحزب الشعب الذي قال عنه إنه “يعتبرُ الشعب ككتلة يمكن التلاعب بها”.
ويضيف كوشبان أن مثل هذه الأفكار “ليست جديدة في التاريخ، وهي خطيرة جدا” مؤكدا أن التحالف بين “زعيم كاريزمي” وشعب يقع ضحية تلاعب ذلك الزعيم “لا يوافق طريقة ممارستنا للسياسة، بل هو أسلوب الديكتاتوريات”.
خلاف حول السيادة المطلقة
ويعتبر كوشبان مفهوم السيادة الشعبية المطلقة لدى بلوخر متناقضة مع الدستور الذي ينص على وضع حواجز لسلطة الأغلبية وخاصة لحماية الأقليات اللغوية.
وذكـّر بهذا الشأن أن النظام السياسي السويسري لا يريد أن يقوم شخص بدور “سماوي”، إذ أوضح أن الأمر يتعلق بالتوازن وبحماية مختلف الأقليات قائلا: “صحيح أن الكلمة الأخيرة تظل إرادة الشعب (…) لكن مع فارق كبير يبدو أنه غاب عن السيد بلوخر: نحن لسنا في ديمقراطية استفتائية حيث تزن الكتلة بمفردها على غرار ما يحدث في الأنظمة الشعبية، والدليل على ذلك احترامنا لقاعدة الغالبية المزدوجة”، وذلك في إشارة إلى ضرورة الحصول في نفس الوقت على الغالبية التعدادية للكانتونات وعلى أغلبية أصوات الناخبين في المبادرات التي تدعو إلى إدخال تعديل دستوري.
وقد صرحت كلاوديا إمهاسلي، المتحدثة باسم حزب الشعب يوم الأحد، أن بلوخر لن يرد على التصريحات القوية لكوشبان. وهي تصريحات يرى فيها الخبير في علوم وسائل الإعلام روجي بلوم مؤشرا على وجود “خلل ما في الحكومة الفدرالية”.
واعتبر بلوم تحليل كوشبان الخاص بـ”خطورة بلوخر على الديمقراطية” في محله موضحا أن كريستوف بلوخر يسعى إلى تحويل السلطة التنفيذية (الحكومة) إلى “برلمان صغير” يتمسك فيه كل عضو بموافقه، وهو ما “لا يتماشى مع معنى وميول السلطة الجماعية”.
الهجوم المضاد
لكن عدم التوافق، أو بالأحرى العداوة الصريحة بين كوشبان وبلوخر قد تبلغ ذروتها مع اقتراب التصويت الحاسم على انضمام سويسرا لاتفاقية “شنغن” ومعاهدة “دبلن” اللتين قد تدخلان سويسرا إلى المجال القضائي والبوليسي الأوروبي.
ويفترض أن يدافع بلوخر بأمانة، بصفته وزير العدل والشرطة، عن الموقف الحكومي السويسري المؤيد للانضمام للاتفاقيتين، علما أنه من أعنف المعارضين لـ”شنغن”.
وفي هذا السياق، ذكّر رئيس حزب الشعب أولي ماورر في حديث مع صحيفة “سونتاغس تسايتونغ”، أن “سويسرا بأسرها تعلم أن بلوخر يعارض شنغن ولن يغير موقفه”. لكن ماورر أكد أن لا مانع لديه في أن يدافع بلوخر عن هذا الملف خلال الأشهر المقبلة في الاتجاه الذي تودّه الحكومة. وبلهجة ساخرة أضاف: “إذا ما أرغمت الحكومة الفدرالية الآن بلوخر أن يُمّثـّل ويُظهرَ مزايا شنغن، فلن تكسب على مستوى المصداقية”.
ولم يتردد رئيس حزب الشعب السويسري في الرد على مهاجمة كوشبان لبلوخر بالقول إن الحكومة الفدرالية تقوم بـ”دور وسخ” تتلاعب فيه بمشاعر الشعب قبل الانتخابات، مضيفا “هذا يذكرني بممارسات الكتلة الشرقية السابقة”.
وقد أثارت اتهامات كوشبان لبلوخر استياء كبيرا أيضا لدى الأمين العام لحزب الشعب السويسري، غريغور روتز الذي قال في تصريح لإذاعة سويسرا الروماندية يوم الأحد 3أكتوبر إن “الخطر بالنسبة للديمقراطية يكمن في التشكيك في قرارات الشعب” مضيفا أن المستشار الفدرالي – وهي صفة أعضاء الحكومة في سويسرا – “ليس مضطرا دائما للتعليق” على الأحداث.
سويس انفو مع الوكالات
فاجأ وزير الداخلية السويسري باسكال كوشبان قراء صحف الأحد بتوجيه انتقادات منقطة النظير لوزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر من حزب الشعب اليميني المتشدد
انتظمت في برن يوم السبت 02 أكتوبر الجاري حملة ضد “حملة حزب الشعب المعادية للأجانب” والتي نجحت في إقناع أغلبية الناخبين في استفتاء 26 سبتمبر برفض تسهيل إجراءات منح الجنسية للجيلين الثاني والثالث من الأجانب
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.