مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حرب أهلية مفتوحة.. في العراق!

مشهد الدمار الذي خلفته عملية انتحارية بواسطة سيارة مفخخة نُـفـذت في بغداد يوم 17 أغسطس 2006 Keystone

أكثر من عشرة آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، قضوا في العراق خلال الشهور الخمس الماضية في دوّامة العنف المستمرة التي تحصد العراقيين ولا تستثني منهم أحدا.

وهذا ما ينبئ بحرب أهلية من العيار الثقيل تقوم على إنجازات المحاصصة الطائفية، التي حفل بها العراق الجديد.

أكثر من عشرة آلاف شخص، معظمهم من المدنيين، قضوا في العراق خلال الشهور الخمس الماضية في دوّامة العنف المستمرة التي تحصد العراقيين ولا تستثني منهم أحدا، والتي تنبئ بحرب أهلية من العيار الثقيل تقوم على إنجازات المحاصصة الطائفية، التي حفل بها العراق الجديد.

فهل كانت الإدارة الأمريكية تعلم أن إسقاط النظام العراقي السابق بعملية جراحية صعبة سيُفضي إلى تفتيت العراق واندلاع حرب طائفية وأهلية، ستكون بالتأكيد حربا مفتوحة على أكثر من إقليم في المنطقة والعالم؟

النتائج على الأرض وأداء قوات الاحتلال ومُعطيات كثيرة تقول: نعم.. فالعراق يعيش بالفعل “بروفة” حرب طائفية، والبلد مقسّـم حقا إلى كانتونات، خصوصا العاصمة بغداد، حتى وإن سعى المسؤولون الحكوميون إلى محاولة إنكار ذلك ودسّ رؤوسهم في التراب، لكي لا يروا ما حلّ ببلدهم، مع ملاحظة أنهم، ربّـما لا يعرفون حجم ما يجري من صِـراع، لأنهم لا يتنقلون بين الضواحي والبلدات العراقية، فهم يقيمون في “الجزيرة الخضراء”.

الفوضى التي يعيشها العراق منذ السقوط ولحد الآن، وعمليات القتل المستمرة، وحتى طريقة تعاطي القوات الحكومية مع بعض الاحتجاجات الشعبية المشروعة جدا، كما حصل في الديوانية وجارتها الناصرية، شجّـعت عددا غير قليل من الأمريكيين على الاعتراف بأن ما يجري في العراق هو حرب أهلية حقيقية بماديات مختلفة، كما فعل تشارلز كروثمر، الذي يُعتبر من أركان المحافظين الجدد، والذي كتب في صحيفة واشنطن بوست، تحت عنوان “بالطبع.. إنها حرب أهلية”، مقالا أكّـد فيه أن ما يجري في العراق هو حرب أهلية حقيقية!

آخرون، ومنهم الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق السفير بول بريمر، لمح إلى أخطاء أمريكية دفعت إلى الوضع الراهن، منها حل الجيش العراقي وتشريع القوانين، وفي مقدمتها قانون إدارة الدولة، الذي وضع القاعدة لتفتيت العراق عبر إطلاق العِـنان لثلاث محافظات في إقامة فدرالية خاصة بها، وفرض نسبة من النساء في مؤسسات الدولة، وخاصة البرلمان وهي 25% بما يؤدّي إلى زعزعة التوازن الاجتماعي وفرض قوانين لا تتلاءم مع طبيعة المجتمع العراقي.

وجاء الدستور، الذي صُـودق عليه عبر استفتاء وقاطعه معظم السنّـة “العرب”، مكمِّـلا لقانون بريمر، الذي أسس لنظام المحاصصة وأقام ديمقراطية هشّـة في العراق، كما الدولة الهشّـة المؤلّـفة من الأقاليم والمحافظات والقطع الصغيرة المتناثرة على أساس طائفي وقومي، وكرّس تقسيم العراقيين إلى سُـنّـة وشيعة ومُـفردات أخرى في قائمة تطول.

ونجح ، كما هو واضح، في تقسيم الطوائف الدينية إلى مكوِّنات أصغر، حين وضع العرب السُـنة في خانة والأكراد السُـنة في خانة أخرى، خصوصا وأن الأكراد لا يخفون بعد واقعة “إنزال العلم العراقي” في كردستان، طموحاتهم في الانفصال، كما صرّح رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، الذي نأى بالأكراد عن مشاكل العراق وتحدث بصيغة “مشاكلكم ومشاكلنا”.

وكذلك، حال الأغلبية الشيعية.. المنقسمة إلى “إمامية وشيخية”، كما هو حالهم في البصرة، التي راجت فيها في الآونة الأخيرة منشورات تُـطالب الشيعة الشيخية بالرحيل والعودة إلى الأحساء في المملكة العربية السعودية، إذ أن الشيخية تواجدوا في البصرة منذ بداية الفتح الإسلامي ـ ويتجاوز عددهم نحو ربع ميلون، وهم من الموالين للشيخ أحمد الأحسائي، الذي هاجر من نجَـد إلى كربلاء منتصف القرن الثامن عشر وأسّـس مذهبه، واندفع الجميع ليُـطبق أحلام المخططين الاستراتيجيين في تفكيك العراق.

“تحدي بناء مستقبل مليء بالأمل”؟

بول بريمر في كتابه “عامي في العراق – تحدّي بناء مستقبل مليء بالأمل”، يستذكر أحاديثه مع أركان الإدارة الأمريكية عن مطلب زيادة أعداد الجنود وكيف أنه أرسل رسالة عاجلة إلى رامسفيلد بعد عدة أشهر في العراق، وتأكّـد من استلام وزير الدفاع الأمريكي لها، إلا أنه لم يتلقّ أي ردّ يطالب بضرورة وجود 500 ألف جندي، وليس 170 ألف جندي فقط.

ولكي لا نندفع كثيرا وراء نظرية المؤامرة، يكفي أن نُـتابع تصريحات القادة الأمريكيين حول العراق، قبل تقويم أداء القوات وسلطة الاحتلال على الأرض، حتى نخرج بنتيجة واحدة كرّرها دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي منذ أول أعمال العنف في العراق، ودلّـت على أن تصرّفات القوات الأمريكية ساعدت على تأجّـج العنف الطائفي في العراق لدرجة أصبح من الصّـعب السيطرة على ناره الآن بعمليات أمنية وخطط، وصفها الأمريكيون والعراقيون على السواء بكلمة واحدة: فاشلة!

يصرِّح رامسفيلد باستمرار، أن أي عملية عسكرية وأمنية تؤدّي إلى قتل مطلوبين، ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، هي انتصار مهِـمّ في المعركة ضد “الإرهاب عبر العالم”، إلا أنه يبقى يحذِّر باستمرار من أن ذلك لا يعني نهاية العُـنف في العراق، وهو يطلق دعوته إلى العمل من أجل تخفيف مستوى العنف عبر تشكيل ما وصفها بـ “حكومة جدية ومؤهّـلة تـُظهر على أنها شاملة، وتُظهر على أنها تحكم من المركز وتتضلع بمهام خِـدمة الشعب العراقي، معترفا في النهاية أن هذا لم يحدث. فمستوى العُـنف يتواصل والناس يتعرّضون للقتل في سبيل “انجازات” تحقّـقت من خلال الانتقال من الاستبداد القاسي إلى انتخاب الحكومة المؤقتة إلى التّـصديق على دستور جديد كتبه العراقيون، إلى انتخاب الحكومة الدائمة في ديسمبر!

وبما أن التاريخ لا يتكوّن من عناوين الأخبار عن القتل اليومي المُـنتشر في العراق، بل هو صورة أكبر من ذلك، كما يرى رامسفيلد، فإن على العراقيين تقديم مئات آلاف الضحايا قرابين على مذبح انتصار واشنطن في حربها المُـتعثرة على الإرهاب.

واليوم، بعد أكثر من ثلاث سنوات من رحيل النظام العراقي، تتحدث الإدارة الأمريكية عن الحرب الأهلية في العراق، بعد أن كانت تبَـشر الشرق الأوسط بديمقراطية فريدة في العراق الجديد، وبات الواقع، الذي يُقّر به قائد القيادة الأمريكية الوسطى، التي تُـشرف على العمليات الأمريكية في العراق الجنرال جون أبي زيد، هو خطر اندلاع حرب أهلية في العراق في حال استمرار أعمال العٍنف الطائفية، ما دفع بالرئيس الأمريكي إلى تبنّـي الاعتراف بخطَـر اندلاع هذه الحرب والتفكير بكيفية التعامل معها، لا منع حدوثها. واتخذ قرار إرسال تعزيزات إلى بغداد، بعد أن كان أعلن عزمَـه على خفض القوات الأمريكية مع حلول نهاية العام الجاري.

تردّد السلطة الأمريكية في العراق أن أعمال العنف الطائفي تتركز في العاصمة وتفضِّـل استخدام مصطلح “العنف الطائفي” بدلا من “الحرب الأهلية”، وهو البديل الصَّـعب جدّا، كما عبّـر الجنرال أبي زيد خلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ، الذي تساءل عددٌ منهم: مع من سنقف، وهل سنُـقاتل الجانبين، إذا اندلعت حرب أهلية، ستثير لدى الشعب الأمريكي تلك الأسئلة الصّـعبة عن جدوى التضحيات بأبنائهم في حرب العراق.

يعرف العراقيون جيِّـدا أن بلدهم مقسَّـم حاليا إلى كانتونات طائفية وعنصرية، هي حُـلم إسرائيل والمحافظين في الولايات المتحدة، لإعادة رسم خارطة جديدة للعراق وللمنطقة، حتى ولو على حساب اندلاع حرب طائفية في العراق في الطريق نحو شرق أوسط “كبير” (أصبح مؤخرا “جديد”)، أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، ويبدو أنه فشل حتى الآن في قرية مارون الرأس أثناء الحرب الأخيرة على لبنان.

خطة بايدن

جوزيف بايدن، عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية كتب في واشنطن بوست تحت عنوان “تقسيم العراق من أجل وِحدته” قائلا، إنه وقبل أربعة أشهر عرض في مقال له مشاركة مع الرئيس المتقاعد لمجلس العلاقات الخارجية، خطّـة مفصّـلة للمحافظة على وِحدة الصفّ العراقي وحماية المصالح الأمريكية.

وتأتي الخطّـة متمِّـمة لما سبق، وقِـوامها، النفط وبقاء قوات أمريكية واتفاقيات حماية، وتدعو لتطبيق اللامركزية ومنح الأكراد والشيعة والسُـنة أقاليمهم، على أساس ضمان حِـصّة السُـنة من عوائد النفط، وتمنح كل مجموعة حوافز خاصّـة لرفع إنتاج النفط، الأمر الذي يجعل من النفط، رابطا يجمع أقاليم العراق معا.

كما تضع الخُـطة أيضا برنامجا لربْـط الأقاليم بتوقيع مُـعاهدة إقليمية لعدم وقوع اعتداءات وتشكيل مجموعة اتصال لفرض الالتزامات الإقليمية، وتفرد الخطة فصلا مهمّـا لبقاء قوات أمريكية “لمتابعة التزام الجيران وللتصدي لأي تجمّـعات إرهابية”.

وهذه الخطة تتماشى مع دستور العراق، الذي يسمح لأي من المحافظات ألـ 18 بالدخول في تجمّـعات في المناطق المختلفة مع احتفاظ كل منها بقوات أمن خاصة، وكذلك السيطرة والتحكّـم في مُـجريات القضايا اليومية.

والمؤكد أن الخطّـة تواجه بعض التحدّيات، خاصة ما يتعلق بالمدن الكبيرة التي تعيش بها طوائف وعرقيات مختلفة، وهي تنُـص على أن تظل بغداد مدينة فدرالية لا تنتمي إلى إقليم معيّـن، ويتطلّـب الأمر وجود قوات حِـفظ سلام دولية يتمّ نشرها في المدن المختلطة، وربما تكون البوسنة أبلغ مثال على نجاح الخُـطة المقترحة.

سايكس بيكو جديدة

وحتى إذا لم نصدق ما يتم تسريبه عن “خريطة الشرق الأوسط الجديد”، التي تتحدث عن دُويلات سُـنية وشيعية وكردية وإلى آخر القائمة، فإن الحرب الأهلية تبقى مطلوبة لتقسيم العراق إلى كيانات صغيرة، بما يفتح الطريق لعقد اتفاقيات حماية مع الولايات المتحدة وحليفاتها، بل ومع إسرائيل أيضا.

وإذ تُـواصل الولايات المتحدة، في ظل إدارة اليمين المسيحي المتطرف الحالية، رسم خريطة تِـلو أخرى للمنطقة العربية، وضع ليزلي جلب، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان له إسهام في التخطيط لتجزئة يوغسلافيا، وضع خارطة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، بينما تكشف تقارير مختلفة عن النيّـة لتقسيمه إلى خمس دويلات، وأن الولايات المتحدة، التي لم تكن من أقطاب النظام العالمي عام 1915، حين توصّـلت بريطانيا وفرنسا وروسيا إلى اتفاقية سرّية لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية، هو ما عُـرف فيما بعد باتفاقية “سايكس بيكو”، تريد إعادة صياغة هذه الاتفاقية بمواصفات عولمتها في العصر الإسرائيلي وما بعد تأسيس الدولة العبرية، والعمل على إلغاء بعض الكيانات وتقسيم أخرى إلى أكثر من دولة، على رأسها العراق وإيران وباكستان وماليزيا وتركيا أيضا والسودان والصومال كمقدمة لتفتيت السعودية وسوريا، وربّـما لبنان، الذي شهد بداية قاسية في هذا المخاض العسير.

ولعل ما يجري في العراق والإصرار على إعادة تشكيله بمقاسات أمريكية إسرائيلية بما يضمن بقاء المحاصصة، يعيد التأكيد على أن اتفاقية “سايكس بيكو” القديمة لم تعُـد تلبّـي حاجة الهيمنة الأمريكية واندماج إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد، الذي يقوم على قبول التعايُـش معها كقوة مُـهيمنة، عسكريا وأمنيا واقتصاديا، بعد القضاء على قوى المُـقاومة والممانعة للوصول إلى هدف تفتيت المِـنطقة على أسُـس الجغرافية الطائفية والعرقيات القومية.

القتل على الهوية

بات القتل في العراق معلما أساسيا، وتم بالفعل تقسيم العراق إلى كانتونات، خاصة بغداد التي تحوّلت ضواحيها إلى ما يُـشبه مُـستوطنات مُـغلقة، تخضع لسيطرة أكثر من 37 ميليشيا مسلحة.

وأصبح العراقي في بغداد يحمِـل في جيبه هويَـتين شخصيتين: واحدة تحمل اسم عبد علي وكل ما عُبّد أو علي أو أي اسم آخر تستلطفه الشيعة، وهوية أخرى تحمل اسم عمر أو بكر أو حتى خالد ووليد وبقية الأسماء التي يُـدمن عليها السُـنة، ليتفادى الموت في مراكز السيطرة على أبواب تلك “المستوطنات”.

وفي ظل الواقع الراهن إذن، لا يمكن الحديث عن انسحاب أمريكي جزئي، أي الشروع بعملية تخفيض القوات، إلا بعد انتهاء ولاية الرئيس بوش الحالية في يناير 2009، مع استذكار أن الانسحاب الأمريكي من فيتنام، استغرق ست سنوات ولقي فيها أكثر من 38 ألف جندي أمريكي مصرعهم!

كان تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في فبراير، الشرارة التي أُريدَ لها إشعال حرب طائفية تجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة، وكادت أن تنجح، إذا نُظِـر إليها كأكبر هجوم “سنِّـي” يهدف إلى إثارة ردّة فعل سلبية عاطفية.

وبدا حينها أن قوات الاحتلال أعلنت أنها ليست مسؤولة عمّـا يجري داخليا، مادام الأذى يلحِـق بالعراقيين ويُـضعف إرادتهم ليَـخوضوا حربا طائفية أو يذعنوا لإرادة المحتلّ بمواصفات “بايدن” وباقي شِـلّـة المحافظين من رؤية تقول: إنه لا يمكن إناطة مهمّـة حلّ الخلافات السنية ـ الشيعية للأمريكيين والبريطانيين وللآخرين، المشكلة العراقية المستديمة يمكن للعراقيين أنفسهم فقط أن يتعاطَـوا معها.

إن ما يجري على الأرض يؤكّـد بما لا يقبل الشكّ، أن سلطة الاحتلال ماضية في سياسة خلط الأوراق وتأجيج الصِّراعات السياسية والمذهبية والقومية، لأن إثارة الحرب الأهلية خير ضمان لاستمرار بقاء القوات الأمريكية وتزايد النفوذ الأمريكي في العراق والمنطقة، مع ملاحظة أن واشنطن عبْـر سفيرها زلماي خليل زادة، حتى قبل إسقاط نظام صدّام، هي التي كرّست نظام الطائفية السياسية، ليُـصبح القاعدة الأساسية للعملية السياسية في العراق الجديد.

ولتعزيز السيطرة الأمريكية على الواقع العراقي والجوار الإيراني والسوري تحديدا، يضع الخبراء الأمريكيون والإسرائيليون أيضا، دراسات وخُـططا مفصّـلة لنشوب حرب أهلية تدفَـع المكوِّنات الدينية والقومية الرئيسة في العراق إلى الاقتناع بالإنفصال لدواعٍ أمنية وتحت خيمة الفدرالية الفضفاضة.

لعن الله من أيقظها

إذن.. فإن الفِـتنة الخطيرة التي توشِـك أن تَـتحوّل إلى حرب طائفية وأهلية شاملة، لا تنحصر بالعراق، تريدها أطراف عدّة وتنشط عليها كل على شاكلته، أولها، السلطة الأمريكية في العراق ومعها الإسلاميون المكفّـرون للشيعة ومن يدعمهم، إضافة إلى فِـرق الموت “سُـنية وشيعية”، والتي تتحرّك وِفق أجندة خارجية واضحة، إلى جانب تيار قوي من حزب البعث ومخابرات النظام السابق، ممَّـن تحالف مع التكفيريين.

بعض القوى السياسية العِـلمانية والدِّينية، خارج السلطة الحالية في العراق أو داخلها، تبدو متورِّطة في إثارة الصِّـراع الطائفي من أجل الاستحواذ على مقوِّمات السّـلطة والنفوذ، وفي إطار التنافس الحادّ على السلطة.

أيُّ حرب أهلية؟ّ

سيناريو الحرب الأهلية في العراق يبدأ من إسقاط حكومة الأغلبية الشيعية الراهنة في بغداد، وذلك يتحقّـق بعد أن تتعرّض المقاسات الشيعية الكُـبرى إلى انتهاكات مباشرة من مثيري الفتنة، أكبر ممّا حصَـل في سامراء، ويمكننا أن نتوقع حينها أن يتفكّـك العراق إلى ثلاث حكومات فدرالية: في كردستان شمالا، والوسط السُـني، والجنوب الشيعي، وأن يُـعلن عن تقسيم بغداد إلى بلدات سُـنية وشيعية، بما يضع العراق وجها لوجه أمام حرب طائفية شاملة.

في كردستان، ذهب الأكراد إلى أبعد من الفدرالية وأعلنوا أكثر من مرّة أنهم سينفصِـلون إذا اندلعت الحرب الطائفية في باقي المناطق، وكأن الأمر لا يعنيهم البتّـة، وهم بدأوا مقدّمات انفصالهم بإزالة العلم العراقي والاكتفاء بعلم خاص بالإقليم، بما يشجّـع الشيعة إلى السّـير خلف التجربة الكردية بلافتة فدرالية الوسط (الشيعي) والجنوب!

وستحصل دويلات الطوائف على دعم إقليمي في ظل سباق تسلح محموم وزيادة حدّة التوترات بين دول المنطقة المحيطة بالعراق تحت مظلّـة دولية تقودُها الولايات المتحدة.

إن أي حرب أهلية في العراق ستكون لها تداعيات إقليمية تؤثر سلبا على استقرار دول الجوار، التي ستُـواجه العديد منها موجات من الهجرة العراقية وستحرك العنف الطائفي فيها، خاصة الدول ذات الكثافة المذهبية، بحسب بارومتر دويلات الطوائف المقبل، وسيحوّل عدم الاستقرار بُـلدان المِـنطقة إلى حاضنة لتمرير السلاح والمقاتلين وسيزيد من حجم التّـواجد العسكري الأجنبي (الأمريكي والبريطاني) في المنطقة، في كركوك شمالا، والبصرة وباقي الحقول في المدن المحاذية جنوبا، لضمان استمرار تدفّـق النفط العراقي، إذ تشير تقديرات أولية إلى أن إقليم النفط الشيعي مستعد لإغراق السوق النفطية بكميات كبيرة .. وهو المطلوب!


كما أن اندلاع هكذا حرب، سيفتح شهية الجيش التركي إلى التدخل في بعض المناطق الكردية وإقامة مناطق عازلة في العُـمق الكردستاني، والانتشار على طول الحدود مع كردستان العراق تحت مظلة أمريكية وحتى أوروبية. وسيحرض ذلك القوات الإيرانية على التّـواجد في مناطق مُـشابهة في كردستان والمكوث أيضا قُـرب البصرة والعمّـارة، الأمر الذي يفسّـر إخلاء القوات البريطانية لإحدى أهم قواعدها في العمّـارة والتحرّك صَـوْب الحدود مع إيران وانتشار قوات أمريكية في ثلاث مناطق حدودية محاذية لإيران.. بمحاذاة إقليم خوزستان الإيراني، الذي تقطنه أغلبية عربية، ويشهد اضطرابات قومية.

السؤال الذي طرحناه بداية، يمكن الإجابة عليه بـ “لعم”، أي لا ونعم.

الخطة باء

لكي يتم تطبيق سيناريو الحرب الأهلية، فإن التسريبات هذه الأيام تتحدث عن الخطة باء، الموجودة حاليا في الأدراج الأمريكية، وهي بانتظار فشل متعمّـد لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، وبالتالي، إسقاطه بعد أن تلقّـى هذا الأخير تحذيرات مُـباشرة من السفير زلماي خليل زادة، من أن المُـهلة التي أعْـطت له حتى نوفمبر موعد الانتخابات التكميلية للكونغرس، توشك على الانتهاء، لبَـسط الأمن وحلّ الميليشيات “الشيعية”، وتحقيق المُـصالحة بالمقاسات الأمريكية، التي تميل هذه الأيام إلى عودة البعثيين، والموازنة السُـنية للشيعة، إذ تلحّ الإدارة الأمريكية على أهمية تحسين موقفها لكي لا تعلن فشل مشروعها في العراق، ولابدّ هنا من ضحية، وهي حكومة المالكي الذي سارع إلى الاستنجاد بالمرجعية العليا للشيعة وكسب تأييدها، خصوصا في مسألة حل المليشيات أو أن يُـواجه ما يمكن تسميته باستحقاق النموذج التركي.

باختصار، العراق مُـقبل على حرب أهلية بكل المقاييس، إذا لم يتدارك العراقيون أنفسهم المأزق الذي وضَـعوا أنفسهم فيه، سواء المُـنسجمون مع المشروع الأمريكي لغاية في نفس يعقوب أو أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم “أم الولد” ويُقصِّـرون تحركهم على حسابات طائفية وقومية أو حزبية، مهما كانت معاذيرهم.

نجاح محمد علي – دبي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية