حرب الاستنزاف الفلسطينية
ثمة حرب فلسطينية دائرة، مسرحها الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتردد صداها في منافي الشتات الفلسطيني، هي الاسم الآخر لصراع القوة بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وفي واقع الأمر، هذه “الحرب” اندلعت شرارتها في 25 يناير الماضي، مع الانتصار الساحق الذي حققته حركة حماس الإسلامية في الانتخابات التشريعية.
ثمة حرب فلسطينية دائرة، مسرحها الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتردد صداها في منافي الشتات الفلسطيني، هي الاسم الآخر لصراع القوة بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وهذه حرب يتوجّـب الإشارة إلى أن شرارتها اندلعت في 25 يناير الماضي، مع الانتصار الذي حققته حركة حماس الإسلامية في الانتخابات التشريعية، ومن ثم تشكيلها للحكومة الحالية التي مازالت تواجه الحصار، وخطر الاندثار.
وفي حين لم ترق النتائج الجديدة لحركة فتح، التي ظلت تهيمن على دفة القيادة الفلسطينية لنحو أربعين عاما، فإن حماس الفتية، وحديثة العهد بالسلطة، سرعان ما انجرت إلى المواجهة تحت طائلة الضغوطات والخوف من الفشل.
من الخلافات إلى الإقتتال
ما كادت حكومة حماس تباشر عملها، حتى توجب عليها مواجهة سلسلة من المطالب والشروط المتعلقة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الدولية التي وقعتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. لكن الحكومة الفتية، لم تكن مهيأة ولا مستعدة. كان في الحكومة الجديدة أشياء قديمة كثيرة من معارضة وتوجّـهات سياسية، وكان فيها الكثير من حماس والقليل من حكومة الجميع وأدوات المسؤولية.
ولعل فتح، الواقعة تحت تأثير الهزيمة غير المسبوقة والقلقة المتعطشة لاستردادها، قد أدركت مكان الحلقة الضعيفة لدى حماس، وقرّرت خوض مواجهة، بدت عندها وتبدو الآن أكثر، أنها كانت مواجهة غير محسوبة على الإطلاق.
وقد أكد مسؤولون وأعضاء في فتح في لقاءات، معلنة ومغلقة، أن حماس لن تصمُـد أكثر من ثلاثة أشهر إمام ضغوط الحصار، وأمام المسؤولية التي تفرضها شروط القيادة والحكومة، بل أن قياديين بارزين في حركة فتح كتبوا بأقلامهم أن حماس لا تملك “مقوّمات” السلطة.
وعلى مدار أكثر من شهرين، منذ تولي حماس الحكومة في 28 مارس الماضي، راحت كل من فتح وحماس تستدعي الأدوات والوسائل المتوفرة والمتاحة من أجل إثبات عجز وإخفاق كل طرف للآخر.
وإمام تأكيد الحصار الإسرائيلي والدولي، وفشل كل من الرئاسة والحكومة في إيجاد وسيلة للالتفاف على الحصار، قرّر الطرفان الجلوس إلى ما اصطلح عليه الحوار الوطني الفلسطيني.
ولم تفلح عشرات الساعات من جلسات الحوار، واللقاءات المعلنة والسرية، وجهود الوساطة المختلفة، في منع تحوّل خلافات الطرفين إلى أشكال مختلفة من الاقتتال والمواجهة الحقيقية على الأرض.
وفي حين ظل كل طرف يُـصر على أن القاموس الفلسطيني لا يعرف مصطلح الحرب الأهلية والفتنة، كان قتلى فلسطينيون يتساقطون برصاص فلسطيني، وكان أفراد الأمن ومجموعات تُـهاجم مقري مجلس الوزراء والمجلس التشريعي في رام الله، ومقر جهاز الأمن الوقائي في رفح بقطاع غزة.
البحث عن مخرج للخلاف
لا يتوانى متحدثو الطرفين، من حماس وفتح، على تقديم خلافهما من خلال مصطلحات مختلفة، عامة وغامضة، يحار الجمهور في تفسيرها وضبط معانيها ومقاصدها، وبالتالي، عدم إدراك المقصود منها.
وإذ يحلو لفتح تفسير الأزمة على أنها “محاولة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني وتدمير منجزات وتضحيات الشعب على مر عقود”، تعمد حماس إلى القول أن السلطة، وهي التسمية الشعبية لفتح، “تريد التنازل عن الثوابت وتسعى إلى شق الوحدة الفلسطينية وإلغاء خيار الديمقراطية”.
وعندما طُـرحت وثيقة الأسرى حول الوفاق الوطني للبحث على طاولة الحوار الوطني، سارع كل طرف إلى تقديمها بشكل مختلف. وفي حين قدّمتها فتح على أنها “قران” لا يجوز الطعن فيها ويتوجّـب الاحتكام إليه، قالت حماس إنها خاضعة للنقاش، بل أن حماس سعت سعيا حثيثا لإثبات أن وثيقة الأسرى، التي تحمل توقيع أحد القادة الإسلاميين الرئيسيين، لا تمثل رأي الأسرى، وأن إجراء استفتاء شعبي على الوثيقة، هو بمثابة “انقلاب على إرادة الشعب”.
وفي غضون ذلك، كانت كل من فتح وحماس، وفي مواقع مختلفة، لاسيما في قطاع غزة، حيث قوة السلاح، تعملان بكل جهد على تقديم الآخر على أنه السبب الرئيسي في تفاقم الأوضاع الأمنية.
لكن بعيدا عن هذه الأجواء، واصل ممثلو الطرفين في بحث صيّـغ مختلفة لإمكانية التوصل إلى “تسوية” قبل موعد الاستفتاء المقرر في 26 يوليو القادم. وقد أكد أكثر من مشارك في هذه الحوارات، أن ثمة صيّـغ مختلفة قد عُـرضت للخروج بحل.
وقال مسؤول رفيع في حماس لسويس انفو إن “حماس تقدمت بصيغة جديدة حول نقطة الخلاف الأساسية، وهي مسألة البرنامج السياسي الموحّـد الذي تدعو إليه وثيقة الأسرى”، دون أن يتحدث عن تفاصيل الصيغة.
لكن المسؤول توقع تحقيق انفراج مع بداية الأسبوع قبل الأخير في شهر حزيران الجاري، وهو موعد انطلاق جلسة الحوار الخاص بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، المتوقع انعقادها في إحدى العواصم العربية.
وفي موازاة ذلك، أعلن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسر عبد ربه، أنه يجري بحث اقتراح بتشكيل حكومة وحدة وطنية تقودها شخصية مستقلة لمدة عامين، على أن ينصب عملها على الشؤون الداخلية، حيث تترك مهمة الشؤون الخارجية والسياسية لرئاسة السلطة ومنظمة التحرير.
وأكد عبد ربه أنه سيجري في غضون ذلك، العمل على تسريع الحوار لتفعيل منظمة التحرير والتوصل إلى حلول مؤقتة لإشراك حركتي حماس والجهاد الإسلامي في مؤسسات المنظمة، عن طريق إدخال مندوبين عن الحركتين إلى اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي.
يبدو اقتراح عبد ربه مؤهلا لأن يدخل خانة التسوية التي تبحث عنها فتح وحماس، ويبدو أنه من الممكن التوصل إلى تسوية، لكن في انتظار تحقيق ذلك، تكون حرب الاستنزاف الفلسطينية قد أخذت مداها وأسفرت عن ضعف داخلي جديد.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.