حصيلة ثـرية ومُشجعة لـزيارة تاريخية
احتفلت الحكومة الكويتية يوم 3 أبريل بزيارة أول وزير فدرالي سويسري لها، بحلول وزير الاقتصاد جوزيف دايس ضيفا على الدولة.
ورغم تاريخية الزيارة، إلا أنها لم تستغرق سوى يوم واحد مكثف باللقاءات مع كبار رجال الدولة، أسفر عن الإعلان عن قرار الحكومة الكويتية بفتح سفارة لها في برن وترحيب غير مسبوق بالاقتصاد السويسري.
أعلن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت يوم الإثنين 3 أبريل، أن بلاده قررت افتتاح سفارة لها في العاصمة السويسرية برن، وذلك “لتعزيز العلاقات بين الدولتين بشكل أكبر مما هي عليه الآن، ولتصبح لبنة أولى للمزيد من الثقة بين الطرفين”. وأضاف الأمير أن لسويسرا مكانة متميزة لدى الكويتيين، كوجهة سياحية إلى جانب ما لها من صيت طيب في مجالات مختلفة.
ومثلما رحب الأمير الكويتي بالاستثمارات السويسرية في بلاده، طالب أيضا بأن تكون هناك مجالات مماثلة للاقتصاد الكويتي في الكنفدرالية، وأن يتحرك رجال الأعمال من البلدين في هذا الاتجاه المزدوج الاتجاه، حسب قوله.
من ناحيته، قال السيد دايس بأن هذه الحفاوة التي قوبل لها من أمير الكويت، يجب أن تدعمها علاقات اقتصادية ودبلوماسية على مستوى أفضل مما هي عليه الآن، ويجب تشجيع الطرفين على توطيد المباحثات في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك.
كما رحب ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بالسيد دايس ورئيس الوفد الاقتصادي المرافق له، مؤكدا على وجود رغبة كويتية في أن تسير العلاقات الاقتصادية بين البلدين بوتيرة أسرع من تلك التي هي عليها الآن.
أما اللقاء مع رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح فكان ثريا بالحوار في موضوعات متعددة، تناولت المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم، ولكنه أكد في أكثر من موضع على الانفتاح الاقتصادي في كافة المجالات، وهو ما يعكس الشعور بالاستقرار والأمن.
وقال الصباح الذي يعرف سويسرا جيدا – بحكم دراسته فيها وعمله كأول قنصل عام لبلاده في جنيف – بأن الكويت ترحب بالإهتمام السويسري ببلده، إذ كانت أول عبارة قالها للوزير دايس “لقد تأخر حضوركم طويلا”.
ولكن الشيخ ناصر الصباح أكد لسويس انفو على أن افتتاح السفارة الكويتية في برن ورفع شرط حصول تأشيرة دخول مسبقة للمواطنين السويسريين هو من دلائل رغبة الكويت في تشجيع الاستثمارات السويسرية على الحضور إلى البلاد، مشيرا في الوقت نفسه إلى الدور الذي وصفه بالإنساني “الذي ساندت فيه سويسرا بلاده إبان فترة الغزو العراقي (1990 – 1991) المؤلمة، وأن الكويت لا تنسى من ساندوها في تلك المحنة”.
ولكنه لم ير أن الإعلان عن إفتتاح السفارة الآن جاء متأخرا، بل كان في توقيته، ولكنه سيكون بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين على الجانب السياسي.
“التشابه بين البلدين يسهل التعاون بينهما”
في الوقت نفسه، رأى وزير التجارة والصناعة الكويتي يوسف سيد حسن الزلزلة، في حديثه مع سويس انفو بأن “العلاقات الكويتية السويسرية رائعة منذ فترة طويلة، وهناك تشابه واضح بين الدولتين، مما يجعل الحوار قريبا، ونحن ننظر إلى سويسرا كقلب أوروبا وتعاملنا معها ينطلق إلى سائر دول أوروبا، وهذه الزيارة كانت يجب أن تكون قبل ذلك بفترة لأنه ينبغي أن نجسد أواصر العلاقات، ليس فقط على مستوى الإنساني والتجاري. وأعتقد أن وجود الوزير سيدفع في اتجاه المزيد من الترابط السياسي، والتبادل التجاري الذي نطمح أن يكون على مستوى أكبر وأفضل، وتجربنا مع الشركات السويسرية رائعة وناجحة ومزيد من التعاون سيفتح الأبواب على مصراعيها”.
وأضاف الوزير بأنه درس مع السيد دايس الاتفاقيات التجارية التي يمكن إبرامها بين البلدين من ناحية، وبين الكويت وبقية الدول الأوروبية من ناحية أخرى. واستعرض السويسريون المجالات التي يمكن للشركات السويسرية أن تساهم فيها، سواء في الصناعات النفطية أو التعاملات المالية والبنكية. وأعرب الوزير عن اعتقاده بأن خبرة البنوك السويسرية في هذا القطاع ستفتح لها باب الترحيب في البلاد.
شرح التجربة السويسرية في الإصلاحات الإقتصادية
وكان لقاء الوفد السويسري مع غرفة تجارة وصناعة الكويت فرصة طيبة ليتعرف كل طرف على ما يمكن تقديمه للآخر أو المجالات التي يمكن التعاون فيها بشكل مشترك. وقد أوضح الجانب الكويتي مدى إعجابه بالنظام المصرفي السويسري وقطاع الخدمات المتعلق به.
ودعا رجال الأعمال الكويتيون الجانب السويسري إلى التعرف بالتفصيل على المشروعات المطروحة في الكويت في مجالات التشييد والبناء في البنية التحتية والطاقة والمياه.
وفي هذا السياق، أشار السيد محمد الثنيان الغانم، رئيس الغرفة التجارية، إلى أن الكويت تتجه نحو أجواء اقتصادية جديدة تتخلص من أعباء البيروقراطية وتفتح الأبواب أمام الشركات والمستثمرين الأجانب، بسهولة أيسر مما كانت عليه من قبل.
من جانبه، قال السيد دايس معقبا بأن حجم التعاملات الاقتصادية الحالية بين البلدين لا يتناسب مع طموحات الجانبين والإمكانيات المتاحة بينهما، مشيرا إلى اهتمام الوفد السويسري بمشروعات في مجالات الطاقة والتجارة العامة والاتصالات والتقنيات الدقيقة.
كما شرح الوزير السويسري تجربة بلاده في مجال الإصلاحات الاقتصادية ودعم برامج البحث العلمي وتنمية الابتكارات، ومساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة على فتح آفاق عمل جديدة ومتعددة.
واتفق الجانبان السويسري والكويتي على أن هناك قواسم مشتركة بين البلدين، فهما يسعيان لإبرام اتفاقيات تجارية ثنائية مع دول مختلفة، ولديهما قدرات استثمارية كبيرة، وهو ما يسمح حسب رأي الجانبين بأن تكون المفاوضات بينهما، سواء بشكل ثنائي أو من خلال مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة، تسير في نفس الاتجاه، أي الثقة المتبادلة ورعاية مصالح الآخرين من خلال التوصل إلى حلول وسط.
اهتمام اقتصادي متبادل يتطلب خطوات عملية
وفي رده على سؤال لسويس أنفو حول انعكاسات توطيد العلاقات الاقتصادية مع الكويت على محاولات سويسرا دخول السوق العراقية، قال السيد دايس بأنه من المبكر الحكم على هذا الشيء (ولئن كان رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح قد أكد على أن هناك إمكانية لذلك بما أن الكويت ترى في نفسها بالفعل منفذا للتعامل الاقتصادي مع العراق). ولكن هذا أيضا يعتمد، حسب الوزير، على الأوضاع واستقرارها هناك وكيف سيكون المسار السياسي.
وأضاف السيد دايس أن الشركات السويسرية تتعامل بالفعل مع السوق العراقية انطلاقا من الأردن. ومع ذلك، سيسمح التواجد الاقتصادي السويسري القوي في الكويت بالدخول في مجالات أخرى، أو أن يستكمل التعاون مع الأردن لتغطية السوق العراقية.
وتابع قائلا: “لسويسرا علاقات جيدة مع الأردن والكويت، والعراق سوق هامة لنا، ويمكن القول بأننا نتعامل مع شركائنا في البلدين فيما يتعلق بالسوق العراقية بإستراتيجية مختلفة.”
وأكد السيد دايس على أن الاهتمام بالوفد السويسري كان لافتا للنظر ويدعو بالفعل للعمل بشكل جدي للتعامل مع الجانب الكويتي، حسب توقعاته، لاسيما وأن هناك حضور جيد للمؤسسات البنكية السويسرية وشركات أخرى.
من ناحية أخرى، يرى الجانب السويسري أن الاهتمام الكويتي بالاستثمار في الكنفدرالية، لاسيما في مجال العقارات، يجب دراسته بعناية.
وأعرب السيد دايس عن اعتقاده أن وضع الكويت مثير للاهتمام، إذ أنها بلاد تأوي ثلاثة ملايين نسمة ثلثان منهم أجانب، وتتوفر على ثروات نفطية بقدر يجعلها تقف في مصاف الدول الأولى في العالم. وفي نفس الوقت، تتميز بموقع استراتيجي حساس وهام في المنطقة بحيث تقع على رأس الخليج، ويتواجد العراق في شمالها وإيران في شرقها. وهي عوامل تدعو، حسب الوزير السويسري، إلى الجدية في التعامل الاقتصادي والتجاري مع الكويت.
ويتوقع السيد دايس أن ترتفع وتيرة زيارات رجال الأعمال بين الطرفين في المرحلة المقبلة، فالساسة أدوا ما عليهم، والبقية على رجال الاقتصاد، في رأي السيد الوزير.
“لم أكن أتوقع أن لسويسرا هذا العدد الكبير من الأصدقاء في الكويت”. جملة قالها جوزيف دايس بتأثر وهو يختتم لقائه مع وزراء الخارجية والمالية والصناعة والتجارة، ومن قبلهم حوارا مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ثم ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
وإذا كان الإعلان عن افتتاح السفارة الكويتية في برن ردا على زيارة دايس التاريخية للكويت، فإن تبادل الاهتمامات الاقتصادية القوي والرغبة العارمة في ترجمة ذلك إلى خطوات عملية، لا تقل أهمية عن الحدثين السابقين.
وقد يقفز ترتيب الكويت في جدول المبادلات التجارية بين سويسرا ودول الشرق الأوسط درجات كبيرة في السنوات القليلة المقبلة.
سويس انفو – تامر أبوالعينين – الكويت
إلتقى وزير الإقتصاد السويسري جوزيف دايس بأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وولي العهد نواف الأحمد الصباح، ثم رئيس الوزراء ناصر محمد الأحمد الصباح.
كما التقى الوزير رفقة الوفد المرافق له وزير المالية بدر الحميضي، ووزير التجارة والصناعة د. يوسف الزلزلة، وأعضاء غرفة التجارة والصناعة الكويتية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.