حظر حزب العدالة والتنمية بين تأكيدات الداخل وضغوطات الخارج
تُثبت تركيا مع كل يوم يمر أن الصراع القائم بين القوى العلمانية المتشددة والقوى التي تحمل مشروع حزب العدالة والتنمية لن يشهد نهاية له لا سريعة ولا ديموقراطية.
ففي بلد تُرفع دعوى لحظر الحزب الحاكم فيه بعد انقضاء بضعة أشهر فقط على حيازته 47 في المائة من أصوات الناخبين و60 في المائة من مقاعد البرلمان في انتخابات نزيهة هو بلد يمكن أن يحدث فيه “أي شيء”.
وفي بلد يطلق عسكريوه يوميا تصريحات سياسية حادة ليس مفاجئا أن يوصف ببلد الديموقراطية العسكرية.
وفي بلد انضم فيه القضاء علنا إلى الفرقاء الذين يُدلون ببيانات سياسية، يمكن للمرء أن يدرك أي قدر من النزاهة والحيادية يمكن ان يتمتع بها مثل هذا القضاء.
هذه هي تركيا اليوم. صراع بين قوى الحفاظ على الأمر الواقع المستمر منذ عقود وبين قوى تحمل لواء التغيير.
واذا كانت الجذور الاسلامية لحزب العدالة والتنمية أعطت الصراع الدائر حاليا طابع الصراع بين العلمانييين والاسلاميين فالمهم هنا الاشارة إلى أن قوى الأمر الواقع تقاوم التغيير من أية جهة أتى ولو كانت علمانية.
فقيادة الاسلامين لمشروع حزب العدالة والتنمية لم يلغ واقع أن هذا المشروع كان المشروع التغييري الوحيد الحقيقي في تركيا منذ بداية الجمهورية في عام 1923. وهو المشروع الذي حمل خلال ثلاث سنوات فقط تركيا إلى أن تبدأ مفاوضات العضوية مع المشروع الأكثر معاصرة أي مع الاتحاد الأوروبي في وقت فشل العلمانيون رغم مرور اربعين عاما على بروتوكول انقرة مع المجموعة الأوروبية في التقدم بوصة واحدة إلى ألمام على هذا المسار.
لذا لم يكن مستغربا أن تبادر القوى المتشددة في تركيا إلى محاولة عرقلة تقدم المشروع التغييري كلما سنحت لها الفرصة.
احتمالات وتوقعات
وعلى هذا كان “الانذار الالكتروني” للجيش التركي في 27 أبريل 2007 لمنع وصول عبدالله غول إلى رئاسة الجمهورية. وكان الرد انتصارا كاسحا في الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في 22 يوليو 2007 التي أكدت استمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة وانتخاب عبدالله غول رئيسا للجمهورية.
ومن بعد ذلك كانت الدعوى التي قيل الكثير عنها لكن أحدا لم يكن يصدّق أن تلجأ اليها القوى التي أصبحت تُوصف بـ “المقاومة للتغيير” وهي دفع القضاء إلى التقدم بدعوى الى المحكمة الدستورية وطلب حظر حزب العدالة والتنمية في 14 مارس 2008. ومنذ ذلك التاريخ ومصير تركيا بين أيدي احد عشر قاضيا هم اعضاء المحكمة الدستورية.
ومنذ رفع الدعوى تركزت الانظار ولا تزال على طبيعة رد حزب العدالة والتنمية. وبعدما انتشرت اخبار عن عزم الحزب القيام بتعديل دستوري محدود أو شامل في البرلمان ينقذ الحزب من الحظر يبدو أن “العدالة والتنمية” تراجع عن ذلك بعد عدم تجاوب الأحزاب الأخرى في البرلمان والتي هو بحاجة إليها لتأمين اكثرية الثلثين. كذلك تخلى الحزب عن الذهاب الى استفتاء شعبي للغرض نفسه بسبب تهديد الجيش بالقيام بانقلاب لأنه سيعتبر الخطوة “استفتاء على العلمانية” وهو أمر “غير جائز” في بلد علماني.
إذن رضخ حزب العدالة والتنمية للمسار القانوني للقضية. تبعا لذلك تكثر التفسيرات والاحتمالات لما سيؤول اليه قرار المحكمة الدستورية.
ومن خلال السوابق المسجلة في تركيا، نجد أنه لم يحصل ان نفد حزب اسلامي بجلده من أي دعوى قضائية رفعت عليه لحظره، وعليه فالمتوقع أن تصدر المحكمة قرارا بحظر الحزب ومنع سبعين من قادته ممارسة العمل السياسي لفترات متفاوتة تصل إلى مدة خمس سنوات. ومن بين هؤلاء رئيس الحزب والحكومة رجب طيب اردوغان ورئيس الجمهورية نفسه عبدالله غول.
وهنا فإن مسألة عبدالله غول مختلفة بعض الشيء. فرئيس الجمهورية لا يحاكم ولا يمنع من العمل السياسي الا بموجب تهمة الخيانة العظمى. لذا فمهما يكن قرار المحكمة الدستورية بحقه فإن غول سيستمر رئيسا إلى حين انتهاء ولايته المحددة بسبع سنوات. لكن بعض المتابعين يرون أنه رغم هذا الوضع فإن مجرد صدور حكم بحق عبدالله غول سيشكل عامل ضغط اخلاقي عليه كونه عضوا سابقا في حزب العدالة والتنمية وبالتالي قد تشتد الضغوط عليه للتنحي عن منصبه.
الضغوط الخارجية هل تنفع؟
أما بالنسبة لرجب طيب أردوغان فإن الاحتمالات متعددة. أولها تأسيس حزب بديل عن حزب العدالة والتنمية يترأسه ويضم نواب حزب العدالة والتنمية الذين لم يشملهم الحظر وهم يشكلون أكثر من نصف عدد نواب البرلمان، وبالتالي يستطيعون تشكيل حكومة جديدة برئاسة أحدهم فيما يُدير أردوغان الحزب والحكومة من وراء الستار وهو أسلوب غالبا ما اتبعه نجم الدين اربكان (الأب الروحي لأردوغان ومؤسس عدة أحزاب إسلامية حظرها القضاء تاليا) في السابق.
وهناك من يقول إن الحكومة الجديدة ستذهب إلى انتخابات مبكرة أو فرعية بحيث يتاح لأردوغان الترشح بصفة مستقل وهو ما يتيحه له القانون الحالي وبعدها يكلّفه رئيس الجمهورية تأليف حكومة جديدة إذا طلب الحزب الحاكم التابع له ذلك ويعود أردوغان بالتالي الى الحلبة السياسية من موقع رئيس الحكومة ولو بصفة مستقل.
وهناك من يزعم أن الحكومة المقبلة ستسعى الى إقرار تعديلات دستورية تبطل أو توقف استمرار الاحكام القانونية بحق اردوغان والقادة الاخرين ويعود اردوغان رئيسا للحزب الذي سيخلف حزب العدالة والتنمية ولو بعد مدة من الزمن.
تدخل هذه السيناريوهات حيز التطبيق في حال كان قرار المحكمة الدستورية حظر الحزب وهو ما بدأت وسائل الاعلام التمهيد النفسي له من خلال تسريبات تقول إن قرار المحكمة سيكون حتما الحظر. والأدهى أن أوساطا داخل حزب العدالة والتنمية أضحت تعيش هذا المناخ لا سيما بعد نسبة اقوال بهذا الخصوص لوزير في الحكومة لم يكشف عن اسمه إلى صحيفة ميللييت اليومية كما الى وكالة رويترز للأنباء.
وما يفاقم من هذا الاحتمال صدور ما يشبه الانذار من هيئة الرؤساء القضائية التي اتهمت حزب العدالة والتنمية بالسعي لوضع القضاء تحت سيطرته وإلى تسريعه عملية التعديل الدستوري حول الحجاب في البرلمان، وقد استخدمت الهيئة عبارات حادة ضد مشروع حزب العدالة والتنمية ما اعتبر ضغطا على المحكمة الدستورية لإصدار قرار بحظر الحزب.
ومن الآن وإلى صدور قرار المحكمة المتوقع في الصيف المقبل لم يبق أمام حزب العدالة والتنمية سوى الرهان على ضغوطات خارجية أوروبية وأمريكية لمنع حظر الحزب نظرا لتداعياته الكارثية على الاستقرار في تركيا وعلى وضعها الاقتصادي.
ورغم أن الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل بدأت منذ مطلع العام 2007 غير أن الكشف عنها قبل حوالي الشهر فقط والكشف قبل أيام قليلة عن حصول “تقدم مُهمّ” فيها عبر اجتماعات غير مباشرة في اسطنبول، قد يوظفه حزب العدالة والتنمية لمنع اغلاقه حتى لا تنهار الوساطة التركية في حال حظر الحزب خصوصا أن اردوغان نفسه هو الذي يتولى هذه الوساطة عبر كبير مستشاريه أحمد داوود أوغلو.
وكيفما تطورت الأمور فإن ما تشهده تركيا من مخاض يؤكد أنها لا تزال تحتاج الى عمليات جراحية متعددة وكلها خطرة قبل أن تعرف ديموقراطية حقيقية تُمارس خارج مرمى تهديدات العسكر وإنذارات القضاء.
د. محمد نور الدين – بيروت
أنقرة (رويترز) – قال أعضاء بارزون في حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا إن الحزب بدأ يتوقع أن المحكمة الدستورية ستقوم باغلاقه خلال الاشهر القليلة المقبلة وتحظر على رئيس الوزراء ممارسة العمل السياسى وانه يبحث الان عن طريقة للاحتفاظ بالسلطة.
ودخلت تركيا فى مأزق سياسى فى مارس اذار الماضى عندما قبلت المحكمة الدستورية دعوى رفعها كبير ممثلي الادعاء في محكمة الاستئناف الذى يسعى لاغلاق حزب العدالة والتنمية.
كما يريد كبير ممثلي الادعاء حظر عمل 71 من أعضاء الحزب في السياسة ومنهم الرئيس عبد الله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان فيما يتعلق باتهامات بانتهاك دستور تركيا العلماني من خلال دعمهم لانشطة اسلامية.
وبعد أسابيع من التصريحات المتفائلة يعتقد حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الاسلامية الان أن فرصه فى البقاء ضعيفة وبدأ التخطيط لكيفية العودة الى السلطة كحركة جديدة.
وقال أحد وزراء الحكومة الذى طلب عدم ذكر اسمه لرويترز “سيتم اغلاق حزب العدالة والتنمية ويتوقع فرض حظر على أردوغان وبعض أعضاء الحزب أيضا. هذه وجهة نظر مشتركة بين كثيرين فى الحكومة”.
واتفق عضو بارز اخر في الحزب معه في الرأى مضيفا أن هناك احتمالا كبيرا بان يتم ايضا حظر انتماء جول الذى انتخبه البرلمان العام الماضى رئيسا لاى حزب سياسى لمدة خمسة أعوام. وأي حظر سيطبق بعد انتهاء ولايته.
وقال العضو البارز في حزب العدالة والتنمية الذى طلب عدم ذكر اسمه لرويترز “اننى قلق للغاية على مستقبل تركيا لكن مصيرنا فى أيدى هيئة المحكمة المكونة من 11 قاضيا ولا يمكننا سوى أن نتوقع ما سيقررونه. الحالة المعنوية متدنية جدا فى الحزب”.
ولم تدل المحكمة بأي تعليق بخلاف انتقاد اولئك الذين حاولوا ممارسة ضغوط على القضاة.
وانتقد الاتحاد الاوروبي الذى تريد تركيا الانضمام لعضويته الدعوى القضائية قائلا إن نوعية الاتهامات التى أثارها كبير ممثلي الادعاء يجب مناقشتها فى البرلمان والبت فيها من خلال صناديق الاقتراع وليس من خلال المحكمة.
وتضررت الاسواق المالية التركية مع توقع المحللين شهورا من عدم الاستقرار وتهديدا يكتنف الاصلاحات السياسية والاقتصادية.
وقال عضو بارز بحزب العدالة والتنمية إن المحكمة الدستورية التى ترى ان من واجبها الدفاع عن المباديء العلمانية للجمهورية قد تبت في الدعوى ربما بحلول يوليو تموز.
وقال عضو بارز بالحزب “سنشكل عندئذ حزبا جديدا”.
وينفي حزب العدالة والتنمية بشدة تلك الاتهامات ويقول إنها ذات دوافع سياسية.
وكانت تركيا حظرت أكثر من 20 حزبا سياسيا بسبب أنشطة اسلامية أو كردية انفصالية ومنها سلف حزب العدالة والتنمية في عام 2001.
وأمام حزب العدالة والتنمية وقادته عدد من الاحتمالات حال جاء قرار المحكمة ضده.
وقالت مصادر من حزب العدالة والتنمية إن المسؤولين التنفيذيين بالحزب يعكفون حاليا على انشاء حزب سياسى جديد.
وإذا فرض حظر على اردوغان وعدد كبير من أعضاء الحزب في البرلمان فانه سيتم على الارجح اجراء انتخابات برلمانية جديدة. وقالت المصادر إن النواب ومنهم اردوغان سيخوضون حينئذ الانتخابات كمرشحين مستقلين وبمجرد انتخابهم سيشكلون حزبا جديدا يحمل اسما اخر.
ويقول بعض الخبراء القانونيين إن اردوغان ربما يتمكن من أن يصبح رئيسا للوزراء فى ظل الحزب الجديد. واذا لم يستطع فسيحاول السياسى الذي يحظى بشعبية ادارة الحزب من وراء الكواليس.
وقال العضو البارز في حزب العدالة والتنمية “إذا لم يستطع اردوغان أن يكون زعيم الحزب الجديد فسنكون فى خطر لاننا فى الوقت الحالى ليس لدينا بالفعل رجل ثان قوي لادارته (الحزب)”.
ويبدو أن الدعوى هي الفرصة الاخيرة للمؤسسة العلمانية لوقف مسيرة ثابتة لحزب العدالة والتنمية وقادته للسيطرة على مؤسسات الدولة الرئيسية.
وينظر الى قرار الحزب الحاكم بالغاء حظر على ارتداء الطالبات للحجاب في الجامعات باعتباره القوة الدافعة وراء الدعوى التي تطالب باغلاقه والمليئة صحيفة اتهاماتها باشارات الى مسألة الحجاب.
وترى المؤسسة العلمانية فى تركيا أن الحجاب رمز للاسلام السياسى. ورغم أن تركيا ذات أغلبية مسلمة الا أنه تأسست كدولة علمانية فى عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك وترى نخبة من أصحاب النفوذ في الجيش والقضاء والجامعات أنهم حماة العلمانية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 مايو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.