حكومة وطنية .. ومعادلات سياسية جديدة
أخيرا، وبعد مخاض طويل، تجاوزت المواعيد المنصوص عليها في اتفاق السلام، إلتَـأم شمل أول حكومة وحدة وطنية شاركت فيها قوى سياسية عدة.
ومع تشكيل الحكومة، اقترب موعد تطبيق وتشكيل الأطر الدستورية التي تشكل أعمدة النظام السياسي السوداني الجديد في فترته الانتقالية.
أخيرا، وبعد مخاض طويل، تجاوزت المواعيد المنصوص عليها في اتفاق السلام، إلتَـأم شمل أول حكومة وحدة وطنية شاركت فيها قوى سياسية عدة، واقترب معها تطبيق وتشكيل الأطر الدستورية التي تشكل أعمدة النظام السياسي السوداني الجديد في فترته الانتقالية، كمفوضية الدستور التي انتهت من وضع الدستور الانتقالي قبل شهرين، والبرلمان الاتحادي، وبرلمان الجنوب، ولم يبق سوى تشكيل المحكمة الدستورية العليا، والتي يُـفترض أنها في طريق التشكيل النهائي، وقانون بنك السودان ولجنة الخدمة القضائية.
ومع التشكيل الحكومي غير المسبوق في التاريخ السوداني، تتبلور المعادلات السياسية للفترة الانتقالية. فهناك من شارك في السلطة التنفيذية، كالاتحادي الديمقراطي المسجل، والأمة الفيدرالي، والأمة والإصلاح والتجديد، والأمة – القيادة الجماعية، والإخوان المسلمين وجماعة أنصار السُـنة، وجبهة الإنقاذ الديمقراطية، ويوساب وسانو. وهناك من أصرّ على موقف المعارضة، مثل حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي، والحزب الشيوعي.
الحزب الاتحادي والتمثيل غير الهزيل
ولكن، بقي موقف التجمع الوطني المعارض، وفي القلب منه الحزب الاتحادي بزعامة السيد محمد الميرغنى غير محسوم، وفي انتظار القرار النهائي بالمشاركة في الحكومة أو البقاء في صفوف المعارضة.
والأرجح أن المشاركة ستكون خاتمة المطاف، وربما بعد زيادة عدد الوزراء المخصصين للحزب الاتحادي من ثلاثة، وهو الرقم المعروض حاليا، ويضم وزارتي التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، ووزير دولة في إحدى الوزارات، إلى أربع أو خمس وزارات.
فمن بين شروط الحزب الاتحادي أن يكون مشاركا بنسبة تعكس وزن الحزب وتاريخه، وبحيث تعطيه القدرة على التأثير في القرارات الأساسية، ودون التخلي عن التجمع الوطني أو البحث في تفكيكه.
وأيا كانت الحصّـة الوزارية، فإن التجمّـع سيكون في النهاية جزءا من السلطة التنفيذية، جنبا إلى جنب حليفه الأكبر الحركة الشعبية التي تتقاسم السلطة فعليا مع المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس البشير، وفقا لنسب محددة أقرها اتفاق السلام، والتي أعطت للأول 52%، وللثاني 28%، وللقوى الأخرى جنوبا وشمالا 30%.
والإشارات الواردة من بعض قادة التجمع الوطني المعارض تعتبر أن مشاركة الحزب الاتحادي المحتملة، ستعبر عن موقف التجمع ككل في إطار مصلحة السودان ككل، ولكن علينا انتظار قرار قيادة التجمع بعد اجتماعها في أسمرة.
وإلى أن يكتمل نِـصاب الحكومة وينضم إليها الحزب الاتحادي، يظل دورها المعلن هو ترسيخ السلام والاستقرار والبناء والتنمية للوطن ككل، وبناء حياة سياسية ديمقراطية، والإعداد للانتخابات التعددية الأولى بعد ثلاث سنوات، تتشكل على ضوء نتائجها حكومة جديدة تعتمد نسب الفوز والهزيمة، وتعد البلاد للاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوب السوداني، أو بعبارة موجزة تنفيذ اتفاق السلام.
ويظل هناك أيضا لهذه الحكومة دور كبير في تحديد وبلورة ائتلاف حاكم، يضم قوى سياسية عديدة، وتقابله قوى معارضة قد تفكر مستقبلا في التنظم في صيغة ائتلاف مضاد، وإذا ما حدث ذلك، سيكون السودان قد دخل حقبة سياسية جديدة بكل المعاني. ولكن الحقائق السابقة في علاقات هذه القوى المعارضة فيما بينها تعوق كثيرا الوصول إلى هذه الغاية.
حكومة الأرقام القياسية
المهم هنا أن التشكيل الحكومي قد نال قصب السبق من ناحية الأرقام القياسية. فالحكومة قِـوامها 26 وزيرا و25 وزير دولة ومساعدا للرئيس، وهو رقم كبير بكل المقاييس لم يحدث في السودان من قبل ولا في غيره.
والسر وراءه هو محاولة استرضاء كافة القوى السياسية التي قبلت بالمشاركة، وإظهار أن للسلام عائدا على الجميع، إضافة إلى 12 مستشارا لرئيس الجمهورية من كبار المسؤولين السابقين والمنتمين إلى الحزب الحاكم والحركة الشعبية، من أبرزهم رياك قاي كول الذي كان رئيسا لمجلس تنسيق ولايات الجنوب، والدكتور مصطفى إسماعيل وزير الخارجية السابق، والدكتور منصور خالد، المستشار السياسي في الحركة الشعبية، ووزير الخارجية الأسبق زمن الرئيس جعفر نميري.
وقد وصف دورهم بأنه لتسهيل تطبيق الاتفاق، باعتبار أن الأخير ملِـئ بالتفاصيل الدقيقة في المجالات كافة، ويحتاج دائما إلى متخصصين في تلك المجالات، حتى يقدموا النصح والمشورة الفنية الخالصة.
اللا تجانس
الرقم الكبير، وتنوع المناصب، وتعدد القوى السياسية يعني أن الحكومة معرضة بالفعل إلى نوع من اللا تجانس الداخلي. لكن ما يقيد هذا اللا تجانس هو وجود اتفاق مفصل، ودستور مؤسس عليه يمثل طريقا لحركة الأطراف كلها، ولا يسمح سوى بالاجتهاد في كيفية التطبيق لهذا البند أو ذاك. ومثل هذا التقييد قد يفيد أحيانا، وقد يدفع إلى مشكلات أخرى غير متصورة.
ويبدو هنا مَثل التنافس الشديد بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على من يحصل وزارة النفط والثروة المعدنية، مفيدا في إظهار وجود استعداد مسبق لدى الطرفين الرئيسيين لعدم التنازل في قضايا معينة يرى فيها كل طرف أنها حيوية له.
وصحيح هنا أن الوزارة آلت في النهاية إلى المؤتمر الوطني بعد شد وجذب كبيرين، إلا أن الموقف الرسمي للحركة الشعبية تمثل في أن الطرف الآخر أبدى تمسّـكا بالوزارة، ولم يتسم موقفه بالمرونة المطلوبة لتجسيد شراكة تصب في نهر الوحدة، وفي النهاية سيعطى لدعاة الانفصال في الجنوب مبررا آخر للقول بأن تقاسم السلطة الفعلي لم يكن هو الوارد في النصوص المتفق عليها. وبما يبرر في النهاية قدرا من الشكوك في مواقف المؤتمر الوطني، ويزيد من نزعة الانفصال لدى الجنوبيين.
مخاوف أخرى
اللا تجانس الداخلي ليس وحده موضع الانتقاد لهذه الحكومة، فهناك أوصاف من قبيل أنها حكومة تعكس “قسمة ضيزى”، وأنها مجرد تحريك وزاري، وأنها تلفيق سياسي.
ناهيك عن مخاوف عبر عنها سياسيون كثيرون قِـوامها أن استئثار المؤتمر الوطني بالوزارات المفصلية، كالمالية والنفط والداخلية والإعلام والعدل والري والزراعة وغيرها، وكذلك إعادة تسمية كثير من الرموز الوزارية السابقة، وإن في مواقع جديدة، من شأنه أن يعيد إنتاج نفس السياسات التي سبق للحكومات السودانية زمن ثورة الإنقاذ وأدت إلى إفقار الغالبية من المواطنين والمزيد من حركات التمرد المسلح، ومن ثم لا يحدث التقدم المطلوب، ولا التنمية المستدامة الموعودة، ولا الانطلاق إلى وحدة طوعية حقيقية بين الشمال والجنوب، ولا حتى تحقيق السلام في دارفور.
مثل هذه المخاوف تعني أن القناعات الشعبية لا ترى في الحكومة الجديدة الموعود والمؤثر، وفي المقابل، تؤشر إلى أن الحكومة إزاء تحد كبير، لا مخرج منه سوى إحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين السودانيين جميعا، وتلك بدورها مهمة عسيرة، لاسيما في ظروف السودان الراهنة.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.