مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حماس ومحنة الاضطراب

إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية وإلى جانبه محمود الزهار وزير الخارجية (غزة - 29 مارس 2006) Keystone

قد يكون تعبير "الإضطراب" الذي وصف به الرئيس محمود عباس حال الحركة - حين حملت مسؤولية إدارة أحوال السلطة والناس - من أفضل المصطلحات التي استخدمت في وصف حال حركة وحكومة حماس.

“الاضطراب” حال فيه عدم استقرار، وبعض اليقين وكثير من الشك، وبعض الإرادة وقليل من القدرة..

وفي الإضطراب أيضا، مسارات عدة أغلبها مغلق، والقليل منها قد يُفتح ولكن بشروط. وفي أوضاع “الإضطراب”، يكون اتخاذ القرار بإحداث نقلات كيفية باهظ التكلفة، وتكون المراوحة في المكان أيضا أشد وطأة.

فهو اضطراب يعبّـر عن أزمة كبيرة، ومرآة لطموحات تحوّلت إلى بؤرة للصدمة للذات وللغير.

مربع آخذ في الضيق

هكذا يبدو إلى حد كبير حال حماس، الحكومة والحركة معا، والسؤال الأكبر: كيف يمكن الخروج من هذا المربع الآخذ في الضيق والتعقيد. وهنا يقدم الآخرون كما هو حال الأوروبيين، طرقا للإجابة الوحيدة، يصاحبها ضغوط معلنة، مغلفة بعبارات دبلوماسية، وجوهرها التجويع بعقل بارد والقهر بلا حياء، فضلا عن الابتزاز السياسي رفيع المستوى، ليس لحكومة مغلوبة على أمرها، بل لشعب بأكمله. ولا يهم هنا الدفوع المعتادة والمستهلكة عن حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والدفاع عن الشعوب المقهورة، فكل ذلك لا معنى له حين يكون الأمر متعلقا بحماية إٍسرائيل ووجودها وعدوانها أيضا.

حتى اللحظة لا تبدو حماس الحكومة والحركة في وارد أن تغيِّـر موقفها، لأنها تعتبر أن تغييرا من قبيل ما تريده أوروبا والولايات المتحدة، ويتماشى مع شروط إسرائيل الكلية، سيمس في العمق أصل وجودها من ناحية، وسيجعلها متناقضة مع التفويض الذي تعتبر أن الشعب قد منحها إياه في انتخابات حرة ونزيهة. والإشكالية هنا أن هذه المبررات التي يستند إليها موقف حماس، تقوم على بُعد أخلاقي، وهو شيء محمود كمبدأ، ولكنه لا يساوي شيئا في السياسات الدولية والمحلية على السواء، فالأصل فيها، النفاق والكذب والتلاعب بالمشاعر واختلاق المبررات المعقولة وغير المعقولة.

وما بين هذين الحدين، تبدو أصول المناورة وإطلاق الرسائل والتمهيد لموقف مختلف، ولكنه مدروس بعناية، أمر من الحِـكمة والحصافة وتوزيع الأدوار بين أعضاء الفريق الواحد، شيئا تفرضه أصول السياسة ولا مناص عنه للوصول إلى الأهداف المعلنة، لاسيما ما يتعلق بالحياة اليومية للناس، كبيرهم وصغيرهم معا.

مدروس أو غير مدروس

وقد تبدو تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار في السابع من أبريل الجاري، والتي أشار فيها إلى احتمال إجراء استفتاء حول حل الدولتين، بعد أن يصل من اللجنة الرباعية للحكومة الفلسطينية تفاصيل هذا الحل، ومناقشته في داخل الحكومة، قد تبدو تمهيدا لموقف متحرك على صعيد التفاوض والتفاعل مع شروط القوى الكبرى، صاحبة المال والنفوذ السياسي، والتي بيدها أسس التحرك ومفاتيحه.

وإذا ما افترضا أن هذا التصريح كان نتاجا لحوار داخل الحركة والحكومة، لبات ممكنا الاستنتاج بأن مثل هذه التصريحات مؤشر على تحرك ما، يناسب وضع الحركة كقائد للحكومة، والتي لا تستطيع أن تعيش بمعزل عن العالم المحيط، بكل ما فيه من عدم عدالة وغياب الإنصاف والضغط على المظلوم.

ولكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك. فالمتحدث باسم الحكومة نفى أن تكون الحكومة والحركة ناقشت الاعتراف بمبدأ الدولتين، في الوقت نفسه، ذكر مسؤول آخر أن رئيس الوزراء إسماعيل هنية والزهار سيناقشان الأمر. وإذا ثبت هذا، فسنكون أمام دليل آخر من دلائل الاضطراب.

فموضوع مثل الاعتراف بمبدأ الدولتين لابد له أن يكون نابعا من دراسة معمقة للخيارات المتاحة، والقدرات الممكنة لفرض أحدها، وإذا قُـبل الأمر كمبدأ، سيكون مطلوبا البحث بعد ذلك في طريقة إخراجه للوجود، والتمهيد أولا للرأي العام الداخلي، ثم الخارجي، ووفقا لتقاليد السياسة الدولية، فإن البحث في خيار مصيري كهذا، يتطلب آليات وقنوات اتصال مع الآخر، لعل التغيير يكون له مقابل مناسب، وهو ما تدعو إليه حماس من حيث المبدأ.

رهان بين بديلين

لا تبدو في الأفق أيا من شروط التغيير الحكيم ذي المقابل المناسب، ولذا، فإن إطلاق التصريحات دون دراسة كافية يبدو وكأنه امتداد لتقاليد العمل السياسي ما قبل الحكومي، حين كان يمكن إطلاق تصريحات ذات طابع تعبوي، وهذا بدوره مؤشر اضطراب لابد من تجاوزه.

وليس هناك جديد في القول أن الرهان على مستقبل حماس، من الخارج والداخل معا، يتراوح بين بديلين متناقضين تمام التناقض. البديل الأول، أن حماس ستتجه نحو واقعية مناسبة، لنفسها وللدور الجديد الذي تلعبه كقائد حكومة تعيل هموم عدة ملايين من البشر في الحاضر من أجل طعام ودواء وتعليم وأمن، وفي المستقبل من أجل دولة مستقلة وذات سيادة وتعيش في قدر من الأمن والسلام مع نفسها ومع جيرانها.

وفى ظل هذا البديل، يبدو طرح الرئيس الفلسطيني، ومن ورائه عقلاء منظمة التحرير الفلسطينية، بأن البديل المتاح هو برنامج منظمة التحرير القائم على التفاوض وبناء دولة فلسطينية في حدود عام 1967، وفق آليات التفاوض مع الطرف الآخر والتواصل مع العالم ككل. وربما أيضا تُـطور حماس رؤية واقعية لا تبعدها كثيرا عن مبادئها الأم، ولكنها تقدمها في ثوب جديد يراعي متطلبات الدور والمرحلة والتحديات. وفي كل، سيكون التفاوض آلية أساسية في أي رؤية مستقبلية ضمن هذا البديل.

بديل الفشل

أما البديل الثاني، فهو أن تفشل حماس في امتحان الحكم والإدارة، وأن يَـنفضَّ الناس عنها، بعد أن يجدوا في فشلها المزيد من المعاناة وانسداد الأفق السياسي وتصاعد العدوانية الإسرائيلية، يصاحبها ويدعمها مواقف دولية عديدة، بدأت بوقف المعونات الأمريكية والأوروبية والتغاضي عن القرارات الإسرائيلية بوقف إعطاء السلطة أموالها المستحقة، وباعتبار السلطة الفلسطينية كيانا معاديا، وعودة الإدارة المدنية الإسرائيلية في أوضح خطوة لعودة الاحتلال السافر، ناهيك عن استمرار اغتيالات الكوادر الفلسطينية وقصف المدن والبلدات الفلسطينية، ومنع التواصل بين الفلسطينيين من غزة والقطاع.

وفي ظل هذا البديل أيضا، هناك في الداخل الفلسطيني نفسه من يريد لحماس أن تفشل، وحتى يعود إلى الواجهة مرة أخرى، معتقدا أن هذا الفشل، حال حدوثه، سيجعل سطوته على كامل العملية السياسية والاقتصادية الفلسطينية مسألة مضمونة، شعبيا ودوليا.

نفس القدر من الضغط

والواضح أن البديلين، رغم ما فيهما من تباعد، لكنهما يحملان نفس القدر من الضغط وضرورة التغيير في المواقف والسلوكيات. مع الأخذ في الاعتبار أن البديل الأول، يتضمن قدرا من البقاء في الواجهة، مع تعديل المسار، أما الثاني، فيقوم على افتراض أن فشل حماس في الاختبار مطلوب لذاته، وحتى تنتهي أسطورتها كحركة مقاومة تستند إلى رؤية دينية، وكحركة اجتماعية تستمد بقاءها من الترابط العضوي مع الناس.

ما الذي يمكن لحماس أن تفعله؟ لقد أخذت الحكومة قرارا مهمّـا بالسماح باتصال بعض وزرائها مع الإسرائيليين، وهم قوة احتلال أمر واقع، وطالما أن الأمر يخص مصالح الشعب. فهل تقف حدود مصالح الشعب عند المصالح اليومية وحسب، أم يتطور الأمر إلى مصالحه الإستراتيجية وحقوقه المشروعة؟

وبالطبع فإن أرادت حماس مثل هذا التغيّـر، ولو بحساب، فالأمر سيتطلب بدوره تنسيقا مع قناة تواصل مع الآخر، سواء إسرائيل أو القوى الأساسية في العالم. وحتى اللحظة ليس هناك ما يشير إلى أن حماس ستحيد عن تصورها الذي تعتبره الأنسب لرؤيتها الأيديولوجية ولتاريخها النضالي. وكل ما تركز عليه الآن هو التواصل مع من تراهم الأقرب إلى مساندتها، باعتبارها ـ على الأقل ـ وكيلة عن الشعب الفلسطيني وليست وصية عليه.

لكن المشكلة أن هؤلاء المستهدفون، وإن أرادوا الوقوف مع الحكومة الفلسطينية، فإن لديهم أيضا سقوفا معيّـنة يصعب تجاوزها، سواء في منح الأموال أو في تحدّي الموقف الأمريكي، وذلك بدوره جزء مهم من خريطة الاضطراب التي تفرض نفسها على حماس.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية