الهايتيون في الشتات..انخراط أكبر من أجل مستقبل أفضل لبلادهم
رغم الصدمة القوية والمؤثرة لكارثة الزلزال، بدأت أنظار الهايتيين في سويسرا تتجه إلى المستقبل، والتفكير في طبيعة الدور المنوط بهم لإخراج بلادهم من دوامة الفقر والبؤس، وعدم الاستقرار.
طبيعة هذا الدور واستحقاقاته كانا محور طاولة مستديرة استضافتها بور أوبرانس قبل فترة قصيرة من وقوع الزلزال الأخير، والذي لن يؤدي إلا إلى تسريع أجندة هذا الدور وتنشيطه.
ونظرا لصعوبة الاتصال بالجزيرة المنكوبة، يفتقر أفراد هذه الجالية الصغيرة التي لا يتجاوز عددها في سويسرا 1000 شخص، إلى مستجدات أقاربهم في الداخل، وذلك بعد مرور ثلاثة أيام عن الزلزال العنيف الذي هزّ العاصمة برتو أوبرنس، والمناطق الواقعة في غرب البلاد وجنوبها.
وحتى الفرص القليلة للتواصل مع بلادهم أو الحصول على القليل من أخبارها، فإنما يحدث في أغلب الأحيان عبر مهاجرين في بلدان أخرى، خاصة في الولايات المتحدة، حيث توجد أكبر جالية هايتية.
وبعد توارد أخبار الزلزال، تجمّع أفراد هذه الجالية في لوزان لمواساة بعضهم البعض، وتبادل الأخبار، والتفكير في أفضل السبل لتنظيم المساعدات، ووضع خطط عمل للمستقبل.
ويفضّل جون- ويلفريد فيس-إيمي، أمين عام نادي الهايتيين بسويسرا، في الوقت الحاضر على الأقل، دعم المؤسسات السويسرية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية، كسلسلة السعادة التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، بدل إنشاء مؤسسات أخرى مستقلة يكون من الصعب تحقيق أهدافها. ولكن بعد انتهاء مرحلة المساعدات المستعجلة التي يجب أن يترك آمرها للمهنيين، سيكون أمام الجالية الهايتية دور مهم للقيام به، بحسب فيس-إيمي.
تأثير الجالية المهاجرة
ويعتقد فيس-إيمي بأنه “لا يجب أن يترك هذا البلد ينحرف إلى الهاوية، وعلى الهايتين المهاجرين القيام بدور حيوي والمشاركة في توجيه عملية إعادة الإعمار وفي إدارتها، هذا هو على الأقل ما أرجوه بشدة”.
ولتحقيق ذلك، يقضي فيس- إيمي الكثير من الوقت في الاتصال بأبناء بلده المقيمين بالولايات المتحدة وبكندا، حيث يوجد القسم الاكبر من المليونيْ هايتي المنتشرين في الشتات، وذلك من أجل وضع مشروعات مشتركة لمصلحة بلادهم.
وفعلا، تقدم الجالية الهايتية في الخارج، والتي ينتمي أغلبها إلى الطبقة الوسطى، مساهمة فعالة في نجدة سكان البلاد الذين لا يتجاوز دخل الفرد في 80% من السكان الدولاريْن في اليوم.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أرسل المهاجرون الهايتيون إلى بلادهم سنة 2008 ما مقداره 1.8 مليار دولار، وهو ما يعادل ضعف مقدار الإعانات الدولية. ورغم أن هذا المبلغ قد شهد أخيرا تراجعا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فإنه من المنتظر أن يشهد ازديادا قويا على إثر الكارثة التي حلت ببلادهم يوم الثلاثاء 12 يناير 2009.
وأوضح شارل ريدوري، الأخصّائي الاجتماعي والأستاذ السابق في جامعة فريبورغ، وأحد الوجوه الهايتية المعروفة في سويسرا أن “تعزيز إشراك المهاجرين الهايتيين الذين يقدمون العون لأقاربهم في الداخل وللمجتمع الهايتي بأسره، هو اليوم مطروح للنقاش”.
الاجتماع الأوّل
ونقلا عن شارل ريدوري، المسؤول السابق في منظمة “حركة الصوم” غير الحكومية بالمناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية، كشف إدفين باريسون، الذي أصبح وزير شؤون المهاجرين بحكومة هايتي عن “مشاركته في أكتوبر الماضي في لقاء ببور أوبرانس حول العلاقة بين المهاجرين الهايتيين ووطنهم الأم. وخلص النقاش في تلك الجلسة إلى تحديد طبيعة هذا الدور، ومكانة وأهمية هذه العلاقة، والعوائق التي يمكن أن تعرقل مسيرتها”.
ويضيف ريدوري بأن “الجالية الهايتية في الخارج تشعر وكأنها بقرة حلوب، الجميع يشيد بها مادامت توفّر الأموال الطائلة. أما أن تعزّز مشاركتها في إدارة شؤون البلاد، فإن الكثيرين في الداخل، يرون في ذلك منافسة لهم. وينتظر أن يؤدي الحوار الذي بدأ فعلا إلى تجاوز هذه المشكلات، وأن ينتج عن الزلزال الذي هزّ البلاد، تعزيز هذا المسار”.
وتشير هذه الشخصية الهايتية إلى أن بعض العراقيل قد شُرِع فعلا في إزاحتها، ومنها إقرار البرلمان الهايتي السابق لقانون يجيز للهايتيين امتلاك جنسيتيْن، مما يعني تمكن المهاجرين من الاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية، والإنخراط في شؤون بلادهم من دون عراقيل دارية. ومن المتوقّع بحسب ريدوري أن يصدر مرسوم بتنفيذ هذا القانون الجديد بعد تنظيم الإنتخابات الرئاسية والنيابية القادمة.
وجه آخر من وجوه هذه الجالية في سويسرا، الممرضة ماري-لورد ديزادروان، والعضو في المجلس البلدي بفرنيي بكانتون جنيف، تقول: “أبدا، لا يمكن أن يتواصل الأمر على هذا الحال، للهاتيين المقيمين في الشتات دور كبير يجب أن يضطلعوا به”.
تعبئة الشباب
هذه التعبئة تؤكدها أيضا ديزارودان إذ تقول: “هذا ما ألاحظه لدى إبنتي، الأجيال الجديدة تمتلك أيضا رغبة قوية للإنخراط من أجل مصلحة بلدهم الاصلي، ولهذا الجيل قدرة كبيرة على خلق شبكة تعاون وتواصل. نحن نستعد لتنظيم حفل نهاية هذا الأسبوع بفيرنييي للتعبير عن مساندتنا لضحايا هايتي، وسوف تحيي الحفل مجموعة من الشباب الذين يجيدون عزف موسيقى الهيب – هوب”.
في انتظار ذلك، تظل هذه الممرضة مشدودة البال إلى أوضاع أقاربها في الجزيرة المنكوبة، وإلى المصير الذي آل إليه وضع المستشفى والمدرسة اللذين أشرفت على إنشائهما جمعية مساعدة جنوب هايتي، وهي المنطقة التي لم تسلـم من زلزال الثلاثاء الماضي.
من جهته، يؤكد جون-ويلفريد فيس- إيمي، أمين عام نادي الهايتيين بسويسرا، على أهمية الدور الذي سيلعبه الهايتيون بالشتات، خاصة في مجال مساعدة الناجين من الزلزال المدمّر الذين فقدوا كل شيء بما في ذلك منازلهم”، قبل أن يختم قائلا: “هؤلاء السكان، ليس لهم تأمينات تحميهم من تلك الأضرار، وفي أغلب الأحيان تمثّل المنازل التي دُمّرت الثروة الوحيدة التي كان يملكها أولئك المواطنون، وقد وضعوا فيها كل ما أدخروه طيلة سنوات”.
يعيشون ليومهم
كذلك تذكّر لورفيلي، قرينة فيس-إيمي بالأوضاع المأساوية والفقر الشديد الذي يعيشه الشعب الهايتي، قبل أن تضيف: “أغلبية الشعب الهايتي ليس لديهم القدرة على التفكير في المستقبل، لأن الاحتياجات الأساسية لتلك الغالبية من غذاء، وخدمات صحية، وتعليم ليست متوفّرة. الكل يعيشون ليومهم”.
وأكثر ما يتجلى هذا الوضع الصعب، بحسب شارل ريدوري، في بور أوبراس: “لقد شهدت عاصمة هايتي نزوحا كثيفا للفقراء، والمهمّشين، والمنحرفين أخلاقيا، واختفت مظاهر التآزر والتعاون في ما بين السكان”.
ويخشى هذا الخبير الاجتماعي أن “يتسبب الزلزال الأخير في تفاقم الوضع البائس الذي ساد حتى قبل وقوع الكارثة، أما في القرى والأرياف، فتظل العلاقات الاجتماعية أفضل حالا”.
فريديريك بورنون – جنيف – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
ثلاثة ايام بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب هايتي، وأودى بحياة 50.000 شخص، بدأ الغضب واليأس يمتلكان قلوب السكان الهايتيين الذين عاشوا يوم الجمعة 15 يناير 2009 يوما آخر من الفوضى وغياب الأمن، في وقت بدأت فيه المساعدات الدولية تتقاطر ببطء بسبب العراقيل اللوجستية، وظروف التنقل الصعبة على عين المكان.
وفي شوارع العاصمة بورتو أوبرانس، يجوب السكان الذين دُمّرت بيوتهم الأزقة، وقد تناثرت على جوانبها بقايا الخراسانات الإسمنتية، والضحايا الممزقة أوصالهم، وزادت درجة الحرارة العالية من خطورة الوضع الصحي المهيأ لإنتشار الأوبئة.
ومع مرور الوقت، بدأت الآمال في انتشال
أحياء من تحت الإنقاذ تنحصروتتضاءل. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، يوجد اليوم في عاصمة هايتي المنكوبة حوالي 300.000 شخص مشرّد ون من دون مأوى، فضلا عن المناطق المنكوبة الأخرى.
تشارك في عمليات الإنقاذ ثلاثون دولة، وأعلنت الأمم المتحدة يوم الجمعة أنها حصلت على وعود دولية بالمساعدة تبلغ 268.5 مليون دولار. لكن هذه المساعدات الدولية تعترضها مشكلات جمة قبل الوصول إلى الضحايا والمتضررين. فمطار بورتو أوبرانس لا يشتغل سوى مدرج واحد من مدارجه، في حين تظل خطوط الاتصال في جزء كبير منها مقطوعة، اما الطرقات البرية فهي إما قد دمّرت أو مكتظة بحركة المرور.
ينضاف إلى كل ذلك غياب الامن، فقد اعلن برنامج الغذاء العالمي يوم الجمعة تعرض المواد الموجودة في مستودعاته، والتي كان ينوي توزيعها على مليونيْ شخص إلى السرقة والنهب.
ويأمل العاملون في مجال المساعدات الإنسانية أن يتحسّن الوضع بعد أن وافقت الحكومة الكوبية على فتح مجالها الجوي للطائرات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية، وهو ما سيمكّن من إقامة جسر جويّ مع المناطق المنكوبة.
وصلت طلائع فرق الإنقاذ السويسرية إلى بورتو برنس، عاصمة هايتي صبيحة يوم الجمعة 15 يناير 2009، بحسب مصدر رسمي سويسري.
وأضاف توني فريش، رئيس قسم المساعدات الإنسانية بالوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، أنه من المنتظر أن يصل فريق ثان أيضا خلال نفس اليوم.
كما كشف هذا المسؤول على أن طائرة ثالثة محملة بثلاثة وثلاثين طنا من المساعدات الإنسانية، يرافقها طاقم طبي ستقلع من سويسرا اليوم الجمعة في اتجاه هايتي، تتبعها يوم السبت رحلة أخرى بحسب مصادر وزارة الخارجية.
وأما بشأن الرعايا السويسريين في هذا البلد المنكوب، فتقول السلطات السويسرية إنها على اتصال بسبعة وثمانين منهم من مجموع 178 شخصا مسجلين كمقيمين في هذا البلد. ولا علم لها بإصابات أو ضحايا في صفوفهم.
كذلك عززت وزارة الخارجية السويسرية طاقم سفارتها في بور أوبرانس، وفتحت خط هاتف مباشر للإعلام بشأن مفقودين محتملين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.