الهجرة غير الشرعية تتحول إلى فاجعة يومية في زمن “العولمة غير المتوازنة”
أظهرت الفاجعة الجديدة للهجرة السرية أمام السواحل الليبية أن الأزمة المالية والاقتصادية "سوف لن تعمل إلا على تقوية الظاهرة"، حسب المنظمة العالمية للهجرة، وفي الوقت نفسه انتقد المفوض السامي لشؤون اللاجئين "العولمة غير المتوازنة" التي تسمح بحرية تنقل رؤوس الأموال والبضائع وتضع المزيد من العراقيل بوجه تحرك البشر.
وتثير المأساة الأخيرة مجددا تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر شبكات التهريب التي تنشط بين السواحل الليبية وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية. إذ أوردت المنظمة العالمية للهجرة التي يُوجد مقرها في جنيف منذ الساعات الأولى من حدوث الفاجعة أنباء متضاربة عن عدد الزوارق وأرقام الضحايا، قبل أن توضح انطلاقا من مكتبها في طرابلس بأن الأمر يتعلق بغرق زورق واحد كان يقل 257 لاجئا غير شرعي من شمال إفريقيا ومن بلدان إفريقية تقع جنوبي الصحراء، يوم الأحد 29 مارس قبالة السواحل الليبية.
وقد تم إنقاذ 23 شخصا من قبل البحرية الليبية وانتشال جثث 21 آخرين ما عنى أن أكثر من 200 شخص يوجدون في عداد المفقودين. كما أشارت السلطات الليبية إلى أنه تم إنقاذ جميع الأشخاص الذين كانوا على متن زورق ثان.
وفي بيان صدر يوم الثلاثاء 31 مارس في جنيف، أعرب المفوض السامي لشؤون اللاجئين عن “الإصابة بالصدمة لسماع هذه الأخبار”، في الوقت الذي أشارت فيه المنظمة الدولية للهجرة إلى أن “أبواب الهجرة نحو البلدان الغنية بدأت تنغلق أكثر بسبب الأزمة المالية والاقتصادية”.
مجرد بداية…
من جهة أخرى، قال رون ريدموند، الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في جنيف “إننا في بداية موسم الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط، والظاهرة ليست (مرشحة) لتتوقف الآن”، مشيرا الى أن زورقين وصلا الأسبوع الماضي، كان أحدهما يُقلّ حوالي 244 مهاجرا سري إلى جزيرة صقلية والثاني كان على متنه حوالي 219 شخصا إلى جزيرة لامبيدوزا.
وأفادت معطيات جديدة أوردنها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن العام الماضي شهد وصول حوالي 37 ألف مهاجر غير شرعي إلى الأراضي الإيطالية عبر البحر، 75% منهم قدّموا طلب لجوء، وحصل نصفهم على شبه حماية من قبل السلطات الإيطالية.
“إغلاق أكثر يقود الى مخاطرة أكثر”
في سياق متصل، انتقد أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي لشؤون اللاجئين، بعبارات تخرج عن المعتاد بالنسبة لمسؤول كبير في الأمم المتحدة ما اعتبرها “عولمة غير متوازنة” تسمح من جهة لرؤوس الأموال والبضائع بالتنقل بكل حرية، بينما تشدد التضييق على حرية تنقل البشر.
وما يراه المفوض السامي “متناقضا” يتلخص في أنه في الوقت الذي يتكاثر فيه عدد الراغبين في الهجرة، تقوم الدول بإقامة المزيد من الحواجز في وجوههم “مما يضطرهم لاستعمال وسائل هجرة غير مشروعة يتعذر معها التفريق بين المهاجر لأسباب اقتصادية واللاجئ الحقيقي”.
وأضاف المفوض السامي لشؤون اللاجئين بأن “هذه المأساة تعتبر أحدث مثال عن ظاهرة عالمية يجد فيها الناس أنفسهم في وضعية يأس تدفعهم الى المخاطرة بشكل يائس للهروب من الحروب، والمطاردة، والمجاعة وللبحث عن حياة أفضل”.
الأزمة اقتصادية أحبطت محاولات ناجحة
من جهته، أثار جون فيليب شوزي، الناطق باسم المنظمة الدولية للهجرة (مقرها في جنيف) تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية على ظاهرة الهجرة عموما وعلى الهجرة غير الشرعية بالتحديد وانتقد الدول الغربية على “تشديد إغلاق حدودها في وجه الهجرة”.
وأشار جون فيليب شوزي إلى ن هذه الأزمة الاقتصادية أدت إلى “تراجع حجم الأموال المرسلة من طرف العمال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، والى تراجع أسعار المواد الأولية إضافة الى تشديد عملية إغلاق الحدود الأوروبية”.
وفي رد على سؤال لسويس إنفو، أفاد الناطق باسم المنظمة الدولية للهجرة، أن التجارب الناجحة والتي كانت تشكل أملا في إمكانية تقنين الهجرة حسب الطلب ولصالح البلد المصدر لليد العاملة والبلد المستقبل لها في ظل احترام كبير لحقوق العامل المهاجر، بأن “الدول الأوروبية – وبفعل الأزمة الاقتصادية، وتفاقم البطالة لديها – بدأت تستبدلها بسياسة توظيف اليد العاملة الوطنية”، مضيفا بأن “هذا التشدد والإغلاق لأبواب الهجرة الشرعية، سيقود لا محالة الى اللجوء إلى شبكات الهجرة غير الشرعية الخطيرة”، حسب تقديره.
أما عن تشديد الإجراءات الأمنية، وبالأخص ما عبر عنه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني من أمل في الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية في حوض البحر الأبيض المتوسط في أعقاب دخول الاتفاق الليبي الإيطالي حيز التطبيق والقاضي بتعزيز الدوريات البحرية أمام السواحل الليبية، فيرى الناطق باسم المنظمة الدولية للهجرة أن “ذلك وحده لا يكفي في غياب سياسة إدارة رشيدة للهجرة”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
طرابلس (رويترز) – قال مسؤولون يوم الثلاثاء 31 مارس 2009 ان هناك مخاوف من ان يكون اكثر من 300 مهاجر افريقي بينهم نساء واطفال قد غرقوا بعد انقلاب زوارقهم قبالة ساحل ليبيا في اطار زيادة جديدة في الهجرة غير الشرعية الى اوروبا.
ونقلت صحيفة أويا الليبية يوم الثلاثاء عن مسؤولي امن قولهم ان حرس السواحل الليبيين انتشلوا على الاقل 23 جثة قرب حطام ثلاثة زوارق أبحرت من قرية سيدي بلال قرب طرابلس. وقال مسؤولون انه تم انقاذ عدد مماثل. والحادث جزء مما تصفه منظمات اغاثة بانه توجه متزايد من جانب الافارقة الفقراء للبحث عن حياة افضل في الغرب مهما كانت خطورة الرحلة.
وقال مسؤولون ليبيون ان احد الزوارق كان يحمل 365 شخصا على الرغم من انه من المفترض ان يحمل 75 فقط. وكان هذا احد اربعة قوارب للمهاجرين ابحرت من ليبيا يومي السبت 28 والاحد 29 مارس متوجهة على ما يبدو الى ايطاليا. وتوصلت ايطاليا الى اتفاق مع ليبيا بشأن تسيير دوريات بحرية مشتركة لمحاولة وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين وربما دفع ذلك المهاجرين الى محاولة الابحار قبل بدء سريان الاتفاق في 15 مايو ايار.
وقال لورانس هارت ممثل المنظمة الدولية للهجرة في طرابلس “ربما مثل هذا (الاتفاق) عامل ضغط استغله المهربون ليقولوا للمهاجرين المفترضين .. اما أن يتم الامر الان أو لا يتم أبدا”. وقدرت المنظمة الدولية للهجرة وجود ما بين مليون ومليون ونصف مهاجر أفريقي في ليبيا بصورة غير مشروعة تجذبهم اليها الحاجة الى عمال غير مهرة. وليبيا نقطة عبور ومقصد في الوقت نفسه للمهاجرين.
وقال مسؤول ليبي انه لم يتم العثور على مزيد من الجثث او الناجين او القوارب بعد عملية بحث استمرت اكثر من يومين. وقال المسؤولون ان من بين المفقودين اشخاص من الصومال ونيجيريا واريتريا والمناطق الكردية بسوريا والجزائر والمغرب والاراضي الفلسطينية وتونس.
ونقل مسؤول امني ليبي عن احد الناجين من تونس قوله انه كان على ظهر القارب ومعه 13 تونسيا من بين المهاجرين البالغ عددهم 365 . وقال انه كان الناجي الوحيد وان كل مواطنيه التونسيين غرقوا. وتعطل زورق رابع كان يحمل أكثر من 350 مهاجرا قرب حقل بوري النفطي البحري الليبي وان حرس السواحل الليبي قطره الى ميناء طرابلس وأنقذ كل المهاجرين ومنهم نساء وأطفال.
وقال جان فيليب تشوزي المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة لرويترز في جنيف “ما يصل الى ثلاثة قوارب غرقت على ما يبدو قبالة الساحل الليبي. هذه القوارب لم تكن تحمل اي ادوات انقاذ. ويبدو ان اكثر من 300 شخص اختفوا في البحر.” وقالت المنظمة الدولية للهجرة في وقت لاحق انها خفضت تقديراتها لعدد المفقودين الى اكثر قليلا من 200. وقال المتحدث “لا تتوفر في الزوارق اي معايير للسلامة.. لا عوامات ولا قوارب نجاة ولا اي شيء… فالغرض هو تكديس أكبر عدد ممكن من الناس دون اي احترام لسلامتهم او كرامتهم”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 مارس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.