“الوعي بحقوق الإنسان هو السبيلُ الأمثل لتجنب الإقصاء والتهميش”
في مجتمع يشهد تنافسا محتدما من أجل تحقيق أعلى درجات الجودة والفعالية، مع مراعاة السرعة والمرونة في الأداء، يصبح الوعي بالحقوق والواجبات أكبر ضمانة لتجنّب التهميش الإقتصادي، والإقصاء الإجتماعي والثقافي الذي تعاني منه عادة الفئات الضعيفة.
هذا ما تحاول تحقيقه جمعية النهوض بحقوق الإنسان غير الحكومية التي تأسست في مدينة جنيف في عام 2008 بمبادرة من بديعة الكوطيط، الحقوقية العربية من أصل مغربي، والتي تقول: “إن هذه المبادرة جاءت تتويجا لسنوات طويلة من العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني بمدينة كالفن”.
وتنطلق هذه الجمعية بحسب السيدة الكوطيط، مديرتها التنفيذية: “من رؤية تجعل الوعي بالحقوق الإنسانية والتعرّف على مضمونها الأسلوب الأمثل لمساعدة أفراد الجالية العربية على اتباع سلوك يقوم على احترام حقوق الإنسان، وعلى تبني ثقافة تنبذ العنف، وتنشد السلام، وتعلي كرامة الإنسان”.
ورغم رغبة المؤسسين في ان تغطي أنشطة هذه المؤسسة أوضاع الجاليات العربية في سويسرا، وفي البلدان الأوروبية المجاورة، إلا أن منطق التدرّج والواقعية، والحرص على الفعالية والجدوى، اقتضى تركيز الجهود أوّلا على المقيمين بجنيف، وخاصة الفئات الأكثر عرضة منهم للتمييز والمضايقات، وفي مقدّمتهم المقيمون بطريقة غير شرعية، والمحتجزون في السجون، والنساء الفاقدات لأي سند أو معين.
سبل النهوض بحقوق الإنسان
رغم أن العنف المعنوي والجسدي وسوء المعاملة ظواهر لا يخلو منها أي بلد، ولا أي فضاء سواء داخل المدارس أو في المنازل، وضد الأطفال أو النساء، أو المعتقلين في السجون، فإن ما يعمّق هذه الظاهرة، ويفاقمها هو غياب العمل التوعوي الذي يهدف إلى النهوض باحترام حقوق الإنسان في حالة المهاجرين، وخاصة المقيمين منهم بطريقة غير شرعية.
أغلب هؤلاء المهاجرين يلتحقون ببلدان غير بلدانهم الأصلية، ولم يتهيؤوا بما فيه الكفاية للإندماج في المجتمعات الجديدة التي لا يعرفون محددات نظامها الإجتماعي، ولا قيمها وأخلاقياتها، ولا قوانينها وأعرافها التاريخية. ونتيجة لعدم الإدراك هذا، يصبح هؤلاء ضحايا لسوء الفهم، وتتعالى دعوات الكراهية وعدم التسامح ضدهم.
في المقابل، وفي غياب بدائل أخرى، تشير بديعة الكوطيط إلى أنه “أمام هذا العنف، والإهانات والإستغلال، يلجأ البعض من هؤلاء إلى ارتكاب أعمال مخالفة للقانون، أو مهينة للذات البشرية للحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم”، لكنها تستدرك قائلة: “هذا الإختيار لا يعرّضهم فحسب إلى نقمة المجتمع، وإلى العنف والتضييق عليهم، بل والاخطر من ذلك إنه يحوّلهم إلى أشخاص عنيفين فعلا”.
ومن أجل كسر هذه الحلقة الجهنمية، ارتأى القائمون على هذه المنظمة غير الحكومية إستثمار الوقت والجهد في ملء هذا الفراغ، وتنزيل هذه المقاربة ميدانيا عبر تنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج الهادفة التي لاقت الدعم المالي والمعنوي من السلطات في كانتون جنيف، ونفّذت بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني.
مائدات مستديرة للنساء
هذا المشروع (FemmesTISCHE ، وتعني بالعربية “مائدة مستديرة للنساء”) يخص النساء المهاجرات المقيمات في جنيف وضواحيها، وعدد كبير منهن من أصول عربية، يعانين من التهميش والعزلة، وتعترض سبيلهن مشكلات يحتجن إلى المساعدة لتجاوزها، وهي تجربة تتواصل منذ 15 سنة في الكانتونات الناطقة بالالمانية، وقد برهنت على نجاحها، واليوم ينفّذ هذا المشروع في ثلاث مدن مختلفة في سويسرا الروماندية .
تتلخّص الفكرة في تشجيع اندماج النساء المهمّشات، ومن ضعاف الحال وفكّ عزلتهن الإجتماعية عبر تنظيم طاولات مستديرة باللغة العربية، أو بلغات اخرى، تشرف عليها مربيات متخصصات يعرفن جيّدا خصائص المجتمع السويسري، ونظامه الإجتماعي في أجواء آمنة ومريحة، لكنها متحررة من الطابع الرسمي.
توفّر هذه الدورات للمشاركات معلومات أساسية عن الواقع من حولهن بما يساعدهن على الإعتماد على انفسهن، ويوفّر لهن فرصة بناء علاقات إجتماعية بينهن بما يسمح بخروجهن من عزلتهن، وتطوير علاقات تعاون بينهنّ تشجّعهن على الإندماج الإيجابي في الحراك الإجتماعي من حولهن.
كذلك تسمح هذه الدورات للمشاركات بالتعرّف عن الاختصاصات المختلفة للمؤسسات العمومية، وتشكل إطارا مناسبا للحوار مع المسؤولين في تلك المؤسسات، وتغطي القضايا المطروحة للنقاش موضوع التعليم في المداس، وقضايا العلاج والتأمين الصحي، ومخاطر التدخين والمشروبات الضارة، والعنف، والعنف المنزلي خاصة، وكيفية توفير الحماية منه.
وتشدد بديعة الكوطيط أن هذا الاسلوب “هو الأسلوب الامثل للوصول إلى هذه الفئة من المهاجرات، لأنه في العادة لا أحد يذهب للقائهنّ في العادة. وقد بلغ عدد المستفيدات من هذه الموائد المستديرة حوالي 300 إمرأة من بلدان مختلفة، من أصول عربية وغيرها”.
ولإنجاح هذا المبادرة تعاونت جمعية النهوض بحقوق الإنسان بجنيف مع العديد من المؤسسات غير الحكومية من بينها الجمعية الثقافية لمسلمات ميران، واتحاد النساء الإيرتريات بسويسرا، وجمعية النساء المسلمات بجنيف، ومدرسة الامهات بحي باكي بجنيف كذلك.
دروس في اللغات وفي معنى المواطنة
الفئة الأخرى التي تحظى بأهمية خاصة لدى هذه الجمعية هم العرب المعتقلون داخل السجون السويسرية إما بسبب مخالفتهم لقوانين الإقامة او لمخالفات وجنح ارتكبوها.
في التعامل مع هذه الفئة، تنطلق هذه الجمعية من قناعة تفيد بان دور السجون هو دور إصلاحي اجتماعي، وليس عقابي. وتتساءل السيدة بديعة الكوطيط: “ما الفائدة إذا ما تم احتجاز اشخاص لأشهر او لسنوات، ثم أطلق سراحهم ليعودوا إلى ما كانوا عليه من قبل؟”.
لتجنّب ذلك تفكّر جمعية النهوض بحقوق الإنسان وبالتعاون مع وزارة العدل والشرطة بكانتون جنيف، وكذلك بدعم ومساندة من ألبرتو فاليسكو عضو المجلس البلدي بمدينة جنيف، وعضو المجلس الدستوري بالكانتون، في إطلاق مشروع في المستقبل القريب يتمثّل في تنظيم دروس لتعليم اللغتين العربية والفرنسية، ودروس خاصة في “مفهوم المواطنة” موجهة إلى نزلاء السجون في الكانتون من اصول عربية، وذلك لمساعدتهم على إعادة الإندماج في الحياة الإجتماعية بعد خروجهم من السجن.
هذه الدروس تتمثّل خلفيتها الاساسية على حد قول المديرة التنفيذية: “في الوعي بالواجبات والحقوق، وما يتطلبه من سلوك مدني ينبذ العنف، ويمكّن هؤلاء من الحق في الصحة، وفي الشغل وفي الحرمة الجسدية مقابل احترام ممتلكات الغير وعدم التعدّي عن الآخرين”.
الإندماج في ميدان العمل
الهدف من هذا المشروع هو السماح للنساء المهاجرات من اصول شرقية، واللاتي يعانين من البطالة، او يبحثن عن عمل إضافي لتحسين أوضاعهن الاجتماعية، من الاستفادة من قدراتهنّ في مجال الطبخ من اجل الحصول على بعض الموارد المالية، ومن أجل الانخراط في شبكة من العلاقات تسمح لهنّ بإيجاد وظائف قارة.
وهنا يتمثّل دور هذه الجمعية في البحث عن الجهات التي تحتاج إلى خدمة هذه الفئة، وفعلا تقول السيدة بديعة الكوتيت: “نجحنا في تسويق هذا العمل لدى المنظمة الدولية للفرنكفونية، ومكتب الإندماج بجنيف، ومكتب مكافحة العنف المنزلي بجنيف، ومؤسسة العلاج في المنزل،…”.
خدمة المناوبة
الخدمة الثالثة التي تقدمها هذه الجمعية لأبناء الجالية العربية في جنيف، تتمثّل في خدمة المناوبة باللغة العربية، والهدف منها كما تقول بديعة: “إرشاد ابناء الجالية ومدّهم بالبيانات والمعلومات الضرورية للتوجه إلى المرافق والمؤسسات المناسبة لقضاء شؤونهم، كإرشاد الأشخاص الذين هم في وضع إقامة غير شرعية، ويعانون من التمييز والإستغلال، للإتصال بالنقابات او بالتحالف المساند للمقيمين غير الشرعيين لإسترداد حقوقهم”.
كذلك يستفيد العنصر النسائي كثيرا من هذه الخدمة، في حالة التعرّض إلى العنف المنزلي، أو الإستغلال والتحرّش الجنسي، وفي هذه الحالات يحصل المستفيد على التوجيه المناسب، أو تقوم الجمعية بالنيابة عنه في تبليغ مطلبه أو شكواه إلى الجهات المعنية.
فضلا عن ذلك يتم اللجوء إلى الجمعية للتدخّل كوسيط لحل النزاعات إذا كان طرفاها او طرف منهما من اصول عربية، وذلك بما يساعد على معالجة الوضع من دون الإلتجاء إلى الإجراءات العنيفة او الزجرية. ناهيك عن القيام بالترجمة الفورية عند الضرورة أو ترجمة وثائق رسمية يحتاجها المهاجر العربي لغرض ما إذا كان يمر بوضع صعب.
ومن خلال ما تلقته هذه الجمعية من اتصالات وطلبات خلال عام 2011، تبيّن أن المسائل التي تشغل أبناء الجالية العربية في جنيف والمناطق المجاورة لها (غرب سويسرا عموما)، تتمثّل خاصة في إمكانية الحصول على إقامة شرعية أو تمديد رخص الإقامة، وإجراءات التقدّم بطلبات في هذا الشأن، أو البحث عن معلومات بشأن دروس مجانية في اللغات السويسرية الوطنية كاللغة الفرنسية والقوانين السويسرية بشن الأحوال الشخصية (زواج، طلاق، حضانة أبناء،..)، وحول النظام التعليمي، وكيفية التحاق الأبناء بالمدارس، والمسأئل المرتبطة بالتأمين الصحي.
مواطنة سويسرية من أصل مغربي متحصلة على ديبلوم في القانون، وفي تخصص الإدارة الثقافية والإجتماعية، وهي خبيرة في مجال حل النزاعات بالطرق الغير العنيفة، كما تابعت دراسات أدبية بجامعة السربون.
عملت الكوطيط كمستشارة في العديد من المنظمات والجمعيات من بينها: اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العديد من البلدان الشرقية، وفي جمعية المناهضة للتعذيب APT وفي جمعية “الكرامة للسجناء”، وفي مركز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب،…
تشرف على العديد من الدورات التدريبية داخل منظمة مناهضة التعذيب من اجل إعداد الأشخاص الذين يقومون بزيارة أماكن الإعتقال.
مناضلة ومدافعة عن قضايا المرأة وحرياتها، وعن حقوق الاجانب في سويسرا.
عضو مؤسس لجمعية الوسطاء الثقافيين بجنيف.
عضو مؤسس بجمعية النهوض بالثقافة العربية والإفريقية بجنيف.
عضو مؤسس لمهرجان الفيلم الشرقي بجنيف.
متحصلة على جائزة “امرأة مهاجرة.. إمراة ملتزمة” التي تمنحها سنويا مدينة جنيف.
تأسست هذه الجمعية بمبادرة من بديعة الكوطيط في جنيف سنة 2008 بغرض مساعدة الفئات الضعيفة من الجالية العربية في جنيف أوّلا وفي سويسرا ثانيا. ومن الفئات التي تحظى بالاهتمام المقيمين غير الشرعيين، ونزلاء السجون، والنساء الفاقدين للسند.
هي جمعية مستقلة عن أي جهة سياسية، ومحايدة دينيا.
تعتمد منهجية الإستماع البناء للمحتاجين لخدماتها، ولا تعتمد أسلوب الإحتجاج على أي جهة من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافها.
من أبرز أنشطة الجمعية: تنظيم دروس لتعليم اللغات الوطنية السويسرية واللغة العربية، وتنظيم محاضرات وموائد مستديرة حول كل ما يخص الحياة اليومية للمهاجرين، والمشكلات التي تعترضهم.
تتوجه الجمعية بأنشطتها على وجه الخصوص إلى الأجانب في سويسرا والسجناء والطلبة في مجال القانون وحقوق الإنسان، كما تمنح عناية خاصة إلى قضايا المرأة.
من الناحية الجغرافية، تعتني هذه الجمعية خصوصا بالرعايا العرب في جنيف، ثم في سويسرا، وبأوضاع حقوق الإنسان في شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.