“اليدُ الممدودة” تدقُّ ناقوس الخطر
كشفت جمعية "اليد الممدودة" عن أرقام مُخيفة حول نسب الانتحار والتفكير في الانتحار في بلد صغير مثل سويسرا.
فهذه الجمعية التي كرست نشاطاتها منذ قرابة 50 عاما لتقديم الدعم النفسي عبر الهاتف لمن تُسيطر عليهم فكرة الانتحار، تلقت ما لا يقل عن 210 ألف مكالمة خلال عام 2003!
“أنا أتواجد فوق جسر، وسألقي بنفسي الآن في الفراغ. لم يعد لحياتي أي معنى”.. هذا مُجرد مثال واحد من عشرات، بل مئات المكالمات التي تتلقاها كل يوم جمعية “اليد الممدودة” السويسرية على الرقم 143.
كيف يمكن الرد على هذه المكالمات؟ وما هو أنجع أسلوب لإقناع الشخص الذي لم تعد تفصله عن الموت سوى خطوة واحدة أو ربما أقل؟ ما الذي يدفع آلاف الناس في سويسرا إلى اليأس والتعجيل بنهايتهم بدل التمسك بالحياة ورجاء الأفضل؟
جمعية “اليد الممدودة” حاولت الرد على هذه الأسئلة وغيرها في ندوة عقدتها يوم الثلاثاء 25 مايو في العاصمة الفدرالية برن، وكشفت خلالها عن أرقام مخيفة تدعو للقلق والتأمل في ظاهرة الانتحار التي أضافت لسجلها في سويسرا 1600 شخصا في عام 2003.
سجل سويسري حزين
وقد سجلت جمعية “اليد الممدودة” خلال نفس العام 210 ألف مكالمة، أي ما يعادل ارتفاعا بنسبة 50% مقارنة مع عام 1980. وتلقت الجمعية نصف تلك المكالمات من أشخاص كانوا بالفعل على وشك وضع حد لأيامهم. وأكدت المعطيات والأرقام التي كشفت عنها الجمعية أن نسبة الانتحار في سويسرا مازالت من أعلى النسب في العالم.
أما متاعب الحياة التي تقفل نوافذ الأمل في وجه الآلاف من أبناء الكنفدرالية وتدفعهم إلى التفكير في الاتصال بالرقم 143، فهي عديدة ولا تقتصر على شريحة عمرية أو اجتماعية معينة.
ويتصدر هذه المنغصات توتر العلاقات الأسرية، والعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، والإدمان بكافة أشكاله (على الكحول والمخدرات والألعاب والأغذية). ولا تغيب المشاكل المتعلقة بالحياة الجنسية أو الصعوبات المادية وحتى المهنية عن قائمة المشاكل، حيث تتلقى جمعية “اليد الممدودة” صرخات نجدة من أشخاص يعانون من ممارسات التحرش في العمل المعروفة بـ”Mobbing”، أو من قسوة الالتحاق بطوابير العاطلين عن العمل.
وعندما تعلن الجمعية أنها تلقت أكثر من 200 ألف مكالمة في سنة 2003، ذلك يعني في لغة الأرقام دائما أنها تلقت 575 مكالمة في اليوم الواحد وثلاث مكالمات في الدقيقة الواحدة! وهي نسب تجسد اليأٍس والتشاؤم الذي ينهش عظم شريحة واسعة من المجتمع السويسري، وخاصة النساء اللاتي يمثلن ثلث عدد المتصلين بالرقم 143. وغالبا ما تشتكي السيدات من التعرض للعنف أو من ظلمة الوحدانية.
أما الشباب الذين تقل أعمارهم عن العشرين عاما فيمثلون 10% من المستنجدين بـ”اليد الممدودة”. فيما يشكل الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاما 20% من مُحاوري الجمعية. ويظل شعور هؤلاء المسنين بالذنب لكونهم عالة على محيطهم أو المجتمع السبب الرئيسي في إيقاظ نزعاتهم الانتحارية.
وفي هذا السياق، توضح جمعية “اليد الممدودة” أنه عندما يبلغ الاضطراب درجة معينة، يهوى المرء إلى أدنى مستويات العزلة والاكتئاب، و”يجد نفسه في مرحلة تمهيدية قد تؤدي به إلى الانتحار أو إلى خطر الانتحار”.
تكوين خاص لمستقبلي المكالمات
وقد طورت الجمعية التي يعود تأسيسها لعام 1957 مساعداتها في مجال الوقاية من الانتحار على عدة جبهات.
المساعدة تبدأ بطبيعة الحال فور تلقي المكالمة. فما العمل عندما يسمع مُستقبلو المكالمات في “اليد الممدودة” جملة من قبيل “سئمت من الحياة، سألقي بنفسي الآن”؟ تجيب السيدة آنليس سانتشي من فريق التكوين في الجمعية “يجب الابتعاد كل البعد عن الإجابات الانعكاسية مثل :”لا تفعل ذلك، انتظر!”. بل يجب محاولة التعرف على ما حدث للشخص في نفس اليوم الذي قرر فيه الاتصال بالجمعية والإصغاء بعناية وتفهم للمشاكل التي أدت به إلى الاستنجاد بالرقم 143.
لكن الإصغاء لهذه النداءات يتطلب مؤهلات وكفاءات خاصة. وتوفر جمعية “اليد الممدودة” تكوينا دقيقا لمن نجحوا في اختبارات التصفية قبل العمل لحسابها. ويذكر هنا أن 550 موظفا متطوعا يعملون في الجمعية بمعدل 30 ساعة في الأسبوع. ويؤكد رئيسها بيتر إيفرت أن “اليد الممدودة” لا تواجه أية صعوبة في مجال التوظيف.
مشاكل أخطر على الانترنت
وفي إطار تطوير خدماتها وتخفيف الضغط على الخط الهاتفي 143، فتحت جمعية “اليد الممدودة” في عام 2002 موقعا لها على الإنترنت. وتلقى الموقع في العام الأول 900 رسالة إلكترونية. ويقول المسؤول عن الموقع توني ستيغر: “إنه الحل بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون الكتابة على الاتصال المباشر: ذلك يتيح لهم التحكم في الحدود التي يودون وضعها بينهم وبين الشخص الذي يتلقى الرسالة”.
ويشير السيد ستيغر إلى خطورة المشاكل التي تُعرض على الجمعية عبر الانترنت، حيث يقول إن “التعبير عن الاستغاثة النفسية وفقدان الأمل (في الرسائل الإلكترونية) أشد حدة مما تتضمنه المكالمات الهاتفية”. لكن الجانب السلبي في التواصل عبر الانترنت يظل عدم تمكن الجمعية من الرد على الرسائل على الفور، حيث يجب الانتظار 48 ساعة على الأقل قبل التوصل بإجابة المتخصصين في الجمعية.
مساعي متواصلة لتعزيز الحضور
وقبل إنشاء موقعها على الإنترنت، شرعت الجمعية منذ عام 1999 في وضع شارتها المتكونة من يد ممدودة وقلب ورقم الهاتف 143، في كل الأماكن “الخطرة” المُرشحة لتنفيذ عمليات الانتحار مثل الجسور والأبراج والمباني المرتفعة.
وتحرص الجمعية، فضلا عن ذلك، على تبادل المعلومات والمعطيات حول الانتحار مع أطباء ومتخصصين في علم النفس وأطباء الأطفال وقادة الشرطة ورجال الدين في مختلف الكانتونات. كما تحاول إقامة علاقات مُباشرة مع الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار عبر زيارتهم في بيوتهم.
ويرى رودولف بوليغر، الأمين المركزي للـ”اليد الممدودة” أنه يتعين على الجمعية أن تعزز حضورها في المستقبل، وخاصة في وسائل الإعلام لتعميق وعي الجمهور بظاهرة الانتحار التي تفتك على وجه الخصوص بالشبان السويسريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما.
سويس انفو مع صحيفة “لا ليبرتي”
تأسست جمعية “اليد الممدودة” عبر الهاتف رقم 143 في سويسرا في عام 1957
تلقت الجمعية في عام 2003 ما لا يقل عن 210000 مكالمة
ارتفعت نسبة المكالمات التي تتلقاها الجمعية بنسبة 50% في ظرف 10 سنوات، اي ما يعادل 575 مكالمة في اليوم الواحد، وثلاث مكالمات في الدقيقة الواحدة
تظل نسبة الانتحار في سويسرا من أعلى النسب في العالم
سجلت رسميا 1600 حالة انتحار في عام 2003 في الكنفدرالية
ثلثا الأشخاص الذين يتصلون بالرقم 143 في سويسرا نساء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.