تحديات الأمن الداخلي في سويسرا.. عنف سياسي وإرهاب وجريمة منظمة
تظل التهديدات التي تواجه الأمن الداخلي في سويسرا، على حالها: تطرّف، وجريمة منظمة، وإرهاب أصولي. هذه هي خلاصة تقرير الشرطة الفدرالية السويسرية لسنة 2008، الصادر يوم 19 مايو 2009 ببرن.
وكما هو الحال في السنة الماضية، يشير التقرير إلى غياب أي مؤشرات لوجود استعدادات ملموسة وفعلية لتنفيذ اعتداءات إرهابية في البلاد، وإن لم يستبعد وجود شبكات إرهابية ناشطة على التراب السويسري.
كما تعتبر الشرطة السويسرية الجريمة المنظمة، والتطرف من أبرز التهديدات التي تواجه الأمن في سويسرا، ومن ذلك العصابات المنظمة المنحدرة من بلدان رابطة الدول المستقلة، وأقطار أوروبا الشرقية، أو الانعكاسات المنجرة عن تصاعد واستمرار النزاعات المسلحة في كل من تركيا، والعراق، وسريلانكا.
الإرهاب الأصولي
وحول ما يسميه “الإرهاب الأصولي”، يرصد تقرير الشرطة الفدرالية في سويسرا حركة التيار الجهادي على الساحة الدولية، وانتقال ساحات نشاطه بين العراق وأفغانستان، ومنطقة القرن الإفريقي، وشمال إفريقيا. ويعتبر التقرير السويسري هذا التيار خطرا دائما يظل يخيم على الاوضاع الأمنية في جميع اقطار اوروبا الغربية.
وفي سويسرا تحديدا، يتوقف التقرير عند ما يسميه “ارتباطات دولية” لبعض “السلفيين الإسلاميين” المقيمين في سويسرا، ويضرب مثالا على ذلك، ما كشف عنه التحقيق من “علاقة لبعض العناصر في سويسرا بخلية إرهابية تم تفكيكها أخيرا في منطقة “لاسار”، إحدى المقاطعات الألمانية.
ويشدد التقرير الذي صدر يوم الثلاثاء 19 مايو 2009 على أن “إمكانات وقدرات هذه العناصر لا تقتصر على الجانب اللوجستيكي أو الدعاية فقط، بل تتجاوز ذلك إلى القدرة على التخطيط والتنفيذ أيضا”.
ومن الأدلة التي يسوقها جهاز الأمن الفدرالي لتعزيز استنتاجاته “الحكم بمنع الدخول إلى التراب السويسري الذي أصدرته إحدى المحاكم السويسرية السنة الماضية بحق أحد اللاجئين التونسيين اتهم بتقديم الدعم والمساندة لمنظمة إجرامية إرهابية”.
واستنادا لمصادر الشرطة الفدرالية دائما، فقد “شارك هذا العنصر في توجيه تهديدات عبر شبكة الإنترنت ضد مصالح سويسرية، كما شارك في أعمال مسلحة خلال السنة نفسها في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان”.
الجريمة المنظمة
لا يشير التقرير إلى أي تراجع في نسبة الجريمة المنظمة، وتأتي في مقدمة تلك المنظمات، المجموعات المتمركزة في بلدان رابطة الدول المستقلة حيث أن “هذه الأخيرة تبذل جهودا كبيرة من أجل استخدام الساحة المالية السويسرية لتبييض الأموال، بالتواطؤ مع شبكة من المحامين، وأعوان ائتمانيين، وشخصيات متنفّذة”.
وخلال 2008، وهي السنة التي يغطيها هذا التقرير، تقول الشرطة الفدرالية “برزت عدة مؤشرات عل تورط العديد من الشركات المسجلة في سويسرا في تهريب المخدرات والإتجار فيها، أو في التحايل في استخلاص الرسوم على القيمة المضافة”.
من ناحية أخرى، بات من الواضح أن سويسرا تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى إحدى أهم الأماكن التي تبرم بها صفقات المواد الأولية، خاصة النفط الخام، حيث أن ثلث التجارة العالمية من هذه المادة يحصل التفاوض عليه في جنيف، بما في ذلك ثلاث أرباع الصادرات الروسية والكازاخستانية، ومعلوم لدى المصادر الأمنية ارتباط هذه التجارة بأجهزة المخابرات، والمنظمات الإجرامية.
العنف السياسي
رغم تراجع اعمال العنف المرتبطة باليمين المتشدد في سويسرا بنسبة 30% مقارنة بسنة 2007، فإن أنشطة التيارات اليمينية المتطرفة قد ازدادت وتوسعت في عام 2008.
ويفسّر تراجع أعمال العنف في هذا الإطار من جهة بفعالية الإجراءات الوقائية والضغوط التي مارستها عليها الأجهزة الأمنية، ومن جهة أخرى، بالتحوّل الذي طرأ على سلوك هذه الأطراف المتشددة، كسعيها أكثر فاكثر للظهور بمظهر التيار السياسي، واعتماد الأسلوب المتعارف عليه في الدفاع عن أفكارهم، وتنظيم تظاهرات في إطار قانوني وبعد الحصول على موافقة الجهات الرسمية. لكن كل هذا لم يمنع حدوث صدامات بين متشددين من أقصى اليمين وأقصى اليسار وخاصة في كانتون زيورخ أو على هامش انعقاد الدورة السنوية للمنتدى الإقتصادي العالمي في منتجع دافوس في الأسبوع الأخير من شهر يناير.
من ناحية أخرى، ظل عنف الأجانب المقيمين بالبلاد، والذين ينشطون تحت يافطات سياسية مختلفة مرتبطا إلى حد بعيد بتطوّرات الأوضاع في بلدانهم. كما هو الحال بالنسبة لجزب العمال الكردستاني والوضع في تركيا، أو انصار حركة نمور التاميل الإنفصالية.
وقد اضطرت الحكومة السويسرية في الحالة الاولى إلى الحد من نشاطات حزب العمال بعد أن ارتكب اعمال عنف ضد مصالح تركية في سويسرا، وإلى تحذير الناشطين التاميل في كل من برن وجنيف بعد أن عمدوا إلى تنظيم تظاهرات لم تسمح لهم بها السلطات، وحاول البعض منهم اقتحام المقر الاوروبي للأمم المتحدة بجنيف احتجاجا على ما اعتبروه “صمتا دوليا على المذابح التي ارتكبها الجيش السريلانكي بحق التاميل”.
عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch
تراجع العدد الإجمالي للمخالفات المسجلة في سويسرا سنة 2007 (آخر إحصاء أصدرته الشرطة الفدرالية بهذا الشأن) مقارنة بالسنة التي سبقتها، وبلغ عدد تلك المخالفات 279.274 حالة. وتبلغ نسبة التراجع هذه 3.1% (8.882 حالة.
مسّ هذا التراجع جميع أنواع المخالفات، وإن كانت تأتي في المقدمة جرائم السرقة، حيث سجّل تراجع بنسبة 5.5% مقارنة بسنة 2006. كذلك يشير تقرير الشرطة الفدرالية إلى تراجع جرائم سوء إستغلال الثقة بنسبة 18% ، وجرائم الحرائق المتعمدة بنسبة 8% .
في المقابل، يسجل التقرير وبالنسبة لنفس الفترة، تزايد جرائم الإحتيال وانتزاع الممتلكات بقوة بنسبة 53.2% ، وتزايد الإعتداء اللفظي والجسدي على موظفي القطاع العمومي ورجال الشرطة بنسبة 17%، وكذلك تزايد عمليات الإغتصاب والإعتداءات ذات الطابع الجنسي بنسبة 6%، اما جرائم القتل المتعمد فقد ازدادت نسبتها 2.5%.
بالنسبة لفئة المتهمين بارتكاب هذه الجرائم، ظلت نسبة القصّر منهم على حالها كما هي سنة 2006، أي 19.7%، في حين مثل الأجانب 51.1% فقط 70% منهم مقيمون في سويسرا.
لم يعد يخلو أي موعد رياضي في سويسرا من مظاهر العنف بين الجمهور الرياضي، وحصلت العديد من الأحداث اللافتة هذه السنة في لوزان وبيان/ بيل، وآخرها ما حدث يوم الأحد 17 مايو 2009 على هامش اللقاء الكروي الذي جمع بين فريقي زيورخ وبازل، وفازت فيه بازل بثلاثة اهداف مقابل هدف واحد.
وبمجرد انتهاء المقابلة، اندلعت أعمال عنف بين أنصار الفريقين، أصيب على إثرها 15 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة من بينهم سبعة أعوان أمن، وشارك في تلك الأعمال أطفال تقل أعمارهم عن 15 سنة، وألقي القبض على 14 شخصا، من بينهم 12 شخصا من أصول سويسرية وألباني وإيطالي. من بين الموقوفين بمخافر الشرطة في بازل، غالبية من الشبابن اليافعين، تسعة منهم يقيمون بزيورخ.
تسببت هذه الأحداث في بعض الخسائر المادية من بينها تدمير سبع سيارات، وإشارات طرقية ومحال عمومية، وتقدر هذه الخسائر بعشرات الملايين من الفرنكات. وتتهيأ الشرطة في العاصمة برن لمواجهة أي أعمال مشابهة خلال مقابلة نهائي كأس سويسرا التي ستجمع فريقي سيون (من كانتون الفالي) ويونغ بويس (من كانتون برن)، ومن المنتظر أن تعج مقاعد الملعب بآلاف المتفرجين المتحمسين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.