حظر استعمال الأسلحة الإنشطارية.. خطوة “تاريخية” لكنها محدودة
تدخل المعاهدة الدولية لحظر القنابل العنقودية حيز التنفيذ في غرة أغسطس بعد أن وقعها لحد الآن 107 بلدا من بينهم 37 تجاوزوا مرحلة التصديق وهي مناسبة جيدة لمراجعة تفاصيل مسيرة يصفها البعض بأنها "نصف مظفرة".
وفي يوم الخميس 29 يوليو، اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر دخول اتفاقية اوسلو لحظر الاسلحة الإنشطارية “لحظة تاريخية” نظرا إلى أن المدنيين هم أكثر ضحاياها.
وأعرب رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر جاكوب كيلنبرغر في بيان صدر في جنيف عن الترحيب بدخول اتفاقية أوسلو حيز التنفيذ ما “يشكل لحظة تاريخية في الصراع لمكافحة استخدام الأسلحة الإنشطارية يتوقع ان تنهي عقودا من المعاناة لدى الرجال والاطفال والنساء”، وتابع “نغتنم هذه الفرصة لتوجيه نداء الى جميع الدول الاطراف في الاتفاقية كي تطبقها بلا تأخير، على أمل أن يؤثر سريان الإتفاقية على الدول التي لم تنضم اليها بعد”.
وتُعد سويسرا، التي تنتج قنابل انشطارية من طراز M85 (في شركة رواغ Ruag بترخيص إسرائيلي)، من بين الدول التي وقعت على المعاهدة الدولية لحظر الذخيرة العنقودية. ولكن يُنتظر من الكنفدرالية أن تصادق على المعاهدة التي تم اعتمادها في دبلن في شهر مايو 2008، ومن المتوقع ان يتم ذلك في موفى العام القادم.
مع ذلك، يُبدي بول فيرمولان، مدير الفرع السويسري لمنظمة “هانديكاب انترناسيونال”، قدرا لا بأس به من التفاؤل حيث لا يتوقع أن تتم عرقلة هذه المصادقة لدى مناقشة الموضوع من قبل البرلمان الفدرالي. ويُذكر بأن مجلسي النواب والشيوخ صادقا على التماسين يطالبان بتصديق سريع على المعاهدة.
ومن ناحيته، يرى العقيد أليكساندر فوترافير، مدير قسم العلاقات العامة بالجامعة الأمريكية ويبستر في جنيف، أن مشروع القانون الذي سيطرح للنقاش البرلماني خلال الأشهر القادمة سوف لن يتعرض لأية معارضة لا من قبل العسكريين ولا من قبل قطاع صناعة الأسلحة. إذ يقول رئيس تحرير المجلة العسكرية الموجهة لضباط الجيش “حتى قيادة الجيش لا ترى في ذلك معركة حاسمة”، ولو أنها تؤكد بأن “التخلي عن استخدام هذه الذخيرة سيفقد فرق المدفعية بالجيش السويسري حوالي 75% من قوة نيرانها”.
ويشير اليكساندر فوترافير إلى أن “التوقيع على هذه المعاهدة تم حتى بدون مناقشة موسعة، على عكس ما تم بالنسبة لنظيرتها معاهدة أوتاوا الخاصة بحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد”.
ولا يستبعد هذا الضابط وجود رغبة لدى الجيش السويسري في الحصول على تعديل لمشروع القانون بحيث ُيسمح على سبيل المثال بإنتاج واستخدام هذه الذخيرة في حالة الحرب إذا ما تعاظمت جودة استخدام هذه القنابل (أي أن تنفجر القنابل العنقودية المتضمنة في هذه الذخيرة بشكل مؤكد عند إطلاقها)، وهي تعديلات سوف تثير لا محالة غضب أنصار المعاهدة الذين سيرون في ذلك إضعافا لها بل حتى إفراغا لمحتواها.
ويحرص العقيد اليكساندر فوترافير على التذكير بأن هذه القنابل العنقودية تعد “أقل ضررا”، لأن الولايات المتحدة – عند تطويرها لها أثناء حرب فيتنام – إنما قامت بذلك لتفادي استخدام قنابل النابالم الحارقة ذات التأثير التعيس.
رهن للمستقبل
هذا الرأي قد يجد استحسانا بدون شك لدى سكان جمهورية لاوس. فقد أطلقت القوات الأمريكية على هذا البلد الجبلي المجاور لفيتنام، ما بين عامي 1964 و 1973 أكثر من 270 مليون طن من القنابل، لكن أكثر من ثلث تلك القنابل لم ينفجر مما يعمل على تحويل الذخيرة العنقودية فيها الى ألغام خطيرة للغاية.
ويرى هانس يورغ هيبرلي مدير المؤسسة السويسرية لنزع الألغام، في اقتباس نقلته جريدة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) أن “هذه الذخيرة التي لم تنفجر والتي تواصل إصابة أشخاص بعد 30 عاما من حرب فيتنام، وتعرقل زراعة مساحات شاسعة من لاوس قد يتطلب الأمر أكثر من نصف قرن لإبطال مفعولها”.
وستستضيف “فينتياني”، عاصمة اللاوس بالتحديد ما بين 8 و 12 نوفمبر القادم أول مؤتمر للدول الأعضاء في معاهدة حظر القنابل العنقودية. ويرى الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر فلوريان فيستفال أنه “سيسمح بتعزيز آليات تطبيق هذه المعاهدة ومراقبتها باعتماد خطة عمل”.
آليات المراقبة
من جهته، يرى بول فيرمولان مدير الفرع السويسري لمنظمة “هانديكاب انترناسيونال”، استنادا الى تجربة معاهدة أوتاوا لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد لعام 199، أن “التشهير العلني بالدول المنتهكة يعتبر وسيلة مراقبة فعالة”.
فهذه المعاهدة – شأنها في ذلك شأن معاهدة حظر الذخيرة العنقودية – تخضع لآليات مراقبة ولتحضير تقرير سنوي يُعده مئات الباحثين المستقلين الذين تلقوا تكوينا خاصا في هذا الميدان. وهو عمل يُنجز تحت إشراف منظمات غير حكومية تم تشكيلها لدعم المعاهدتين.
فقد أشار الخبراء في تقريرهم الأخير الى أن أيا من الدول الموقعة لم تلجأ إلى استخدام ألغام مضادة للأفراد، حتى ولو ان هناك شكا في إمكانية لجوء حوالي عشرة دول، أغلبها افريقية، الى استخدام تلك الألغام. كما أشار التقرير أيضا الى أنه في عامي 2008 و 2009، واصلت دولتان غير موقعتان على المعاهدة وهما روسيا وميانمار (بورما سابقا)، استخدام هذه الذخيرة الدفاعية، شأنها في ذلك شأن العديد من المجموعات المسلحة في سبعة بلدان على الأقل من بينها ثلاث دول موقعة على المعاهدة هي أفغانستان، وكولومبيا، وبيرو.
ودائما حسب هذا التقرير، تعهدت أكثر من 60 مجموعة مسلحة في العالم، بعدم اللجوء إلى استخدام الألغام المضادة للأفراد خلال السنوات الأخيرة. وهو ما يدفع بول فيرمولان الى القول “إن سوق الألغام المضادة للأفراد بدأ يتراجع. وهذا ما يبرهن على فعالية وجود معاهدة من هذا النوع، تدعمها منظمات غير حكومية”.
لكن الكساندر فوترافير، يشكك في ذلك مذكرا بأن “أغلب كبار منتجي هذه الأسلحة لم ينضموا للمعاهدة مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وإسرائيل”، ويطالب بوضع نظام مراقبة ناجع عبر مؤسسات متعددة الأطراف مثل “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”.
خارج نطاق معاهدات جنيف
نظرا لعدم اتفاق الدول على حظر استخدام هذه الأسلحة، لجأت كل من النرويج (بالنسبة للذخيرة العنقودية)، وكندا (بالنسبة للألغام المضادة للأفراد) إلى حمل المشعل وأخذ المبادرة مستندة في ذلك على منظمات المجتمع المدني.
ويرى ايف لادور، المحلل المختص في نشاط المنظمات غير الحكومية أن اللجوء إلى منظمات المجتمع والرأي العام لمراقبة التطبيق والتشهير بالدول المنتهكة، يُجنب الدول الدخول في مواجهات مباشرة مع بعضها البعض. وهي الصيغة التي تطبقها الى حد ما اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ أمد طويل.
ويلاحظ الكساندر فوترافير أن اعتماد هاتين المعاهدتين سجّل نهاية حقبة كانت تتمثل في تعبئة كافة الدول تقريبا من أجل التوصل إلى وضع حد لاستخدام سلاح من الأسلحة. وهو المبدأ المتضمن في معاهدات جنيف التي يتركز عليها عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
فريديريك بورنان – swissinfo.ch – جنيف
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)
تدعم سويسرا ثلاثة مراكز تكوين وخبرة تعمل لصالح استتباب السلم في العالم انطلاقا من جنيف.
المركز الدولي الإنساني لنزع الألغام: يعمل على تقديم النصح والاستشارة للدول المعنية، وتطوير المعايير الدولية لمحاربة استخدام الألغام المضادة للأفراد. وهو يعد بمثابة شريك فعال للأمم المتحدة في مجال محاربة الألغام المضادة للأفراد وإبطال مفعول ذخيرة الحرب التي لا تنفجر. كما يتولى المركز مهام سكرتارية معاهدة أوتاوا لحظر الألغام المضادة للأفراد.
مركز السياسة الأمنية: يقدم تكوينا عمليا للإطارات الوطنية في الدول، والقوات المسلحة، والمنظمات الدولية، وممثلي منظمات المجتمع المدني. ومن المواضيع التي يتطرق لها في تكوينه، موضوع نزع السلاح، والتطرف المصحوب بالعنف، والأمن الإنساني.
مركز المراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة: يقدم الدعم للدول والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في جهودها الرامية الى فرض رقابة مدنية وبرلمانية على قطاعات الأمن. ويدعم المركز بالخصوص الدول والديمقراطيات الفتية التي عانت أو التي مازالت تعاني من صراع مسلح، في مجال إصلاح قطاعاتها الأمنية ودعم مراقبتها عبر ممثلي المجتمع المدني والممثلين البرلمانيين.
(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.