طرد المجرمين الأجانب: سباق نحو مزيد من التّشدد في سويسرا
في ردّ مباشر على المبادرة الشعبية التي أطلقها اليمين السويسري المتشدد منذ سنة ونصف، والداعية إلى طرد الأجانب الذين يرتكبون جرائم خطيرة أو يسيئون استغلال المساعدات الاجتماعية، تقدّمت الحكومة الفدرالية يوم 24 يونيو 2009 بالتماس إلى البرلمان يشدد الإجراءات ضد من يوصفون بـ "المجرمين الأجانب".
المشروع الحكومي يرمي إلى إقرار تشريع يسمح بطرد الأجانب الذين صدر بحقهم حكم بالسجن لمدّة سنة على الأقل، بسبب جرم خطير ارتكبوه كالقتل والاغتصاب والسطو المسلح أو الإتجار بالبشر.
ويشير المراقبون إلى أن التعديل الذي أدخلته الحكومة على مقترحها الأوّل، وانتقال الحكم الأدنى المستوجب للطرد من البلاد من عاميْن إلى عام واحد جاء بعد انتهاء فترة الاستشارة الموسعة التي شملت الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية وجهات مؤثرة من المجتمع المدني، وكذلك نتيجة رغبة الحكومة خطب ود أطراف سياسية بعينها.
وفي معرض تبريرها لخطتها البديلة، تقول الحكومة إن مبادرة حزب الشعب (يمين محافظ) تنال من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، خاصة مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة، ولا توفر ضمانات لحماية الحياة الشخصية والعائلية، وتتعارض مع بعض البنود الواردة في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا تحترم الالتزامات الواردة في اتفاق حرية تنقل الأشخاص المبرم مع الإتحاد الأوروبي.
لكن وزيرة العدل والشرطة، إفلين فيدمر-شلومبف، أقرت خلال الندوة الصحفية التي عقدتها يوم الأربعاء 24 يونيو ببرن بأن “مبادرة اليمين المتشدد لا تتعارض مع القانون الدولي”.
غضب على اليسار
إذا كانت مبادرة اليمين المتشدد الداعية إلى “الطرد الآلي للأغنام السوداء” (في إشارة للأجانب الذين يرتكبون جرائم تقودهم إلى السجن)، تواجه رفضا من الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، فإن خطة الحكومة في المقابل، تحظى بتأييد غالبية الكانتونات، ومدراء أقسام العدل والشرطة فيها، كما يؤيدها اتحاد المدن السويسرية، واتحاد البلديات، واتحاد نقابة الأعراف السويسريين، وإن كان هذا التأييد أضعف في صفوف الأحزاب السياسية.
وفي الوقت الذي تلقى فيه المبادرة الحكومية الدعم من الحزب الراديكالي الليبرالي ومن الحزب الديمقراطي المسيحيي اللذين مارسا ضغوطا على الحكومة من أجل أن يتضمّن مشروعها إشارة واضحة إلى سحب ترخيص الإقامة بالنسبة لمرتكبي الجرائم الخطيرة، بمجرد الحكم عليهم بالسجن لسنة واحدة، يواجه المشروع الحكومي الرفض من الحزب الإشتراكي السويسري، ومن حزب الشعب، وإن اختلفت مبررات كل منهما.
و بالنسبة للحزب الاشتراكي السويسري مثلا، لا تكمن المشكلة في غياب النصوص القانونية الكافية، بل “في غياب الانسجام، وتنوع المعايير في الإجراءات المتخذة في هذه الحالة من كانتون إلى آخر”. والمثال الجلي على ذلك، يحاجج المعترضون، يتجلى في أنه “في عام 2008، أطرد كانتون فو 90 مجرما أجنبيا إلى بلدانهم، مقابل 15 حالة فقط في كانتون جنيف”.
وهذه الأرقام تثبت في الواقع أن الكانتونات تتمتع بصلاحيات قانونية كافية تسمح لها بطرد الأجانب في حالات معينة، عندما يمثل وجودهم تهديدا على الأمن العام مثلا، أو إذا أدلوا بمعلومات كاذبة من أجل الحصول على رخص الإقامة، أو حوكموا لجرائم خطيرة. لكن هذه الصلاحيات القانونية من الكانتونات منها ما يبالغ في استخدامها، ومنها ما يتغافل عنها ولا يلتجأ إليها أبدا.
وفي مورد ردها على هذا الاعتراض، قالت وزيرة العدل والشرطة خلال ندوة صحفية ببرن يوم 24 يونيو: “إن أحد أهداف هذه الخطة الحكومية معالجة هذا الاختلاف بين الكانتونات، وتسهيل اللجوء إلى هذا الإجراء القانوني” على حد زعمها.
تشكيك على اليمين
حزب الخضر بدوره يتساءل عن الجدوى من المبادرة الحكومية، واتجاهها إلى المزيد من التشدد ضد الاجانب. وفي بيان صدر عن الحزب، نقرأ: “مراجعة قوانين الأجانب واللجوء غير مفيدة، ومتناقضة، ومريبة إلى حد كبير”.
وهذا الإستغراب نجده أيضا لدى المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين “أوسار” التي ترى أن خطة الحكومة “تنال من صلاحية الكانتونات، وتخالف مبدأ التناسب بين الفعل والجزاء، الذي تتدعي الحكومة نفسها احترامه”.
أما حزب الشعب فلا يرى بدوره أي جدوى من المشروع الحكومي، ويرى أنها “خطة طافحة بقواعد قانونية رخوة، وباستثناءات وصياغات تريد إرضاء طرف دون آخر”. كما لا يرى هذا الحزب أي فائدة من ربط إجراء الطرد بمدة الحكم القضائي “لأن المشرّع عادة ما يميل إلى التخفيف في الحكم، مما سيعيق عمليات الطرد الآلي في المستقبل”.
ويذهب حزب الشعب الذي أصدر بيانا للغرض إلى حد اتهام الحكومة “بالإصرار على التعامل بلطف مع الأشرار”، و”تقديم اقتراحات هي مجرد ذريعة لعرقلة المبادرة التي تقدمنا بها، لا تقدّم حلولا حقيقية، ولا تغّير من الواقع الحالي شيئا”.
الاندماج القسري أو المغادرة
الخطة الحكومية تهدف أيضا إلى دفع الأجانب المقيمين بالبلاد إلى بذل المزيد من الجهود من أجل الإندماج، وذلك من خلال ربط منح رخص الإقامة بمستوى اندماج الفرد.
وتشترط الخطة الحكومية، على سبيل المثال، في كل من يتقدم بطلب للحصول على بطاقة الإقامة من نوع “C”، “أن يحسن التخاطب بإحدى اللغات الوطنية، وأن يمتثل للقيم التي ينادي بها الدستور السويسري”.
لكن هذا غير كاف، إذ يتوجّب على المعني بالأمر أيضا “أن يبدي الرغبة ويبذل جهدا من أجل المشاركة بفعالية في الحياة الإقتصادية للبلاد، وأن يسعى للحصول على تدريب يؤهله للحصول على عمل”. ثم حذاري، الأمر يتعلق بجميع أفراد العائلة وليس بطرف دون آخر.
وفي سياق لا يختلف كثيرا، ومن أجل أحكام الرقابة على ملف الأجانب، ومكافحة الإقامة غير الشرعية، سيصبح من الواجب على الأجانب بموفى عام 2011 حمل بطاقات إقامة بالإستدلال الأحيائي. وتبرر الحكومة التي تقدمت يوم الأربعاء بنص قانوني بهذا الصدد للإستشارة وإبداء الرأي بأن هذا الإجراء “خطوة ضرورية بعد دخول سويسرا لفضاء شينغن”.
ولمنع التلاعب ببطاقات الإقامة أو تزييفها، ستخضع هذه الوثائق إلى عمليات تقنية معقّدة ودقيقة، وستتضمّن قرصا إلكترونيا يحمل في طياته صورة لوجه المعني بالأمر، ونسختيْن من بصماته، و”الإطلاع على هذه البيانات الشخصية سيبقى مقتصرا على السلطات الرسمية”، بحسب ما نقل عن الحكومة.
swissinfo.ch مع الوكالات
من حين لآخر، خلال السنوات الأخيرة، يحتدم النقاش في سويسرا حول ظاهرة “الإجرام في صفوف الأجانب”، وكيفية الرد عليها. وتزيد في تأجيج هذا النقاش الجرائم المتفرقة التي يرتكبها شبان أجانب، وتتصدر أخبارها الصفحات الأولى ونشرات الاخبار، كحادثة القتل البشعة التي تعرض لها شاب سويسري من كانتون التيتشينو الناطق بالإيطالية على يد شابيْن من أصل ألباني.
هذه الأحداث المتفرقة نجح اليمين المتشدد في توظيفها وجعل منها حصان طروادة، من أجل تحقيق مكاسب انتخابية وسياسية، كان آخرها حملة “الأغنام السوداء” التي يدعو إلى طردها خارج “الحظيرة السويسرية”.
وقد شرع البرلمان السويسري في مداولاته الهادفة إلى تشديد القوانين بداية شهر يونيو 2009، بعد تزايد الحديث عن انتشار ظواهر الإجرام والإتجار في المخدرات في المدن الكبرى والمدن الحدودية كجنيف وبازل وزيورخ.
“يجب على الأجانب الذين لا يحترمون قواننينا ولا يريدون الاندماج أن يغادروا بلادنا.
على الأجانب الذين يتقاضون بشكل مخادع مساعدات المؤسسات الاجتماعية أن يغادروا بلادنا.
لا يٍسمح بطرد الاشخاص الذين يحملون الجنسية السويسرية.
اعتماد ثلاثة تغييرات قانونية حول الطرد من أهمها تدوين مبدأ الطرد في الدستور لكي يستفيد من شرعية أقوى ويصبح ملزما لكافة الكانتونات، واعتماد الطرد مباشرة على الجنحة المرتكبة وليس على تقييم شرطة الأجانب فحسب.
الدستور سينص ببساطة على طرد الاجانب الذين انتهكوا القانون وارتكبوا أعمالا إجرامية تمثل خطرا على أمن سويسرا. كما يصدر في حقهم حكم بمنعهم من دخول التراب السويسري لفترة معينة قد تتجاوز 15 عاما.
يطالب حزب الشعب أيضا بطرد الشباب العنيفين والمجرمين من سويسرا مع والديهم الذين يفترض ان يتحملوا مسؤولية أطفالهم. ويؤكد أن المبادرة الشعبية حول الطرد لا تحصر دائرة الاشخاصة المعنيين وتستهدف كافة الاجانب بغض النظر عن سنهم.
المبادرة الشعبية تشمل لائحة الجنح القضائية التي تؤدي الى الطرد من سويسرا والمنع من دخول أراضيها: القتل المتعمد، الاغتصاب والجنح الجنسية الخطيرة وجرائم العنف مثل السطو المسلح، والمتاجرة بالبشر، المتاجرة بالمخدرات، وجرائم السرقة بالكسر”.
(المصدر: موقع حزب الشعب السويسري)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.