مضمار الزلاجات في سانت موريتس.. أكبر نحْـت في الجليد في العالم
مضمار الزلاجات الأولمبي في المُنتجع السويسري الشهير سانت موريتس، يمثل لعشاق الزلاجات الجماعية ما تمثله "موناكو" لِهواة سباق السيارات فورمولا 1. فهذا الممر الجليدي الأقدم والأكثر تقليدية في العالم، هو في نفس الوقت آخِـر مُنشأة من الجليد الطبيعي.
وعن هذا الموضوع، تحدّث كريستيان براندشن، المسؤول عن تشييد “مضمار” هذه الرياضة منذ 20 عاماً إلى swissinfo.ch.
يقول براندشن: “الفَـرق بين مضمار سانت موريتس والمضامير الأخرى، كبير جدا. فهذا الممَـر الطبيعي من سانت موريتس (وهو مُنتجع في وادي الأنغدين وبلدية في حي مالوجا في كانتون غراوبوندن)، نزولاً إلى بلدية سيليرينا (في كانتون غراوبوندَن) “نما” أو “تكون” في مُنخفض الوادي، أي إننا نسير مع الطبيعة”.
وفي كل شتاء، يُعاد بناء مضمار تزلّـج جديد من الثلوج التي تُجَمَّد بالماء. أما بالنسبة لمضامير التزلج المُصنعة، فهي على عكس مضمار سانت موريتس، حيث أنها عِـبارة عن بناء من الإسمنت المقوّى “كونكريتي”، تَتم تغطيته بطبقة من الجليد يتراوح سمكها من أربع إلى ستة سنتمترات.
ويقول برانشن: “نحن نبدأ عمليات البِناء دائِماً في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر. ويتكون فريقنا من 15 شخصا مُـتمرِّنا بصورة جيدة، حيث يأخذ الجميع موقِـعه المناسب في العمل”.
ويُواصل قائِلاً: “الشيء المُـميّـز هنا هو أن أفراد هذا الفريق المُختصّ في بِناء مَضامير التزلج قد شَكَّـلوا أنفسهم وثقفوها على مدى عقود، وهم يقدمون على وجه الحصر من بلدية “ناتورنس” في جنوب التيرول (مقاطعة شمال إيطالي)، حيث أنهم مسؤولون في فصل الشتاء عن بناء وصيانة هذا المِضمار. أمّا في فصل الصيف، فيعمل الجميع في بلاده في مجالات بناء المنازل والحراجة أو كرُعاة للماشية فوق أحد جبال الألب.
كبح سرعة الزلاجات
ويشرح براندشن عملية بناء هذا المضمار الثلجي قائِلاً: “في البداية، نقوم بجمع الثلوج، وإذا لم يتوفر هناك أي ثلج، نقوم بصُـنعه بأنفسنا بواسطة “مدافع الثلج”، ثُمَّ يُعَيّن المَسار على أساس “قطاعات” لتحديد الشكل البدائي في المرحلة الأولى. وفي المرحلة الثانية، يتكون الشكل النهائي وتوضع اللّـمسات الأخيرة التي تُحدّد فيها الاستدارات والمُنحنيات المرتفعة. وفي المرحلة الأخيرة، يتم تجميع وربط كل مقطع مع الآخر ويبدأ استخدام هذا الممَـر الجليدي للتزلّـج مع فترة الاحتفالات بعيد الميلاد”.
ويستطرد قائلا: “بالنسبة لأجزاء المضمار المُسمّـاة “حدوة الحصان” Horse Shoe و”الزاوية المُشمسة” Sunny Corner، فهي أصعب بالنسبة لقواد الزلاّجات مِمّـا هي بالنسبة لنا نحن، ذلك أن بناء المُنحنيات، ذات أنصاف الأقطار الكبيرة، أكثر صعوبة في البناء”.
ويواصل: “بسبب ازدياد خطورة مِضمار “حدوة الحصان”، كان علينا زيادة نصف قُـطرِه ليُـصبح 18 متراً بدلاً من 15، ذلك أن القِوى المُتَسَببة من الزلاّجات زادت إلى الحدّ الذي قامت فيه بحفر أخاديد على المسار الجليدي. كما لم تعد المسافة إلى النهاية كافية بسبب السرعة. أما اليوم، فلدينا خطً نهاية بطول 300 متر مع ارتفاع طفيف”.
جليد ممتاز
ويقول براندشن: “من حيث نوعية الثلج، فنحن في مركز مُمتاز دولياً، وفي هذا الصدد، فمضمار تزلج سانت موريتس على قَـدَم المُـساواة مع مضامير التزلّـج الاصطناعية – إن لم تكن متفوِّقة عليها. كما أن الجليد لدينا أكثر نُـعومة بفضل أدوات العمل أيضا، حيث نقوم بتمليس الجليد، كما يُفتَرَض على مِضمار التزلج.
ويضيف: “أنا أعرف مِضمار التزلّـج، ليس بوصفي من بُناته فقط، وإنما من مَنظور قائِد الزلاّجة. وأنا بنفسي لم أقُـدْ سوى الزلاّجات الأقدم، أما في الزلاجات الحديثة، فقد كُـنت أشارك كَراكِب فقط”.
ويُكمل: “لكنني أعرف مِـضمار التزلّـج المُـجاوِر المسمّـى “كريستاباهن” Crestabahn بصورة ممتازة، حيث أنني في الأصل من مُـمارسي التزلّـج على الصدر أو ما يسمى “سكيليتون”.
وبالنسبة لسباق الأولمبياد فله شعور خاص به، حيث يكون الراكب معرّض لقِوى الطرد المركزي بشكل كبير على المُنحنيات والمُسمّـاة G-Forces (وهو التّـسارع النِّـسبي للسقوط الحر)، وهنا تلعب السرعة دورهاً بالطبع – وكانت أعلى سرعة وصلَـت إليها زلاّجة ذات أربع ركّـاب، تقرب من 150 كيلومترا في الساعة!.
ارتفاع درجات الحرارة العالمي لا يشكِّـل خطرا لحدّ الآن
يقول برانشن إن “تغيّـر المناخ هي قضية تَـهمّـنا جميعا، وتُهمِّـني بشكلٍ خاص. فأنا ومنذ 30 عاماً، أكرِّس جلَّ وقتي وبصورة يومية في فصل الشتاء في سباق تزلّـج كريستا (وهو مشابِـه لسباق الزلاجات الصدرية) والعمل في مضمار سِـباق الزلاجات الجماعية bobsleigh. وفي مثل هذه الظروف، يمكن للمرء أن يشعُـر بالتغييرات الجوية. واليوم، تظهر انخِـفاضات درجات الحرارة بشكل أكثف وأسرع من ذي قبل”.
ويضيف: “ولكننا هنا على ارتفاع 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، وعلى هذا الارتفاع لن يتعرّض بناء المضمار الجليدي إلى الخطر، حيث سيستغرق ذلك بعض الوقت. وعلاوة على ذلك، يُـمكننا تصنيع الثلج اليوم بفضل “مدافِـع” الثلوج التي تُعطينا نوعية أفضل، حتى من الثلج الطبيعي، لأنها تتميّـز بمُـقاومة أكثر”.
ويختتم قائِلاً: “ينتهي موسم هذه الرياضة في الأسبوع الأول من شهر مارس، حيث نحتاج إلى يوم أو يومين لِـلَـمِّ أغراضنا قبل أن نعود جميعاً إلى بيوتنا”. وقد أنتج سباق الزلاّجات في دورة الألعاب الأولمبية، أجيالاً من قواد الزلاجات السويسريين المتفوقين.
رينات كونتسي – swissinfo.ch
يتم بناء المضمار الجليدي في سانت موريتس في كل سنة من نقطة الصِّـفر، وهذا هو السبب وراء وجود تغييرات دُنيا في خطوط المضمار في كل عام.
يمثِّـل سباق الزلاّجات bobsleigh في دورة الألعاب الأولمبية كذلك، أكبر عملية نحْـتٍ في الجليد في العالم، والتي يقوم بإنشائها فريق مُـكَـوَّن من 15 فرداً متمرس في بناء هذا المضمار وفي استخدام 5000 متر مكعّـب من الثلج و4000 متر مكعّـب من المياه والكثير من العَرَق.
يبلغ طول مِضمار التزلج الجليدي 1722 مترا ويجب أن يحتوي على 15 مُنحنى على الأقل. ويبلغ الفرْق في الارتفاع 129 متراً، وهو ما ينتج عنه انحِـدار مِـقداره 8.1٪ في المتوسط.
لا يوجد هناك على العموم أي تغيير في سباق الزلاّجات، ولكن، وبسبب الزيادة المستمرّة في سرعة الزلاّجات، كان لابد من توسيع أنصاف الأقطار في عِـدّة منحنيات. مع ذلك، تصل سرعة الزلاّجات إلى سرعة عُـليا، تبلغ 150 كم/ساعة.
كان الفريق في بداية نشوء اللّـعبة يتكوّن من 5 إلى 6 لاعبين، وفي عام 1930، تمّ تحديد نوعيْـن من هذه المسابقة، إما ثُـنائية أو رُباعية.
مع تاريخ رياضة التزلّـج التي تزيد عن 100 عام، استضاف مضمار السباق الجليدي سانت موريتس – سيلسرينا – هذا السباق مرّتين في دورة الألعاب الأولمبية وكان ذلك في الأعوام 1928 و1948.
كما كان هذا الممَـرّ الجليدي، الواقع في أعالي الأنغدين مسرحاً لـ 22 بطولة عالمية: 18 في التزلّـج الجليدي على الزلاّجات الجماعية “bobsleigh” و3 في التزلج “الصّـدري” (حيث يكون المتسابق مستلقِـيا على صدره أثناء التزلج) وواحدة في سباق الزلاّجات الظهرية (حيث يكون المتسابق مستلقِـيا على ظهره أثناء التزلج).
وفي بطولة التزلّـج العالمية في عام 2007، تسلَّـط الضوء على السويسري “إيفو روك”، عندما فاز بلقب البطولة حين تولّـى قيادة الزلاجة المكوّنة من أربعة أفراد.
كما يُمَثل مِـضمار التزلّـج في سانت موريتس عنصراً ثابتاً في تقويم كأس العالم في الزلاّجات، التي تحمل من راكبيْـن إلى أربعة ركّـاب، والتزلج الصدري والتزلج على الظهر.
في عام 2012، ستستضيف مدينة سانت موريتس مرّة أخرى سِـباق الزلاّجات الجماعية والصدرية في بطولة كأس العالم للتزلّـج بالزحافة الثلجية (La luge).
تعتبر سويسرا “قوة عُـظمى” في سباق الزلاّجات. ويعود الفضل في ذلك أيضاً، لِمضمار التزلّـج في دورة الألعاب الأولمبية سانت موريتس –سيليرينا، “كَمَسارٍ منزلي”
ويُقَدِم المسؤولون عن هذه الرياضة في كل فصل شتاء دروساً في سباق الزلاّجات وكذلك في التزلج الصدري.
وخرج من هذه الرياضة العديد من قادة الزلاجات الأبطال، من أمثال مارتن انين ودانيال شميد ومارتن غيكَر وأورس هيفتي. وبالنسبة للنساء، برزت كل من سابينا هافنر ومايا باميرت.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.