خبراء … وشكوك
من المُنتظر أن يصل فريقٌ من الخبراء العسكريين الأمريكيين إلى اليمن خلال الأيام القليلة القادمة. الغرض من الزيارة حسب المسؤولين اليمنيين والأمريكيين تدريبُ القوات اليمنية على مكافحة الإرهاب في إطار التعاون بين الجانبين.
ورغم تضارب المعلومات حول حجم وعدد أولئك الخبراء إلا أنه منذ انتشار الخبر وحتى اللحظة، والتقييمات والمواقف تتباين حيال طبيعة ومهام هؤلاء الخبراء تبعا لتباين المواقع السياسية ولتنوع الخريطة السياسية اليمنية وتبعا للخبرة في التعامل مع السياسة الأمريكية حيال هذه القضية الشائكة التي لم تبرأ من الشكوك والحذر.
لظاهر للعيان حتى الآن وكما يتفق عليه المراقبون والمتابعون للشؤون اليمنية هو وجود اختلافات وتباينات في النظرة إلى الغايات من قدوم هؤلاء الخبراء وعددهم وكذا طبيعة مهمتهم، الأمر الذي انعكس على تقييم حقيقة الموقف أو الحكم عليه حكما قطعيا وأدى إلى مزيد من الشكوك التي تطرح على استحياء حول مسار تطورات التعاون اليمني الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الحكم على حقيقة الموقف لم يخرج بعد عن نطاق الهمس والشكوك المطروحة في كتابات فردية في الصحافة اليمنية دون أن يصل ذلك إلى تسجيل مواقف سياسية معلنة تعبر عن موقف هذا الطرف أو ذاك باستثناء الموقف الحكومي الذي ذهب، على لسان مصدر مسؤول، إلى نفي ما تناقلته الصحافة ووسائل الإعلام من أن وصول القوات الأمريكية إلى اليمن هدفها هو محاربة الإرهاب أو القيام بعمليات مطاردة للمشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة.
وعبر المصدر المسؤول عن استغرابه لما تناقلته تلك الوسائل الإعلامية موضحا أن عدد المدربين المنتظر وصولهم إلى اليمن يبلغ فقط ثلاثين شخصا ينحصر دورهم في تنظيم ثلاث دورات قصيرة لا تتجاوز العشرين يوما.
تعاون ام تفريط بالسيادة اليمنية؟
مقابل هذا الإيضاح الرسمي إزاء هذه التفاعلات المحيطة بملف مكافحة الإرهاب في اليمن وما يكتنفها من تطورات القوى السياسية الأخرى خاصة منها المعارضة لم تخرج بموقف واضح حيال هذه المسألة على الرغم مما تبديه صحافة تلك الأحزاب المعارضة من مخاوف تذهب إلى اعتبار قدوم الخبراء الأمريكيين لتدريب القوات اليمنية أمرا ينطوي على تفريط بالسيادة اليمنية وإقرارا من السلطات اليمنية بعجزها عن القيام بمهمة مكافحة الإرهاب بجهد ذاتي من ناحية وأن قدوم هؤلاء الخبراء تقف خلفه حسابات للإدارة الأمريكية أبعد من مجرد تدريب القوات اليمنية من ناحية ثانية.
هذا الموقف للقوى السياسية اليمنية بحمولاته ودلالاته السياسية هو موقف غائم الوضوح بين خطاب إعلامي ينتقد المسار الذي تتخذه الشراكة اليمنية الأمريكية في محاربة الإرهاب على صعيد صحافتها والتزام الصمت عن تسجيل موقف سياسي واضح هذا الوضع الذي لا يمكن وصفه سوى بـ “بين البين” يكشف بجلاء عمق المأزق الذي وضعت فيه الأحزاب السياسية اليمنية منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، حيث جعلتها تلك التفجيرات في وضع المؤيد والداعم للسلطة في مكافحة واستئصال الإرهاب ومختلفة معها على حدود وطبيعة المشاركة الأمريكية في هذه العملية الأمر الذي انسحب على النظرة الحاصلة تجاه منحى الشراكة الأمريكية اليمنية، وهي نظرة يشوبها الحذر في التعاطي مع هذا الملف الشائك إذ يغلب على التعامل معه غموض في المواقف مردها إلى استفحال الشكوك في النوايا والأهداف الأمريكية تجاه محاربة الإرهاب على الجبهة اليمنية.
غموض في مواقف القوى السياسية والشعبية
هذه الشكوك تعززت بفعل تضارب تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تراوحت بين تثمين جهود السلطات اليمنية المبذولة في ميدان مكافحة الإرهاب تارة كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش، والتلميح تارة أخرى بنقل معركة محاربة الإرهاب من أفغانستان إلى اليمن ودول أخرى وفقا لما ورد على لسان الجنرال تومي فرانكس قائد القوات المركزية الأمريكية.
هذا الأخير ذهب أمام الكونجرس الأمريكي إلى القول أن اليمن من الدول التي تثير قلق الولايات المتحدة إلى جانب كل من السودان والصومال والعراق. وبالنتيجة لكل ما تقدم يغدو تأرجح وغموض المواقف للقوى السياسية والشعبية اليمنية حاليا تجاه هذه التطورات التي تحيط بملف مكافحة الإرهاب هي سيدة المواقف إلى أن تتضح الغايات من قدوم أولئك الخبراء إلى اليمن إما في اتجاه ما تنفيه السلطات الرسمية وإما في اتجاه ما ترتاب به أحزاب المعارضة ويخشاه الرأي العام.
الأيام التي تفصلنا عن معرفة ذلك ليست ببعيدة وهي كفيلة بوضع حد لحالة الترقب الحذر من قدوم الخبراء الأمريكيين المنتظرين إما في اتجاه تبرير تلك الشكوك أو دحضها.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.