“خيمة الحوار” تثير الجدل
خيمة الحوار كانت في نظر منظميها بمثابة "نجاح كبير" وأرضية لحوار مفقود بين الجالية المسلمة من جهة وأهل جنيف ومسؤوليها من جهة أخرى.
لكن عددا من المنتقدين عابوا على التظاهرة “سوء اختيار المشاركين” فيها، وتحولها إلى “مونولوج” بدل حوار فعلي وهو ما يرفضه المنظمون باعتباره مجرد موقف لبعض “المتطرفين العلمانيين”.
يُـمـكـن القول أن تنظيم عشرة أيام من الحوار بين مسلمي جنيف وسكانها (أختتمت يوم الأحد 4 يوليو)، وتوافد العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية والدينية على منصة الحوار، ومشاركة عدد من الشخصيات الفنية والثقافية في باقي النشاطات الجانبية التي رافقت خيمة الحوار بطربها ومعارضها وطبخها التقليدي، يعد نجاحا رغم كل الانتقادات التي وجهت إلى المنظمين والمشاركين على حد سواء.
ويرى منظمو التظاهرة من خلال تقييمات الدكتور عباس عروة من مؤسسة “قرطبة” أو السيد عبد الحفيظ الورديري من “مؤسسة التعارف”، أنها “تجربة ناجحة رغم كل النقائص”.
فالسيد عباس عروة عدد أسباب النجاح في كونها المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم حوار من هذا النوع. كما أنها تظاهرة جلبت جمهورا تميز بنوعيته بحيث اشتمل على السياسيين والمثقفين والصحفيين ورجال الدين بالإضافة إلى الكثير من المواطنين الذين قدموا للتمتع بالتظاهرات الفنية والأكلات الشعبية التي رافقت جلسات الحوار.
أما زميله من مؤسسة التعارف السيد عبد الحفيظ الورديري فيرى أن الإيجابي في خيمة الحوار هذه أنها أظهرت بأن المسلمين أنفسهم كانوا في حاجة إلى محفل حوار للتخاطب مع أهل جنيف خارج نطاق المسج مضيفا بأن العرب والمسلمين الذين لا يترددون على المسجد لأسباب تخصهم، “وجدوا في خيمة الحوار فرصة للتحاور مع الغير من جهة، ووسيلة، من جهة أخرى غير المسجد، لربط الصلة بثقافتهم العربية الإسلامية بل حتى بدينهم” على حد قوله.
سلبيات البداية
في المقابل، يعترف المنظمون أنفسهم بأن حداثة التجربة، جعلتهم يرتكبون بعض الأخطاء التي وعدوا بتفاديها في حال ما تم اتخاذ قرار بتكرار هذه التجربة سنويا.
ومن هذه السلبيات يعدد عباس عروة “نقص الدعاية والإشهار للتعريف بالتظاهرة، وقصر فترة الإعداد لها بحيث لم تتعد الشهرين ونصف، وتناسي دعوة شخصيات للمشاركة في المناقشات” على حد تعبيره.
ويشاطر زميله عبد الحفيظ الورديري هذا التقييم مشيرا إلى أن “هذه التجربة ستساعد على تفادي هذه الأخطاء في المستقبل”، كما يرى أن “جسورا أقيمت في اتجاه أهل سكان بل حتى في اتجاه الجالية المسلمة التي لا تتردد على المسجد”.
جدل حول مشاركة بعض الشخصيات
لكن خيمة الحوار لم تستثر فقط غريزة حب التعرف على الآخر وعلى ثقافته وعلى ديانته بمشاركة ممثلين عن كل الأديان، بل أثارت انتقادات وصلت في بعض الأحيان حسب السيد عروة إلى حد “التجريح”.
فعلى سبيل المثال، أثارت مشاركة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله التركي، الذي كان يشغل منصب وزير الأوقاف سابقا في المملكة العربية السعودية، تحفظات ممثلي الجالية اليهودية الذين ترددوا في المشاركة قبل إقناعهم “بضرورة التعبير عن تحفظاتهم في منصة الحوار” حسب تصريح السيد الورديري.
ويقول السيد الورديري “إن مشاركة الدكتور عبد الله التركي كانت بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المؤسسة الثقافية الإسلامية ومسجد جنيف” ويضيف أنه “كان من الطبيعي إفساح المجال أمام شخصية مماثلة للتعبير عن شكرها لسلطات جنيف ولأهل جنيف على تسامحهم وحسن استقبالهم لهذه المؤسسة”. كما أكد أن مشاركة الدكتور التركي في خيمة الحوار، “كانت فرصة لمجابهة أولئك الذين يحكمون عليه بدون سابق معرفة ومن خلال ما تتناقله وسائل الإعلام فقط”.
وقد نشرت وسائل الإعلام المحلية في جنيف بعض أصداء هذا الجدل وأضيفت لها انتقادات أخرى تتعلق بتضمن برنامج الحوار مشاركة بعض الأسماء التي زُعـم أنها “مقربة من شخصيات تشكك في حقيقة محرقة اليهود”.
انتقادات “الأصوليين من كلا الطرفين”
لكن السيد عباس عروة يعتبر أن “الأصوليين من كلا الطرفين” قد استهدفوا التظاهرة بالانتقاد. فهناك من أسماهم بـ “الأصوليون العلمانيون” الذين قال إنهم “حاولوا عرقلة انعقاد بعض جلسات الحوار وأثاروا البلبلة عبر بعض المقالات الصحفية”.
وكانت بعض الوجوه اليسارية في دويلة جنيف (من أمثال ممثلة الجمعية السويسرية لمناهضة الأصولية، سليكة فينجر، أو فرانسوا ترييان نائب رئيس الجمعية السويسرية من أجل العلمانية، وجيروم بيغان من الحزب الشيوعي)، قد نشرت مقالا في وسائل الإعلام المحلية تضمن انتقادا لتنظيم خيمة الحوار على اعتبار أنه “محاولة للوبي ديني تدعمه بعض الشخصيات السياسية الراغبة في الحصول على دعم انتخابي” كما رأت فيه نفس الأطراف “سابقة خطيرة قد تفتح باب التطرف الديني وبالأخص الإسلامي الذي لا يمكن التحكم فيه”.
وإذا كانت هذه الانزلاقات اللفظية قد دفعت البعض إلى حد التفكير في ملاحقة أصحابها قانونيا بدافع التجريح الشخصي، فإن المنظمين يحرصون على القول بأن هؤلاء “سيكون لهم مكان للمشاركة في النقاش” إذا ما تم تجديد التجربة في المستقبل.
من جهة أخرى، يرى السيد عروة أن الأصوليين كانوا أيضا في صفوف الجالية العربية والإسلامية حيث انتقدوا “شكل تنظيم الخيمة ومحتوى برنامجها” فيما وصفها البعض بأنها كانت “خيبة”.
الحاجة إلى أرضية حـوار
لكن وبالرغم من كل هذه الانتقادات (سواء كانت مبررة أم لا) توصل منظمو “خيمة الحوار” إلى خلاصة مفادها أن حدة الجدل “تظهر جليا احتياج أهل جنيف إلى أرضية حوار مماثلة”. خصوصا “أننا لا نرغب في مجرد حوار مجاملات” مثلما يقول السيد عباس عروة.
من جانبه، يشدد السيد عبد الحفيظ الورديري على أن “خيمة الحوار” أظهرت حتى بالنسبة لأفراد الجالية المسلمة “ضرورة إيجاد أرضية حوار مع أهل جنيف خارج نطاق المسجد”.
أما فيما يتعلق بمستقبل هذه التظاهرة، يقول المنظمون أن القرار سيتخذ بعد تقييم نتائج الدورة الأولى ويشيرون إلى أن هناك عدة أصوات طالبت بتنقل التظاهرة عبر المدن السويسرية بل حتى عبر مدن أوربية.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.