آراء متضاربة حول حصيلة العام الرئاسي للسيدة سوماروغا
اختارت سيمونيتّا سوماروغا الديمقراطية المُباشرة كموضوعٍ رئيسي للعام 2015 الذي تَوَلَّت فيه رئاسة الكنفدرالية السويسرية. بيد أن النتيجة التي خَلُصَ إليها بعض الخبراء السياسيين حول أداء الرئيسة المُنتهية ولايتها مُتضارِبة ولا تخلو من الإنتقادت.
ولا يأخذ ثلاثة من هؤلاء المُتخصصين في عالم السياسة على سوماروغا حضورَها المواضيعي المَحدود في الأماكن العامة فَحَسْب، ولكن إفتقارها إلى الأولويات الموضوعية أيضاً. الرئيسة السابقة من جهتها تَرُدُ بالقول إن المطلوب ليس التركيز على مواضيع جديدة، ولكن التهيؤ للتعامل مع الإستفتاءات المُقبلة، في إشارة منها إلى مبادرة ‘فَرْض التنفيذ’ (التي أطلقها حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ بغية فَرْض التطبيق الحَرفي لمبادرة ترحيل المُجرمين الأجانب التي وافق عليها الناخبون في عام 2010).
وكانت هذه المُبادرة أحد الأسباب التي دفعت بسوماروغا، التي أنتُخبت مَطْلَع شهر ديسمبر 2014 لتولى رئاسة سويسرا في عام 2015، لتبني مسألة الديمقرطية المُباشرة كموضوع رئيسي لعامها الرئاسي. وكما أوضحت لـ swissinfo.ch في 29 ديسمبر 2014 عبر البريد الإلكتروني فقد “أصبح التركيز على موضوع الديمقراطية المُباشرة أكثر إلحاحاً، لا سيما مع إطلاق حزب الشعب لِمبادرة من أجل فَرْض تنفيذ ترحيل المجرمين الأجانبرابط خارجي، التي تهدف إلى إحلال الشعب مَحَل البرلمان وتَعطيل المحاكم، ومن شأن هذا الأمر أن يُؤدي إلى قلْب القواعد الأساسية لِنظامنا الديمقراطي رأسا على عقب”.
ولكن لنعُد إلى البداية، وتحديداً إلى يوم 3 ديسمبر 2014، عندما قالت الرئيسة الإشتراكية المُنتخبة حديثا أمام الجمعية الفدرالية (المكونة من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان الفدرالي) :”يُخاطبني المواطنون والمواطنات منذ اليوم – سواء في الحافلة أو أثناء التسوق يوم السبت – المرة تلو الأخرى بشأن ديمقراطيتنا المُباشرة. لذا أوَدُّ أن أرَكِز على هذه المسألة بشكل خاص خلال العام المُقبل، وأن أساهم في استمرار النقاش حول الديمقراطية المباشرة في عام 2015″.
وفي إشادة بهذه الحقوق الشعبية اختتمت الرئيسة المُنتخبة حديثاً حينذاك خطابها بالقول: “أيها السيدات والسادة، إن ديمقراطيتنا المباشرة لهي نظام سياسي رائع وفريد من نوعه علينا التعامل معه بالكثير من المسؤولية. لذا، دعونا نَحرص مُجتمعين للحفاظ على ثقافتنا السياسية”.
وعلى نفس النمط، كان تركيز سوماروغا حول هذا الموضوع في خطابها للعام الجديد 2015: “لا يوجد أي مكان آخر من العالم يتوفر فيه المواطنات والمواطنين هذا الكم الكبير من السلطة والمسؤولية مثل التي نحظى بها في في بلادنا. وهذا بالضَبْط ما يعجبني في ديمقراطيتنا؛ فهي ديمقراطية شجاعة كما أنها تُولينا الكثير من الثقة”.
بَيد أنَّ لَهجة سوماروغا شهدت بعض التغيير في نهاية أبريل الماضي. ولم يَخْلُ خطابها في منتدى اوروبا للديمقراطية الذي ألقته في مدينة لوتسرن أمام ضيوف من داخل سويسرا وخارجها من كلمات تحذيرية جاء فيها: “إنَّ ديمقراطيتنا المباشرة قصة نجاح فريدة من نوعها. ولكن هذا الحال لا يمكن أن يدوم إلا عندما يسود الإحترام ومُراعاة آراء الغَير ثقافتنا السياسية”.
وبعد بضعة أشهر، وبمناسبة الإحتفالات السنوية بالعيد الوطني السويسري في الأول من أغسطس، زادت رئيسة الكنفدرالية السويسرية للعام 2015 من حِدّة لهجتها، وقالت: “لا يُمكن لديمقراطيتنا المُباشرة أن تعمل بنجاح ما لَمْ نكن نعيش ثقافة سياسية مَدعومة من غالبية الشعب. وهناك شعار واحد فقط لِتطبيق هذه الثقافة هو: الديمقراطية المباشرة تعني المسؤولية المباشرة”، كما قالت في الخطاب الذي ألقته من على مرج ‘روتلي’ الأسطوري المُطل على بحيرة لوتسرن.
في نفس المناسبة، حَذِّرَت سوماروغا من محاولات إساءة إستخدام المُبادرات الشعبية وتحويلها إلى وسيلة لإرسال إشارات سياسية، وقالت: “تهدف المبادرات الشعبية إلى إجراء تغيير في الدستور الفدرالي. ومن غير المقبول أن يتحول هذا الدستور – الذي يمثل الجوهر الأساسي لديمقراطيتنا – إلى مجموعة من الإشارات السياسية العشوائية القائمة على الإحتجاجات”.
إلى هنا تظل الأمور على ما يُرام. ولكن، وبِصَرف النظر عن هذه التحذيرات والدعوات العامة، ماذا الذي تبقى في نهاية المطاف؟
“أنشودة مُبهمة” في مُواجهة مُعارضة شرسة
إيف بيتينارابط خارجي، مراسل صحيفة ‘لوتون’ (الصادرة بالفرنسية في لوزان) في البرلمان السويسري كان قد إنتقد سوماروغا بالفعل منذ شهر فبراير المُنصرم. وفي إحدى افتتاحيات الصحيفة، أشار بيتينا، الذي راقب أداء الرئيسة الإشتراكية عن كثب، إلى عَدم تجاوز سوماروغا للحقائق البديهية والعموميات في خطابها للعام الجديد، الذي وصفه بالأنشودة المُبهَمة لفضائل الديمقراطية المباشرة، في وقتٍ كانت تواجه فيه مُعارضة شرِسة من صفوف حزب الشعب السويسري المُحافظ. كما نوَّه بيتينا إلى أن إصرار الحزب اليميني القومي على فَرض إرادة الشعب إنّما يُهدد بتقويض العلاقات مع الإتحاد الأوروبي والإضرار بسُمعة سويسرا، لاسيما مع تشكيك الحزب علانية بالقانون الدولي.
وعند سؤاله من قبل swissinfo.ch حول هذا الموضوع بعد انقضاء عشرة أشهر على تاريخ نشر افتتاحيته، وجد بيتينا “صعوبة في العثور على أدلة قوية تشير إلى ما كانت سومروغا قد تعهدت به بشأن مساهمتها في النقاش حول الديمقرطية المُباشرة خلال هذا العام”. ويرى مراسل صحيفة ‘لوتون’، أن عمل الرئيسة السابقة إقتصر إلى حدٍ كبير على تداعيات هذا الموضوع. وكما يُخمِّن، فإنه “من المُحتَمَل أن تكون مشاكل أخرى -مثل اللجوء والهجرة والإتحاد الأوروبي- قد أدَّت إلى زحزحة الموضوع ببساطة”.
وبرأي بيتينا، قد يُعزى السبب في تناول سوماروغا لموضوع الديمقراطية المباشرة إلى كونه موضوعاً مثالياً سائداً يهم الأغلبية، “ولكنها تجنبت الخوض في الموضوع في وقت لاحق بسبب حساسيته، وربما أيضا لِعِلمِها بأن الحكومة الفدرالية لا تؤيد التطبيق الحَرفي للمُبادرات الشعبية المُثيرة للجدل”، على حد قوله.
رئاسة الكنفدرالية السويسرية
تتميز الحكومة السويسرية (المجلس الفدرالي) بكونها هيئة جماعية مؤلفة من سبعة وزراء يتم انتخابهم من قبل البرلمان الفدرالي (بمجلسيه الشيوخ النواب) كل أربعة أعوام. وبحلول نهاية كل عام، ينتخب البرلمان السويسري خلال دورته الشتوية رئيسة / رئيساً جديداً من بين هؤلاء الأعضاء السبعة لتولي رئاسة البلاد إعتباراً من أول العام المُقبِل (مع إحتفاظ العضو بحقيبته الوزارية)، كما يتم إنتخاب نائبٍ للرئيس في نفس الجلسة.
لا تتعدى فترة الرئاسة في سويسرا 12 شهراً، كما أن دور الرئيس السويسري شَرَفي إلى حدٍ كبير، إذ لا يَمنَح هذا المنصب للشخص الذي يتولاه أي صلاحيات خاصة مُضافة. بدلاً من ذلك، يمثل رئيس الكنفدرالية الحكومة السويسرية خارج البلاد وداخلها في المناسبات الرسمية بوصفه “الأول بين أعضاء مُتساويين”.
في السنوات الأخيرة، دعا البعض إلى منح الرئيس السويسري المزيد من السلطات وتمديد فترة الرئاسة إلى عامين بدلاً من عام واحد فقط.
تم إنتخاب يوهان شنايدَر أمّان الذي يشغل منصب وزير الإقتصاد، والمنتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي كرئيس جديد للكنفدرالية السويسرية للعام 2016 خلفاً لـ سيمونيتا سوماروغا وزيرة العدل والشرطة. كما انتُخِبَت دوريس لويتهارد وزيرة البيئة والنقل والطاقة والإتصالات نائبة للرئيس.
إعتماد المواقف الضبابية تجنباً للإنتقادات
التشكيك في أداء سوماروغا يأتي من قبل خبير العلوم السياسية جورج لوتسرابط خارجي أيضاً. وكما قال الأستاذ في جامعة لوزان لـ swissinfo.ch: “لم أستطع العثور على أي مُقترحات مَلموسة [من سوماروغا] لِتغيير النظام الحالي للديمقراطية المُباشرة في سويسرا”. وعلى ضوء الجَدَل الدائر بشأن تنفيذ العديد من المُبادرات الشعبية التي تم إعتمادها هذا العام، والتي من شأنها أن تخلق مشاكل عند التنفيذ – مثل مبادرة ترحيل المجرمين الأجانب، والحَد من تَشييد المنازل الثانية المُخصصة للعطل، ومُبادرة الحَد من هجرة العمالة الأجنبية ومبادرة عدم إسقاط جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال بالتقادم، كان لوتس يتوقع سماع المَزيد من سوماروغا.
“يميل الجميع في سويسرا إلى الإعتراف بحقوق الشعب ومبدأ التوافق بسرعة وحماس”، كما يقول لوتس. “لكن عندما يُصبح الأمر حقيقة واقعة، تفضل الأغلبية إعتماد المواقف الضبابية تجنباً لوابل الإنتقادات الذي يَنهَمر من كل حَدْبٍ وصوب حال إقتراح أحد ما إدخال تغييرات على النظام”. لذا فإن طابور المُنادين بتَحجيم حقوق الشعب قصير جداً.
وُجهة النظر هذه، تلقى تأييد خبير العلوم السياسية برونو كوفمانرابط خارجي أيضاً، حيث قال: “في خطابها بمناسبة عامها الرئاسي الجديد، وفي وقت لاحق أيضاً، وَضَعَت سوماروغا الأثر الإيجابي للديمقراطية المُباشرة في المُقدمة. ولا شك أن هناك توافق واسع في سويسرا على إيجابية هذه الديمقراطية”. ولكن، وبِحَسب كوفمان “عند التنفيذ الفعلي للمبادرات الشعبية المُثيرة للجدل مثل مبادرة ‘الحَد من الهجرة الجماعية’ أو مبادرة ‘فَرض التنفيذ’، كانت النزاعات سيدة الموقف. وهنا كانت رئيسة الكنفدرالية وبحكم مناصبها كوزيرة للعدل والشرطة مُجبرة على الإنحياز لجهة دون أخرى، الأمر الذي أثار إنتقادات فورية حول دورها كرئيسة للبلاد”.
كما يلاحظ كوفمان، الذي يترأس تحرير موقع people2power.infoرابط خارجي – وهي منصة الكترونية أنشأتها وتستضيفها swissinfo.ch تهتم بالمشاركة المواطنية والديمقراطية المباشرة في العالم – وجود نقص في الموارد. ويذهب إلى أنه “لم يكن هناك إستعداد ملحوظ لمواصلة قيادة الموضوع الرئيسي المتمثل بالديمقراطية المباشرة على مدار السنة”. وبرأي الكاتب والمحلل السياسي فإن “التعامل مع هذه القضية كان يفتقر إلى الحِرص بشكل عام”.
مع ذلك، يرى خبير العلوم السياسية أن إهتمام سوماروغا بهذا الموضوع كان أكثر وضوحاً بالمقارنة مع بقية زملائها في الحكومة الفدرالية، ويضيف “لقد أظهَرَت وَعياً كبيراً بمسألة الديمقراطية المباشرة. وقد يعود هذا أيضاً إلى مواجهتها المُتكررة لهذا الموضوع من خلال منصبها”.
التوضيح وليس الإصلاح
ولكن ما هي النتيجة التي خلُصَت إليها الرئيسة المُنتهية ولايتها؟ وهل ترى أنها نجحت في تحقيق أهدافها؟ تجيب سوماروغا: “لم يكن هدفي إصلاح نظام الديمقراطية المباشرة، ولكن توضيح مدى تمَيُّز هذا النظام وما تنطوي عليه مُمارسته من مسؤولية كبيرة”، كما أنه “ومن غير المُمكن تحقيق مثل هذا الهدف ببساطة بعد عام واحد فقط”، كما تُشدد في إشارة إلى مبادرة ‘فرض التنفيذ’ المذكورة سلفاً.
وحول الإنتقادات المُوَجَّهة إليها من قبل خُبراء سياسيين بشأن وجودها الموضوعي المحدود ونُدرة طَرحِها لأية مضامين جديدة، ترى سوماروغا أن تَوَقُعات خُبراء السياسية قد تختلف عن السياسيين، وتقول: “لسنا بحاجة إلى مضامين موضوعية جديدة بالدرجة الأولى، حيث يكفي التعامل مع الإستفتاءات الشعبية المُقبلة تماماً. إن موضوع الديمقراطية المباشرة حاضر عند السكان بقوة، وهو سيظل كذلك أيضاً”، حسب رأيها.
وبِحَسب رئيسة سويسرا للعام 2015، فإن الديمقراطية المباشرة ليست مسألة يمكن إزالتها “بل على العكس من ذلك، يتوجب علينا أن نضْمن وجودها مستقبلاً أيضاً. كما لا ينبغي الخَلط بين الديمقراطية المُباشرة وإستبداد الأغلبية، ذلك أنَّ الديمقراطية المُباشرة تفاعلٌ متوازنٌ بين الشَعب والبرلمان والحكومة أثبت جدواه”.
مبادرة “فَرض التنفيذ”
من خلال إطلاقه لمبادرة مبادرة ‘فَرْض التنفيذ’، يهدف حزب الشعب السويسريرابط خارجي اليميني المحافظ إلى التطبيق الحَرفي لمبادرة ترحيل المجرمين الأجانب التي وافق عليها الناخبون السويسريين في عام 2010.
وَسَّعَت المبادرة الجديدة من قائمة الجرائم [المُدرجة في مبادرة الحزب السابقة] التي يُفترَض أن تؤدي إلى عملية الترحيل. وهكذا مثلاً، سوف تكفي جريمتان صغيرتان كالشجار والسرقة إلى طَرد مُرتكبيها من البلاد.
علاوة على ذلك، تُطالب مبادرة ‘فرض التنفيذ’ بحذف “بند الحالات الصعبة الخاصة”، الذي إعتمده البرلمان عند صياغته لقانون الترحيل، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل مبدأ التناسب (بين الجريمة المرتكبة والعقاب المسلط على مرتكبها)
في حال إختار الناخبون الموافقة على ترسيخ مضمون مبادرة ‘فَرض التنفيذ’ في الدستور، سوف يفقد البرلمان الفدرالي والقضاء أي مجال للمناروة.
يبلغ عدد الأجانب المقيمين في سويسرا اليوم نحو مليوني شخص. ومن المُحتَمَل أن تمس هذه المبادرة بشكل خاص فئة الشباب المتورطين بمشاكل. ويتوقع الخبراء في حال إعتماد المبادرة حدوث نحو 8000 حالة ترحيل سنويا.
من المُقرر أن يصوت الناخبون السويسريون على هذه المبادرة يوم الأحد 28 فبراير 2016.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.