كبحُ جماح الهجرة.. تصويتٌ يثير العديد من التساؤلات
أثار التصويت الأخير الذي شهدته سويسرا بشأن حِصص العمالة الأجنبية، الكثير من الشكوك حول وضع ومستقبل العلاقات ما بين سويسرا والإتحاد الأوروبي. في الأثناء تساءل العديد من قراء swissinfo.ch عن مدى تطبيق القرار المتعلق بتقييد حرية تنقل الأشخاص بين الجهتين. فيما يلي، محاولة للإجابة على بعض التساؤلات المطروحة.
مَن سيتأثر بقرار كبح الهجرة؟
تقضي المبادرة بتضمين الدستور الفدرالي بندا ينص على ضرورة وضع حدٍّ للهجرة، بحيث يتِم ضبطها بتحديد سقْفٍ أعلى وتخصيص حصّة سنوية (لكل بلد أو لعدد من البلدان). ويمكن للتدابير الجديدة أن تَطال جميع الأجانب الذين يرغبون في الإنتقال إلى سويسرا من رعايا الإتحاد الأوروبي والعمّال الوافدين من دول العالم الأخرى (أي من خارج الإتحاد الأوروبي) والعمّال الحدوديين (أي القاطنين في المناطق الحدودية الفرنسية أو الألمانية أو النمساوية أو الإيطالية) وطالبي اللجوء.
هل ستكون ثمة عواقب على الأجانب المقيمين في سويسرا؟
بالنسبة للأجانب المقيمين في سويسرا، تبقى حقوق أولئك الذين تمّت تسوية أوضاعهم محفوظة ولن يتم المساس بالإقامات التي مُنِحت حتى الآن، ومن المفروض أن لا تدخل ضِمن نظام الحصص المرتقب.
غير أنه من الممكن أن تطال بعض بنود المبادرة الأجانب المقيمين رسميا في سويسرا، حيث تتيح المادة 121أ من الدستور الفدرالي إمكانية تقييد فرص الإستفادة من المساعدات الاجتماعية ومن الحقّ في لمِّ شمْل الأسْرة وفي تصريح الإقامة طويلة المدى.
هل يُجبَر الأجانب الذين يفقِدون وظائفهم على مغادرة سويسرا؟
لا ينُصّ التشريع الدستوري الجديد على أية تدابير من هذا القبيل، لكن الحكومة قامت قبل الإقتراع باتِّخاذ خطوات لتعزيز الضوابط وتوضيح الشروط التي يمكن أن تُفقِد الوافد الأوروبي العاطِل عن العمل، حقّه في تصريح الإقامة.
في الوقت الراهن، يمكن لمواطني الاتحاد الأوروبي والرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحو (EFTA) المقيمين في سويسرا (بموجب تصريح إقامة من صنف L أو B)، الاستفادة من تعويض البطالة بشروط محدّدة، وعندما يستنفذ الشخص المعني هذا الحق، يُمنَح ستة أشهر على الأقل للبحث عن وظيفة جديدة، وإذا لم يحالِفه الحظ، فمن الممكن أن يفقد الحق في تصريح الإقامة ما لم يتمكّن من إثبات قُدرته على التكفّل بإعالة نفسه، بينما يُستثنى من هذا الشرط، أولئك الذين لديهم إقامات من صنف (C) أي طويلة المدى.
يُعتبَر الإتحاد الأوروبي الشريك التجاري رقم واحد لسويسرا. ففي عام 2012، استوعب الإتحاد 56٪ من الصادرات السويسرية، وكان مصدرا لنحو 75٪ من السِّلع التي استوردتها سويسرا.
تُعتبر سويسرا أيضا الشريك التجاري رقم أربعة للإتحاد الأوروبي، بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا. في المقابل، استوعبت سويسرا نحو 8٪ من مجموع صادرات دول الإتحاد الثمانية والعشرين، في حين كانت سويسرا مُصدِّرا لنحو 6٪ من السِّلع التي استوردتها دول الإتحاد.
من جهة أخرى، يُعتبر الإتحاد الأوروبي الشريك الأول لسويسرا في مجال الإستثمار المباشر، حيث يقدم حوالي 77٪ من رؤوس الأموال المستثمرة في سويسرا، من دول أوروبا الثمانية والعشرين (ما يقرب من 500 مليار فرنك)، بينما تستحوِذ أوروبا بدولها الثمانية والعشرين على حوالي 40٪ من الإستثمارات الخارجية السويسرية (أكثر من 400 مليار فرنك).
ما الذي سيحصُل للعمال الحدوديين؟
ستبقى تصاريح الإقامة من صنف (G)، الخاصة بالعمّال من المناطق الحدودية، قائمة، لكن بشكل مُختلف عمّا هي عليه اليوم، حيث سيتم إدراجها ضِمن نظام الحِصص وإخضاعها لمبدإ “الأولوية الوطنية”، وبناءً على اتفاقية حرية تنقل الأشخاص المبرمو بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، فلن يتم إلغاء تصاريح الإقامة التي صدرت قبل الآن.
هل سيكون بوسع العمال الأجانب استقدام عائلاتهم إلى سويسرا؟
تنصّ المادة 121أ من الدستور الفدرالي على إمكانية الحدّ من لمّ شمْل الأسَر. وفي عام 2012، وفد إلى سويسرا أكثر من 143 ألف مهاجر جديد، كان من بينهم 31,6٪ ممّن قدِموا بتلك الصِّفة، أكثر من نصفهم من بلاد الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الحاضر، وبموجب اتفاقية حرية تنقل الأفراد، يتمتّع مواطنو الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وفي الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر بحقّ لمّ شمْل الأسْرة، لكن ليس بشكل تلقائي، وإنما على الشخص أن يثبت بأن لديه سكَنا متوافِقا مع “المعايير السويسرية” وأن لديه القُدرة على إعالة شريك حياته وأطفاله. أما بالنسبة لمواطني بقية دُول العالم، فيخضع لمّ الشمل الأسَري لمعايير أكثر صرامة.
هل يمكن للعوائق المُحتملة بشأن لمّ الشمل الأسَري أن تَطال المواطنين السويسريين أيضا؟
لمّ شمل الأسْرة، ليس شأنا خاصا بالأجانب فقط، وإنما يتعلّق أيضا بالسويسريين الذين يعيش أزواجهم أو أطفالهم خارج البلاد، دون أن تكون لديهم جِنسية سويسرية، فهؤلاء لا خصوصيات بحقّهم، وإنما يخضعون لنفس القوانين الخاصة بغيرهم من الأجانب، وهذا يعني بأن السويسريين قد يكونوا هُم أيضا ضحايا فرْض قيود على لمّ الشّمل الأسَري.
ما هي آثار قرار الحدّ من الهجرة على السويسريين المقيمين في الخارج؟
من حيث المبدأ، تبقى الحقوق المُكتسبة للسويسريين في الخارج على حالِها، ما لم تُسفر عملية إعادة التفاوض حول اتفاقية حرية تنقل الأشخاص بما يُخالف ذلك، وعلى الرغم من التطمينات التي صدرت عن وزير الخارجية ديديي بوركهالتر، إلا أنها لم تمنع تجمّع السويسريين في الخارج من الإعراب عن قلقه من العواقب المُحتملة لمبادرة حزب الشعب اليميني.
ومن جانبه، أوضح رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، بأن السويسريين ربما يفقدون هُم أيضا حقّ العمل والإقامة في الاتحاد الأوروبي، من باب المُعاملة بالمثل. وتشير الإحصائيات إلى أن هناك نحو 732 ألف سويسري يعيشون في الخارج يُقيم أكثر من نِصفهم في بلدان الإتحاد الأوروبي.
ما الذي سيطرأ على أرباب العمل؟ وهل سيكون بإمكانهم توظيف أيْد عاملة أجنبية؟
استِنادا إلى المادة الدستورية الجديدة، سيتعيّن الإلتزام بمبدإ “الأولوية الوطنية”، وهذا يعني بأن توظيف الأجانب، ربما يقتضي من الشركات مستقبلا أن تدلِّل على قيامها – دون جدوى – بالبحث أولا داخل سويسرا عمّن يشغل الوظيفة المطلوبة، وهذا النظام يُطبّق حاليا بخصوص اليَد العاملة المُستقدَمة من دول العالم الأخرى، وينطوي على أعباء بيروقراطية جمّة، خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
والمعمول به حاليا، بالنسبة لسوق العمل في سويسرا، هو إعطاء الأولوية لليَد العاملة السويسرية والأوروبية، اللّتين أصبحتا على قدَم المُساواة منذ 1 يناير 2004، ومن شأن المبادرة الجديدة أن تغير هذا المسار وأن تفتح الباب أمام إعادة التفاوض بشأن اتفاقية حرية تنقل الأشخاص.
متى سيدخل قرار تقييد الهجرة حيّز التنفيذ؟
حدّدت المادة الدستورية الجديدة مدّة ثلاث سنوات من تاريخ إجراء الإستفتاء (9 فبراير 2014) كحدٍّ أقصى لتطبيق القرار وتحديد الحِصص السنوية لليد العاملة الأجنبية، وبالتالي، تعتزم الحكومة الفدرالية التقدّم قبل نهاية العام الجاري بمشروع قانون للتنفيذ، سيُطرح على تصويت البرلمان في العام المقبل.
على أن الإسراع في إقرار التدابير الخاصة بتقييد الهجرة، هو في مصلحة سويسرا، باعتبار أن حالة عدم الوضوح السائدة حاليا تؤثر سلْبا على العلاقة بين الحكومة الفدرالية والإتحاد الأوروبي، وربما تُضعِف موقِف برن في إطار التفاوُض مع بروكسل لإبرام معاهدات جديدة بشأن استمرار العمل بالإتفاقيات الثنائية.
في عام 2013، بلغ عدد الأجانب المقيمين في سويسرا حوالي 1.886.000، ومثّلت نسبتهم حوالي 23٪ من مجموع السكان.
بحسب إحصائيات شهر أغسطس لعام 2013، شكّل الإيطاليون العُنصر الرئيسي الأول من بين الأجانب المقيمين في سويسرا، حيث بلغ عددهم 299 ألف نسمة، يليهم الألمان (290000 نسمة) ثم البرتغاليون (250000 نسمة) ثم الفرنسيون (107000 نسمة).
أظهرت الإحصائيات بأن ميزان الهجرة بالنسبة لرعايا الاتحاد الأوروبي، خلال الفترة ما بين يناير وديسمبر من عام 2013، كان إيجابيا، بواقع نحو 59 ألف مهاجر جديد.
جاء الألمان في المقدمة بواقع 25000 مهاجر جديد، أي بزيادة 9000 آلاف مهاجر، يليهم البرتغاليون بواقع 18600 (14000)، ثم الإيطاليون 16000 (10800) ثم الفرنسيون 12500 (6000) ثم الإسبان 8300 (6000).
ما هي الآثار التي ترتَّبت مباشرة على استفتاء يوم 9 فبراير 2014؟
الأمر الذي دخل حيّز التنفيذ عقب الإستفتاء مباشرة، هو أن الحكومة الفدرالية لم يعُد بإمكانها إبرام أي معاهدة دولية تتناقَض مع التشريع الدستوري الجديد، ولذلك قرّرت سويسرا فورا عدم التوقيع على الإتفاق مع كرواتيا على توسيع مجال العمل باتفاقية حرية تنقل الأشخاص، لتشمل الدول الأعضاء الجدد في الإتحاد الأوروبي، ولا يزال الغموض يكتنِف مصير هذا الإتفاق.
إلى أيّ مدى سيتِم الحدّ من اليد العاملة الأوروبية؟
لا يتطرّق التشريع الدستوري الجديد إلى أية أرقام، لكنه يطالب بضرورة التّحصيص “بناء على المصلحة العالمية للإقتصاد السويسري”، وفي الوقت الحاضر، يرغب أصحاب المبادرة بتقليص العدد، بحيث لا يتعدّى نصف المعدّل السنوي الإجمالي، البالغ 77 ألف شخص خلال الفترة بين عامي 2007 و 2012.
كما لم تتّضح بعدُ طبيعة هذا التّحصيص، وما إذا كان سيأخذ بعين الإعتبار مدى حاجة مختلف المناطق السويسرية أو القطاعات الاقتصادية أو الفئات المهنية، وسواء أكان هذا أم ذاك، فإنه من المتوقّع أن تنشب خلافات كبيرة بين الأطراف المعنية.
هل يمكن للإتحاد الأوروبي أن يقبل بقيود تضعها سويسرا على حرية تنقل الأشخاص؟
لطالما أكّدت المفوضية الأوروبية على أن حرية تنقّل الأشخاص ليست “قابلة للتفاوض” بأي حال من الأحوال، “إذا طبّقت سويسرا نظام تحصيص الهجرة على مواطني الاتحاد الأوروبي، فتكون بذلك قد استجلبت “شرط المَقصلة”، وهو الشرط القاضي بوجوب إنهاء العمل بالإتفاقيات الثنائية السّبعة (تشمل حرية تنقل الأفراد والحواجز التقنية الخاصة بالتجارة والمشتريات العامة والزراعة والنقل البري والنقل الجوي والبحوث)، التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 2002.
ولقد أتاحت هذه الاتفاقيات فُرصة الوصول المتبادَل إلى الأسواق المحلية، وحاليا، تستحوِذ دول الإتحاد الأوروبي الثمانية والعشرون على 56٪ من الصادرات السويسرية، في حين تُصدّر 8٪ من منتجاتها إلى السوق السويسرية.
كيف كان ردّ فعل الاتحاد الأوروبي على إقرار الشعب السويسري لتقييد الهجرة؟
يترقّب الاتحاد الأوروبي معرِفة كيْف سيتم تنفيذ التشريع الدستوري الجديد، غير أنه قرّر بعدَ رفض سويسرا توقيع اتفاقية حرية تنقل الأشخاص مع كرواتيا، تجميد المفاوضات بشأن مشاركة سويسرا، خلال الفترة بين عامي 2014-2020 في البرامج الأوروبية “أفُق 2020″ (مشروع بحث علمي) و”ايراسموس+Erasmus+ /” (تنقل الطلاب) و”ميديا MEDIA” (ترويج سينمائي).
ومن الممكن أن يتم استبعاد الباحثين السويسريين من المشاريع المُمَوّلة بما مجموعه 80 مليار فرنك، وربما يخسِر الطلبة السويسريون الدّعم المالي بشأن تسهيل الدورات الدراسية الفصلية في الخارج. من جهة أخرى، قام الإتحاد الأوروبي بتعليق المفاوضات بشأن التوصّل إلى اتفاق جديد يُدمج سويسرا في سوق الكهرباء الأوروبية.
ما هي الإتفاقيات المهمّة الأخرى المهدّدة؟
هناك عدّة اتفاقيات ثنائية أخرى بدأت برن وبروكسل المحادثات بشأنها، سعيا إلى إبرامها، ومن بينها الإتفاق الخاص بمشاركة سويسرا في مشاريع المِلاحة عبْر الأقمار الصناعية (غاليليو وإغنوس EGNOS – Galileo)، ومشاركتها في لائحة سلامة المواد الكيميائية وتجارة الحق في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
هناك اتفاقيات أخرى لكنها تدخل ضِمن اهتمامات الإتحاد الأوروبي بشكل رئيسي، وخاصة ما يتعلق منها بالقضايا المؤسسية والضرائب المفروضة على الشركات وجباية المدّخرات. في المقابل، يُمكن أن يصبح دخول المصارف السويسرية للسوق الأوروبية متوقفا أيضا على سريان الإتفاق الأخير (الخاص بجباية المدخرات).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.