مبادرة “رفع الحيف الضريبي” على المتزوّجين تثير اعتراضات
مبادرة "تشجيع الزواج والأسرة"، التي يروج لها الحزب الديمقراطي المسيحي، تقسم الشارع في سويسرا، حيث يرى أنصارها أنها وسيلة لرفع الغبن في الضرائب وفي التأمينات الاجتماعية الذي يتعرض له المتزوجون مقارنة بغيرهم من المتعاشرين، بينما يعتبر معارضوها أنها حيلة لإغلاق الباب أمام زواج المثليين وأمام احتساب الضرائب فرديا. وسيصدر القرار الفصل سيكون عبر صناديق الاقتراع يوم 28 فبراير.
منذ عقود والحديث يدور في سويسرا حول قضية ما يسمى بـ “العقوبة الضريبية” المسلّطة على المتزوجين مقارنة بالمعاشرة، ففي عام 1984 صدر حكم عن المحكمة العليا باعتبار ضريبة الزواج غير دستورية إذا تجاوزت 10٪ من قيمة الضريبة على الزوجين إذا اعتبرا منفردين.
والحقيقة أن المفارقة تنبع من كون حسبة الضريبة للمتزوجين على أساس الجمع بين الدخلين، بينما تكون فرديا أو كلا على حدة في حالة المعاشرة من دون زواج، ووفقا لنظام الضريبة التصاعدي القاضي بزيادة معدل الضريبة كلما ازداد الدخل، يدفع الزوجان المرتبطان بعلاقة زوجية، نظير ضم دخليهما، ضريبة أكثر مما لو كانا غير متزوجين.
وعلى إثر صدور الحكم، اعتمدت جميع الكانتونات إجراءات تصحيحية – مثل ما يعرف بالفصل الكامل أو الجزئي، والحسبة المغايرة، والخصم أو التخفيض، لمعادلة ضريبة المرتبطين بعلاقة زوجية رسمية سواء أكانوا من جنسين مختلفين أو من جنس واحد (مثليين).
الضريبة الفدرالية غير متطابقة
أما على المستوى الفدرالي، فقد فشلت كل المقترحات بشأن تصحيح الضريبة، والتعديل الوحيد الذي تم اعتماده بشأن حساب الضريبة الفدرالية المباشرة هو إقرار خصم للأزواج وخصم أكبر في حالة جمع دخلي المتزوجيْن رسميا.
وقد سمح هذا الإجراء برفع الحيف، نتيجة ضم الدخليْن، عن معظم الأزواج المرتبطين بعلاقة رسمية، وليس على الجميع، فاليوم في سويسرا يُعاقب ضرائبيا قرابة 80 ألف ثنائي مرتبطين بعاقة مسجّلة.
نص المبادرة
تطالب المبادرة الشعبية “رفع الحيف عن المتزوجين” بإضافة الفقرة التالية إلى المادة 14 من الدستور الفدرالي الخاصة بالحق في الزواج والأسرة:
“الزواج هو تعايش دائم بين رجل وامرأة، في ظل القانون، ومن وجهة النظر الضريبية، الزواج هو تشارك اقتصادي، ولا يجوز أن يكون وضعا مغبونا بالمقارنة مع غيره من طرق الحياة، خاصة فيما يتعلق بالضرائب والتأمينات الاجتماعية”.
هذه الحالة غير دستورية ولا يجوز السكوت عنها، بحسب الحزب الديمقراطي المسيحي الذي أطلق في عام 2011 مبادرة “تشجيع الزواج والأسرة ورفع الحيف عن المتزوجين”، وتمكّن من جمع التوقيعات اللازمة لعرضها على استفتاء شعبي، ويقول ماركو رومانورابط خارجي، عضو لجنة المبادرة، بأن قرار اللجوء إلى الديمقراطية المباشرة جاء: “من أجل رفع الظلم غير المبرر، في ظل التقصير من جانب مؤسسات الدولة”.
ومن جانبها، أيّدت الحكومة الفدرالية ضرورة رفع الظلم ودعت إلى التصويت لصالح المبادرة، أما في البرلمان، فقد اعترضت جميع الأحزاب الرئيسية الأخرى على المبادرة باستثناء حزب الشعب (يمين شعبوي)، وجاء تصويت الغالبية ضدها في كلا الغرفتين.
الزواج لا يكون إلا بين رجل وامرأة؟
الاعتراض الأشد كان على تعريف الزواج بأنه “تعايش دائم بين رجل وامرأة، في ظل القانون”، وهذا يعني بأن الحزب الديمقراطي المسيحي يريد أن يكرس في الدستور الفدرالي مفهوم الزواج التقليدي، الرجعي، الذي يغلق الباب أمام المثليين”، على حدّ قول كاترين بيرتشي،رابط خارجي النائبة عن حزب الخضر الليبراليين.
والواقع، كما تقول البرلمانية من حزب الخضر الليبراليين: “إذا كنا من أجل رفع التمييز الضريبي الواقع على 80 ألف ثنائي متزوج، يمثلون 5٪ فقط من مجموع الزيجات المسجّلة رسميا، سنُضَمّن الدستور تمييزا أكبر منه بكثير، فإننا بذلك ندعم وبشكل واضح المفهوم التقليدي للزواج، الذي يتبناه الحزب الديمقراطي المسيحي، على حساب الأنماط الأخرى للحياة”، وسيكون لهذا التفسير انعكاسات أبعد بكثير من نطاق الضرائب والتأمينات الاجتماعية.
وبدوره، رفض ماركو رومانو هذه الاتهامات رفضا قاطعا، وأشار إلى أنه من خلال اقتراح في مجلس الكانتونات: “قد مددنا أيدينا واقترحنا أن نستثني تعريف الزواج ونثبت بشكل صريح المعاشرة المسجلة رسميا، إلا أن اقتراحنا رُفض، وهذا دليل على أن مسألة التمييز حيال المثليين مجرد دعاية”.
عقبة التشارك الاقتصادي
بالنسبة لكاترين بيرتشي، نص المبادرة يدلل على أن الغرض الحقيقي منها ليس رفع الغبن الذي في النظام الضريبي، فعندما يقول النص بأن الزواج هو عبارة عن تشارك اقتصادي، فإنه “يستبعد الوسيلة المثلى لمعالجة الحيف في المعاملة الضريبية، وهي حسبة الأداءات فرديا، مما يساعد على معاملة الجميع بالتساوي”، وفق ما ذكرت النائبة عن حزب الخضر الليبراليين، والتي نوّهت قائلة: “ينبغي ألا ننسى بأن سلبيات النظام الضريبي في الوقت الراهن تمس الأزواج المتعاشرين أكثر من المتزوجين”.
ويؤكد ماركو رومانو قائلا: “نحن نرغب في حلّ المشكلة بسرعة، وبغاية البساطة، كأن يتم، على سبيل المثال، اعتماد نظام الفصل كما فعلت معظم الكانتونات، والجدل حول الضريبة الفردية تثيره بعض الأحزاب، غير أنه ليس واقعي، فالكانتونات بصفة عامة تتردد كثيرا، لما تنطوي عليه من أعباء إدارية إضافية وعملية تشريعية طويلة، وعلى فرض أنه أمكن في يوم من الأيام اقرار حساب الضريبة فرديا فسيتعيّن تغيير النظام”.
مبادرات مماثلة
بالإضافة إلى مبادرة “تشجيع الزواج والأسرة ورفع الحيف عن المتزوجين”، سبق للحزب الديمقراطي المسيحي أن أطلق مبادرة حملت اسم “دعما للأسرة! إعفاء مخصصات الأبناء والدراسة من الضريبة”، وتم التصويت عليها في استفتاء شعبي يوم 8 مارس 2015، وتم رفضها من ثلاثة أرباع الناخبين ومن جميع الكانتونات.
لكنّ تعديل الدستور يتطلب التصويت بنَعَميْن، نعم من قبل الشعب ونعم من قبل الكانتونات، وبناء عليه لم ترغب الأكثرية في كلا المجلسين ارتهان المستقبل. هذا السبب، اعتبره مارك رومانو مجرد ذريعة، وقال: “إنهم يريدون استعجال قضية سياسية مستقبلية للتصدي لمبادرة شعبية تمس حدثا راهنا مخالفا للقانون منذ 30 عاما”.
التأمين الاجتماعي ضد الشيخوخة بين التمييز والامتيازات
وعلى صعيد متصل، ظهرت اعتراضات على علاقة بالتأمينات الإجتماعية بالنسبة للمتزوجين، وتهدف مبادرة الحزب الديمقراطي المسيحي، في المقام الأول، إلى إلغاء القيود المفروضة على دخل التأمين الاجتماعي ضد الشيخوخة والبقاء على قيد الحياة للمتزوجين، إذ المعمول به حاليا، أنه لا يحق لمجموع دخلي الزوجين أن يتجاوز 150٪ من أقصى دخل يدفعه التأمين، وبالنتيجة، يتقاضى نحو 86٪ من المتزوجين المتقاعدين معاشات أقل مما لو كانوا غير متزوجين.
بيد أنه، بحسب كاترين بيرتشي: “على وجه الاجمال، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، بالنسبة للتأمين الاجتماعي الأساسي، كافة المزايا التي يتمتع بها الزوجين بينما لا يتمكّن المتعاشرون من الحصول عليها، وبالتأكيد، أن المزايا بالنسبة للمتزوجين تربو على السلبيات، ويشير المكتب الفدرالي للتأمينات الاجتماعية أن حصيلة الرصيد الإيجابي 800 مليون سنويا”، وإذا أردنا إلغاء الحد الأقصى لدخل المتزوجين، فلابد عندئذ من مراجعة نظام التأمين الاجتماعي بكامله، خاصة وأننا سنكون أمام مشكلة في التمويل. ومهما يكن من اعتبار، فإن الحزب الديمقراطي المسيحي عازم على المضي قدما في سبيل إلغاء هذا التقييد لأنه في نظره ظالم.
وتبقى الكلمة الفاصلة للشعب في يوم 28 فبراير 2016، ولكي تنجح المبادرة فهي بحاجة إلى تصويت غالبية الناخبين بنعم، ليس هذا فحسب، وإنما أيضا أن تحظى بموافقة غالبية الكانتونات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.