هزيمة “تاريخية” للجيش السويسري ولوزير الدفاع ماورر
برفضه صفقة شراء 22 طائرة مقاتلة جديدة بنسبة 53،4%، وجّه الشعب السويسري يوم الأحد 18 مايو 2014 "صفعة" مُدوية للجيش ستترك أثرها في سجلات التاريخ السياسي والعسكري لسويسرا. وزير الدفاع أولي ماورر الذي أقرّ بهزيمته، أعلن أنه لن يستقيل من منصبه لكن الصحافة السويسرية رأت فيه "تجسيدا لهذه الخيبة" التي نادرا ما مُني بها الجيش الفدرالي في صناديق الإقتراع.
في الوقت الحاضر، لا مجال للإعلان بشكل فوري عن الإجراءات التي ستُـتخذ بعد رفض مقاتلات غريبن، إذ يرغب أولي ماورر في إجراء تحليل معمّـق لنتائج التصويت، لأن الأمر يتطلّـب “شيئا من الوقت قبل العثور على حل”، على حد قوله.
في المقابل، لن يغادر وزير الدفاع منصبه الحكومي، وقال مُعلقا على من طالبه بالإستقالة: “بإمكاني جيدا التعايش مع هذه النتيجة. فعدد الهزائم التي عشتها في حياتي، أكثر من الإنتصارات”.
وفي معرض إجابته عن الأسئلة التي تهاطلت عليه، لم يستبعد ماورر إمكانية اقتناء طائرات مقاتلة قبل تعويض المقاتلات من طراز FA/18، لكنه ردوده اسمت بالضبابية بشأن استخدام مبلغ 300 مليون فرنك سنويا، كانت مخصصة لطائرات غريبن. لذلك، فمن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة، مزيدا من النقاشات السياسية الحامية حول هذا الموضوع.
ردود فعل الأطراف السياسية
رغم الجهود التي بُـذلت في الأسابيع الأخيرة للحملة الانتخابية من طرف المؤيدين لصفقة غريبن، آلت النتيجة إلى الخسارة التي تكهّـنت بها استطلاعات الرأي، ولم تنجح القوى اليمينية في تحويل التصويت إلى استفتاء مبدئي حول الجيش، ذلك أن السويسريين لا زالوا متعلِّـقين بقواتهم المسلحة، مثلما أكدوا ذلك برفضهم في عام 2013، مقترحا دعا إلى إلغاء التجنيد الإجباري.
في الأثناء، عبّـر حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) عن انشغاله للقرار الذي اتخذه الشعب في صناديق الإقتراع. وحسب رأيه، يتعين الآن استغلال الميزانية السنوية للجيش، التي تبلغ قيمتها 5 مليارات فرنك، بشكل كامل، من أجل تأمين الدفاع عن البلاد وضمان وجود جيش كفُـؤٍ، خصوصا وأن السياق الدولي (الأحداث في أوكرانيا مثلا) أظهر ضرورة القيام بهذا الإستثمار.
الحزب الليبرالي الراديكالي اعتبر أن رفض مقاتلات غريبن يضع الجيش السويسري أمام تحدٍّ هائل. وحسب رأيه، تجنّـبت الحملة الانتخابية النقاش حول المسائل المتعلقة بالأمن وضرورة وجود سلاح جوي قوي، لذلك يتعين البدء مجددا في عملية تقييم موضوعية من أجل ضمان الأمن في المستقبل.
بدوره، يرى الحزب الديمقراطي المسيحي أن رفض صفقة المقاتلات السويدية، يعني انخفاضا في مستوى الأمن. فالنقاش حول استبدال طائرات F5 Tiger، التي وصلت إلى نهاية الخدمة، قد أغلِـق الآن ويجب إعادة النظر في المسألة في سياق تعويض المقاتلات الأمريكية من طراز FA 18.
على العكس من ذلك، اعتبر الحزب الاشتراكي أن “المبرر المالي، هو الذي كسب المعركة اليوم”. فقد رفض الشعب طائرات غريبن، سواء تعلق الأمر باقتنائها أو بتأجيرها. ويرى الإشتراكيون أنه يجب التخفيض في ميزانية الجيش لتستقر عند حدود 4،7 مليار فرنك عوضا عن المليارات الخمس التي سبق أن صادق عليها البرلمان، تمهيدا لاقتناء الطائرات السويدية.
حزب الخُـضر عبّـر عن ابتهاجه بالنتيجة، وذهب إلى أن الشعب لم يستجب لتحذيرات اليمين المبالغ فيها. والآن، يتعيّن – حسب رأيه – الإفراج عن الملايين الثلاثمائة وتخصيصها لمشاريع اجتماعية وبيئية ولتعزيز السِّـلم.
في السياق نفسه، أعلنت المجموعة من أجل سويسرا بدون جيش GssA، أن هذا الرفض “يُـظهر للمرة الأولى مقاومة من طرف الشعب للنفقات العسكرية المبالَـغ فيها”. وأضافت المجموعة في نفس البيان أن “أغلبية الناخبين أعربت بوضوح أن هذه المليارات من الفرنكات ستُـستخدم بشكل أفضل في المجال المدني، عِـوضا عن مشاريع إعادة التسلح غير المعقولة”، حسب زعمها.
أخيرا، اعتبر دونيس فروادفو Denis Froidevaux، رئيس الجمعية السويسرية للضباط أن رفض مقاتلات غريبن، يُـمثل “استمرارا في عملية تحويل القوات المسلحة إلى جيش مقزّم”، وأضاف الضابط الذي يحمل رتبة عميد “إنه يُـسمى جيشا، ولكنه ليس كذلك”، لأنه غير مُـجهّـز بما يؤهِّـله للقيام بوظائفه الرئيسية المتمثلة في القتال والحماية والمساعدة.
فروادفو اعتبر أيضا أن الرفض الصادر عن الناخبين، يُـعزى من جهة، إلى المعارضين للجيش (يمثلون تقريبا 30% من الناخبين)، ومن جهة أخرى، إلى “تجمّـع لأشخاص” رفضوا اقتناء طائرات سويدية “لأسباب متعددة جدا. فالبعض منهم صوت ضد الضجيج، وآخرون صوّتوا ضد أولي ماورر، والبعض الآخر صوّت ضد حزب الشعب السويسري”، على حد قوله.
وزير الدفاع في مرمى السهام
على صعيد آخر، أجمعت الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنين 19 مايو 2014 على اختلاف لغاتها وتوجهاتها على انتقاد وزير الدفاع أولي ماورر بعد الهزيمة النكراء التي مُني بها مشروع شراء 22 طائرة مقاتلة من طراز “غريبن” لفائدة سلاح الجو في تصويت يوم الأحد.
صحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار اعتبرت أن “هذه الهزيمة يتحمل المسؤولية فيها وزير الدفاع أولي ماورور، لأن جنرالاته انتقدوا هذا الإختيار لكنه استمر مع ذلك بقبضة من حديد في العملية، وهو يقف اليوم أمام حطام مشروعه”. وتضيف الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ أنه “ليس من حق ماورر الآن أن ينصرف بكل بساطة إلى النقطة التالية من جدول أعماله اليومي… لأن عليه أولا وقبل كل شيء أن يشرع في تحليل الأخطار المحدقة بأمن البلاد بشكل دقيق”، إذ “ليس بإمكانه إعادة ثقة الشعب في الجيش إلا بهذه الطريقة”.
صحيفة “24 ساعة” هاجمت بدورها وزير الدفاع بشدة تحت عنوان “تكتيك خاطئ.. وتوقيت خاطئ.. كانا السبب في رفض الشعب”. وقالت الجريدة التي تصدر بالفرنسية في لوزان: “إن هزيمة الجيش في التصويت الشعبي هي بالدرجة الأولى هزيمة أولي ماورر. لقد كان غير مُقنع طوال الحملة، وقد غيّر استراتيجيته مرات عديدة مثلما يغيّر جواربه، معالجا موضوعا من هذا الحجم من الجدية بخفة بهلوان حزين، ولم يعمل إلا على إضعاف ذرائع معسكر المناصرين لشراء الطائرات المقاتلة، لأن أحدا لم يستطع تقديم شروح مقنعة للغالبية الصامتة بأن شراء مقاتلات غريبن اليوم أمر ضروري”.
وانتهت الصحيفة إلى أن “الموافقة العمياء على مطالب الجيش أصبحت من تقاليد الماضي، ولذلك فإن نتائج تصويت الأمس – حتى وإن كانت متوقعة – تُعتبر تصرفا منطقيا”.
أسباب الهزيمة
في سياق متصل، اهتمت معظم الصحف بتحليل الأسباب التي أدت إلى رفض الشعب السويسري لأول مرة طلبا للجيش يتمثل في شراء 22 طائرة مقاتلة من طراز “غريبن” السويدية الصنع.
صحيفة “تاغس انتسايغر” اعتبرت أن “الإنتقادات الرئيسية ضد الجيش تركزت على حجم المبلغ المخصّص لإنجاز الصفقة، وعلى التشكيك الذي أثير بخصوص اختيار هذا الصنف من الطائرات”، لكن الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ ذهبت إلى أن السبب الرئيسي يتمثل في “عدم قدرة أنصار شراء الطائرات على تقديم شروح مقنعة بخصوص ضرورة شراء هذه المقاتلات اليوم”. وتذكّـر الصحيفة أنه “حتى وزير الدفاع ترك انطباعا بأن شراء الطائرات اليوم ليس بالأمر الذي يكتسي أولوية قصوى. أما فيليب موللر، زعيم الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين) فقد وصف طائرات “غريبن” بأنها طائرات من ورق، قبل أن يعود فيما بعد ويعتبرها ضرورية لأمننا… وبمثل هذا التردد، لا يُمكن كسب تصويت شعبي”، مثلما ترى تاغس أنتسايغر.
من جهتها، أحصت صحيفة “آرغاور تسايتونغ” ثلاثة أسباب رئيسية لهذا الفشل، أولها أنه “حتى المناصرين للجيش لم يرضخوا للأوامر العسكرية التي أصدرها وزير الدفاع بخصوص كيفية التصويت. تضاف إلى ذلك الترددات المتعددة التي عرفتها الحملة، والتي بلغت ذروتها بتدخل السويديين في الحملة الإنتخابية”.
لكن الصحيفة التي تصدر بالألمانية في أرغاو اعتبرت أن السبب الرئيسي يكمن في “عدم قدرة وزير الدفاع على تقديم أدلة مقنعة بضرورة شراء هذه الطائرات اليوم”، وتساءلت “ما الذي بإمكان هذه الطائرات المقاتلة القيام به في مواجهة التحديات والمخاطر التي يتحدث عنها الجميع اليوم: الحرب السيبرانية والتهديدات الجديدة؟”.
أول هزيمة للجيش
صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” المقربة من أوساط المال والأعمال اعتبرت أن “ما حدث سيعمل على زعزعة الجيش الذي قاوم هجمات اليسار منذ مشروع إلغاء الجيش في عام 1989، وأن ما تعتقده الأحزاب اليمينية بخصوص حب الشعب للجيش لم يعد متجذرا، وهذا ما يجب استخلاصه من هذا الرفض”.
الصحيفة الرصينة التي تصدر بالألمانية في زيورخ، واصلت استنتاجاتها بالإشارة إلى أن “من عواقب رفض يوم الأحد (18 مايو 2014)، أن ميزانية الدفاع المُكلفة ستصبح محط تدقيق في المستقبل”، وتساءلت “بعد فشل مشروع شراء الطائرات، ماذا لو فشل مشروع إصلاح الجيش أيضا؟”.
صحيفة “نويه لوتسرنر تسايتونغ” لم تتردد في الإستعانة بأحداث التاريخ لتوصيف ما حصل يوم الأحد بـ “أكبر هزيمة تلحق بمناصري الجيش منذ معركة “مارينيان” Marignane قبل 500 عام”. لذلك ترى الصحيفة الصادرة بالألمانية في لوتسرن أن رفض أغلبية الناخبين لشراء طائرات “غريبن”: “له بُعدٌ تاريخي، فهو بمثابة مفاجأة لأن الجيش كان يحصل دوما على الأغلبية الداعمة لمطالبه”.
بالتزامن مع الإقتراعات الفدرالية، أدلى الناخبون في العديد من الكانتونات بآرائهم في مسائل شتى معروضة على التصويت محليا. وفي ختام حملة انتخابية مثيرة وعاطفية، رفض سكان كانتون فُو (عاصمته لوزان) مبادرة طرحها فرانتز فيبر، المدافع المعروف عن البيئة، من أجل فرض حماية صارمة على منطقة “لافُو” Lavaux الشهيرة بكرومها والمحاذية لبُحيرة ليمان. في المقابل، أيّد أغلب الناخبين مشروعا بديلا تقدمت به الاحكومة المحلية يتسم بقدر أكبر من المرونة.
ففي محاولة للتصدي لغزو “الإسمنت المسلح” ومواجهة الضغط العمراني المتزايد، اقترحت مبادرة “لافُو 3” حظرا شبه تام علي تشييد أي بناية جديدة، إلا أنها وُوجهت بمعارضة معظم الأحزاب السياسية ومنتجي الكروم في المنطقة المُدرجة على قائمة التراث الإنساني لمنظمة اليونسكو.
في كانتون برن، رفض المواطنون مبادرة أطلقتها مجموعة من السكان تطالب بالوقف الفوري لمحطة موهليبرغ لإنتاج الطاقة النووية القريبة من العاصمة الفدرالية. وتبعا لذلك، فلن تتوقف المحطة، وهي ثاني أقدم منشأة من هذا الصنف في العالم، إلا في عام 2019، مثلما سبق أن تعهدت بذلك شركة إنتاج الكهرباء والطاقة في كانتون برن BKW المستغلة لها.
للتذكير، أطلقت هذه المبادرة في عام 2012، أي قبل إعلان الشركة المُستغلة للمحطة بموعد إيقافها عن العمل وقد قُوبلت بمعارضة الحكومة والبرلمان المحليين لكانتون برن.
(المصدر: وكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.