مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

وصول أول سيّدة إلى قيادة اتحاد النقابات في تونس يُعزز مشاركة المرأة

نقابيات تونسيات يعبّرن عن ابتهاجهن بنجاح زميلتهن نعيمة الهمامي في الوصول إلى عضوية المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل في ختام أشغال المؤتمر الثالث والعشرين (من 22 إلى 24 يناير 2017) لأهم مركزية نقابية في البلاد. swissinfo.ch

استطاعت سيدة يسارية أن تنتزع مقعدا في قيادة "الإتحاد العام التونسي للشغل"، للمرة الأولى منذ عام 1949. ويُعتبر الاتحاد، الذي تأسس في 1946 أكبر التنظيمات النقابية في تونس والعالم العربي وأعرقها. وفازت النقابية نعيمة الهمامي بعضوية المكتب التنفيذي للإتحاد، المؤلف من خمسة عشر عضوا، في ختام المؤتمر العام الثالث والعشرين الذي أقيم في موفى شهر يناير الماضي في تونس.

وكانت الهمامي، وهي مدرّسة في التعليم الثانوي، باشرت العمل النقابي منذ سنة 1983 وتقلدت مسؤوليات عدة في الهياكل القاعدية، ثم في الهيئات الوسطى للإتحاد، لكنها أخفقت ثلاث مرات في الظفر بمكان في الهيئة القيادية العليا. وقالت لـ swissinfo.ch إنها ترشحت في 2002 و2006 و2011 لعضوية المكتب التنفيذي للإتحاد، لكنها لم تحصل على الأصوات الكافية. ومع ذلك جددت المحاولة هذا العام في إطار قائمة ائتلافية حصدت جميع المقاعد الخمسة عشر. وأوضحت أن فوزها تزامن مع وصول ثلاث سيدات للمرة الأولى إلى مواقع قيادية، وهن حميدة عكاري في هيئة الرقابة المالية (مؤلفة من خمسة أعضاء)، وفضيلة مليتي في لجنة النظام الداخلي (خمسة أعضاء أيضا)، إلى جانب المكتب التنفيذي.

في المقابل، رأت الإعلامية آسيا العتروس في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن وصول امرأة الى المكتب التنفيذي لأكبر منظمة عريقة في البلاد “تأخر كثيراً، فهي المرة الثانية التي تحقق فيه سيدة تونسية هذا المكسب منذ أكثر من نصف قرن وتحديدا منذ انتخاب الراحلة شريفة المسعدي في الهيئة المديرة لاتحاد الشغل سنة 1949”.

وفي ختام أعمال المؤتمر بدا الإرتياح واضحا على ملامح القيادية الجديدة، على إثر إقرار البند الثالث من الدستور الداخلي للاتحاد، الذي كرس إجبارية تخصيص مقعدين للمرأة في جميع الهيئات النقابية، من النقابة الأساسية وصولا إلى المكتب التنفيذي. ورأت أن فوزها “يشكل نجاحا لجميع النقابيات في الإتحاد، وللنساء عموما اللائي يتُقن إلى الحرية والمساواة، وهذا شرف لمنظمتي وبلدي”، على ما قالت. وأشارت الهمامي إلى أن مكانة المرأة بدأت تتحسن في الإتحادات الجهوية، كما أن 44 سيدة أصبحن يشغلن مواقع في النقابات القطاعية، التي تشكل أحد الأعمدة الكبرى لأهم مركزية نقابية في البلاد. واعتبرت نعيمة الهمامي أن هذه التغييرات أتت “ثمرة لعمل دؤوب وطويل النفس من أجل تطوير الذهنيات داخل الإتحاد وتشجيع مشاركة المرأة في مختلف الهياكل النقابية”.

الإتحاد والرباعي ونوبل

يُعتبر الإتحاد العام التونسي للشغل أبرز أضلاع الرباعي الذي أوقف تدحرج تونس نحو منزلق الحرب الأهلية في عام 2013.

تحرك الرباعي المؤلف من نقابة المحامين ونقابة رجال الأعمال ورابطة حقوق الانسان، بالإضافة لنقابة العمال، لحمل الغُرماء على الجلوس إلى مائدة الحوار، ما قاد إلى توافقات على وثيقة الدستور ثم إلى تشكيل حكومة انتقالية أشرفت على إجراء انتخابات حرة وشفافة في السنة الموالية.

استحق اتحاد الشغل، مع المنظمات الثلاث الأخرى، نيل جائزة نوبل للسلام على تلك المهمة التاريخية.

جدل المُجدّدين والمحافظين

بالرغم من أن الدعوة لتحرير المرأة انطلقت في تونس منذ بواكير القرن الماضي على يد المصلح الإجتماعي الطاهر الحداد (1899-1935)، والذي واصل رسالته زعماءُ الحركة الوطنية من بعده، ظلت نسبة مشاركة المرأة في الحياة العامة ضئيلة، إذ لم تفز سيدات بمواقع قيادية في المنظمات الإجتماعية ولا في الأحزاب الوطنية حتى استقلال البلد في 1956. وأثارت دعوة الحداد إلى تعليم البنات، وهو خريج جامعة الزيتونة، جدلا كبيرا بين المُجددين والمحافظين، وانقسمت النخبة إلى فريقين حول كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”.

غير أن ظهور اتحادات نسائية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي منح المرأة الفرصة للعب أدوار حيوية بين القوى المطالبة بالإستقلال، وخاصة بعد تأسيس الإتحاد القومي النسائي التونسي (الإتحاد الوطني للمرأة التونسية حاليا) في عام 1956. وفي سياق تلك الموجة، صعدت سيدة للمرة الأولى إلى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل في عام 1949، وهي شريفة المسعدي، التي تولى زوجها الكاتب الراحل محمود المسعدي الأمانة العامة للإتحاد مؤقتا في أعقاب اغتيال مؤسسه فرحات حشاد سنة 1952.

استنادا على هذه الخلفية التاريخية، اعتبرت آسيا العتروس أن ما تحقق “لم يكن من فراغ ولا منّة، بل كان عن استحقاق وجدارة بالنظر الى ما اكتسبته نعيمة الهمامي، زوجة المناضل الراحل عبد الرزاق الهمامي، من ثقة لدى القاعدة الإنتخابية من النساء، ولكن أيضا من الرجال، بفضل مواقفها النضالية المعلنة في قطاع التعليم”. وأضافت: “بالتأكيد هي خطوة مهمة، لكنها تحتاج الى خطوات إضافية لتعزيز مواقع المرأة التونسية، التي كانت وما زالت في الصفوف الأمامية كلما تعلق الأمر بالدفاع عن الحقوق المشروعة للطبقات الشغيلة في وجه الإستغلال والفساد، وفي الصفوف المتقدمة للمجتمع المدني”.

على إثر انتخابها لعضوية المكتب التنفيذي، نعيمة الهمامي (في الوسط) تتلقى تهاني زملائها من النقابيين والنقابيات في بهو الفندق الذي احتضن في موفى شهر يناير 2017 أشغال المؤتمر الثالث والعشرين للإتحاد العام التونسي للشغل. swissinfo.ch
“كوتا” نسائية

في السياق، لوحظ أن النساء برزن في مواقع قيادية خلال العقدين الأخيرين، وبخاصة منذ عام 2011، إذ تقود سيدة الأعمال وداد بوشماوي الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال)، فيما تقود القاضية روضة قرافي جمعية القضاة التونسيين، وتزعمت السيدة مية الجريبي على مدى عشر سنوات الحزب الجمهوري، الذي كان أحد الأحزاب الرئيسية المُعارضة لنظام الرئيس السابق بن علي، بالإضافة لترؤس سيدات للعديد من المنظمات والجمعيات الأهلية الجديدة.

من جهة أخرى، رحبت منظمات نسائية من بينها “جمعية النساء الديمقراطيات” (يسارية) بصعود سيدة إلى أعلى هيئة قيادية في الإتحاد العام التونسي للشغل. وقالت رجاء الدهماني، الأمينة العام للجمعية (تأسست في ثمانينات القرن الماضي) في بيان أرسلت نسخة منه إلى swissinfo.ch: “هنيئا لنساء تونس، هنيئا لأول امرأة في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل”. واعتبرت أن وصول المرأة إلى ذلك الموقع القيادي “يختزل نضالات نقابيات تحمّلن مسؤولياتهن في الدفاع عن استقلالية المنظمة وديمقراطيتها”. ورحبت بإقرار حصة دُنيا (كوتا) من المواقع للمرأة في الهيئات النقابية، مُعبّرة عن الأمل “بتنفيذ مبدأ التناصف الذي أقرّهُ الدستور التونسي”، مثلما قالت.

قارئة نهمة

تعشق النقابية نعيمة الهمامي الأدب العربي والعالمي، فهي منذ الصغر قارئة نهمة لنجيب محفوظ وأبي العلاء المعري وحنا مينة وجان بول سارتر وجبران خليل جبران، إلى جانب الروائيين التونسيين أمثال محمود المسعدي والعروسي المطوي. وتقول: “إن دراستها في كلية الآداب صقلت رؤيتها الأدبية وبلورت خياراتها الفكرية والسياسية”.

مع ذلك، أكدت نعيمة الهمامي أنها ستشتغل من أجل كل النقابيين وليس لفائدة المرأة فقط، “من أجل النساء والرجال على السواء”. وعن تسلمها لدائرة العلاقات الخارجية في القيادة الجديدة، أوضحت أنها “خالية الذهن من هذه الدائرة”، إلا أن زملاءها ألحوا على أن تتولى هي تسيير “هذه الدائرة المهمة والصعبة في الآن نفسه”، ما جعلها تنكب على الملفات العاجلة التي لا يُمكن أن تنتظر “كي لا تتعطل المصالح” في انتظار استيعاب خصوصيات عملها الجديد. وربما ما يساعد القيادية الجديدة على الإضطلاع بمهمتها أنها جربت العمل النقابي مذ كانت طالبة في كلية الآداب والعلوم الانسانية، حيث كانت الإجتماعات في الجامعة شبه سرية كما في مبيت الطالبات، بعد حظر “الإتحاد العام لطلبة تونس” سنة 1972.

أخيرا، توقعت آسيا العتروس أن “اختبارات كثيرة ليست بالهيّنة في انتظار نعيمة الهمامي، لكن الأكيد أنها لن تخذل من حمَلوها الأمانة ووضعوا ثقتهم فيها، وفي ذلك مؤشر على أن الأفضل سيتحقق بفضل النضالات والتضحيات التي نأمل ان تكون مقدمة لربيع دائم وليس لموسم يتيم”، على حد قولها.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية