رغم نـذر الأزمة.. البيوتكنولوجيا لا زالت تجلب اهتمام المستثمرين
على الرغم من الغيوم السوداء التي خيمت على البورصات العالمية في الأيام الأخيرة، تظل البيوتكنولوجيا في سويسرا، قطاعا واعدا على المدى البعيد، مثلما يؤكد الخبراء في هذا المجال الصناعي.
وفي هذه الأجواء من التفاؤل الحذر، أنهت الدورة السابعة لمنتدى البيوداتا أعمالها التي احتضنتها جنيف يوميْ 22 و23 يناير الجاري، وحضرتها شركات صناعية ومؤسسات مالية وعلمية من مختلف البلدان الأوروبية.
ويمثل هذا اللقاء الإقليمي أهم تظاهرة من نوعها على مستوى سويسرا، ويوفر فرصة نادرة للشركات الفتية والمبتكرة التي تنشط بمنطقتيْ بحيرة جنيف و رون-آلب الفرنسية المجاورة للتعريف بمشروعاتها، وإيجاد شركاء تجاريين، وتمويلات وتعاون علمي على المدى البعيد.
وحول أهمية هذا المنتدى، يقول كاي برونيغ، مستثمر بفرانكفورت بألمانيا، في تصريح لسويس انفو: “التكنولوجيا البيولوجية في سويسرا أكثر نضجا، وأكثر تقدما منها في أي بلد أوروبي آخر، ولهذا يعتبر منتدى البيوداتا، محطة هامة بالنسبة لهذه الصناعة”.
وخلال كلمة الافتتاح، وأمام 350 مشاركا، نوّه بيار فرانسوا، وزير الاقتصاد والصحة بكانتون جنيف بهذا اللقاء السنوي لافتا الأنظار إلى “الأهمية الاستثنائية التي يحظى بها لدى المشتغلين بعلوم الأحياء، ولدى الدوائر الاقتصادية في منطقتيْ بحيرة جنيف ورون- آلب”.
وتعكس المعطيات التي كشفت عنها كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية حيوية هذا القطاع، إذ تحتل سويسرا المرتبة الأولى عالميا من حيث كثافة المشروعات بالمقارنة مع عدد السكان. وتعد البلاد 137 شركة منتجة للمستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية، و81 مزوّدا عاملا في هذين المجالين”.
مستقبل واعد
وبينما كان منتدى البيوداتا يفتتح دورته السابعة، شهدت البورصات العالمية تراجعا كبيرا لليوم الثاني على التوالي، مما أثار المخاوف من شبح الركود الاقتصادي، لكن المستثمرين والخبراء المشاركين في المنتدى حاولوا تهدئة مخاوف الحضور.
ويقرّ أورليش كنزال، مدير الشركة المصرفية الأوروبية، نوميرا كود بأنه “على المدى القصير، سيمر القطاع بفترة صعبة، لكن على المدى البعيد، يظل مستقبل هذه الصناعة مشرقا”. ويشرح هيرفاي دي كيرغروهن، رئيس منتدى بيوداتا طبيعة المشكلة قائلا: “في مرحلة أولى سيكون من الصعب جدا على الشركات حديثة النشأة، الاندماج في الأسواق المالية، وستكون قيمة أسهمها منخفضة جدا، ثم في مرحلة ثانية سيكون من الصعب على الشركات الكبرى الزيادة في حافظاتها المالية، وتوسيع أنشطتها”،
ولا يختلف سيمون موروناي، المدير التنفيذي لشركة مورفوزيس، التي فازت أخيرا بإبرام عقد بمبلغ 660 مليون فرنك مع شركة الأدوية العالمية العملاقة، نوفارتيس عن الرأيين السابقين ويقول: “فوضع قطاع البيوتكنولوجيا، من حيث الأساس، يظل وضعا مشرقا، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر بها الأسواق المالية حاليا”.
ويضيف مدير شركة نوميرا كود: “علينا ألا ننسى الفرص والإمكانات الهائلة المتوفرة في مجال صناعة المستحضرات الصيدلانية، أما ما تعرفه أسواق البورصة من اضطراب، فهو خارج عن نطاق سيطرتنا”.
وبالنسبة إليه، لا مبرر للخوف “فقطاع الصناعات البيولوجية يمر بحراك داخلي هام، ومن الواضح جدا أن فرص الإستثمارلا تزال متوفرة، وسوف نشهد في المستقبل إبرام عقود مع الشركات الصيدلانية الكبرى لترخيص استغلال البراءات العلمية، ومن المرجح أن تتم عمليات اندماج بين العديد من الشركات في هذا القطاع، أضف إلى ذلك، الفرص التي تتيحها الأسواق الجديدة التي هي بصدد فتح أبوابها في وسط أوروبا وشرقها، وفي آسيا وروسيا”.
وتظل المشكلة الوحيدة بالنسبة لهذه الصناعة، بحسب الخبراء، ما تتطلبه من صبر ووقت لجني الأرباح، ويشرح هيرفاي ذلك بالقول: “يريد المستثمرون الحفاظ على توازن أنشطتهم التجارية بين البيوتكنولوجيا والتكنولوجيا الطبية، لأن هذه الأخيرة تدر أرباحا بسرعة وبأقل مخاطرة، في الوقت الذي تتطلب فيه الاستثمارات في البيوتكنولوجيا مدى زمنيا أطول، ومبالغ مالية أهم”.
الأيادي الممدودة بالمساعدة
يعود الجزء الأكبر من النجاح المبكر الذي حققته الشركات الفتية العاملة في التكنولوجيا البيولوجية إلى تظافر الجهود على المستوى الإقليمي وإلى الدعم الذي تلقته من أشخاص فضلاء. وفي هذا السياق يتنزّل التعاون بين منتدى البيوداتا ومؤسسة بيو-آلب التي توحد العاملين في مجال علوم الأحياء في المنطقة المحيطة ببحيرة جنيف.
وأعلن ليونال إيبيرون، رئيس مجموعة بيو-آلب أن “هذه السنة ستشهد منح الدعم لعشر شركات فتية في المنطقة كشركة ليمان كارديوفاسكيلار، وإيريس جين، ودياغنوسويس، وماد ديسكافري”.
ولكن لكي تحافظ المنطقة على قدرتها التنافسية، يشترط رئيس منتدى بيوداتا “مبادرة المصارف الخاصة، والمجموعات الداعمة للمنشآت بالمشاركة ومنذ اللحظة الأولى في دعم شركات مثل أكتيلون، وآديكس، وسبيدل”، وفي حال قيامها بذلك، “سيصبح بإمكان هذه المنطقة تحقيق المزيد من النجاح في مجال علوم الأحياء”، حسب قوله.
إمكانات هائلة للاستثمار في المال العربي
تتطلع أغلب الشركات التي حضرت المنتدى إلى توسيع دائرة عملها جغرافيا بالبحث عن فرص استثمارية خارج أوروبا هروبا من المنافسة الحادة، وغزوا لأسواق جديدة، وجميع الأنظار تتجه إلى روسيا والهند والصين، لكن لا أحد يفكر في المنطقة العربية، “فالوضع الاجتماعي والأولويات الاستثمارية لأصحاب رؤوس الأموال في تلك المنطقة، وأسلوب الإدارة والتدبير لا تسمح بنجاح صناعات متطورة كصناعة البيوتكنولوجيا والفضاء والساعات وغيرها”، يقول هيرفاي دي كيرغروهن، في رد عن سؤال لسويس انفو.
ولكن لماذا الهند وليس الإمارات العربية أو قطر مثلا، ومعلوم أن هذه البلدان تزخر بالثروات ورؤوس الأموال، يجيب رئيس المنتدى: “تبدو هذه الدول للناظر من بعيد أنها بلدان ثرية، في حين نعلم نحن أن الأموال مكدسة بيد فئة قليلة، وعندما نتوجه إلى الهند نجد كفاءات عالية ونشطة وغير مُكلفة تساعد على تنمية المشروعات، وهذا كله غير متوفر في البلدان العربية”.
وبرغم هذا الموقف السلبي، ينتظر رجل الأعمال السويسري انتهاء أعمال هذا المنتدى ليسافر إلى دبي بحثا عن تمويلات لمشروعاته، فالقول المتداول اليوم على ألسنة رجال الأعمال: “بومباي ودبي أو التوقف عن العمل”.
سويس انفو – سيمون برادلي – جنيف
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
تحتل سويسرا المرتبة السادسة من حيث عدد الشركات العاملة في مجال البيوتكنولوجيا، على المستوى الأوروبي منذ 2006، والمرتبة العاشرة على المستوى العالمي منذ 1998، و50 % من هذه الشركات أسس قبل سنة 1997.
وبحسب ما أعلنته كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، بلغ مردود قطاع البيوتكنولوجيا سنة 2006، ما قدره 6 بليون فرنك.، وتشغل 14.300 عامل وموظف.
حوالي ثلث رأسمال السوق المالية السويسرية SWS أي ما يعادل 400 بليون فرنك تعود إلى قطاع علوم الأحياء، وهي تمثل بذلك أكبر مجال للنشاط الاقتصادي على المستوى الأوروبي.
تتمركز أغلب هذه الشركات على مقربة من بحيرة ليمان المطلة على جنيف، وفي ضواحي بازل وزيورخ وفي كانتون التيتشينو. وأغلب هذه المواقع قريبة من الجامعات والمختبرات البيولوجية.
تمتلك سويسرا 218 شركة متخصصة في البيوتكنولوجيا بحسب تقرير البيوتكنولوجيا السويسرية لسنة 2007
تحتل تسع شركات سويسرية المرتبطة الأولي على المستوى العالمي.
حوالي 20 شركة متوسطة الحجم تشغل ما بين 50 إلى 100 عامل.
بقية الشركات تشغل ما دون 50 عاملا.
85% من ضمن 137 المصممين العاملين في البيوتكنولوجيا السويسرية منخرطون في ما يسمى البيوتكنولوجيا “الحمراء” (المتعلقة بطب الإنسان وبالطب البيطري)، و7% في مجال حماية البيئة والصناعة، و8% في قطاع الزراعة والتغذية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.