مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رقصة كبرى خطرة في الشرق الأوسط

بعد إعصار جونو الذي ضرب بحر عُـمـان في بداية شهر يونيو 2007، تتلبد سماء منطقة الشرق الأوسط بسحب الحرب.. Keystone

ماذا يجري في الشرق الأوسط هذه الأيام؟ هناك الانفجارات الأمنية والعسكرية بالطبع، خاصة في العراق وفلسطين ولبنان والسودان، وأحيانا، في دول المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية (العمليات الانتحارية).

لكن هناك أيضاً ما لا يقل أهمية، المناورات الدبلوماسية – السياسية الكبرى لإعادة تشكيل المشهد السياسي الشرق أوسطي – عبر خلط الأوراق، ورسم خطوط المجابهة وإعادة تشكيل التحالفات على أسس جديدة.

اللاعبون الرئيسيون في هذه الرقصة الدبلوماسية الكبرى، هم أنفسهم اللاعبون الإقليميون الرئيسيون: إيران والسعودية ومصر وسوريا وإسرائيل، وإلى حدٍّ ما تركيا، هؤلاء يتحرّكون بسرعة الآن، كل في “مجاله الحيوي”، مستنفراً كل طاقاته وإمكاناته وتحالفاته، استعدادا لحرب (أو حروب)، تبدو وشيكة في أفق الشرق الأوسط.

المحور الأول، الذي تدور حوله هذه الرقصة الاستقطابية الكبرى، هو رغبة معظم القوى الإقليمية العربية والتركية في احتواء القوة الإقليمية الإيرانية الصاعدة، ومنعها من تحقيق المزيد من المكاسب أو عمليات التوَسع، وهذا أمر بديهي في علم السياسة، فحين تبرز قوة جديدة صاعدة على الساحة الدولية، تولد فوراً ثلاثة خيارات: إما أن تنجح هذه القوة في فرض وجودها، وبالتالي، تغيَـر ملامح ومكوِّنات النظام الإقليمي أو الدولي (نموذج أمريكا في القرن العشرين) أو تدمَـر (نموذج ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية) أو يتم إدماجها بسلام في النظام (نموذج الصين، حتى الآن على الأقل).

الخيارات الثلاثة مطروحة حالياً بالنسبة لإيران مع احتمال غلبة لاحتمال تطبيق الخيار الثاني، نظراً لأن الخيار الأول مستحيل، بسبب الخلل الكبير في موازين القوى بين طهران وبقية الدول، ولأن الخيار الثالث، لا يزال فاشلاً حتى اللّـحظة.

الاستقطاب

اليد العليا هذه الأيام هي إذن للمواجهة، وهذا ما يفسِّـر حال الاستقطاب( polarization ) ، الجارية الآن على قدم وساق في المنطقة.

بعض مؤشرات هذا الاستقطاب من الجانب العربي:

· إعلان وزير الخارجية المصري أبو الغيط، أن السياسات الإيرانية في غزة وفلسطين، بدأت “تشكّـل خطراً على الأمن القومي المصري”، أبو الغيط لم يقل إيران، بل سياساتها، وهذا فارق مهم، لكن تصريحه مع ذلك، يبقى خطيراً لأن تعبير “الخطر على الأمن القومي” لا يُـستخدم عادة في الأدبيات الإستراتيجية للدول، إلا للدّلالة على العدو.

قبل هذا التصريح بأشهر قليلة، كان الرئيس حسني مبارك ينضم فجأة إلى الملك عبد الله في الحديث عن “الهلال المذهبي” الجديد في المنطقة، مدشـَناً في وقت مبكّـر توجهاً جديداً في السياسة الخارجية المصرية للمرة الأولى منذ اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979.

· اتهام الرئيس الفلسطيني عباس لإيران رسمياً، بالوقوف وراء انقلاب “حماس” في غزة، وهذه تُـهمة خطيرة أخرى، خاصة وإنها ترافقت مع قيام عباس بقطع كل الاتصالات مع هذا الفرع من حركة الإخوان المسلمين، بعد نعتها بأنها “تكفيرية وانقلابية”.

· بيانات المملكة العربية المتكررة، التي تحذر من سيطرة إيران على جنوب العراق، ودعوتها إلى موقف عربي موحّـد لمواجهة الوضع في بلاد ما بين النهرين.

“الصراع الخفي”، لكن الحادّ بين الرياض وطهران في لبنان، والتي يُـتوقع أن يصل إلى ذرى جديدة، وعلنية هذه المرة، مع اقتراب انتخابات الرئاسة اللبنانية، خاصة مع انضمام دول عربية أخرى إلى حلبة هذا الصراع، على رأسها مصر والأردن.

· وأخيرا، انفجار الأزمة الدبلوماسية بين الكويت وإيران، على خلفية حادث السفارة الكويتية في طهران، وهي أزمة قد تتطور في حال لم يتم استيعابها سريعاً، إلى أزمة إيرانية – خليجية، وبالتالي، إلى أزمة إيرانية – عربية.

كما هو واضح، خطوط المواجهة تُـرسم بسرعة، وإن بشكل عشوائي في بعض الأحيان، ولم يبق لاكتمال مشهد الاستقطاب سوى تحديد موقف سوريا منه.
فهذه الدولة، وبرغم “تحالفها الإستراتيجي” مع إيران، لا تزال على مسافة ما بين حليفها الإيراني المستجد، وبين حليفيْـها التاريخيين مصر والسعودية، لكنها ستكون مُـضطرة قريباً، في حال استمرت عملية الاستقطاب (وهذا هو المرجح)، إلى أن تحسم موقفها بين قُـطبي الرحى الجديدين في المنطقة.

قد لا يكون هذا سهلاً عليها، خصوصاً حين نضع في الاعتبار تقاطع بعض مصالحها الإقليمية في لبنان وفلسطين والعراق مع المصالح الإيرانية، لكنه سيكون أمراً محتوماً: فالمنطقة تقترب سريعاً من اللحظة التي سيكون فيها المرء “مع” أو “ضد”، بدون أن تكون هناك منطقة وسطى ما.

أخطاء إيرانية؟

هذا على الجانب العربي، أما على الجانب الإيراني فلا يقل المشهد سخونة. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات خطيرة ومتسارعة، أبرزها إثنان:

الأول، ما نُـقل على لسان الملك السعودي عبد الله، الذي لم يُـعرف عنه أنه يطلق التصريحات جزافاً أو بهدف الابتزاز السياسي، من أنه أبلغ القادة الإيرانيين أن عليهم أن يأخذوا التهديدات الأمريكية على محمل الجِـدّ، لأنها “حقيقية وملموسة”.

والثاني، ما أدلى به الجنرال حسن فيروز، رئيس الأركان الإيرانية المشتركة، ليس حين حذَر من “هجوم انتحاري صهيوني يبدأ من لبنان وسوريا ويمتد إلى الأردن ومصر والسعودية”، فهذا يبدو محْـض ألعاب سياسية تخويفية، بل لما يبدو أن قراءته الخاصة لأحداث الشرق الأوسط.

فقد رأى الجنرال الإيراني أن الهجوم الإسرائيلي يستهدف الحيلولة دون سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق والشرق الأوسط، وأضاف «الشعب الأمريكي ومجلس الشيوخ والكونغرس، أدركوا أنهم يضحُّـون بمصالحهم من أجل الشر الصهيوني، وقرروا سحب القوات الأمريكية من المنطقة، لكن الصهاينة والمحافظين الجدد الأمريكيين، يريدون تبرير تواجدهم في المنطقة”.

أمريكا قررت الانسحاب من الشرق الأوسط؟

إذا ما كان هذا أيضاً تحليل أو تفكير القيادة السياسية العليا في طهران، فهذه ستكون الكارثة بعينها، لأنها ستعني أن القيادة انتشت بما تعتبره صعوداً غير مسبوق للنفوذ الإيراني منذ أيام قورش، فأصابها ذلك بعمى ألوان إستراتيجي، وهذا مرض عضال يُـصيب الأفراد والدول على حدٍّ سواء، التي تنتقل فجأة من مُـنتهى الضعف إلى مُـنتهى القوة أو من ذروة الفقر إلى قمة الغنى.

كما أنها ستعني أن القادة الإيرانيين، كما القادة العراقيين الصدّاميين قَـبلهم، يطرحون مقدمات تحليلية خاطئة حول السياسات الأمريكية في المنطقة، وبديهي بعد ذلك، أن يخرجوا منها بخلاصات (ومواقف) خاطئة:

فهم مثلاً، لا يبدو أنهم يُـدركون أن الولايات المتحدة مستعدة لشن عشرة حروب عالمية، لضمان استمرار سيطرتها على الشرق الأوسط، الذي يتضمن ثلثي احتياطي العالم من النفط.

كما يعتقدون أن الانقسام الديمقراطي والجمهوري إزاء كيفية الخروج من ورطة العراق، يشبه ذلك الذي سبق الانسحاب الأمريكي من فيتنام والهند الصينية، وهذا بالطبع أضغاث أحلام. فالعراق ليس فيتنام، والانسحاب الأمريكي منه، سيكون تكتيكياً لا إستراتيجياً، ثم أن الديمقراطيين والجمهوريين يتوحَـدون في خندق واحد ضد أي طرف يُـهدد أحد كنزين شرق أوسطيين لهما: النفط وإسرائيل، وإيران تشكِّـل الآن تهديداً لكليهما.

وأخيراً، لا يتوقّـفون أمام الحقيقة، بأن انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط، لن يعني تهاوي زعامتها العالمية فحسب، بل هو سيؤدي حتى إلى تحوّلَها إلى دولة كبرى معزولة ومتآكلة داخلياً، وهذا بالطبع غير وارد بالنسبة لقوة، خاضت ثلاثة حروب عالمية متتالية، تمحورت في معظمها حول مسألة السيطرة على النفط والموارد الطبيعية.

كل هذه المعطيات – الثوابت، لم تكن واردة في تحليل الجنرال فيروز حول رغبة أمريكا في “الانسحاب من المنطقة”، وهي تُـشبه إلى حدٍّ بعيد تحليلات صدّام حسين الواثقة إزاء “عدم استعداد أمريكا لخوض حرب مكلّـفة في الخليج”، عشية غزوه للكويت، وهذا النمط (أو اللامنطق) من التفكير، هو الأخطر الآن بالنسبة لمسألتي الحرب والسلام في منطقة الخليج وبقية الشرق الأوسط.

كما هو واضح، نحن أمام صورة نمطية من صور نسف الاستقرار، الذي يخلقه صعود قوة إقليمية أو دولية ومطالبتها بحصة من النظام الإقليمي والدولي.

إيران الآن هي هذه القوة، وحال الاستقطاب الذي يجري حالياً، دليل على أن احتمالات إدماج طموحاتها سلماً في النظام، أمر مستبعد، فإلى جانب المصالح القومية، هناك المصالح النفطية الدولية الخطيرة والمصيرية.

وإذا ما عَـنى ذلك شيئاً، فإنه يعني أن الشرق الأوسط مقبل على مجابهة، على حريق شامل، إلا إذا ما حدثت مفاجآت ما في إيران أو حولها، تدفع القوى الإقليمية من حال الاستقطاب إلى حال البحث عن حلول وسط.، وهي مفاجآت لا يبدو أنها في الأفق هذه الأيام، مع وجود الرئيس أحمدي نجاد وطاقمه من قادة الحرس الثوري في السلطة، ومع وجود الرئيس بوش وطاقمه من المحافظين الجدد في البيت الأبيض.

سعد محيو – بيروت

أنقرة (رويترز) – أكد قائد القوات المسلحة التركية مجددا يوم الأربعاء 27 يونيو 2007 أن الأمر يستدعي القيام بعملية عبر الحدود في شمال العراق لسحق المتمردين الأكراد المتمركزين هناك وقال إن ذلك سيكون مفيدا.



وزادت تصريحاته الضغوط على الحكومة التركية حتى تسمح بعملية عسكرية عبر الحدود قبل أسابيع معدودة من الانتخابات البرلمانية التي تهيمن عليها قضيتا الأمن والإرهاب.



وهناك ضغينة بين جيش تركيا العلماني القوي وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية. ويقول محللون إن جنرالات تركيا يريدون أن يظهروا أنه ضعيف أمام الإرهاب. وينفي حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان أن لديه أجندة سياسية إسلامية. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز الحزب في الانتخابات التي تجري في يوليو تموز.



وقال الجنرال يشار بيوكانيت قائد الجيش في مؤتمر صحفي أذاعه التلفزيون التركي على الهواء مباشرة “سبق وأن قلت (في أبريل) إننا نحتاج لعملية عبر الحدود وإن هذا سيكون مفيدا. وأنا أكرر الآن هذا الرأي.”



لكنه أكد الحاجة الى العمل في إطار القانون أثناء التعامل مع المخاطر الأمنية. والبرلمان التركي في عطلة الآن استعدادا لانتخابات 22 يوليو تموز ومن الضروري دعوته للانعقاد للتصريح بالقيام بأي عملية عسكرية عبر الحدود.



وقال بيوكانيت في المؤتمر الصحفي الذي عقده في اسبرطة بجنوب غرب تركيا “علينا أن نخوض قتالنا على أساس قانوني. لا نستطيع تخطي القانون.”



وأبلغ رئيس وزراء تركيا رويترز الاسبوع الماضي ان انقرة ستتحرك عسكريا اذا لزم الأمر.



وقتل أكثر من 30 ألفا في القتال بين قوات الأمن التركية وقوات حزب العمال الكردستاني المحظور منذ أن بدأ حملته لاقامة وطن للأكراد في جنوب شرق تركيا عام 1984 .



وتصاعدت الخسائر في الأرواح خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب الهجمات التي يشنها مقاتلو حزب العمال الكردستاني المختبئون في شمال العراق عبر الحدود الجبلية داخل أراضي تركيا ويهاجمون خلالها أهدافا أمنية ومدنية.



وأعلن الجنرال الكر باشبوج قائد القوات البرية التركية في المؤتمر الصحفي أن هناك ما يتراوح بين 2800 و3100 من متمردي الحزب الكردي متمركزين في شمال العراق.



وكرر قائد الجيش التركي اتهامه بأن متمردي حزب العمال الكردستاني يتلقون العون من بعض الدول الأجنبية من بينها حلفاء بالاسم لتركيا عضو حلف شمال الاطلسي.



ولم يحدد بيوكانيت هذه الدول بالاسم لكن انقرة انتقدت من قبل الولايات المتحدة لفشلها في ملاحقة حزب العمال الكردستاني في العراق. كما اتهمت تركيا أيضا بعض الدول الاوروبية من بينها بلجيكا والدنمرك بتقديم العون للمتشددين.



وصرح بأن هناك عددا من “المتواطئين” مع الحزب في البلدات والقرى التركية يقدمون له العون. وتعتبر تركيا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. لكن بيوكانيت أضاف أن المشكلة الانفصالية الكردية لن تحل بالسبل العسكرية وحدها.



وقال “الإرهاب متعدد الابعاد. ويجب وفي إطار النضال المسلح محاربته بطرق أخرى أيضا” مشيرا الى العناصر الاقتصادية والاجتماعية.



وتعاني المنطقة الجنوبية الشرقية الكردية في تركيا من الفقر والبطالة ونقص الاستثمارات والتعليم. وعطل الصراع المسلح فرص التنمية الاقتصادية للمنطقة.



من جاريث جونز


(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يونيو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية