رهانات أبومازن .. الصعبة والخطرة
من التسريبات الاسرائيلية المتكررة هذه الايام، يتضح للمراقبين أن ثمة "شيئا ما" يتم إعداده بين محمود عباس وأولمرت.
وقد يكون الأمر متعلقا بوثيقة تضم مبادئ خاصة بالحل النهائى سيتم عرضها على اجتماع الخريف المقبل الذى دعا إليه الرئيس بوش، لكى يحصل على اعتراف عربى ودولى مزدوج، وبعدها يبدأ التفاوض على تلك المبادئ إن تم التوصل إليها.
من التسريبات الإسرائيلية ايضا يتضح ان هناك اتفاقا بين الرجلين، وبدعم وطلب مباشر من كوندليزا رايس، على اللقاء الدورى للبحث فى امور تتعلق بالحل النهائى، كالدولة و الحدود والقدس والمياه واللاجئين، دون ان يكون ذلك بالضرورة مقدمة لاتفاق قابل للتطبيق فى غضون الزمن المنظور. لكن لا بأس من التوصل إلى وثيقة ما يمكن تسويقها على انها نوع من النجاح رغم العواصف والمعوقات.
وعلى هذا المنوال يمكن للمرء ان يتابع الكثير من التسريبات الاسرائيلية، والتى لم تنفها مصادر الرئيس عباس ولا السلطة الفلسطينية، ليخرج بنتيجة مفادها أن هناك رهانا مشتركا بين عباس وأولمرت على أن اللحظة الزمنية مناسبة للخروج بشئ ما يستند إليه كل منهما للاستمرار على كرسى السلطة من جهة، ولتحريك القضية الفلسطينية خطوات من جهة أخرى، ولاقناع المواطنين هنا وهناك بأن شيئا يتحرك للامام.
رهان إسرائيلى واضح
المهم هنا ان الرؤية الاسرائيلية واضحة، أو لنقل الرهان الاسرائيلى واضح تماما، إذ يستغل الانقسام الفلسطيني بين حماس المسيطرة على غزة وفتح والسلطة المسيطران على الضفة لتمرير صيغة تسوية تحقق غالبية إن لم يكن كل الاحلام الاسرائيلية المعلنة والمضمرة معا. بما فى ذلك التخلص من عبء التسوية مع ممثلين أقوياء للقضية الفلسطينية، ودفع جهود التطبيع مع عدد من الدول العربية الاساسية وفى مقدمتها السعودية.
الرهان الاسرائيلي ببساطة يكمن فى تكريس الانقسام بين غزة والضفة، وبناء سلطة فلسطينية فى الضفة واعطائها بعض المحفزات السياسية والمعنوية والاقتصادية لكى تبقى شريكا لاسرائيل والولايات المتحدة، فى الوقت نفسه الاستمرار فى الضغط على غزة وسلطة حماس لكسر شوكتها إلى الابد، بما فى ذلك كسر شوكة ما يمكن وصفه بأى ذراع إقليمى او فلسطينى لكل من سوريا او إيران. ولكن ماذا عن رهان الرئيس عباس؟
لفتات للتذكرة
قبل الاشارة إلى عناصر هذا الرهان، يبدو مهما التذكير بأن الرئيس عباس هو مهندس اتفاقات اوسلو السرية، والتى تشكل عصب وأساس قيام ونشأة السلطة الوطنية الفلسطينية الراهنة، وهو الذى يرى بأن البندقية الفلسطينية، فى إشارة إلى المقاومة المسلحة، عليها ان تستريح وان تترك الامر للسياسة والمفاوضات، وأن المقاومة المسلحة لم تعد إضافة بل عبء كبير على القضية الفلسطينية حاضرها ومستقبلها، وان الواجب يحتم وقف كل اشكال العمل المسلح، تحت شعار جمع السلاح من خارج السلطة واستخدامه فى الدفاع عنها.
ويجب التذكير أيضا بأن محمود عباس حين عُين رئيسا للوزراء فى أيام الحصار التى طالت الزعيم عرفات فى عام 2002 وما بعدها، تحت شعار إصلاح السلطة كمقدمة للتسوية، كانت معركته الكبرى هى الصلاحيات الواسعة لرئيس الوزراء، بما يعنيه ذلك من خصم من الصلاحيات التى كانت مُعطاة فى القانون الاساسى لرئيس السلطة. وكان الدافع بسيطا ولكنه ذى مغزى كبير، لكى يتاح له التصرف بحرية ووفق أطر قانونية وأسس دستورية، فى مجالات السيطرة على الاجهزة الامنية الفلسطينية وفى الحوار مع إسرائيل والولايات المتحدة اللتين يراهما القوتين الرئيسيتين والمؤثرتين فى مسار القضية الفلسطينية، ولذا لم يكن متحمسا وما زال لإشراك قوى دولية أخرى فى أى جهد يتعلق بتنشيط التسوية العربية الاسرائيلية كروسيا والصين، أو العودة مرة اخرى ـ كما طالبت بذلك قمة الرياض الاخيرة ـ إلى الأمم المتحدة.
وثالثا، فإن الرئيس عباس يعد أحد الممانعين بقوة لادماج حماس فى منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك رغم أن اتفاق القاهرة لمارس 2005 ينص على إعادة بناء المنظمة وإشراك كل الفصائل الفلسطينية فيها، وهو الذى اكد مرارا، بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية يناير 2006، بأن عليها ان تعترف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها وأن توقف العمل المسلح.
عناصر رهان أبومازن
هذه اللفتات السريعة يمكن أن تعين المرء على فهم واستيعاب ما يمكن وصفه بالرهان الاستراتيجي للرئيس عباس فى هذه اللحظة الزمنية. فالرجل الذى خرج مهزوما ومعه فتح والسلطة برمتها من المواجهة مع حماس فى قطاع غزة، لم يعد لديه سوى الضفة تدين له بالسطة وبالشرعية معا.
فى الوقت نفسه، لا يملك عصا سحرية او قوة جبرية تعينه على استعادة القطاع من مغتصبيه على حد وصفه. ولذلك يأتى الشرط الاول حين الحديث عن اى مبادرة عربية ـ من مصر أو اليمن أو السعودية أو سوريا أو غيرهم ـ للحوار الفلسطيني، هو عودة الامور إلى ما كانت عليه، وهو شرط يبدو لطيفا على صعيد القول، ولكنه مستحيلا على صعيد الفعل، وهو ما يدركه تماما أبو مازن، ولكنه يتمسك به، ربما لسبيين أساسيين:
الاول، أن عدم الحوار سيضع الضغوط على حماس على أمل أن يكشف حدود قوتها وإمكاناتها المحدودة فى إدارة القطاع، ومن ثم يشكل أساسا لضغط جماهيرى عكسى ضد حماس من جانب ومنادى بعودة نفوذ فتح من جانب آخر.
والثانى، أن استمرار القطيعة السياسية، ملحقا بها إجراءات معلنة وغير معلنة لانضاب الموارد المالية تحديدا لكل ما يمت بصلة بحماس، فى الوقت نفسه استمرار الضغوط العسكرية الاسرائيلية على القطاع وعلى سلطة حماس وعلى بنيتها التحتية، سيشكل إضافة لفتح ولعباس شخصيا دون أن يحسب عليه أدنى مسؤولية ولو معنوية للخسائر التى سيتحملها القطاع والفلسطينيون داخله، باعتبار أن السلطة لا تملك شيئا فى القطاع ولا يمكنها بالتالى ان تدافع عنه.
فرصة بلا تكلفة
خلاصة السببين إذا ان هناك فرصة عملية بالفعل لكى يقوم الاحتلال بما لا يستطيع عباس ان يتحمله، ولم يستطع ان يقوم به من قبل، وهو الاجهاز على حماس وعلى بينتها التحتية، وترك الامر برمته لاسرائيل. وكأننا أمام شراكة أمر واقع فى مواجهة مصدر تهديد مشترك واحد.
هذا الرهان رغم كونه موجها إلى حماس شكلا، لكنه ذى صلة مباشرة بأمر التسوية المرتقبة مضمونا، وذى صلة ايضا بجهود رئيس وزراء حكومة تصريف الاعمال سلام فياض، والتى قوامها جعل الضفة متقدمة اقتصاديا، او حسب تعبيره “اسرائيل اقتصادية ثانية”، وذلك استنادا إلى دعم امريكي أوروبى عربى مباشر، باعتبار ان الضفة ستشكل فى كل الاحوال النسبة الاكبر من جغرافية الدولة الفلسطينية المنتظرة، فى حال الاتفاق على رابط جغرافى مع القطاع لاحقا وبعد الاجهاز على سلطة حماس فيه. وربما تصبح كل فلسطين المرتقبة إن استقر الوضع على فصل غزة باعتبارها قطاع مشاغب ضمن محور الشر الامريكيى الاسرائيلى.
رابطة عضوية
ونذكر هنا بأمر اللقاء الاقتصادى الفلسطينى الاسرائيلى المشترك المقرر عقده فى اكتوبر المقبل، وسيحضره رجال اعمال من الجانبين وسياسييين وممثلين للولايات المتحدة والاتحاد الاوربى لدفع علاقات تعاون اقتصادية واسعة بين الضفة وإسرائيل، بما يعنيه من تأسيس رابطة عضوية بين اقتصاد الدولة الفلسطينية المنتظرة والاقتصاد الاسرائيلي.
إذا جوهر الرهان هنا هو بناء أرضية لمفاوضات بعيدا عن سلاح المقاومة وعن معارضة القوى والفصائل التى ما زالت تؤمن بأن حق المقاومة مشروع ولا يمكن التنازل عنه ما دام هناك احتلال جاسم على الوطن ومصيره. وهى أرضية تتطلب التعاون من وجهة نظر الرئيس عباس مع كل من تل أبيب وواشنطن، وتجنيب الممانعات العربية إن وجدت، وتحفيز غطاء عربى إن أمكن. وأخيرا توظيف اللقاء المقترح فى الخرف المقبل ليوفر المظلة العربية والدولية لهكذا مشروع استراتيجي.
د. حسن ابوطالب – القاهرة
أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه يوم الاربعاء 22 أغسطس 2007 أن الرئيس محمود عباس، زعيم حركة فتح، واسماعيل هنية، زعيم حماس، يمكن أن يخوضا سباقا متقاربا اذا ما أجريت الانتخابات على منصب الرئاسة الفلسطينية الآن.
ووفقا للاستطلاع، سيصوت 20.6% من الفلسطينيين لعباس الذي يشغل المنصب حاليا، و18.8% لرئيس الوزراء السابق هنية. وأظهر الاستطلاع أن 16.6% سيصوتون لمروان البرغوثي، أحد زعماء فتح المسجون في اسرائيل.
وشمل الاستطلاع الذي أجراه مركز القدس للاعلام والاتصال 1199 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. ويبلغ هامش الخطأ فيه 3%.
علاوة على ذلك، أظهر الاستطلاع أن 46.7% من الشعب الفلسطيني يعتقدون بصفة عامة ان الوضع في القطاع الساحلي ساء بعد سيطرة حماس عليه في يونيو مقابل 27.1% يعتقدون ان الموقف تحسن.
من ناحية اخر، أظهر الاستطلاع أن 35.4% يعتقدون أن الموقف في الضفة الغربية تحسن بعد تشكيل حكومة سلام فياض المدعومة من فتح، بينما يعتقد 27.9% ان الموقف ساء بعد تشكيلها.
وقال رئيس الوزراء فياض الاسبوع الماضي إن اجراء انتخابات مبكرة متعذر عمليا نظرا للموقف السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن مستشاري عباس يدرسون خيارات لاستبعاد حماس من المشاركة في الانتخابات.
وقالت حماس، التي فازت باغلبية برلمانية في انتخابات يناير 2006، إنه سيكون من غير الدستوري بالنسبة لعباس أن يدعو الى اجراء انتخابات مبكرة. وهددت الجماعة بإعاقة اي جهود لإجراء انتخابات.
(المصدر: وكالة رويترز)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.