سجال البرزاني – اردوغان: “الدولة الكردية” أمام منعطف حاسم
في جميع استراتيجيات الأمن القومي، التي وضعها الأتراك منذ بداية الجمهورية، كانت وحدة التراب التركي هاجسا أساسيا.
وعند كل المنعطفات والتحديات المصيرية، يستعيد الأتراك اتفاقية سيفر لعام 1920 التي قسّمت تركيا إلى دويلات أرمنية وكردية، ومناطق خاضعة للقوى الأوروبية.
رغم مسيرة التقدم التركية على الطريق الأوروبي، لم يغادر هاجس سيفر من أذهان الأتراك ومسؤوليهم. اليوم، وكعادتهم، يستشعر الأتراك الخوف على وحدة بلادهم من بوابة وحيدة: المسألة الكردية.
كان تاريخ الحكومات التركية مع أكراد تركيا، حلقات من العصيانات والدم المسفوك منذ 1925 وحتى اليوم. الفارق الأساسي اليوم، والذي يُـخيف الأتراك أكثر ويعقّـد من الحل، أن المسألة الكردية في تركيا خرجت من أن تكون داخلية فقط.
فبعد احتلال العراق، هو غيّـره قبل الاحتلال والأكراد يكادون يلامسون حُـلمهم الأزلي في إقامة دولتهم المستقلة والتحرر من رِبقة الإيديولوجيات، التي حكمتهم بالحديد والنار في الدول التي هم فيها، ولاسيما في العراق وتركيا.
اليوم، يواجه الأكراد في المنطقة، وليس فقط في بلد محدّد، تحدي رسم حدود أول دولة لهم في التاريخ الحديث. عام 2007 لن يكون عاديا في تاريخ الأكراد: إنه عام كركوك مدينة ومنطقة، وقد نص الدستور العراقي على آلية زمنية للتحقق من رغبة سكان كركوك في الانضمام أو عدمه إلى إقليم كردستان العراق.
كركوك أساس في الحلم الكردي، فهي قُـدس الأكراد وكعبتهم، ورمز هويتهم القومية والثقافية من جهة، وهي مصدر أساسي للحياة الاقتصادية للدولة الموعودة، وكل الظروف العراقية والدولية مؤاتية: تقاطع مصالح مع حكومة نوري المالكي ودعم أمريكي غير محدود، كان في أساس الإنجاز الكردي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة.
2007 عام كركوك
عام 2007 هو عام كركوك واستكمال الحدود الجغرافية والثقافية والاقتصادية لدولة أكراد العراق، لكنها أيضا فُـرصة الأكراد في المنطقة جميعا، ولاسيما في تركيا. ا
حتاج أكراد العراق، كما في كل التحوّلات الكبرى في التاريخ، إلى تحوّل تاريخي، تمثل في احتلال أمريكي للعراق، وهم سيعضـّون بالنواجذ على هذا الإنجاز، بل توسيعه إن أمكن أو التأسيس لتوسيعه في المستقبل. إن الأكراد يجدون في الخلاف التركي الأمريكي، فرصة لتحقيق مكاسب، ومن هنا يأتي هذا التوحد (النادر) في المواقف بين أكراد تركيا وأكراد العراق.
للمرة الأولى، تجد أنقرة نفسها أمام خطاب كردي واحد من ديار بكر إلى أربيل.
مسؤولو حزب المجتمع الديمقراطي (الكردي، المؤيد لعبدالله اوجالان وحزب العمال الكردستاني) في تركيا، أطلقوا تصريحات أقل ما فيها أنها تعبير عن الولاء والانتماء لقوى خارجية.
قال بعضهم، إن أي اعتداء تركي على كركوك، هو اعتداء على ديار بكر(!)، وسيُـحدث ردّ فعل من جانب أكراد تركيا لن يتوقعها أحد. وفي عيد النوروز، كانت ليلى زانا، النائبة الكردية التركية السابقة، تطلق تصريحها الأشهر، وهو أن لأكراد تركيا ثلاثة زعماء: عبدالله اوجالان ومسعود البرزاني وجلال الطالباني.
فمن الواضح أن الخطاب القومي الكردي بلغ ذِروةً غير مسبوقة تتجاوز الحدود الجغرافية للدول التي يتواجدون فيها.
مسعود البرزاني لاقى أكراد “ما وراء الحدود”، بالمثل منصّبا نفسه القائد والناطق باسمهم جميعا ومطلقا تصريحه الأخير الشهير من إنه إذا تدخّـلت تركيا في كركوك، فسيتدخّـل أكراد العراق في ديار بكر وكل المدن التركية الأخرى.
ارتسمت الحدود أخيرا بين الأكراد والأتراك، وعلامات الاستفهام سترتسم حول ما إذا كان المشروع التركي على الطريق الأوروبي، سيكون الإطار المناسب لحل المشكلة الكردية في تركيا.
لعب ورقة الاستقلال الكامل
من الواضح أن الأكراد يلعبون ورقة الاستقلال الكامل، كما في العراق كذلك في تركيا. والأكراد يحشدون اليوم كل أوراق الضغط من أجل تمرير المرحلة الأولى من مشروع استقلالاتهم، والمتمثل في تأسيس كردستان مستقلة في شمال العراق أولا، ومن ضمنها كركوك.
يستفيد الأكراد من دعم الولايات المتحدة لهم ومن عدم قدرة أنقرة على القيام بأية مغامرة عسكرية ضدهم:
أولا، أن أي تدخل عسكري تركي في شمال العراق يحتاج إلى ضوء أخضر أمريكي، وهذا غير متوفر حتى الآن. ثانيا، لأن الجيش التركي، وتركيا عموما، لا تستطيع التورط في مستنقع شمال العراق عبر تدخل عسكري قد يبدأ، لكن أحدا لا يضمن متى ينتهي.
وثالثا، أن حكومة رجب طيب اردوغان لا تريد مثل هذا التورط، لأنه يكسر عملية الإصلاح في الداخل ويعيد البلاد إلى مناخات النزعة العسكرية، وينعكس سلبا على عملية الإتحاد الأوروبي، لذا إن رد الفعل العنيف لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان على تصريحات البرزاني، وتهديده بسحقه يقع في إطار الحفاظ على المعنويات في مواجهة خصوم اردوغان في الداخل، والذين يتهمونه بالتساهل والدعوة للحوار مع قادة أكراد العراق.
ثم إن اردوغان لا يريد أن يظهر بصورة السياسي الضعيف، عشية احتمال ترشّحه لرئاسة الجمهورية، بل ذلك الرجل القوي الذي يتوعَّـد حتى بسحق من يتطاول على الكرامة التركية، لذا من المُـستبعد أن تتطور التوتُّـرات التركية الكردية إلى صِـدام عسكري للأسباب، التي أشرنا إليها.
تقف المسألة الكردية أمام منعطف مصيري سيرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، ودائما من خلال القِـوى الخارجية، بعدما عجزت أيديولوجيات الدول – الأمة، التي نشأت بعد سايكس بيكو من أن تكون لكل مواطنيها من كل المذاهب والأعراق، وهي تدفع الآن الثمن، الذي يبدو أن لا مناص من دفعه، لكن بأضعاف ما كان يُـمكن أن تدفعه، لو وجدت حلا إنسانيا وعادلا منذ البدء.
محمد نور الدين – بيروت
اربيل (العراق) (رويترز) – حذر زعيم الأكراد العراقيين مسعود البرزاني تركيا مجددا يوم الثلاثاء من التدخل في شمال العراق، وقال إن الأكراد العراقيين سيردون إذا حدث ذلك بالتدخل في مدن يغلب الأكراد على سكانها في تركيا.
وكانت تركيا قد انتقدت البرزاني بشدة يوم الاثنين بعد أن أدلى بتصريحات مماثلة خلال مقابلة تلفزيونية في مطلع الأسبوع. كما وصفت واشنطن تصريحاته بأنها “غير مفيدة”.
ويساور أنقرة قلق بالغ ممّـا تعتبره خطوات من أكراد العراق لبناء دولة مستقلة في شمال العراق، خشية أن يؤدي هذا إلى إشعال النزعة الانفصالية مجددا بين السكان الأكراد في جنوب شرق تركيا.
وقال البرزاني في اربيل، عاصمة المنطقة الكردية في العراق، التي تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي، مشيرا إلى ما وصفه “بالتصعيد الغريب” في موقف تركيا، أنه لا يعرف كيف يمكن لشخص أو دولة أن يسمح لنفسه بالتدخل في شؤون الآخرين في نفس الوقت الذي يشعر فيه بالقلق إذا سمع بهذا التدخل من الجانب الآخر، وأضاف أنه لم يذكر أن أكراد العراق يتدخلون، بل قال إن تركيا إذا تدخلت، فسيردون بنفس الطريقة، وقال إنه لا يُـهدد أحدا ولن يقبل تهديدا من أحد.
وتخشى تركيا على وجه الخصوص أن يسيطر أكراد العراق على مدينة كركوك، الغنية بالنفط، والتي تضم مزيجا عرقيا بعد إجراء استفتاء على وضع المدينة مقرر في نهاية عام 2007 وأن يحولوها إلى عاصمة لدولة جديدة.
وقال البرزاني، رئيس المنطقة الكردية في شمال العراق، إن موضوع كركوك موضوع عراقي، ولا يحق لدولة أجنبية أن تتدخل فيه، وأضاف أن أي تدخل سيكون هدفه تعقيد المواقف وخلق المشاكل.
كما دافع البرزاني عن إصراره على حظر العَـلم العراقي، ذي الألوان الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود في الإقليم الكردي، وذكر أنه يرمُـز لحكم الرئيس السابق صدّام حسين وحزب البعث، الذي كان يتزعمه، وقال إن علم حزب البعث، لن يُـرفع أبدا في كردستان، أيا كانت النتائج.
ويكشف الخلاف بخصوص رموز عهد صدّام عن عمق الخلافات بين العرب والأكراد، ومدى التوتر بين السُـنة والشيعة العرب.
وبعد أن فرضت الحكومة الكردية الإقليمية حظرا على استخدام العَـلم العام الماضي، طالب رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي باستخدامه، وقال إن البرلمان وحده هو الذي يحِـق له أن يُـقرر تغيير العلم.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.