برن – بروكسل: حوار صريح بين شريـــكـيـْن واقعـيّـيـْن
خلال زيارة الوفد الحكومي السويسري بقيادة رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان إلى بروكسل يوم الإثنين 15 ديسمبر الجاري، رحـّب رئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل دوراو باروسو بالمقترحات السويسرية حول الملف الضريبي مُعربا عن اعتقاده، في المقابل، بأنها لا تزال غير كافية.
السيد كوشبان، الذي كان مُرفقا بوزير المالية هانس-رودولف ميرتس ووزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر-شلومبف، استُقبل لتناول وجبة غذاء مع السيد باروسو بهدف إجراء جولة أفق حول العلاقات القائمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.
وبطبيعة الحال، لا يصلح هذا النوع من اللقاءات الرفيعة المستوى للمُساومات أو لدارسة دقيقة للغاية لمختلف الملفات، لكنه يسمح في المقابل بوضع النقاط على الحروف.
أولوية واحدة ومصاعب كثيرة
وقد استهل رئيس المفوضية حديثه بالدفاع عن العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي قائلا: “أود أن أؤكد على جودة وكثافة علاقاتنا. فسويسرا تشكل أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي”، لكنه أقر في الوقت نفسه أن برن تطرح “بعض الصعوبات” لبروكسل، دون أن يعتبر تلك الصعوبات مسألة غير طبيعية.
كما شدد السيد باروسو على ثـقل القواعد الجديدة لسياسة الاتفاقيات الثنائية التي تريد البلدان الـ 27 الأعضاء في الاتحاد فرضها، مُذكـِّرا بـ “الأهمية التي نوليها لتطبيق المكتسبات المُجتمعية (أي التشريعات والفقه القانوني للإتحاد الأوروبي، التحرير) كأساس لتعاوننا، مع احترام سيادة سويسرا.
هذا الموضوع، المثير للخلاف، سيكون في صلب المحادثات التي ستدور حول إبرام اتفاق إطاري يهدف، حسب باروسو، إلى تنظيم جملة الاتفاقيات القطاعية القائمة بين الجانبين والتي يبدو أن برن وبروكسل على استعداد لمباشرتها.
ومن بين العقبات الأخرى التي تقف بوجه الاتفاقيات الثنائية، والمعروفة جيدا، ذكر البرتغالي باروسو مشكلة بعض الإجراءات المرافقة لاتفاقية حرية تنقل الأشخاص التي اعتمدتها سويسرا، والامتيازات الضريبية التي تمنحها بعض الكانتونات للشركات القابضة والشركات المقيمة والشركات المختلطة.
نحو مزيد من التنازلات
ونوه السيد باروسو إلى أن المقترحات التي تقدمت بها الحكومة السويسرية يوم 10 ديسمبر – والتي تشمل حظر الشركات التي يقتصر وجودها في سويسرا على عنوان بريدي، وإدخال تحويرات على نظامين آخرين لم تفصح الحكومة بعد عن تفاصيلها – هي مقترحات تسير “في الاتجاه الصحيح”، لكنها تظل غير كافية. وتجنب رئيس المفوضية الأوروبية بعناية صبّ الزيت على النار؛ ربما لأن باسكال كوشبان قدم للمفوضية العديد من التعهدات التي تبدي حسن نية برن.
وفي هذا السياق، أشار رئيس الكنفدرالية إلى أنه “من حيث المبدأ، عند الشروع في إجراء مفاوضات، لا يُعلن عن الاستسلام من اللحظة الأولى”، مُلمحا بالتالي بأنه من المُحتمل أن تُقدم سويسرا المزيد من التنازلات.
وأكد السيد كوشبان أيضا أن سويسرا مستعدة للتطبيق المُبكر لاتفاق مكافحة الغش الذي لم تصادق عليه بعدُ كافة الدول الأعضاء في الاتحاد، مُشيرا في الوقت نفسه إلى أن الكنفدرالية أثبتت بعدُ مرونة في التعامل مع ملف حساس آخر: وهو الضرائب على المدخرات الذي أعادت فتحه مؤخرا بلدان الاتحاد السبعة والعشرون.
مفاوضات غير مُعلنة
في سياق مُتصل، أعلن كوشبان أنه طالما أن الاتحاد الأوروبي لا يُعيد النظر في الحفاظ على نظام اقتطاع الرسوم من المصدر (أي قيام سويسرا بتحويل نسبة من الفوائد المترتبة عن الأموال المودعة من طرف مواطني الاتحاد الأوروبي في المصارف السويسرية إلى حكوماتهم دون تقديم أي معلومات بشأن هوياتهم)، بما يسمح بالإبقاء على السرية المصرفية، فإن سويسرا “على استعداد للتفاوض، بعد توضيح الاتحاد للموقف، حول توسيع نطاق تطبيق الاتفاق” ليشمل شركات أخرى مثل التروست والمؤسسات، على حد تعبير السيد كوشبان.
وسيتطرق مسؤولو المفوضية الأوروبية والإدارة الفدرالية إلى مجمل هذه المواضيع خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة، لكن بشكل غير مُعلن، حسبما أسر به مُفاوض أوروبي.
من جهة أخرى، نجح باسكال كوشبان أيضا في تحسيس محاوريه بضرورة التحلي بالتحفظ، لا سيما أن الناخبين السويسريين يستعدون لـ “تصويت صعب” يوم 8 فبراير 2009 على حرية تنقل الأشخاص. وأشار رئيس الكنفدرالية إلى أن بروكسل “تعرف جيدا أنه عشية تصويت (شعبي)، يجب اعتماد لهجة معقولة”.
سويس انفو – تانغي فيرهوسل – بروكسل
اعتبر الحزب الإشتراكي أن هانس رودولف ميرتس يُخطئ الطريق في محاولته حل الخلاف الضريبي القائم بين سويسرا والإتحاد الأوروبي واقترح تحسين الجباية على الأرباح المستخلصة من المساهمات في الشركات.
ومن أجل التعويض عن هذه الزيادة في القاعدة الجبائية، يقترح الحزب الإشتراكي أن تقوم الكانتونات بتخفيض قيمة الضرائب التي تفرضها على أرباح الشركات العادية فيما تقوم الكنفدرالية بإعادة توزيع حوالي 3 مليارات من الفرنكات المتأتية من الضريبة على الأرباح على الكانتونات.
في عام 1992، تقدمت الحكومة الفدرالية إلى بروكسل بطلب انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي، وفي موفى العام نفسه، رفض السويسريون بنسبة 50،3% الانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، وهو ما اعتبر معارضة شعبية لانضمام مستقبلي للاتحاد الأوروبي، ومنذ ذلك الحين، ظل طلب الانضمام “مجمّـدا” في بروكسل.
إثر ذلك، اختارت الحكومة الفدرالية انتهاج طريق الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، وتم التوقيع على حزمة أولى من الاتفاقيات في عام 1999 وثانية في عام 2004.
وتتعلق الاتفاقيات الثنائية الأولى (1999) أساسا بفتح متبادل للأسواق. وتشمل سبعة ميادين: التنقل الحر للأشخاص، رفع العوائق التقنية أمام التبادل التجاري، فتح الأسواق العمومية، الزراعة، والنقل الجوي والبري، ومشاركة سويسرا في برامج الأبحاث الأوروبية.
في عام 2001، رفضت أغلبية ساحقة من الناخبين (76% مقابل 23%)، مبادرة “الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة”، الداعية إلى فتح مفاوضات فورية من أجل الانضمام للإتحاد الأوروبي.
الاتفاقيات الثنائية الثانية (2004)، تغطي مجالات اقتصادية إضافية، وتوسع التعاون السويسري الأوروبي إلى ميادين سياسية تشمل قضايا الأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة. وتتعلق أيضا بالملفات التالية: اتفاقيات شنغن ودبلن، والضريبة على الادخار، والمنتجات الزراعية الموجهة للتصنيع، والتعاون في المجال الإعلامي، والبيئة والإحصاء ومكافحة الغش، ونظام التقاعد، والتعليم والتكوين المهني.
في عامي 2005 و2006، أكدت الحكومة الفدرالية على اعتزامها الاستمرار في طريق الاتفاقيات الثنائية.
في موفى عام 2008، ستصبح اتفاقيتا شنغن ودبلن مطبقتين بشكل تام، في حين لم يُحدّد بعد موعد بدء العمل بالإتفاق المتعلق بمكافحة الغش.
في أعقاب التصويت الشعبي الإيجابي، تم توسيع مجال تطبيق الإتفاق المتعلق بحرية تنقل الأشخاص في عام 2006 ليشمل الأعضاء العشرة الجدد الذين التحقوا بالإتحاد في عام 2004.
يوم 8 فبراير 2009 سيُدعى السويسريون مجددا إلى صناديق الإقتراع للتعبير عن موافقتهم (أو رفضهم) على تجديد العمل بالإتفاقية الخاصة بحرية تنقل الأشخاص وتوسيعها لتشمل كلا من رومانيا وبلغاريا اللتين انضمتا إلى الإتحاد الأوروبي في عام 2007.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.