رئيسة السكك الحديدية السويسرية: “ما كنت لأنجز هذه المسيرة المهنية لو كان لي أطفال”
تقول مونيكا ريبار، رئيسة مجلس إدارة الشركة الفدرالية السويسرية للسكك الحديدية، والرئيسة التنفيذية السابقة لشركة بانالبينا، إنّها تخلّت عن "أشياء كثيرة" لمتابعة مسيرتها المهنية. ورغم معارضتها تخصيص حصص للنساء في مجالس الإدارة، تعتقد أن المواقف لا تزال بحاجة إلى التغيير لتعزيز المساواة بين الجنسيْن في سوق العمل.
لم تنجح في إقامة تجربة مهنيّة تضاهي ما حقّقته مونيكا ريبار، إلا قلّة قليلة من نساء سويسرا. فقد وُفقت في تولي مناصب عليا في مجال يهيمن عليه الرجال عادة، بفضل جديّتها في العمل، وليس لانتمائها إلى أسرة ثريّة. التقت سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) ريبار في مكاتب الشركة الفدرالية للسكك الحديدية (CFF) في زيورخ، لمناقشة التحديات والصعوبات التي تعترض تحقيق المساواة بين الجنسيْن في سوق العمل.
سويس إنفو: هل أنت راضية عمّا تحقق من مساواة بين الجنسين في الشركة الفدرالية للسكك الحديدية في سويسرا؟
مونيكا ريبار: لا أرى الوضع الحالي سيئاً، وقد تحسّن بمرور الوقت، ولكن لا يمكن أن أرضى تماما، لأنها مهمة لا تنتهي أبداً. فيضمّ مجلس الإدارة أربع نساء من أصل تسعة أعضاء فعلا، لكن لا يضمّ المجلس التنفيذي سوى اثنتين من أصل العدد. وعموما، لا نحتاج أبدا إلى توظيف امرأة، ما لم تتمتع بجميع المهارات اللازمة.
هل يشمل هذا التحسن الهرمَ الوظيفي عموما؟
بالتأكيد. فقد بلغت نسبة تمثيل النساء 13،9% من القوى العاملة لدينا، عام 2008، مقارنة بـ 19% اليوم، رغم ما تتطلّبه العديد من وظائفنا من قوة بدنية كبيرة، تناسب الرجال أكثر. وانتقلنا إداريا، من 7،6% من النساء إلى 16% خلال نفس الفترة.
ما رأيك في القانون الذي يشجع الشركات المدرجة في البورصة، على ألا يقل تمثيل النساء في مجالس إدارتها عن 30%، وفي مجالسها التنفيذية على 20% ؟
لا أؤيّد الحصص النسائية، أواللجوء إلى التشريعات عموما لمعالجة كل شيء. بل أرى الأهمّ أن تقتنع الشركات بالقيمة المضافة لتعيين النساء في الوظائف الهامة. فيمكن أن تسلك المرأة نهجا جديدا حقا في مجالس الإدارة مثلا. وأشجع الشركات على توظيف مديرتين على الأقل، إذ يمنح ذلك النساء بعض الأمان، ويشجعهن على التعبير عن أنفسهن أكثر.
كان يُنظر إلى هذا القانون في البداية على أنه مجرد محفّز بسيط، لكنه أصبح شبه إلزامي تحت ضغط المستثمرين والمستثمرات وحتى العملاء والعميلات.
لذلك أعارض اللجوء المفرط إلى التشريعات واللوائح القانونية. إذ يؤثّر ضغط السوق عموما، أكثر بكثير على كل من الشركات المدرجة في البورصة، وغير المدرجة.
غالبية المديرات في الشركات الكبيرة المستقرّة في سويسرا أجنبيات. هل هي ميزة أم مشكلة؟
أعتبرها ميزة من حيث التنوع، ولكنها تمثل مشكلة بالنسبة إلى سويسرا كموقع تجاري. وأشير هنا إن أمكن، إلى عدم وجود أكثر من مديرة سويسرية واحدة في مجلس إدارة كريدي سويس، بالإضافة إلى الرئيس. فتبقى تشكيلة مجلس الإدارة مهمة للغاية.
ورغم أهمية ارتفاع نسبة الحضور السويسريّ في شركة مثل الشركة الفدرالية للسكك الحديدية، أود أن أؤكد نقطة إيجابية أيضا، تتمثّل في أنّ المرأة السويسرية التي أصبحت الآن عضوة في لجان الإدارة، ستترشّح تلقائياً لمناصب مجلسها.
تربط بعض الدراسات الأكاديمية الصلة بين ارتفاع نسبة المديرات التنفيذيات، وتحسن الأداء. هل هذا صحيح؟
علّمتني تجربتي المهنيّة أنّ فِرق العمل المختلطة تكون أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة. فيتميّز التنوّع في فرق الإدارة بتلاقح الأفكار بين الجميع بما يقود إلى خيارات أفضل.
هل يقتصر التنوع على المساواة بين الجنسيْن؟
تشمل هذه الظاهرة جميع أبعاد التنوع البشري، بما فيها الخبرة المهنية والدولية، والمناطق اللغوية الأصلية، خاصة في سياق الشركة الفدرالية للسكك الحديدية بسويسرا. كما يجب أن يلمّ بعض أعضاء مجلس الإدارة بالتفاصيل التشغيلية، وألا يتردد البعض الآخر الأقل إلماماً بها في طرح الأسئلة التي قد لا تبدو بديهية.
وُلِدت مونيكا ريبار عام 1959، وحصلت على درجة الماجستير في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة سانت غالن.
وبعد أن بدأت حياتها المهنية مع مجموعة “فيدس” [أصبحت حاليا “كي بي أم جي” (KPMG)]، ومجموعة “باسف” [BASF]، انضمت ريبار إلى شركة بانالبينا عام 1991. وشغلت في هذه الشركة اللوجستية التي تتخذ من بازل مقراً لها، العديد من المناصب الإدارية، منها منصب رئيسة قسم المعلومات، والمديرة المالية، قبل أن تشغل منصب الرئيسة التنفيذية بين عامي 2006 و2013.
وأصبحت مديرة محترفة عام 2014، وترأست مجلس إدارة الشركة الفدرالية للسكك الحديدية في سويسرا منذ عام 2016. وتحتلّ أيضاً عضويّة مجلس إدارة شركة سيكا (SEKA)، كما عملت في مجالس إدارة مجموعة “تشاين آي كيو جروب أ جي” (Chain IQ Group AG)، ولوجيتاك (Logitech)، والخطوط الجوية السويسرية الدولية (Swiss)، ويوليوس بار (Julius Bär)، وريكسل (Rexel)، ولوفتهانزا (Laufthansa).
وفقاً للتقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، سيستغرق تحقيق التكافؤ بين الجنسين 134 عاماً إذا حافظنا على معدل التقدم الحالي. لماذا يستغرق الأمر كل هذا الوقت؟
لا يفاجئني الأمر. فلا تعتبر النساء في 80% من بلدان العالم، متساويات مع الرجال أساسا. ولا يتاح لهنّ في بعض الحالات، الالتحاق بالفصول الدراسية، أو اختيار أزواجهن. ولا تكفي التشريعات المتطوّرة لتغيير هذا الوضع، لتعلّق الأمر بالمواقف الاجتماعية أكثر من تعلّقه بالتشريعات. فلا يزال حظر الإجهاض في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مثلا، موضوع نقاش حتى الآن.
في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي نفسه تحتل سويسرا المرتبة 20 من بين 146 دولة. ما رأيك في هذا الترتيب؟
لقد قطعت سويسرا شوطاً طويلاً. فلم تحصل المرأة في هذا البلد على حق التصويت إلا عام 1971. ولم يحقّ لها العمل دون موافقة زوجها حتى عام 1988. واستُهجن عمل المرأة خارج المنزل، ولا يزال على ما هو عليه أحيانا، حيث يتشكّل هيكل المجتمع وفق منظور يرى الرجل عاملا في الخارج، والمرأة مسؤولة عن البيت. وقد أحرزت سويسرا لحسن الحظ، تقدماً ملحوظاً، وإن كان بطيئاً، خاصة في ما يتعلق بالمواقف.
التقرير نفسه يشير إلى أن إحدى نقاط الضعف الرئيسية في سويسرا (المرتبة 99 دوليا) تتمثّل في تفاوت “الدخل المكتسب المقدّر“ بين الرجال والنساء. كيف تفسرين ذلك؟
لا غرابة في ذلك، لأن العديد من النساء يعملن بدوام جزئي، أو لا يعملن إطلاقا في سويسرا، أو يعملن بأجر قليل، أو دون أجر. ولا تضطرّ العديد من النساء المتزوجات إلى المساهمة في دخل الأسرة نظرا لثراء سويسرا، على عكس العديد من البلدان الأخرى حيث مساهمتهن ضرورية.
غالباً ما تنشط النساء في المنظمات المهنية التي لا تشغّل غير النساء. هل هذه فكرة جيدة؟
أجد تكوين شبكات من العلاقات ضروريا في الحياة المهنية. ومع ذلك، لا يجب أن تقتصر بالضرورة على المنظمات الخاصة بالنساء، مثل الدائرة السويسرية للمديرات (Cercle Suisse des Administratricesرابط خارجي)، أو غرفة الاجتماعات (The Boardroomرابط خارجي).
كما يجب أن يتواصل المرء داخل شركته الخاصة أيضا؛ فعملت خلال مسيرتي المهنية كمديرة تنفيذية، بجد في هذا المجال، وتأكّدت من تعرّف الناس عليّ. حتى إنني ذهبت ذات مرة إلى نادٍ مع زملائي الذكور.
وأجد نفسي تقريبا المرأة الوحيدة في فعاليات التواصل الداخلية هذه. وأشعر بالأسف لاضطرار زميلاتي إلى العودة مباشرة إلى المنزل لرعاية أطفالهن، وعدم إتاحة الفرصة لهنّ للاستمتاع بتناول مشروب مع موظفين آخرين.
ما هي النصائح الأخرى التي تقدمينها للشابات المقبلات على الحياة المهنية؟
لا تخصّ معظم نصائحي جنسا دون آخر. فيجب أن يشعر الفرد وهو يقوم بمهمّته براحة ومتعة، لأنه سينجزها بشكل أفضل، ولا تُوجد طريقة أفضل لبناء الحياة المهنيّة. كما يحتاج أيضاً إلى الثقة بالنفس، وقبل كل شيء، إلى إرادة قوية. وأخيراً، يجب أن يكون مخلصاً، وفضولياً، ومستعداً للتواصل مع الناس.
لم أخطط قط أن أصبح الرئيسة التنفيذيّة لبانالبينا [شركة الخدمات اللوجستية]، أو رئيسة مجلس إدارة الشركة الفدرالية السويسرية للسكك الحديدية. لكنني أردت بالتأكيد المشاركة وتحقيق شيء عظيم. واستعددت للتخلي عن الكثير من الأشياء الهامّة جدا لتحقيق ذلك. فلم أجد الوقت الكافي مثلا، خلال مسيرتي المهنية كمديرة تنفيذية، لتناول الغداء أو الذهاب إلى السينما مع زوجي خلال الأسبوع.
ولم أقرر عدم الإنجاب. لقد تطور الأمر على هذا النحو. ولم أفتقد الأمومة أبدًا، وما كنت لأنجز هذه المسيرة المهنية، لو كان لي أطفال. ولا يزال الأمر صعبا جدا إلى اليوم.
تحرير: سامويل جابيرغ
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي/أم
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.