سويسرا تتابع عن بُــعـد توسع أوروبا
تحولت سويسرا إلى "جزيرة" في قلب أوروبا في أعقاب توقيع الإتحاد الأوروبي مع عشر دول جديدة على معاهدة انضمامها يوم 16 أبريل في أثينا
في المقابل لا زال الجدل محتدما في الأوساط السياسية والشعبية حول ما إذا كان توسيع الإتحاد يمثل فرصة لسويسرا أم تهديدا لها.
من المتوقع أن تظل سويسرا في موقع المراقب عن بعد في الوقت الذي خطت فيه أوروبا خطوة إضافية باتجاه المزيد من الإندماج السياسي والإقتصادي يوم الأربعاء 16 أبريل.
وقد تحول رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان إلى العاصمة اليونانية لحضور حفل توقيع ممثلي الدول العشر الأعضاء الجدد على معاهدة انضمام بلدانهم إلى الإتحاد وألقى يوم الخميس كلمة أمام “المؤتمر الأوروبي” الذي يُناقش على هامش قمة أثينا جملة من القضايا التي تشغل أعضاءه.
وقد تأسس هذا المنتدى (الذي يجتمع مرة واحدة في كل سنة) في عام 1997، ويشمل الدول الأعضاء في الإتحاد والبلدان المرشحة للإنضمام إليه والدول الأوروبية “التي تشاطر أهداف وقيم الإتحاد الأوروبي”.
وفي الوقت الذي تستعد فيه أوروبا للتوسع شرقا، لا زال تإنقسام سائدا في صفوف النخبة السياسية والرأي العام عموما حول المدى الذي يُمكن أن تصل إليه برن بخصوص مساهمتها ماليا من أجل الحصول على الحق في الدخول إلى هذا السوق الموسع.
فقد أثيرت منذ عدة أشهر سيناريوهات تشير إلى أن سويسرا قد تضطر لدفع فاتورة تقدر بمئات الملايين من الفرنكات استجابة لطلب الإتحاد الأوروبي.
الدفع من أجل “امتياز”؟
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي طلب رسمي من بروكسل بهذا الشأن تباينت مواقف رموز الساحة السياسية من الموقف الذي يُفترض أن تتخذه سويسرا.
ففيما قالت كريستين لانغربرغر رئيسة الحزب الراديكالي مؤخرا أنه لا يجب توقّع إقدام سويسرا على المساعدة في دفع فاتورة توسيع الإتحاد نظرا لعدم عضويتها فيه، يعتقد النائب الإشتراكي أندراياس غروس أن على البلد أن يكون مستعدا لدفع ما يتوجب عليه.
وقال في تصريحات لسويس إنفو: “إن الأمر لا يتعلق بتمويل عملية توسيع الإتحاد الأوروبي. إنها مساهمة في التكاليف المترتبة عن سوق موسعة .. سوق سوف يستفيد منها الإقتصاد السويسري” حسب قوله.
ويضيف النائب الإشتراكي: ” يجب على السويسريين أن يتعلموا التوقف عن الإستفادة بدون دفع مقابل.” ويذكّـر بأن “سويسرا حققت مكاسب هائلة خلال الخمسين عاما المنقضية جراء السلم (الذي عرفته أوروبا) والنمو الإقتصادي فيها، لذلك فمن حق الإتحاد المطالبة بدفع مساهمة”.
وفي صورة انضمام الدول العشر الجدد إلى عضوية الإتحاد بحلول شهر مايو من عام 2004، فسوف يرتفع عدد سكان الإتحاد من 377 مليون شخص إلى أكثر من 450 مليون.
تساؤلات أرباب العمل
وفي انتظار صدور طلب رسمي من بروكسيل، يبدي غريغور كونديغ من الرابطة السويسرية لرجال الأعمال(Economiesuisse) قدرا من التشاؤم بخصوص إمكانية تبرير طلب من هذا القبيل.
ويقول في تصريح لسويس إنفو:”نحن لسنا مؤيدين في الأساس لمطالبة سويسرا بتقديم مساهمة. إذ سيكون أمرا غير اعتيادي أن تدفع دولة مقابل الدخول إلى أسواق بلدان أخرى”.
ويضيف المتحدث باسم رابطة أرباب العمل في حديثه مع سويس إنفو: “فلنتصور أن كل بلد يحتاج – في إطار منظمة التجارة العالمية – لدفع مبلغ معيّن من أجل الحصول على الحق في دخول أسواق البلدان الأخرى، إنها ستكون بالفعل رؤية غريبة للتجارة الدولية”.
كما تساءل كونديغ عن الكيفية التي ينتظر أن تُساهم بها سويسرا – البلد غير العضو – في ميزانية الإتحاد الأوروبي التي لا تملك بشأنها أي إمكانية رقابة أو متابعة. وذكّـر بأن أرباب العمل في سويسرا تحركوا منذ فترة بنشاط “لتقديم الدعم المالي لإقتصاديات هذه الدول التي كانت تمر بفترة انتقالية” وقال: “إنه من غير السهل القول لماذا يتوجب علينا الآن تقديم موارد مالية أخرى عبر الإتحاد الأوروبي”.
فرصة للشركات السويسرية
على صعيد آخر، من المنتظر أن يشمل تطبيق الإتفاقيات الثنائية الست (تشمل التجارة والنقل والبحث العلمي) التي بدأ العمل بها بين سويسرا والأعضاء الخمسة عشر الحاليين في الإتحاد الأعضاء الجدد فور انضمامهم إليه بشكل رسمي.
في المقابل، ستضطر سويسرا إلى التفاوض بشكل منفرد مع كل دولة من الدول العشر بشأن الإتفاق المتعلق بحرية تنقل الأشخاص وهو ما سيؤدي تدريجيا إلى فتح متبادل لأسواق العمل في سويسرا وفي هذه الدول.
ويؤيد كونديغ بشدة توسيع مجال تطبيق حرية تنقل الأشخاص إلى مواطني الدول الأعضاء الجدد في الإتحاد بأسرع وقت ممكن لأنه يعتبره ركنا أساسيا في تشكيل السوق الداخلية ويمضي قائلا: “إنها فرصة للشركات السويسرية للعثور على يد عاملة مؤهلة كما أنها سوف تُتيح لها إمكانية إرسال يد عاملة سويسرية إلى هذه البلدان”.
ويشير إلى أن هذه الإمكانيات الجديدة “ستكون ذات أهمية خاصة بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات التي سوف تتمكن من تغيير مواقع عمل موظفيها بيسر أكبر”.
مخاوف غير مبررة
وفيما يُـبدي أرباب العمل ومعظم الأحزاب في سويسرا الترحيب بالتوسيع المرتقب لمجال تطبيق الإتفاقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص، يهدد حزب الشعب السويسري (يمين قومي) باللجوء إلى فرض استفتاء شعبي حول هذا الموضوع.
ويشدد الحزب على أن سويسرا ستكون وجهة جذابة لمواطني بلدان شرق ووسط أوروبا بوجه خاص، كما يحذر من إمكانية توافد أعداد ضخمة من سكان البلدان العشرة التي التحقت مؤخرا بالإتحاد الأوروبي على الكنفدرالية.
وقالت أليكي باناييدس نائبة الأمين العام لحزب الشعب السويسري في تصريحات خاصة بسويس إنفو: “علينا أن نرى ما الذي سيحدث عند تطبيق الإتفاق مع الدول التي يتشكل منها الإتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر”
وأضافت: “نحن نحتاج للحصول على المزيد من المعلومات حول تأثيرات الإتفاق على الأشخاص الوافدين إلى سويسرا قبل أن نتمكن من الشروع في جولة جديدة من المفاوضات (أي مع البلدان الأخرى)”.
وفي محاولة لشرح مبررات موقف حزبها ألمحت السيدة باناييدس إلى أن “الأحزاب السياسية الأخرى لا تبدو مستعدة للإعتراف بأن الشعب السويسري لا يرغب في قدوم المزيد من المهاجرين إلى البلاد. فمن المعروف أن سويسرا بلد ثري يجتذب الكثير من الناس ونحن ليس بإمكاننا فتح حدودنا بوجه أي كان” حسب قولها.
من جانبه يرفض النائب الإشتراكي مزاعم حزب الشعب السويسري باحتمال توافد أعداد كبيرة من المهاجرين على سويسرا نتيجة لتوسيع مجال الإتفاق المتعلق بحرية تنقل الأشخاص ليشمل الأعضاء الجدد في الإتحاد. ويتمسك أندراياس غروس بالقول “إن هذه المخاوف لا أساس لها وتمثل مبالغة في تقدير أهمية سويسرا”.
ويضيف “إن هذه البلدان تنضم إلى الإتحاد الأوروبي لأنها تريد أن تُصبح جزءا من النمو الذي يشهده الإقتصاد الأوروبي”. ويُذكر بأن المتأمل في تاريخ الإتحاد يلحظ أن “مستوى الهجرة قد بُولغ فيه من طرف أولئك المقيمين في البلدان الأشد ثراء المتخوفين من فقدان الإمتيازات التي يتمتعون بها.. لكن هذا لم يحصل”.
سويس إنفو
الدول العشرة التي ستصبح ابتداء من 1 مايو 2004 عضوة في الإتحاد الأوروبي هي: أستونيا و ليتونيا وليتوانيا ومالطا وبولونيا وسلوفاكيا وتشيكيا والمجر و(الشطر اليوناني) من جمهورية قبرص.
في صورة انضمام جميع الدول المرشحة العام المقبل سيصبح الإتحاد الأوروبي كيانا سياسيا مكونا من 25 دولة.
بانضمام سبعين مليون شخص إضافي، سيزيد عدد سكان الإتحاد الأوروبي عن 450 مليون
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.