سويسرا تتوجه نحو اليمين
إثر التقدم الباهر الذي أنجزه حزب الشعب السويسري في الإنتخابات البرلمانية، طالب الحزب اليميني المتشدد بمقعد ثان في الحكومة الفدرالية.
وبما أن اليسار – ممثلا في الإشتراكيين والخضر – قد أنجز تقدما مهما من جانبه، تتجه الساحة السياسية السويسرية إلى مزيد من الإستقطاب.
نجح حزب الشعب السويسري – وهو حزب تتراوح مواقفه بين التشدد اليميني والشعبوية – في تحقيق التحدي المرفوع وأكد بما لا يدع مجالا للشك التقدم المطرد الذي بدأه قبل عشرة أعوام تقريبا.
وفي أعقاب اقتراع 19 أكتوبر أصبح للحزب أكبر فريق نيابي في البرلمان كما ساعده فوزه بالعديد من المقاعد في الأنحاء الغربية (المتحدثة بالفرنسية) من البلاد من التحول إلى حزب ذي بعد وطني حقيقي بعد أن أصبح لديه نواب في كل الكانتونات تقريبا.
وتبعا للنتائج الجيدة التي حققها، جدد حزب الشعب السويسري طلبه القديم بالحصول على مقعد ثان في الحكومة الفدرالية التي تتألف من سبعة وزراء (2 من الحزب الإشتراكي و2 من الحزب الراديكالي و2 من الحزب الديمقراطي المسيحي وواحد من حزب الشعب) بل اشترط هذه المرة أن يُمنح المنصب إلى زعيمه المثير للجدل كريستوف بلوخر.
مزيد من الإستقطاب
وعلى الرغم من القفزة التي حققها حزب الشعب السويسري إلا أنه ليس الفائز الوحيد في هذه الإنتخابات. إذ لم يكتف اليسار بالحفاظ على مواقعه السابقة بل تمكن من إنجاز تقدم جسدته النتائج الجيدة التي حققها الخضر الذين أصبحوا أهم تشكيلة سياسية في البرلمان الفدرالي خارج الأحزاب الحكومية.
وقد أكدت النتائج النهائية – وبشكل أكثر حدة مما تكهنت به نتائج استطلاعات الرأي التي نُشرت في الأشهر الأخيرة – حدوث المزيد من الإستقطاب على الساحة السياسية السويسرية بين يمين متشدد ويسار قوي.
وصفات سهلة
ومن الملفت أن مشاغل الناخبين الرئيسية كالأزمة الإقتصادية وتفاقم البطالة والتهديدات التي تتعرض لها التأمينات الإجتماعية هي التي بررت آختيارات الناخبين سواء منهم الذين منحوا ثقتهم للإشتراكيين والخضر أو لليمين المتشدد.
إذ من المعروف أن العديد من الناخبين يتجهون في مثل هذه الأوقات العصيبة إلى اليسار المعروف بدفاعه عن مكتسبات “الدولة الإجتماعية”. في المقابل، اتضح أن الوصفات البسيطة (والمبسطة جدا حسب أقوال المناوئين) التي عرضها اليمين المتشدد لحل نفس المشاكل قد استهوت أعدادا متزايدة من الناخبين.
يُضاف إلى ذلك الخطاب المتشدد الذي استعمله حزب الشعب السويسري للتعاطي مع ملف الأجانب ومع تنامي مشاعر عدم الشعور بالأمان والذي لقي كالعادة استجابة واسعة في الأوساط الأكثر محافظة من الناخبين.
انهيار وسط اليمين
وقد دفعت أحزاب ما يُعرف بوسط اليمين في سويسرا ثمن هذا الإستقطاب في الإنتخابات البرلمانية، حيث خسر الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط-يمين) المزيد من الأصوات في ظاهرة لم تفاجئ أحدا.
فقد تحول هذا الحزب منذ حوالي عشرة أعوام إلى ما يشبه “الرجل المريض” في الساحة السياسية السويسرية وأصبح عاجزا عن تقديم صورة متماسكة عن نفسه للناخبين.
في المقابل، جاء انهيار الحزب الراديكالي ( يمين تقليدي) مدهشا ومفاجئا. ففي حين تكهنت معظم استطلاعات الرأي أن الحزب سيتمكن من تقليص الخسائر، جاءت الأرقام النهائية لتثبت العكس.
ويبدو أن الحزب الذي يمثل “همزة وصل” تقليدية بين أوساط رجال الأعمال والصناعيين والطبقة السياسية منذ عقود طويلة قد عانى هذه المرة من انعكاسات الكساد الإقتصادي ومن عدم تمكنه من إقناع الناخبين بقدرته على حل المشاكل القائمة.
من جهة أخرى لم تُساعد مشاريع السيد باسكال كوشبان وزير الشؤون الداخلية الذي ينتمي إلى الحزب الراديكالي وخاصة ما يتعلق منها بالترفيع في سن التقاعد من 65 إلى 67 عاما في تعزيز مكانة الحزب في الأوساط الشعبية.
كما استمر تراجع الحزب الليبرالي المحسوب تقليديا على العائلة اليمينية حيث تأكد النزيف الذي بدأ في انتخابات عام 1999 ولم يعد هذا الحزب يتوفر على العدد الضروري من النواب من أجل تشكيل فريق برلماني في برن.
احتمالات المستقبل
وعلى الرغم من أن التقدم المذهل الذي حققه حزب الشعب السويسري في هذه الإنتخابات قد مثل زلزالا سياسيا حقيقيا على الساحة السياسية إلا أن معظم المراقبين يستبعدون أن يتمخض عن تغييرات جوهرية أو عميقة على مستوى البرلمان أو الحكومة الفدرالية.
فمن ناحية لا يؤثر التقدم المحدود الذي سجلته قوى اليسار (الحزب الإشتراكي وحزب الخضر) على التموقع اليميني الراسخ للبرلمان الفدرالي. ذلك أن مواقف حزب الشعب السويسري لا تختلف جذريا عن توجهات قوى وأحزاب اليمين إلا في المسائل المتعلقة بانفتاح سويسرا على الخارج.
وفي هذا السياق، ليست هناك مواجهات مرتقبة في الأفق حيث حُسمت مسألة التحاق سويسرا بالأمم المتحدة فيما أجّـل النقاش حول الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي إلى ما لا نهاية.
في المقابل، تتطابق مواقف الأحزاب اليمينية حول معظم الملفات الأخرى مثل الجباية والحد من العجز في الميزانية العمومية وهو وضع لن يشهد تغييرات جوهرية سوى بعض المزايدات المحتملة من جانب حزب الشعب.
“الصيغة السحرية”
وقد سارع عدد من المعلقين بعد صدور نتائج التصويت إلى الحديث عن آحتمال نهاية “الصيغة السحرية” التي يتميز بها الإئتلاف الحكومي في سويسرا منذ عام 1959، لكن لا يبدو أن التركيبة التقليدية للحكومة سوف تتغير قريبا.
ففي حين يرفض الديمقراطيون المسيحيون والخضر بشدة منح مقعد ثان لحزب الشعب السويسري، أعرب الإشتراكيون والراديكاليون عن انفتاحهم لفكرة دخول عضو ثان من الحزب إلى التشكيلة الحكومية.
في المقابل، سيكون من المتعذر جدا الإستمرار في انتهاج سياسة الوفاق والإجماع التي تميز “الصيغة السحرية” في الحكومة الفدرالية إذا ما انضم إليها ممثل للجناح المتشدد في حزب الشعب السويسري.
ومع أن منطق الأشياء يدفع الأحزاب السياسية التقليدية اليوم إلى طرح أسئلة جدية حول مدى استعدادها لنسف هذه الصيغة التوافقية (التي أظهرت أحدث استطلاعات الرأي أن السويسريين متمسكون بها إلى أبعد حد)، إلا أنه من المحتمل جدا أن ترفض الإقدام على هذه الخطوة حينما يجدّ الجدّ.
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.