مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سياسة العصا والجزرة” في مواجهة “ثورة الجياع”

نساء موريتانيات يجلبن الماء من بئر في قرية بركيول الصحراوية الواقعة على بعد 900 كلم عن العاصمة نواكشوط (أرشيف) AFP

قتيل وعشرات الجرحى والمعتقلين وأضرار مادية جسيمة، تلك حصيلة أسبوع من الاحتجاجات التي شهدتها موريتانيا.

هذه الإضطرابات كانت الأعنف من نوعها منذ سقوط نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذي شهدت السنوات الأخيرة من حكمه تلاحق أزمات سياسية حادة انعكست في الصدامات المتكررة مع المتظاهرين وحملات الاعتقال التي استهدفت المعارضين السياسيين.

تظاهُـرات موريتانيا العنيفة اندلعت فجأة ودون سابق إنذار وانفجر الوضع وخرج الآلاف إلى الشوارع في المدن والقرى الداخلية، وصبوا جام غضبهم على الحكومة ورموز الدولة وقوى الأمن، فأحرقوا واتلفوا ونهبوا، واعتدوا على رجال الشرطة والدرك، حتى أن الأمر أظهر البلاد وكأنها تعيش أزمة سياسية واجتماعية لم تعرفها من قبل على مدى تاريخها الحافل بالأزمات والمآسي.

وكان المتظاهرون يردِّدون شعارات تندِّد بالارتفاع الجُـنوني في أسعار المواد الغذائية وأسعار المحروقات والماء والكهرباء، وهي الأسعار التي فجّـرت ثورة غضب في مختلف أرجاء البلاد، صال خلالها المتظاهرون وجالوا في المباني العمومية وعاثوا فيها فسادا وإتلافا.

الجديد الذي حملته مظاهرات موريتانيا، ذات التاريخ الحافل بالاضطرابات، هو أن كل القوى السياسية من معارضة وأغلبية تبرّأت منها ودعت لوقفها وتهدِئة الوضع، مع اختلاف في نبرات الدّاعين وأساليبهم، فضلا عن أن شرارتَـها الأولى وأعنف مواجهاتها، كانت في مناطق لم تعرف منذ استقلال البلاد عن فرنسا قبل سبعة وأربعين عاما أي مظهر احتجاجي أو معارضة للنظام الحاكم مهما كان.

“العصيان القادم من الشرق”

فقد بدأ “العصيان القادم من الشرق”، كما يسميه المراقبون في نواكشوط، في مدن “النعمة” و”تمبدغة” و”جيكني” في أقصى الشرق الموريتاني، زاحفا باتِّـجاه مُـدن “كيفة” و”كنكوصة” في وسط البلاد، باتجاه روصو وبوتلميت وأطار وزويرات، في جنوب البلاد وشمالها، وأغلب هذه المناطق – خصوصا في شرق البلاد ووسطها – تميِّـزت على مدى تاريخها الحديث بأنها معاقل لأنصار الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد، وأن قادة الرأي فيها والمتحكِّـمون في شؤون الناس، هم في الغالب شيوخ العشائر وأطُـر القبائل، الذين توظِّـفهم الحكومات وتمنحهم مناصب سامية في الدولة، مقابل ضمان الولاء المُـطلق لساكنة تلك المناطق، التي تتَّـسم بضآلة منسوب الوعي السياسي في صفوف سكَّـانها.

ورغم أن البعض حاول أن يقرأ جديد انطلاق تلك الأحداث من “مناطق الشرق” من زاوية ترى في تلك المناطق خزّانا انتخابيا تقليديا للرئيس الأسبق ولد الطايع خلال فترة حكمه، وبالتالي، فإن أنصار هذا الأخير الذي انتزعت سلطته بليل قسرا ودون رضى منه أو موافقة من أنصاره، قد يكونون وراء تحريك الشارع هناك، إلا أن مستجدات الواقع السياسي بعد سقوط نظام ولد الطايع تفنّـد ذلك وترمي به في مصاف “التأويلات البعيدة”، التي لا تركن إلى منطق سليم أو معطيات واقعية.

فسكان تلك المناطق كانوا أكبر داعم للرئيس الحالي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله خلال الانتخابات الرئاسية في مارس الماضي، وبفضل أصواتهم تمكَّـن من الوصول إلى سدَّة الحُـكم، بعد تراجعه الكبير أمام منافسه أحمد ولد داده، زعيم المعارضة في العاصمة نواكشوط والمناطق الجنوبية، وبالتالي، فإن أصواتهم كانت “النَّـجدة”، التي أنقذت ولد الشيخ عبد الله من السقوط في منتصف الطريق نحو الرئاسة، ونظرا لأن ولاء هؤلاء السكان لم يكن لشخص الرئيس السابق ولد الطايع ولا لِـمن سبقوه، بقدر ما كان ولاء لشيوخ القبائل والعشائر، الذين درجوا على مُـساندة الحاكم أيًّـا كان، باعتباره تجسيدا للدولة والسلطة القائمة، وتخلَّـوا عنه بعد سقوطه، كما كانوا في طليعة الداعمين للرئيس الحالي، بعد أن تبيَّـن أن القيادات العسكرية التي حكمت البلاد خلال الفترة الانتقالية كانت تميل إليه وتسانده، ولو من وراء حجاب لم تُـخف شفافيته حقيقة تلك اللقاءات التي شهدها القصر الرئاسي وجمعت رئيس المجلس العسكري وبعض أعضائه النافذين، مع الزعماء التقليديين لتلك المناطق، وما أصدروه من تعليمات بشأن “التصويت للرئيس المؤتمن”.

ثم إن العارفين بتلك المناطق يرون أنها اتسمت على مدى تاريخها الحديث بغياب الوعي السياسي بين معظم سكانها، ومردّ ذلك، يعود إلى بُـعدها عن مراكز القرار في العاصمة، التي تقع في أقصى الغرب الموريتاني، لذلك، ظلت الحركات السياسية بمنأى عن تلك المناطق ولم تعرف الصراعات والتجاذبات السياسية إليها سبيلا، من هنا تعزّزت فرَضية تنحيَـة التفسير السياسي والتآمري لتلك الأحداث، وفقد ذلك التأويل كل مبرِّراته ومسوغاته.

الرئيس “يتفهَّـم” والمعارضة “تستنكر”

وحتى رئيس الجمهورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله نفسه، لم يُـلق باللائمة على أحد في تلك الأحداث ولم يحمِّـل مسؤوليتها لأي جهة، بقدر ما حمَّـلها للواقع المعيشي الصَّـعب، الذي طحنت رحاه السكان في تلك المناطق النائية ودفعتهم إلى رفع عقيرتهم في وجه نظام كانت أصواتهم صاحبة الفضل في وصوله إلى الحكم.

ولما سئِـل ولد الشيخ عبد الله عن قراءته لتلك الأحداث ومَـن يقف وراءها، ردّ قائلا: “قراءتي لِـما حصل من اضطرابات واحتجاجات، هي أن الناس واجهوا ارتفاعا مُـذهلا في الأسعار، دون أن يلمسوا أي تحسُّـن في الدَّخل ومستوى المعيشة، ووصل الأمر درجة لم يعُـد بإمكانهم تحمُّـلها، فخرجوا إلى الشارع للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم”.

هكذا قرأ ولد الشيخ عبد الله الانتفاضة التي اندلعت ضد حكومته بعد أقل من سبعة أشهر على تسلُّـمها مقاليد السلطة في البلاد، لكنه لم يقرأ الأحداث هكذا ببساطة مفرطة، دون أن يحمِّـل المعارضة جزءا من المسؤولية ولو بصورة غير مباشرة عن استغلال نتائج تلك الاحتجاجات، وذلك حينما قال، إنه قد يتفهم خروج المواطن العادي الذي لا يُـدرك حقيقة الواقع ولا قيمة الخطط المستقبلية إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج، لكن ما لا أستسيغه – يضيف ولد الشيخ عبد الله – هو أن “بعض السياسيين الناضجين يرفعون خطابات تتجاهل الواقع، وتهتم بالجانب النقدي اللاّذع فقط، وتحميل المسؤولية للحكومة، “دون أن يوضح هؤلاء للناس أن الواقع هكذا، وأن ما حصل كان نتيجة طبيعية لظروف قاهرة وخارجة عن إرادة الحكومة والنظام وسبقت هذا الحكم”.

أما المعارضة، التي سارعت إلى نفي أن تكون الأحداث الأخيرة تجسيدا لتهديدها السابق بالنزول إلى الشارع، فقد وصفت ما حدث بأنه تعبير عفْـوي عن واقع لم يعُـد بالإمكان أن يُـطاق، ودعا بعض قادتها إلى الهدوء ووقف أعمال الاحتجاج، وقال زعيم المعارضة أحمد ولد داداه إن حزبه حذّر أكثر من مرة الحكومة من مغبَّـة تجاهُـل أوضاع الناس المأساوية، مطالبا الحكومة باتِّـخاذ إجراءات سريعة للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية على كاهل المواطنين واتَّـهم الحكومة بأنها ظلَّـت تتفرّج على الوضع، حتى انفجر دون أن تحرِّك ساكنا.

كما اتهم صالح ولد حننا، زعيم حزب “حاتم” المعارض، السلطات بالمبالغة في قمع المتظاهرين، مطالبا بفتح تحقيق في حالات إطلاق الرصاص التي تعرّض لها بعض المتظاهرين على أيدي قوات الأمن، بينما قال النائب محمد جميل ولد منصور، زعيم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المحسوب على التيار الإسلامي، “إن موريتانيا تعيش أوضاعا اقتصادية لم تعُـد تطاق”، مؤكِّـدا أن “حزبه طالب بتحرك فوري لمعالجة الأزمة”، وأضاف مستنكرا تباطؤ الحكومة في معالجة الأزمة، “لم نكن نتوقع من السلطات أن تظل على الحياد إلى أن يسقط قتيل وعشرات الجرحى قبل أن تتحرك”.

سياسة “العصا والجزرة”

وفي واحدة من تجليات التوظيف السياسي للأحداث، سارعت الحكومة والمعارضة في سباق محموم إلى تقديم التعازي لأسرة التلميذ شيخنا ولد الطالب النافع، الذي سقط قتيلا في مدينة كنكوصة، بعد أن أطلق حراس منزل حاكم المدينة النار على المتظاهرين، وأعلنت السلطات عن فتح تحقيق في الحادث وطالبت المعارضة بمعاقبة المسؤولين عن الحادث، لكن السلطات لم تغفل الجانب الرّدعي في التعامل مع الأحداث.

ففي العاصمة نواكشوط، حيث تتزاحم الحركة الإعلامية والسياسية، عمدت السلطات إلى الإفراج عن جميع المعتقلين لديها جرّاء الأحداث الأخيرة، أمّـا في داخل البلاد، حيث يغيب الإعلام المستقل وتخف وطأة الحضور السياسي، فقد فضلت السلطات التعاطي مع الأحداث بمستوى من الصرامة، يرى البعض أنه لا يخلوا من مبالغة، ربَّـما لردع الخارجين للتَّـو إلى الشارع، عن “بدعة التظاهر الاحتجاجي”، التي جاؤوا بها اليوم ولم تعرف عنهم سابقا.

ففي مدينتي جيكني وتمبدغة، بأقصى الشرق الموريتاني، أحالت السلطات عشرات المعتقلين إلى القضاء بتهمة “التَّـجمهُـر غير المرخَّـص، والعِـصيان وتخريب الممتلكات العمومية”، وتم إيداعهم السجن انتظارا لتقديمهم للمحاكمة، وفي مدينة كنكوصة، وسط البلاد، أمر النائب العام بإعادة اعتقال بعض تلامذة المدارس الذين أفرج عنهم بعد التحقيق معهم بتُـهمة المشاركة في أعمال الشغب التي شهدتها المدينة، كما أعلن وزير لداخلية أن السلطات مصمِّـمة على محاسبة “المشاركين في أعمال الشغب التي استهدفت رموز الدولة والقوى الأمنية”.

هذه العصا، التي رفعها القضاء ووزير الداخلية في مواجهة المتظاهرين، قابلتها “جزرة” لوّح بها الناطق باسم الحكومة، حين أعلن عن اتخاذ الحكومة سلسة إجراءات استعجالية لمساعدة سكان تلك المناطق التي خرج أهلها متظاهرين، ومن بين تلك الإجراءات، توزيع كميات من المواد الغذائية على السكان الأكثر فقرا وتمويل سلسلة من المشاريع الصغيرة لصالح السكان وإنجاز برنامج موسَّـع لمكافحة البطالة والفقر وإعادة تأهيل بنوك الحبوب والمواد الغذائية في تلك المناطق، وتوفير بعض المواد الأساسية بأسعار مخفضة.

ورغم أن الخطاب السياسي في البلد بشقَّـيه، المعارض والحاكم، تبرّأ من تلك الأحداث واعترف رئيس الجمهورية – ضمنيا – للمتظاهرين بأحقية الخروج للشارع، كما تفهَّـم زعيم المعارضة وأنصاره أسباب ذلك الخروج، ورغم الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لمعالجة الوضع والتي لاقت ترحيبا من المعارضة، إلا أن السكان يرون أن السلطات لم تقدِّم حتى الآن ما يكبَـح جِـماح غضبهم، سوى رصاص وعصي رجال الأمن واتهامات القضاء وسجونه، وهي خطوة يرى العديد من المراقبين أنها قد تحمل في طيَّـاتها بذور مزيد من التصعيد للأزمة، خصوصا إذا ما نجح المتَّـهمون في تحويل محاكماتهم المتوقعة إلى محاكمات للنظام والواقع الذي تعيشه البلاد.

نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي

نواكشوط: اكدت الحكومة الموريتانية الجمعة 9 نوفمبر انها ستبقى حازمة للحفاظ على النظام العام ونددت ب “التلاعب” اثر تظاهرات احتجاج على ارتفاع الاسعار اوقعت قتيلا وعدة جرحى في جنوب شرق موريتانيا في الايام الاخيرة.

وقال سيدي ولد زين مستشار رئيس الوزراء الموريتاني زين ولد زيدان لوكالة فرانس برس “ان الحكومة تأسف للضحايا غير انها ستبقى حازمة بشأن ضمان سلامة الاشخاص والممتلكات (..) ولن تبقى مكتوفة الايدي امام اي تطرف او انحراف”.

واوقعت تظاهرات سار فيها شبان ضد غلاء الاسعار في الايام الاخيرة في مناطق في جنوب شرق موريتانيا اساسا قتيلا والعديد من الجرحى لدى تفريقها من قبل الشرطة.

وتم توقيف مسؤولين اثنين من المعارضة في منطقة كوبيني (850 كلم جنوب شرق نواكشوط) اتهمتهما الشرطة “بتحريض الشبان على الفوضى والتمرد واعمال التخريب ضد الممتلكات العامة والخاصة” ودعوة سكان مدينة كوبيني الى “ارتكاب اعمال تخريب مخالفة للقانون”.

وقال سيدي ولد زين “ان كون المتظاهرين هم من طلاب المدارس وليسوا راشدين يثبت ان هناك تلاعبا” دون تقديم المزيد من التفاصيل مذكرا بان “اية تظاهرة يجب ان تكون موضع ترخيص مسبق”.

وهدفت تلك المظاهرات الى الاحتجاج على رفع اسعار مواد اساسية مثل القمح والمعجنات والسكر ومسحوق الحليب والماء والكهرباء.

واضاف المستشار “ان السلطات ستتحمل مسؤوليتها ولن تدخر جهدا في الاستجابة لحاجات المواطنين وخصوصا الفئات الهشة” مشيرا الى ان الحكومة الغت الرسوم الجمركية على الحبوب واغلب المواد الاساسية.

والجمعة 9 نوفمبر 2007، القى عشرات طلاب المدارس الثانوية الحجارة على مبان عامة واحرقوا اطارات سيارات في عدة احياء في العاصمة مقديشو قبل ان يتم تفريقهم بسرعة من قبل قوات الامن.

وشجبت الجبهة الموحدة للاحزاب الخمسة الرئيسية للمعارضة الجمعة في بيان “الاساليب القديمة وعدم الاهتمام بمعاناة الاهالي” من قبل الحكومة التي دعتها جبهة المعارضة الى “الحوار”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 9 نوفمبر 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية