أحداث غزة: “كل السّخط العربي مُـوجّـه لإسرائيل والبلدان الغربية”
سلطت الصحفية السويسرية كارين فنغر، المقيمة بالعاصمة السورية دمشق، الضوء على الغضب الذي تشعر به الشعوب العربية إزاء القصف الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة. ونقلت في حديث لسويس انفو، صورة عن الأجواء التي كانت سائدة في غزة التي زارتها قبل أسبوع من الهجوم الإسرائيلي.
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس يوم الأربعاء 31 ديسمبر 2008 أنها على استعداد لدراسة مقترحات لوقف إطلاق النار تطلـُب من إسرائيل وقف هجماتها ورفع حصارها “تماما” على غزة.
وقد اندلعت أعمال العنف الحالية بين الجانبين بعد ستة أشهر من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه مصر، وانتهى أجله يوم 19 ديسمبر. ثم كثفت حماس الهجمات الصاروخية انطلاقا من قطاع غزة المحاصر. وبعد خمسة أيام من الضربات الجوية الإسرائلية، تـُواصل حماس إطلاق الصواريخ التي وصل بعضها إلى عمق تجاوز من 40 كيلومترا داخل اسرائيل.
في الأثناء، لا يزال احتمال شن إسرائيل لهجوم بري على غزة المكتظة بالسكان خطرا قائما.
سويس انفو: كم قضيت من الوقت في الشرق الأوسط؟
كارين فينغر: قرابة أربع سنوات، منها تسعة أشهر انتقلـْت خلالها مرارا بين قطاع غزة والضفة الغربية في عام 2004. وقضيت السنوات القليلة الماضية في التجوال (في المنطقة)، وأنا أقيم منذ ستة أشهر في دمشق، وقضيت أسبوعا في غزة في وقت سابق من هذا الشهر.
سويس انفو: ما هي اللهجة التي تعتمدها وسائل الإعلام العربية في تغطيتها للقصف الإسرائيلي على غزة؟
كارين فينغر: بالطبع، تطغى الزاوية العربية على الموضوع. وما نراه في صـُحفنا وقنواتنا التلفزيونية (في أوروبا) يتناول في معظمه هجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل ودفاع إسرائيل على نفسها، لكن هذا الشيء لا يرد ذكره في البرامج العربية التي تبث مواد أكثـر عن التظاهرات الضخمة في العالم العربي. كما تُظهر لقطات من داخل غزة – كالمباني المُدمرة، وصورا أكثر للقتلى والمُصابين. ونحن (في الغرب) لا نُشاهد هذا العدد الكبير من الصور المُروعة، لكنها، للأسف، جزء مما يحدث.
سويس انفو: إلى أي مدى تُعبر الاحتجاجات على الحالة النفسية السائدة في البلدان العربية؟
كارين فينغر: نُظـِّمت هـُنا في سوريا عدّة مظاهرات من قبل مجموعات مختلفة، لكن من المهم أن نُدرك بأنك تسمع نفس التعليقات لدى الحديث مع أي شخص – بحيث تلمس نفس شعور الغضب والإحباط إزاء انعدام تحرك العالم الغربي أو إزاء تلك الخـَطابة حول دفاع إسرائيل عن نفسها. ولا يهـُم حجم المظاهرات، لأن الجميع ساخط عن الوضع بأكمله في واقع الأمر.
سويس انفو: هل الغضب الذي يشعر به العرب موجه لإٍسرائيل فقط أم أنهم مستاءون أيضا من حماس؟
كارين فينغر: لا، لم أسمع أي شخص يُعبر عن الغضب تجاه حماس، فكل السخط موجه لإسرائيل والبلدان الغربية. وهناك دعم كبير لحماس بين الناس، لكن ليس بين الحكومات بالطبع، لأن حكومتي مصر وسوريا تحاولان ردع حماس.
سويس انفو: هل هناك أيضا بعض الغضب إزاء حكوماتهم وغيرها من الحكومات العربية التي لا تتمتع بما يكفي من القوة للرد على إسرائيل؟
كارين فينغر: هناك غضب كبير تجاه المصريين لأنهم لم يفتحوا حقا حدودهم، وسمحوا فقط باستقبال بعض الجرحى وبعض شاحنات المساعدات الإنسانية. ويُنظر إلى مصر كدُمية في يد أمريكا تنحني أمام الضغوط الأمريكية. وفي اليمن، تمت مهاجمة القنصلية المصرية في عدن يوم أمس (الثلاثاء 30 ديسمبر 2008).
سويس انفو: هل هناك أي فهمٍ بأن الاتحاد الأوروبي وسويسرا يفعلان الكثير لفائدة الفلسطينيين، أم أن الانطباع السائد هو أن لا أحد يقوم بما يكفي؟
كارين فينغر: هذا هو الانطباع السائد، الذي وجدته هنا، أي أن لا أحد يفعل ما فيه الكفاية. بطبيعة الحال، الناس يُـفرِّقون (بين الحالات)، فهم يرون أن سويسرا قالت بأن التحرّك الإسرائيلي غيرُ متناسِـب.
لكن بشكل عام، لم يحدُث أي شيء. فالحكومات تُـجري محادثات، ولكن لم يتجسّـد أيّ شيء بعدُ.
سويس انفو: هل يؤدّي هذا العملُ (العسكري) إلى مشاعِـر أكثر راديكالية لدى الناس بخصوص مُـجمل القضية الفلسطينية؟
كارين فينغر: لقد قضّـيت أسبوعا في قطاع غزّة قُـبيل الهجوم، وما أمكن لي مشاهدته هناك كان أولا السيطرة المطلقة من طرف حماس على قطاع غزّة، إنه وهمٌ كاملٌ (القول) بأن إسرائيل ستستأصل حماس. إنه لا يوجد بديل الآن عن تحمُّـل المسؤولية.
لقد حضرت هناك احتفالا ضخما في ذكرى ميلاد الحركة، شارك فيه آلاف الأشخاص. هناك تأييد كبير (لحماس)، لكن يوجد أيضا انقسام في صفوف السكان.
حماس تحكُـم قطاع غزّة بقبضة من حديد، لقد أوضحوا بما لا يدع مجالا للشكّ، بأنه إذا ما أقدم أيّ كان على معارضة حماس، فإنه سيتعرّض للعقاب. فعلى سبيل المثال، تُـمنحُ المساعدات الموجّـهة إلى حماس إلى أنصارها.
ما أمكن لي الشعور به، وجودُ الكثير من الخوف في صفوف السكان. فقبل الانتخابات (التي انتصرت فيها حماس)، كان القطاع محكوما من طرف مجموعة من الفصائل، أما الآن، فقد تخلّـصت حماس منهم وأفهمت المعارضين الآخرين ما الذي يُـمكن أن يحصُـل لهم إذا ما عارضوا حماس.
بشكل عام، لا زال هناك تأييد كبير لحماس، لكن هناك سبب آخر (لهذا التأييد)، وهو أنه لا يوجد بديل عن حماس في قطاع غزّة.
سويس انفو: يعقِـد وزراء الخارجية العرب اجتماعا يوم 31 ديسمبر في القاهرة، ما هي التوقعات والانتظارات؟
كارين فينغر: أبدى المصريون منذ فترة الرغبة في التوسّـط بين إسرائيل وحماس، وسبق لهم أن توسّـطوا في إقرار وقف إطلاق النار الأخير وخطّـطوا لاستمراره، لكن هذا لم يحدُث. إنها البداية لمفاوضات جديدة.
في نهاية المطاف، لابدّ من التوصّـل إلى وقف لإطلاق النار. إسرائيل لن تكون قادرة على وقفِ إطلاق الصواريخ عن طريق هجوم عسكري واسع، فهذه الصواريخ صغيرة جدا، إلى الحدّ الذي يستحيل معه القضاء على جميعها.
من وجهة نظر حماس، هناك شعور بأنهم لم يكسبوا أي شيء من وقف إطلاق النار الذي استمرّ ستة أشهر. فالحدود لن تُـفتح والمساعدات الإنسانية تراجعت عِـوض أن تزداد. إنهم لن يوافقوا على وقفٍ جديد لإطلاق النار، إلا إذا ما حصلوا على شيء في المقابل، مثل الاتفاق على فتح معبر واحد، على أقل تقدير، والسماح للأشخاص بالعبور وللبضائع بالدخول إلى القطاع.
يوم 30 ديسمبر، أصدرت وزارة الخارجية السويسرية بيانا، قالت فيه إنها “تتابع بانشغال” تطوّر الأوضاع في قطاع غزّة، وشدّدت على “هشاشة الوضع الإنساني، وخاصة فيما يتعلق بالعلاج، الذي يتعيّـن تقديمه للجرحى، والتزويد بالمواد الغذائية”.
ودعت برن إلى “وقفٍ فوري لأعمال العنف، التي تزيد من خطورة المعاناة المسلّـطة على السكان المدنيين”، وطالبت أيضا من جميع الأطراف تيسير العلاج الملائم للجرحى، بما في ذلك إجلاؤهم، عند الضرورة.
وأضاف بيان وزارة الخارجية السويسرية أن “العقبة الكبرى، التي يتعيّـن تجاوزها في هذا النزاع… تتمثّـل في الوصول إلى الضحايا المدنيين”، وذكّـر البيان بأن عددا محدودا من الفاعلين الدوليين، من بينهم الأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بإمكانهم العمل في قطاع غزّة.
من جهة أخرى، ستقوم المساعدة الإنسانية للكنفدرالية على الفور بتحويل 4 ملايين فرنك لفائدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. يشار إلى أن سويسرا تقدِّم منذ سنوات عديدة مساعدة إنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وفي عام 2008، بلغت قيمتها 12 مليون فرنك.
من مواليد 12 يونيو 1979 في زيورخ.
في سبتمبر 2004، بدأت في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية دروس لغة عربية لمدة 4 اشهر، وبدأت يوم وفاة الرئيس ياسر عرفات العمل كمراسلة للصحيفة السويسرية الرصينة “نويه تسورخر تسايتونغ”، ولصحف سويسرية وألمانية أخرى، مثل “بوند”، تصدر في برن و”فايننشال تايمز دوتشلاند”، و”شبيغل أونلاين” الألمانيتين.
في سبتمبر 2005، حصلت على الإجازة من قسم “ميدان علوم المجتمع” بكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة فريبورغ. وكان موضوع شهادة الإجازة التي حصلت عليها بتقدير “جيد جدا” حول الهوية الصحفية للفلسطينيين والإسرائيليين.
في 18 مايو 2006، حصلت على جائزة زيورخ للصحفيين على تحقيق صحفي أنجزته حول البدو في صحراء النقب.
تقيم منذ منتصف عام 2008 في العاصمة السورية دمشق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.