أزمة الأنبار على جدول صراع قوى إقليمية وإيران
هناك مخاوف جدية أن ينفجر الوضع في العراق وينزلق الجميع إلى الهاوية إذا استمرت الأزمة في محافظة الأنبار وباقي المناطق الرديفة.
فما يجري في محافظة الأنبار هو خارج عن السيطرة، وما عادت الحكومة ولا جماعات “الأخوة الأعداء” المشاركة فيها (قدم هنا وقدم هناك)، والتي تقف وراء معظم الأزمات في العراق الجديد، قادرة على التصرف بإيجابية لإيجاد حلول وسط تساعد على التهدئة تمهيداً لنزع فتيل الإنفجار الموعود.
وما من شك فان أزمة الأنبار مع كل ما صاحبها من شعارات وصور، كشفت أن هناك دول حلف خارجي (تقع أبرز مفاصله في الخليج وتركيا ويصل حتى إسرائيل)، لمواجهة النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق، والتحكم بتأثيراته على الأزمة السورية وبالعكس.
ويظن أهل الإقليم في الخليج وتركيا وإسرائيل طبعاً، المتأثر والمؤثر قطعاً بكل ما يجري في العراق من تطورات منذ التحول الدرامي في هيكيلة الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين، أن التحكم في مظاهرات الأنبار سيغير كثيراً في وجهة التحرك الإيراني من العراق الى سوريا ولبنان وبالعكس، ذلك أن ما تشهده الأنبار من أحداث، لها صلة وثيقة بما يجري في سوريا.
وليس غريباً القول أن مظاهرات الأنبار اندلعت في تزامن معقول مع التسريبات آنذاك عن “حوار سياسي” لحل الأزمة السورية، لإيران سهم كبير فيه، تأكد لاحقا في اللجنة التي كلفتها بها القمة الإسلامية الأخيرة في القاهرة، وضمت إضافة الى ايران كلاً من السعودية وتركيا لدعم الحوار مع سوريا من أجل إيجاد حل للأزمة السورية يقوم على ضرورة إيجاد توافق “يحفظ حقوق ومطالب الشعب السوري العادلة، ويضمن وحدة أراضيه وسلامتها”.
وكانت التسريبات القادمة من إيران بشكل خاص، تتحدث عن فشل الغرب والدول الداعمة لربيع سوريا “العربي” في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض لإسقاط نظام بشار الأسد على غرار ما حصل في ليبيا، بسبب الدعم الإيراني اللامحدود للأسد المستعين بغطاء روسي صيني يُجهض أية محاولات للتدويل المباشر بواسطة مجلس الأمن، وإذاً لابد من إرباك القوة الايرانية وإشعال النيران في عجلاتها الأمامية في العراق حيث يتحكم الحلفاء الأقوياء لإيران بالوضع سياسياً، خصوصاً في بغداد والجنوب وأيضاً في كوردستان.
عجز “المقاولين السياسيين”
وإذ فشل الإقليم في تحويل مظاهرات الأنبار الى “ربيع عراقي ” بعد تدخل عاثر من أمين سر قيادة البعثيين عزت الدوري، واندساس قوى من القاعدة وما يسمى “الجيش العراقي الحر” وكشفته وسائل الإعلام وهي اللاعب الأساس في هذا الربيع بما منح المظاهرات “صبغة” طائفية يرفضها غالبية سكان الرمادي، فقد سعت إيران عبر حلفائها من التيار الصدري والمجلس الإسلامي الأعلى الى كسر حدة “طائفية” الحكم الراهن في العراق، وهي تعمل على تعطيل مساعي الإقليم في تحريك عشائر شيعية عربية ترفع علناً شعار “حرّروا العراق من الهيمنة الايرانية”.
في الأثناء، لا مفر من القول بأن “المقاولين السياسيين” في العراق الجديد باتوا عاجزين تماماً عن تقديم حلول ناجعة بعيداً عن تأثير الإقليم وإيران وسط صمت أمريكي عجيب له عدة تفسيرات منها بالطبع التحضير لصفقة طال انتظارها بين واشنطن وطهران بمباركة روسية تشمل الملف النووي وسوريا بشكل خاص، ولن يكون العراق إلا وسيلة وأداة للوصول إليها.
لقد تحركت واشنطن على استحياء شديد في أزمة “عمليات دجلة” التي اندلعت بين رئيس الوزراء نوري المالكي وكوردستان حول المناطق المتنازع عليها، ويسميها الكورد بالمستقطعة من الاقليم، وكأنها تكرر الموقف الأمريكي الذي أعطى الضوء الأخضر لصدام أو شجعه على غزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990، ويبدو أن الولايات المتحدة، كما قالت آنذاك السفيرة أبريل غلاسبي “لم تتدخل بهذا الشأن العربي الخاص”،ما يعني أنها تترك – بالتالي- للعراقيين الحرية في حل أزماتهم الداخلية بالطريقة التي تحفظ لها مصالحها في المنطقة بشكل خاص.
معركة استنزاف..
هذه الطريقة في التعاطي مع الأزمة الراهنة في الأنبار تعطي إنطباعاً أولياً بأن العراق اليوم بات على حافة منزلق خطير، حيث تم تسييس المطالبات والمظاهرات، وأن هناك من لايريد حل الأزمة حتى مع وجود مطالب مشروعة للمتظاهرين، بعضها يقع على عاتق الحكومة والبعض الآخر على البرلمان والقضاء.
في المقابل، فإن التصعيد الى درجة العصيان المدني والعسكري، وقطع الطريق الإستراتيجي (بين بغداد وعمان)، وقطع الإمداد عن محافظات الوسط والجنوب، بالإضافة الى تعطيل مؤسسات الدولة في محافظة الأنبار، ترسل كلها إشارات سلبية عن معركة استنزاف داخلية (وبالتالي لإيران أيضاً) وثيقة الصلة بكل التطورات في الملفين الإيراني والسوري وقد شبكتهما طهران – حسب المؤشرات المتاحة – ليُصبحا ملفاً واحداً في مفاوضاتها مع الغرب، باتجاه الحوار الأمريكي الإيراني المباشر والمطلوب.
من جهتها، لا ترى واشنطن ما يراه حلفاؤها الحاكمون في بغداد من أن الحكومة العراقية منتخبة من الشعب وتعمل وفق الدستور، لأنها تعرف جيداً أن كل ما يتعلق بمفاصل الحكم يتم وضعه (حتى الآن) وفق نظام توزيع الحصص (المحاصصة)، ولكنها تترك للمالكي حرية التعامل مع الواقع بدواعٍ دستورية، ربما للتحضير لمرحلة ما بعد سوريا حيث يجري هناك – حسبما يتردد – تفكيك الجماعات الإسلامية المسلحة لإجبارها على الرحيل الى الأنبار في حال التوصل إلى حل سياسي للأزمة هناك تفاديا لمخطط إيراني يريد جرّ إسرائيل الى ساحة المواجهة مباشرة في الجولان مثلاً، وفي لبنان أيضاً. ولعل هذا ما يفسر اغتيال العميد الإيراني (حسام خوش نويس الملقب بـ “حسن شاطري”) مؤخرا في سوريا، حيث يبدو أنه لم يكن الهدف المباشر من وراء تلك العملية التي كانت تستهدف – حسب مصادر مطلعة – أساساً رأس أحد أبرز معاوني الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في الأزمة السورية.
نحو مزيد من التقسيم الطائفي؟
ومن هنا فلا يملك المالكي غير السعي لإيجاد حلول وسط وهو يحذر من الوقوع في فخ اللجوء إلى الحلول الأمنية التي هدد بها سابقاً في أزمة “عمليات دجلة” مع الإقليم الكوردي، ورغم ذلك يستمر أتباعه في البرلمان في إطلاق تصريحات تأزيم مستمرة منها أن “من حق الحكومة أن تعمل على فك أيّ عصيان مدني أو عسكري حفاظا على المصلحة العامة”.
وسط كل هذا السجال توجه صوب السعودية، إبراهيم الجعفري رئيس “التحالف الوطني” الذي يضم إئتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، وهي خطوة تأخرت كثيراً وربما ما عادت مُجدية في ظل التصعيد الذي يتبناه رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر مع البحرين بإطلاقه تصريحات تصفها المنامة بالإستفزازية وبالتدخل في شؤونها الداخلية، بل يرى الشيعة في البحرين أنها تلحق أضراراً فادحة بمطالبهم وما يمكن أن يتحقق من حوار يجري التحضير له بصعوبة بالغة بين السلطة والمعارضة في المملكة.
أخيراً، لا مفر من الإعتراف بأن الأزمات التي تعصف بالعراق نتاج طبيعي للعملية السياسية التي قسمت العراقيين إلى (مكونات) بعدما كانوا مواطنين، وأن الحكومة (أيّ حكومة منذ الإطاحة بصدام) تشكلت من أشخاص فرضتهم الأوضاع المستجدة كممثلين عن هذه (المكونات)، وهي لا تتحمل وحدها المشاكل التي يعاني منها العراقيون، وأخطرها، فقدان الشعور بالإنتماء للوطن لأن العملية السياسية جعلت النظام الراهن فوق الشعب ومصالحه.
ومع كل ذلك، فإن النتيجة الطبيعية لكل ما يجري ستكون المزيد من تكريس التقسيم الطائفي، وهو ما قد تكشف عنه الإنتخابات المقبلة مُجددا، ما دام هناك شعور لدى العراقيين الشيعة والكورد (المتخاصمين في أزمة المناطق المتنازع عليها) بأن أحداث الأنبار ليست سوى “استهداف للعملية السياسية” التي منحت الشيعة والكورد هيمنة غيّرت ما كان مُتداولاً في نظام الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، بدفع من قوى خارجية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.