“أمر عسكري” إسرائيلي يُـحيي هاجِـس “نكبة” فلسطينية جديدة!
يبعَـث قرار الحاكِـم العسكري الإسرائيلي بطرد ومعاقبة مَـن أسماهُـم "المقيمين غير القانونيين والمتسلّـلين" من الضفة الغربية مرّة أخرى، الهواجس والقلق لدى الفلسطينيين بنَـوايا إسرائيلية في سِـياق الخُـطوات الحالية وتوجّـهات الحكومة اليمينِـية، التي تسعى إلى تقليل أعداد الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية.
القرار الإسرائيلي رقم (1649) والتّـعديل الذي جرى على تعريف المتسلِّـلين في القرار (1650)، يقضيان بترحيلٍ فوري للفلسطينيين المُـقيمين بصورة غير شرعية، وتحديداً من سكّـان قطاع غزة، وكذلك من الدول العربية الأخرى، ويقرِّر على أولئك المُـقيمين منذ سنوات من دون استِـكمال الإجراءات القانونية الإسرائيلية، عقوبة تصِـل إلى السِّـجن والغرامات المالية.
“المسار البديل”..الانقضاض على مُخرجات التسوية
ثمّـة قراءات متعدِّدة لأبعاد القرار وتداعِـياته القانونية والسياسية على المدى القريب والبعيد، فيما تبدو الدّلالة الأبْـرز، أنّ الحكومة اليمِـينية الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتانياهو، تسعى للانقِـضاض على مخرجات اتِّـفاقية أوسلو مع الفلسطينيين وما ترتّـب عليها من مخرجات ترتبِـط بعودة آلاف من اللاّجئين، وِفق ترتيبات العمل مع السلطة الفلسطينية أو مشروع “لمِّ الشّـمل” لعائلات فلسطينية، فـرّق الاحتلال بين أفرادها.
ِوفقاً لتصريحٍ صادرٍ عن سياسية أردنية، لـ swissinfo.ch، فإنّ أعداداً كبيرة من هؤلاء “العائدين” لم تكتمِـل أوراقهم القانونية من قِـبل الحكومات الإسرائيلية التي ماطلت فيها، وهُـم اليوم مهدّدون بالتّـرحيل مرّة أخرى، بذريعة الإقامة غير الشرعية في الضفة الغربية، ما يعني – ضمناً – تنصّـل إسرائيل من بُـنود اتفاقية السلام وما ينتج عنها، ما يَـشي – من جهة أخرى- بمشروع إسرائيلي بديل للمسار المُـتعطّل من مفاوضات التسوية.
ويؤكِّـد هذه الخلاصة عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات في تصريح خاص بـ swissinfo.ch، إذ يَـعتبر أنّ الإجراء الإسرائيلي ليس جديداً، وهو يعود في جذوره إلى حكومة نتانياهو في عام 1997، عندما بدأت عملية التخلّـص من مخرجات أوسلو، بتوصِـية من مركز دراسات تابع للمُـحافظين الجُـدد في أمريكا برئاسة ريتشارد هاس، أوصى الحكومة الإسرائيلية بضرورة التخلّـص من الالتزامات السِّـلمية التي قيّـدتها في أوسلو.
الرنتاوي يرى أنّ إسرائيل ترسم مساراً مُـختلفاً مُـغايراً لاستحقاقات التّـسوية منذ تبنِّـيها النهج الأُحَـادي، بدءً من نتانياهو مُـروراً بشارون وعودة مع الحكومة اليمينية الجديدة، ومضمون هذا المسار يقوم على تحلّـل إسرائيل من التزاماتها واقعياً وليس رسمياً، فيما تُـبقي الضغط على الفلسطينيين بتنفيذ الالتِـزامات من طرف واحد.
في هذا السياق، يمثّل القرار الإسرائيلي الجديد خُـطوة أخرى في مواجهة “عُـقدة الديموغرافيا” الفلسطينية، ستُـتيح لإسرائيل التخلّـص، وِفق تقديرات رقمية، ما بين سبعين ألفاً ومائة ألف من الفلسطينيين المُـقيمين في الضفة، أي ما نِـسبته قرابة 3%، بالإضافة إلى إجراءات التّـهويد والتهجير اللامباشر، التي تقوم بها إسرائيل تُـجاه سكان القدس، إذ شمِـلت هذه الإجراءات قُـرابة خمسة آلاف فلسطيني سُـحِـبت منهم هُـويتهم المقدسية العام الماضي، في سِـياق فرض واقع جديد في المدينة المقدّسة.
ويرى الرنتاوي أنّ مواجهة القرار الإسرائيلي، فلسطينياً، تكمُـن في اتِّـخاذ السلطة الفلسطينية خُـطوات مقابلة تحدّ من التِـزامها الفَـردي باتفاقية أوسلو، وبدايةًً، أن يكون هنالك وَقف فوري للتعاون الأمني بين الطّـرفين.
وينقل الرنتاوي عن مصادر صحفية غربية أنّ حالات التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل وصلت في عام 2009 إلى 1300 حالة، وهو رقم ضخْـم جداً يُـعاكس تماماً ما هو السلوك الإسرائيلي المتحلّـل من التِـزامات التسوية.
الخِـيار الإستراتيجي الفلسطيني، وِفقاً للرنتاوي، في مواجهة “الأحادِية الإسرائيلية، يتمثّـل في اشتقاق مسار بديل هو (الثورة الشعبية) الغير مسلّحة، التي تُـعيد التعريف بحقوق الشعب الفلسطيني ومُـعاناته مع الاحتلال، وإنهاء مِـيزة (احتلال الديلوكس)، الذي تتمتّـع به إسرائيل، جرّاء التعاون الأمني الحالي ووُجود سُـلطة شكلية مفرّغة من أدوارها السياسية، فضلاً عن السيادية.
لكن إلى أي مدى تملك السلطة اليوم، في ظل الأزمة الداخلية وتضارب المصالِـح، أن تخطو في هذا المجال؟ يُـجيب الرنتاوي على ذلك بالنّـفي، لكنّه يرى أنّ وجود ضغْـط شعبي سياسي داخلي على السلطة، سيجُـرّها إلى تغيير مواقِـفها الحالية التي لا تتناسب مع حَـجم التهديد الإسرائيلي وتضُـر بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني.
الهاجس الأردني.. “الترانسفير” والمعادلة الداخلية
القرار الإسرائيلي يتجاوَز الشأن الفلسطيني إلى دول الجوار، وتحديداً الأردن، الذي ترفَـع تداعِـيات القرار المتوقّـعة من درجة التّـسخين الداخلي والقلق الكبير من سيناريو “الدولة البديلة” القديم- الجديد وحلّ القضية الفلسطينية على حِـساب الأردن.
مصدر القلق الأردني يرتبِـط بدرجة رئيسية بطبيعة التركيبة السكانية التي تقوم على توازن في نِـسب الأردنيين و”الأردنيين من أصول فلسطينية”، وهي المعادلة التي تفجّـر جُـملة من المخاوف المتبادلة والأزمات الداخلية المكبُـوتة والمُـعلنة في الآونة الأخيرة تحت عناوين عديدة، أبرزها “الهُـويات الفرعية”.
وِفقاً لمصدر مطّـلع مقرّب من دوائر القرار، رفض الكشْـف عن اسمه، فإنّ خُـطورة القرار الإسرائيلي على الأمن الوطني الأردني، تتجاوز ترحيل قُـرابة ثلاثين ألفاً إلى الأردن، ممّـن يحمِـلون أوراقاً أردنية أو كانوا في الأصل في الأردن قبل توقيع اتفاقية أوسلو.
ويضيف هذا المصدر لـ swissinfo.ch أنّ المشكلة تتعلّـق بكلّ مَـن يحمِـل “البطاقات الخضراء” (أردنيون من أصل فلسطيني لهم حق الإقامة في الأردن، لا المواطنة الكاملة)، سواء كانوا في الضفة الغربية أو الأردن، إذ أنّ هؤلاء سيصبحون، نتيجةً للقرار الإسرائيلي، فاقِـدي حقّ الإقامة في الضفة الغربية، وبالتالي، حق العودة والحقوق السياسية الأخرى، ويجعل من قضِـيتهم شأناً أردنياً داخلياً، أي نقْـل الكُـرة المُـلتهبة من إسرائيل إلى الحكومة في عمّان.
وعلى الرغم من مُـسارعة إسرائيل إلى محاولة طَـمأنة الجانب الأردني، إلاّ أن الحكومة الأردنية استَـدعت السفير الإسرائيلي وأبلَـغته احتجاجاً شديد اللّـهجة، فيما أصدرت بياناً مُـندّداً بالقرار الإسرائيلي.
وتتجاوز النُّـخب الأردنية في قراءتها للقرار، الردّ الرسمي، إذ ذهبت قِـوى سياسية لها نفوذها في الشارع، إلى اعتباره نقضاً لمعاهدة وادي عَـرَبة و”إعلان حرب على الأردن”.
يتبنى هذه القراءة الدكتور عبد اللطيف عربيات، أحد أبرز القيادات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إذ يعتبِـر (في تصريح خاص بـ swissinfo.ch)، أنّ القرار الإسرائيلي خطَـر مباشِـر على الأمن الأردني، وأنه جُـزء من مخطَّـطٍ إسرائيلي قديم – جديد معروف، لتفريغ فلسطين من سكّـانها، ومن ذلك القدس التي تمثّـل أحد عناوين الصِّـراع الرئيسي”، على حد قوله.
الهدف الإسرائيلي، وِفقاً لعربيات، مُـعلن وواضِـح، وهو إقامة “الوطن البديل” في الأردن، ما يتطلّـب تصليب الجبهة الداخلية واستنفار القِـوى الوطنية وأخذ التّـهديد على محمَـل الجِـدّية. ويتجاوز عربيات هذه الدّعوة إلى المطالبة بـ “استعادة التّـجنيد الإجباري” لدى الشباب وتعبِـئة الشارع تحسُّـباً للمراحل المُـقبلة من المشروع الإحلالي الإسرائيلي.
الخطر الإسرائيلي ليس بعيداً عن تفكير مؤسسات القرار في الأردن. ففي العام الماضي، كشف مركز دراسات تابِـع لمؤسسة سيادِية كُـبرى، أنّ الأردن سيلجَـأ إلى إغلاق الجُـسور مع الضفة الغربية، لمنع أيّ عملية تهجير بالقوّة، في حال فكّـرت إسرائيل في ذلك.
غير أنّ المحلِّـل السياسي فهد الخيطان، يرى أنّ سيناريو إغلاق الجُـسور هو الخِـيار الأفضل في حال تفاقَـمت الأزمة، إذ لابد أن تسبقه خُـطوات سياسية رئيسية، أبرزها الشّـكوى للمحاكم الدولية باعتبار السّـلوك الإسرائيلي “جريمة حرب” والتدقيق في إجراءات الجُـسور والتأكّـد من أعداد القادمين والمُـغادرين، مَـنعاً لأي تسرّب ناعِـم أو غير مُـعلَـن، يُـمارس تحت الإبتِـزاز الإسرائيلي.
في المقابل، تعالت أصواتٌ تُـطالب الأردن بإعادة النظر في مُـعاهدة السلام وبتجميد العلاقات مع إسرائيل، بيْـد أنّ الخيطان في تصريح خاص بـ swissinfo.ch يرى أن إعادة النّـظر في المعاهدة الآن، غيْـر مُـجدٍ ولا يؤثِّـر على المخطَّـطات الإسرائيلية الحالية.
محمد أبو رمان – عمان – – swissinfo.ch
القاهرة (رويترز) – قالت الدول العربية يوم الثلاثاء 20 أبريل، إنها ستطلب عقْـد اجتماع عاجِـل للجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة توجّـه إسرائيلي لترحيل ألوف من سكان الضفة الغربية.
وقال نشطاء إسرائيليون في مجال حقوق الإنسان يوم الأحد 18 أبريل، إن أوامر جديدة صدَرت للجيش الإسرائيلي، من شأنها تعريض كل فلسطيني تقريبا للطّـرد من الضفة الغربية.
وفي بعض الحالات تسمح الأوامر بالترحيل خلال أقل من 72 ساعة لأي ” متسلِّـل”. ويُـعرف المتسلِّـل بأنه الشخص الذي لا يحمِـل تصريحا إسرائيليا بالإقامة في الضفة الغربية.
وقال مجلس جامعة الدول العربية، الذي عقد على مستوى المندوبين الدائمين يوم الثلاثاء في بيان، إن الدول العربية ستطرح الإجراء الإسرائيلي أيضا على محاكِـم دولية، بينها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وأضاف أنه يُـجدِّد ما دعت إليه القمّـة العربية التي عُـقدت في سرت بليبيا في الآونة الأخيرة بوقْـف جميع أشكال التطبيع العربي مع إسرائيل.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للصحفيين بعد الاجتماع، إن الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تجعل من غير المناسب عقد “أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة” بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وكانت الدول العربية وافقت على طلب للإدارة الأمريكية بعقْـد مفاوضات غيْـر مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، بعد أن أقر العرب صَـواب موقِـف السلطة الفلسطينية الرّافض لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، إلا بعد التجميد الكامل للاستِـيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ما رفضته إسرائيل.
وكان الجيش الإسرائيلي هون في بيان، من احتمال إجراء عمليات ترحيل جماعية قائلا، إن الأوامر هي مجرّد تعديل على قوانين إسرائيلية قائمة بالفعل لضمان أن يكون عمل الجيش خاضعا “لإشراف قضائي” أثناء طرد أيّ شخص “يُـقيم بصورة غير قانونية” في الضفة الغربية.
وندّدت عشر جماعات حقوقية إسرائيلية بالأوامر قائلة في بيان، إن الأغلبية العُـظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلّـة منذ عام 1967، لم يطلب منهم قطّ الحصول على تصريح بالإقامة صادر عن إسرائيل.
وقال بيان المنظمات “سيكون الجيش قادرا على ترحيل أو بدءِ ملاحقة قانونية لأي فلسطيني يُـعرف على أنه متسلل في خرْق صريح لاتفاقية جنيف”، ويمكن أن يعاقَـب مخالفو هذه الأوامر بالسجن سبعة أعوام على الأقل.
وأبدت الجماعات خِـشيتها من أن تمكن الصياغة الفضفاضة للأوامر، الجيش من طرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وبخاصة مَـن ولِـدوا في قطاع غزة ومَـن ولدوا لهم من أبناء في الضفة الغربية.
ويقول الفلسطينيون إن نحو 25 ألف فلسطيني من قطاع غزة يعيشون في الضفة الغربية المنفصِـلة عن القطاع، جغرافيا وسياسيا.
ويمكن أيضا أن ينطبِـق تصنيف “المتسلِّـل” على الأجنبي، بمَـن في ذلك النشطاء الغربيون الذين ينضمّـون إلى الفلسطينيين في الاحتجاجات ضدّ إسرائيل في الضفة الغربية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 أبريل 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.