أوباما: بطل سلام أم “رئيس حرب”؟
باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة. ثم ماذا بعد؟.. الوعود التي أغدقها أول أمريكي من أصل إفريقي يدخل البيت الأبيض، كرئيس له لا كخادم (كما كان يحدُث طيلة القرنيْـن الماضيين)، في خطاب القسَـم الثلاثاء 20 يناير، كانت هائلة ومثيرة بالنسبة إلى كل من أمريكا والعالم والشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
فهو وعَـد بإنقاذ أمريكا من وهدتها الاقتصادية الخطيرة، على رغم اعترافه الشّـجاع بخطورة هذه الأزمة، لا بل تلميحه أيضاً بأن الولايات المتحدة “ربّـما تكون في حالة انحدار لا مفر منها”.
وشدّد على أنه “بات على أمريكا أن تتغيـّر، لأن العالم تغيـّر. عليها أن تدشّـن حِـقبة جديدة من المسؤولية، تقودُها الصّداقة الدولية والاحترام المتبادل”، ووعد بـ “شقِّ طريقِ جديدٍ مع العالم الإسلامي، قائم على الاحترام المتبادل”.
ثم إنه تعهد بـ “إعادة العراق إلى شعبه” وتسوية أزمة أفغانستان، والانغماس بتسويات أزمة الشرق الأوسط، منذ بداية عهده لا نهايته (كما فعل من قبله كلينتون وبوش)، وبمُـعاملة إيران باحترام (على رغم أنه لم يُـشر إلى احترام العرب)، وبلعب دور الطرف الثالث الموثوق به.
هذه الوعود تبدو صادِقة، وإن لسبب مصلحي: فأوباما يَـعتبر أن سُـمعة الولايات المتحدة في العالم، كنزٌ سياسي ثمين، يجب استعادته، كما أنه يُـريد أن تحظى بلاده بالاحترام مجدّداً، كي يصبح أصدقاؤها حُـلفاء أفضل وكي يخسِـر أعداؤها الدّعم.لكن مَـن سيُـحوّل هذه الوعود الجميلة إلى ورُود عملية جميلة؟
الاقتصاد أولاً
حتماً، ليس هذا الرئيس الشاب، ليس لأنه يفتقِـد إلى الخِـبرة، فهو يستطيع أن يتدرّب عليها بسرعة وكثافة على حساب العرب، الذين أصبحوا منذ وفاة جمال عبد الناصر أكياس ملاكمة إقليمية ممتازة، بل لأنه مضطَـر إلى تركيز كلّ جهوده على الورطة الاقتصادية الأمريكية الأكبر، منذ الكساد الكبير عام 1929.
فهو يجب أن يوفّـر 800 بليون دولار لإنعاش الاقتصاد وأن يسارع إلى إنقاذ صناعة السيارات، التي يبدو أن انهيارها بات حتميا، وأن يوقف مسيرة البطالة المُـخيفة، التي بلغت مؤخراً نصف مليون مطرود من العمل كل شهر، ثم أنه يجب أن يفعل كل ذلك، فيما يُتوقّـع أن يقفز الدَّين القومي الأمريكي بمعدّل تريليوني دولار خلال العام الحالي 2009.
أوباما إذن، لن يستطيع أن يُـطل برأسه على الشرق الأوسط والعالم، إلا بين الفينة والأخرى ومن خلال رُكام الأزمات الاقتصادية الداخلية، التي يُنتظر أن تزداد تفاقماً خلال الأشهر المقبلة، حين تتمدّد من الاقتصاد المالي – الافتراضي إلى الاقتصاد الإنتاجي. فمَـن سيقوم بمهمّـة تنفيذ وعوده؟
هيلاري كلينتون، هي المرشحة الأولى، بوصفها وزيرة عتيدة للخارجية، يُـساعدها فريق خبير، على رأسه دنيس رُوس من وزارة الخارجية سابقاً وهاس من مجلس العلاقات الخارجية النافذ، لكن عقَـبات عدّة ستعترض كلينتون وقد تُـسفر في النهاية عن الشّـلل في القرار الشرق أوسطي الأمريكي أبرزها:
· هيلاري نفسها، التي أطلقت سلسلة مواقف متطرّفة خلال الحملة الانتخابية من نوع التهديد بمحو إيران من الوجود والدّعوة إلى ممارسة سياسة الحرب الباردة معها، ورفض أي حوار مع حماس قبل أن تعترف بإسرائيل وتنبذ “الإرهاب”، وتقديم الدعم بلا حدود للدولة العِـبرية.
· وجود مراكز قِـوى نافذة ستتدخّـل في كل لحظة في سياسات وزارة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بسبب التقاطع الحادّ بين أزمة الصراع العربي – الإسرائيلي ومسائل الأمن و”الإرهاب” والنفط، مثل نائب الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع غيتس، إضافة إلى الرئيس نفسه.
· احتمال انفِـجار الخلافات في وقت مبكِّـر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بسبب التّـنافر الحادّ بين شخصِـيتيْ أوباما وكلينتون. فالمسألة الحقيقية في السياسة الخارجية الأمريكية (وفق مسؤول سابق في إدارة بوش)، ستكون خلال السنة الأولى من عهد أوباما، هي متى (وليس هل) سينفجِـر الخلاف عَـلناً بين باراك وهيلاري.
الآن، إذا ما كانت هذه التّـقديرات صحيحة، فهذا سيعني أن علينا، ليس فقط انتظار بروز تخبّـط في سياسات واشنطن الشرق أوسطية، خاصة في غياب أي مبادرة أو مركز ضغط عربي، بل أيضاً توقّع تحقّـق “نبوءة” كوندوليزا رايس، بأن إدارة أوباما “لن تستطيع أن تحيد عن الإستراتيجية الخارجية، التي وضعتها إدارة بوش”.
.. وعقبات أخرى
هذه بعض العيِّـنات عن العقبات التي ستعترض الرئيس الشابّ في خِـضمّ مساعيه لتغيير السياسة الخارجية الأمريكية، لكن هذا ليس كل شيء، وهاكم بعض العينات:
· الوزيرة السابقة كوندوليزا رايس، تتوقع أن لا يكون ثمّـة خِـيار أمام الرئيس الجديد أوباما، سوى أن يحذُو حِـذو الرئيس بوش في مقاربته لقضايا السياسة الخارجية، “على رغم أنه قد يفعل ذلك بطريقته الخاصة”، على حدّ تعبيرها، وهذا سيصح أكثر ما يصح على المسألة النووية الإيرانية.
· الجنرالات الأمريكيون في العراق، يرفعون تقريراً إلى أوباما، يؤكِّـدون فيه أنه من المُـستحيل تنفيذ رغبتِـه في سحب كل القوات الأمريكية من بلاد الرافدين بعد 18 شهراً من تسلّمه السلطة، كما وعد. وفي حال وافق أوباما على هذه التوصية (والأغلب أنه سيفعل)، فهذا سيجعله أيضاً يحذو حزب بوش، الذي وقّـع المعاهدة الأمنية مع بغداد والداعية إلى سحب “مُـعظم” القوات في عام 2011.
· هيلاري كلينتون حدّدت موقف الإدارة الجديدة من المسألة الفلسطينية مؤخراً كالتالي: “يجب أن نتحدّث إلى كل الأطراف، لكن على كل هذه الأطراف أن تعرف بأننا سنقِـف دَوماً مع إسرائيل في نِـضالها من أجل السلام والأمن. أما بالنسبة إلى حماس، فتفاوض الولايات المتحدة معها لن يكون مقبولاً قبل أن تُـدين الإرهاب وتعترف بإسرائيل”، وهذا الموقف يكرّر حرفاً بحرف ما كان يقوله بوش.
· محافظو الحزب الجمهوري الجُـدد والقُـدماء يرحِّـبون بالتعيينات التي أجراها أوباما في وزارة الدّفاع ومجلس الأمن القومي، وحتى في الخارجية، ويعتبرون أنها ستمدّد في الواقع “مبدأ بوش” في السياسة الخارجية، أربع سنوات أخرى.
رئيس حرب؟
كل هذه المُـعطيات تصبّ في حصيلة واحدة: أوباما، حتى ولو أراد أو رغب، لن يستطيع الإبتعاد كثيراً عن حالة العسكرة التي فرضها بوش على التوجّهات الأمريكية في الشرق الأوسط، على رغم كل وعوده بالتّـغيير وبوضع حِـصان الدبلوماسية قبل عربة الحرب.
العكس قد يكون صحيحاً في الواقع: إنه قد يصبح رئيس حربٍ تماماً كبوش، وهذه النقطة الأخيرة، أكّـدها تقرير خطير نشرته مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قبل حرب غزّة وتوقّـعت فيه نشوب حروب أو اضطرابات كُـبرى خلال السنوات الأربع المقبلة من عهد أوباما هي: احتمال انفجار الوضع مجدّداً في العراق وحرب إسرائيلية استباقية على المنشآت النووية الإيرانية وحرب أهلية متجدّدة بين حماس وفتح، يسبقها غزو إسرائيلي لقِـطاع غزة (وهذا ما حدث فعلاً) واحتمال نُـشوب حرب ثانية بين حزب الله وإسرائيل.. ألخ.
بالطبع، إدارة أوباما ستكون مضطرّة، بحُـكم واقع كونها الدولة العظمى الوحيدة في الشرق الأوسط، أن تكون جزءاً من كل هذه الحروب أو الإضطرابات، هذا إذا لم تجِـد ضرورة هي نفسها إلى شنّ حروب جديدة في الشرق الأوسط أو في أفغانستان (كما تعهّـد أوباما أصلاً أن يفعل) أو على الحدود الباكستانية – الأفغانية، لا بل أكثر: ثمّـة مَـن يقول الآن بأن أوباما قد يبحث هو نفسه عن حرب كُـبرى أخرى كوسيلة وحيدة لإخراج الولايات المتحدة من خطر الرّكود أو كارثة الكَـساد الاقتصاديين، وإذا ما صحّ هذا التوقّـع، ربّـما يُثبت عهد أوباما أنه أكثر “مغامرة” من عهد بوش.
نقول “ربّـما”، لأنه من الظُّـلم إدانة الرّجل قبل محاكمته أو معاينة سلوكياته. ومع ذلك، هذه الـ “ربما” متحفِّـظة للغاية، لأن الظروف الموضوعية، خاصة في بيروقراطية أخطبوطية وعِـملاقة كالولايات المتحدة، لا تسمح سِـوى بحيِّـز ضئيل من حرية حركة العوامل الذاتية.
الدليل؟ مصائر كل من أبراهام لينكولن وجون كينيدي ومارتن لوثر كينغ!
سعد محيو – بيروت
واشنطن (رويترز) – تعهد الرئيس الامريكي باراك أوباما بتحسين روابط الولايات المتحدة مع العالم الاسلامي خلال كلمة تنصيبه يوم الثلاثاء 20 يناير 2009، وذلك بعد التوترات التي اعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001 والحروب في العراق وأفغانستان.
وقال أوباما، الذي صار أول رئيس أسود للولايات المتحدة “بالنسبة للعالم الاسلامي.. نسعى لنهج جديد للمُـضي قدما استنادا الى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل”.
وقضى أوباما، وهو مسيحي متديّـن عدة سنوات من طفولته في اندونيسيا، أكبر الدول الاسلامية من حيث عدد السكان. وقال اوباما “إلى من يتشبّـثون بالسلطة من خلال الفساد والخداع واسكات المعارضة، اعلموا أنكم على خطأ، لكننا سنمد يدا اذا كنتم مستعدين أن ترخوا قبضتكم”.
وخلال عهد الرئيس جورج بوش، هيمن التوتر على العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الاسلامية، لاسيما بعد هجمات 11 من سبتمبر 2001.
ويشعر كثير من المسلمين بالغضب بشكل خاص، بسبب الحربين اللتين قادتهما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وانشاء سجن للاجانب المشتبه في كونهم ارهابيين بالقاعدة العسكرية الامريكية في خليج غوانتانامو بكوبا، والذي ينظر اليه كثيرون على انه رمز لانتهاكات حقوق الانسان لسجناء معظمهم مسلمون ارتكبت باسم “الحرب على الارهاب”. ورحب مجلس العلاقات الامريكية الاسلامية بوعد اوباما، السعي الى تحسين العلاقات مع الدول الاسلامية.
وقال نهاد عوض، المدير التنفيذي للمجلس “اننا نأمل ان يساعد هذا التصريح المشجع مع تغير في السياسات السابقة لامريكا نحو العالم الاسلامي على تحسين صورة أمتنا وتحقيق مستقبل آمن مزدهر لكل البشرية”.
وقال النائب الديمقراطي كيث أليسون – وهو أول مسلم ينتخب عضوا بالكونغرس الامريكي – ان تصريحات أوباما مؤشر هام على حسن النوايا تجاه المسلمين في الولايات المتحدة وباقي العالم، وأضاف في تصريح لرويترز “أعتقد أنها يمكن أن تقوض التجنيد للقاعدة”، لان “رسالتهم (القاعدة) تعتمد على محاولة تصوير الولايات المتحدة كشيطان.. كبلد معاد بطريقة او بأخرى للاسلام والعالم الاسلامي”. وقال اليسون إن سعي أوباما للتواصل سيصعب على القاعدة تأكيد رسالتها المناهضة للامريكيين. وتابع أن كثيرا من المسلمين مبتهجون بالفعل لفوز أوباما. وقال “اذا ذهبت الى دمشق أو القاهرة أو القدس اليوم.. يمكن أن تجد قميصا عليه صورة أوباما. الناس مبتهجون بشأن الاحتمالات بخصوص ما يعنيه هذا في أنحاء العالم”.
وقال ان المسلمين في الحي الذي يسكنه، يؤلفون ثلاثة أو أربعة بالمائة من السكان. وبعد انتخابه عضوا بالكونغرس في عام 2006، انتخب عضو اخر مسلم هو الديمقراطي اندريه كارسون.
ووقع نحو 300 شاب مسلم من 76 بلدا رسالة نشرت في صحيفة واشنطن بوست يوم الثلاثاء 20 يناير، تحث الرئيس الجديد على اجراء تغييرات في السياسة تؤدي الى تحسين العلاقات بين العالم الاسلامي والغرب.
(المصدر: وكالة رويتزر بتاريخ 21 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.