إخوان مصر أمام القرارات المصيرية
ربما ليس من المبالغة في شيء القول أن التظاهرات الضخمة التي جرت في مصر أمس الأحد 30 يونيو، غيّرت المشهد السياسي المصري برمته.
ما هي الدلائل على صحة هذا الرأي ؟ إنها كثيرة: فقد فاق حجم التظاهرات التي اجتاحت القاهرة ومعظم المدن المصرية كل التوقعات، وتجاوزت حتى المسيرات التي ساهمت في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. كما أسقطت هذه المظاهرات مقولة جماعة الإخوان المسلمين بأن المعارضة مجرد ضجيج صوتي لاقواعد شعبية له. وهذا أمر اعترفت به الجماعة، حين قال الناطق باسم الرئاسة عمر عامر بأن الجماعة :”لاتقلل من حجم هذه التظاهرات، ولا من حجم المطالب التي طرحها المحتجون”.
علاوة على ذلك، نقلت التظاهرات الصراع السياسي في البلاد من المؤسسات والإدارات إلى الشارع مجددا، بعد أن اعتقد الكثيرون أن ثورة 25 يناير أعادت الإعتبار للسياسة بعد عقود من غيابها على يد الأنظمة السلطوية. والآن، ومع عودة شعار “الشعب يريد”، سيكون الأمر بالنسبة إلى المرحلة الإنتقالية إلى الديمقراطية في مصر بمثابة “عود على ذي بدء” إلى نقطة مجددا.
وأخيرا، يبدو أن سلطة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم بعد التظاهرات، لن تكون كما كانت طيلة السنة الأولى من عهدهم بها. إذ أن معاركهم لن تكون بعد الآن مع البيروقراطية، بشطريها المدني والعسكري، ولاحتى مع مستقبل المؤسسات التشريعية، بل مع مطالب شعبية مباشرة يُرجّح لها أن تتضخم عما قريب من مجرد إجراء انتخابات رئاسية جديدة، إلى المطالبة بنظام سياسي جديد.
دروس.. دروس
كل هذه المعطيات تعني أن الكرة انتقلت كلياً إلى ملعب جماعة الأخوان، التي سيكون عليها الآن أن تتحرَّك بسرعة لاستقاء الدورس مما جرى. وهي دروس كثيرة في الواقع.
كتبت “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها (28 يونيو 2013): “مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية دائماً ما تكون مضطربة ومشوّشة، لكن مع ذلك كان أداء الرئيس مرسي سيئاً للغاية. صحيح أنه ورث انهياراً في الأمن العام، لكنه بدلاً من بناء إجماع يحتاجه لمواجهته، سعى هو والإخوان إلى احتكار السلطة والسيطرة على مؤسسات مثل القضاء”.
بدورها كتبت “نيويورك تايمز”: “المتظاهرون المصريون قالوا إنهم غاضبون من الغياب شبه التام للأمن العام، والحالة اليائسة للإقتصاد المصري، وتفاقم التوترات الطائفية. لكن الواقع أن القاسم المشترك في البلاد هو القناعة بأن السيد مرسي فشل في تجاوز جذوره الإخوانية، وفي أن يكون رئيساً كل المصريين”.
هذه النقطة الأخيرة، أي عجز مرسي والإخوان طيلة السنة الماضية عن بلورة إجماع وطني، قد تكون السبب الرئيس في تحوّل حكم الإخوان من حل أو مدخل لعملية الإنتقال إلى الديمقراطية إلى مشكلة تحتاج إلى حل.
فقد كان واضحاً منذ البداية، وحتى حين فاز مرسي بنصف أصوات المصريين، أن الأزمة الاقتصادية الهائلة في البلاد، حيث نحو نصف الـ85 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر ويسيطر 1 في المائة على معظم مفاصل القطاعات الإقتصادية، تحتاج إلى جهود أسطورية تشارك فيها كل قطاعات المجتمع في إطار خطة تنموية شاملة.
صحيح أن برامج الإخوان المسلمين منذ العام 2005 تتحدث عن الأطر العامة لهذه الخطة، إلا أن مفاوضاتهم مع صندوق النقد الدولي وشروطه، أوحت بأنهم قد يتابعون النهج الإقتصادي السابق لنظام مبارك والمستند إلى قطاعات الخدمات والسياحة والعقارات، وليس إلى مجالات الإنتاج الزارعي والصناعي والتكنولوجي. وبالطبع، فإن الاقتصاد الإستهلاكي غير قادر البتة على توظيف عشرات ملايين المصريين، الذين يُضخ إليهم كل سنة مليون خريج عاطل عن العمل.
وكما في الإقتصاد، كذلك في السياسة. فقد أسقط الإخوان من حسابهم الحقيقة القائلة بأن الإنتخابات وأقلام الإقتراع وحدها، لاتكفي في المراحل التأسيسية لبناء الدول-الأمم. الإجماع الوطني هنا، مجدداً، هو الأساس، لأنه وحده القادر على تحقيق المقبولية الشعبية للنظام الجديد. لكن الجماعة عمدت، بدلاً من ذلك، إلى محاولة التفرد بالسلطة والمؤسسات، الأمر الذي قسم البلاد فوراً في مرحلة من أدق مراحلها التاريخية، لا بل خلق هذا شرخاً حتى في صفوف القوى الإسلامية نفسها، على سبيل المثال، بين الإخوان والسلفيين.
وأخيراً، أثبتت تجربة السنة أولى حكم بأن الإخوان (والرئيس مرسي أيضاً كما دلّ على ذلك خطابه الأخير المليء بإشارات مرض الإرتياب)، لم يتمكنوا بعد من الخروج من شرنقة العمل السري وما يتضمنه من سايكولوجيا المؤامرة، والتقوقع على الذات، والتعاطي مع من هم خارج تنظيمهم على أنه “الآخر” الذي لايمكن أن يكون إلا في صف الخصم أو حتى العدو.
وهذه مسألة في غاية الخطورة اعترف بها لكاتب هذه السطور مسؤول إصلاحي بارز في جماعة الإخوان، خلال لقاء خاص جمعه به مؤخراً في اسطنبول، حين قال: “إن النخبة الحالية في جماعة الإخوان المصرية لم تجاوز الفكرة بأنها تنظيم معارض حتى وهي على رأس السلطة. وهذا ما جعلها تفشل في إقامة التحالفات الضرورية لأي عمل تأسيسي للدولة”.
“انتفاضة الإخوان”
ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أنه يتعيّن على جماعة الإخوان أن تسارع ليس فقط إلى إعادة النظر في مواقفها السياسية غداة المظاهرات المليونية ضدها، بل أيضاً إلى القيام بانتفاضة داخلية لنقلها من عقلية التنظيم السري المغلق إلى عقلية الحزب الجماهيري المنفتح على كل أنواع التحالفات والتسويات والحلول الوسطى.
فكرة حكومة الوحدة الوطنية تبدو خطوة أولى جيدة في هذا السياق. بيد أن هذه يجب أن تترافق مع برنامج طواريء واضح يحظى بإجماع، أو شبه إجماع، وطني، لإعادة فرض الأمن والنظام، وإطلاق عجلة الإقتصاد الانتاجي، وتعديل الدستور لجعله شاملاً للجميع، والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة.
من دون هذا الإجماع، ستكون الحرب الأهلية واردة في كل حين، (على رغم أن الكثيرين يستبعدون حدوث ذلك في مصر التي يعود تاريخ الدولة فيها إلى 7 آلاف سنة)، خاصة إذا ما تمسّك الإخوان بنظرية المؤامرة ضدهم وتأخروا في تقديم عروض التسوية على المعارضة، أو إذا ما واصلت هذه الأخيرة طرح المطالب القصوى من قبيل إطاحة رئيس منتخب شرعياً من السلطة، أو إذا ما قررت الجماعات الإسلامية المتطرفة استخدام السيف لحسم الأمور السياسية.
وبالطبع، المؤسسة العسكرية المصرية ستكون أكثر من سعيدة إذا ماوصلت الأمور إلى الصدام بين الأخوان والمعارضة لأنها، وعلى رغم حصولها على كل ماطلبته من الامتيازات الاقتصادية والحصانة العسكرية في الدستور، إلا أنها لاتثق بالأخوان. وعلى أي حال، هذا كان واضحاً في دعم امن الدولة والشرطة وأجهزة المخابرات الأخرى بشكل علني للمتظاهرين المعارضين، خاصة في القاهرة.
المشهد السياسي المصري، إذاً تغيّر، وبشدة. يبقى الإنتظار الآن لمعرفة في أي وجهة سيسير هذا التغيُّر: نحو الفوضى أم نحو النضج السياسي وتعزيز عملية الإنتقال العسيرة إلى الديمقراطية؟. وفي كل الأحوال، ستكون جماعة الإخوان، بحكم موقعها في السلطة، المعنيّ الأول في الإجابة على هذا السؤال.
(رويترز) – قال عمر عامر المتحدث باسم الرئاسة المصرية يوم الاحد 30 يونيو 2013 إن الرئيس محمد مرسي يعرف أنه ارتكب أخطاء وإنه يعمل على تصحيحها.
وقال عامر: “إن مرسي جاد في دعواته المتكررة لإجراء حوار وطني”.
واضاف عامر في مؤتمر صحفي عقد في ساعة متأخرة من الليل بعد نزول الملايين للشوارع للمطالبة بتنحي مرسي: “إن الرئيس أقر بأن هناك أخطاء في العام الأول من الرئاسة وبالتالي هناك مراجعة للمواقف وهناك قرارات بدأ الفعل تنفيذها وظهور نتائجها يحتاج إلى بعض الوقت”.
وأضاف أن مرسي مد يده للحوار ويريد الإستماع للجميع مكررا دعوات الرئيس السابقة لإجراء حوار وطني وهو ما رفضته المعارضة بوصفه غير جاد.
وقال إن الرئيس “أكد أنه يتطلع إلى تجاوب الجميع مع دعوته لإجراء حوار وطني جاد والرئاسة تنتظر أن يكون هناك تجاوب ولو بسيط حتي يمكن البناء عليه، أما إذا كان هناك رفض لكل شئ فماذا تفعل الرئاسة؟”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 يوليو 2013)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.