إدانة لسوريا أمام مجلس حقوق الإنسان، رغم انقسامات الدول الأعضاء
مجلس حقوق الإنسان يدين في دورته الخاصة حول الأوضاع في سوريا، تصرفات السلطات السورية في قمع المتظاهرين المسالمين وذلك بأغلبية 26صوتا مقابل 9، وامتناع7 دول، وغياب 4.
الجلسة الخاصة التي انعقدت بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية، طوال يوم الجمعة 29 ابريل 2011 لمناقشة الأوضاع في سوريا على ضوء أحداث العنف التي تقوم بها السلطات ضد المتظاهرين المطالبين بمزيد من الحريات والديمقراطية، استطاعت تمرير مشروع القرار رغم معارضة روسية صينية واعتراضات عربية.
الجلسة الخاصة التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية ودعمتها 36 دولة من بينها فرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، واليابان، وبولندا، و سويسرا، والمكسيك، وزامبيا، والسينغال، انتهت الى تمرير مشروع قرار “يدين بشدة قتل واعتقال وتعذيب مئات المتظاهرين المسالمين من قبل الحكومة السورية ، وعرقلة وصول الاسعافات للمصابين”.
كما ينادي السلطات السورية ” بالإفراج الفوري عن معتقلي الضمير، والمعتقلين بشكل تعسفي بما في ذلك مَن كانوا معتقلين قبل هذه الاحداث، ووقف عمليات التهديد، والقمع، والحبس التعسفي التي يتعرض لها الافراد بما في ذلك المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون”.
ويطالب ” بإرسال بعثة لتقصي الحقائق … للتحقيق في ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية ، ولتوثيق الظروف التي تمت فيها تلك الانتهاكات والجرائم ، والتحقق ممن ارتكبها من أجل تقديم توصيات بخصوص اجراءات محاسبة المسئولين ، وتقديم تقرير عن ذلك أثناء الدورة السابعة عشر لمجس حقوق الإنسان…”
نداءات لإقصاء سوريا
وبما أن سوريا ليست عضوا في مجلس حقوق الإنسان، بل تنوي الترشح في شهر مايو القادم، وبالتالي لا يمكن المطالبة بإقصائها، ضمنت الدول الغربية في مشروع قرارها بندا يشير إلى قرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة 60/251 الذي ينص على ضرورة مراعاة سجل البلد الراغب في العضوية في مجلس حقوق الإنسان. مذكرة في نفس الوقت ” بان انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة أخيرا في سوريا يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار أثناء ترشيح سوريا لمجلس حقوق الإنسان”. وتمارس عدة منظمات غير حكومية ضغوطا لعدم قبول عضوية سوريا في مجلس حقوق الإنسان أثناء تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو. ونذكر بأن سوريا تعتبر من مرشحي المجموعة الآسيوية لعضوية مجلس حقوق الإنسان الى جانب الهند وإندونيسيا والفلبين.
محاولات اللحظة الأخيرة للتخفيف من حدة اللهجة
وقد حاولت سوريا تجنيد بعض الدول الصديقة ومن المجموعات العربية والإسلامية ، إن لم يكن لعرقلة تمرير القرار، فعلى الأقل للتخفيف من حدته. وهذا ما تجلى من تدخلات دول مثل الصين وروسيا وكوبا إضافة الى مواقف المجموعات العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمجموعة الإفريقية. وهناك إحساس لدى المراقبين، بعد الاستماع الى تدخلات الدول ” في أن هذه الدورة الخاصة زادت في تعميق الانقسامات بين الدول الأعضاء داخل مجلس حقوق الإنسان”.
ومن التخفيفات التي تم إدخالها على مشروع القرار الأمريكي، بغرض كسب أكبر قدر من الأصوات، إضافة فقرة تطالب الحكومة السورية “بضرورة فتح تحقيق جاد ومحايد يتماشى مع المعايير الدولية ومحاكمة المسئولين عن الهجمات التي استهدفت المتظاهرين المسالمين… بما في ذلك القوات التي تحت إشراف الحكومة”. وقد احتفظ المشروع الأمريكي المعدل، في نفس الوقت، بالفقرة المطالبة بإرسال لجنة لتقصي الحقائق.
ترحيب بتحقيق دولي وتشكيك في الدعم العربي
في الوقت الذي كانت تجاذب فيه الدول حول صيغة مشروع القرار الذي على مجلس حقوق الإنسان اعتماده في جلسته الخاصة لمناقشة الأوضاع في سوريا، كثفت منظمات معارضة سورية ونشطاء حقوقيون دوليون من اتصالاتهم بالوفود لمحاولة ممارسة ضغط بعدم التراجع بغية الحصول على الإجماع، واصرت على ضرورة أن يتضمن القرار كأدنى حد ” إرسال لجنة تحقيق دولية.”
إذ قال الناشط الحقوقي السوري رضوان زيادة ورئيس مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان والذي يقيم في المنفى بالولايات المتحدة الأمريكية، في ندوة صحفية يوم الخميس بجنيف ” إنه من الأهمية بمكان أن يتم إرسال لجنة تحقيق دولية للتحقيق في عمليات القتل، لأنه من غير المتوقع قيام الحكومة بتحقيق له مصداقية ، ونعرف جيدا طبيعة هذا النظام ، وأنه نظام غير قابل للإصلاح”.
وأوضح السيد زيادة امام الصحافة الدولية ” بأن قوات الأمن اطلقت النار على المتظاهرين في 16 مدينة، وكان أكبر عدد من الضحايا في مدينة درعا الجنوبية ومدينة دوما على مشارف دمشق حيت تم إرسال الدبابات لقمع المتظاهرين”.
من شهاداته قوله” أن التاكتيك الأتعس المستخدم من قبل النظام السوري يتمثل في القناصة المتمركزين فوق المباني الحكومية والذين يقومون باستهداف الجميع بما في ذلك سيارات الإسعاف”.
أما بخصوص التوقعات من جامعة الدول العربية على غرار ما اتخذته بخصوص ليبيا فقال الناشط السوري حتى قبل التصويت” لقد فقدنا اية ثقة في الجامعة العربية لأنها اصبحت عبارة عن مؤسسة ضعيفة تتحكم فيها أنظمة استبدادية بدل كونها آلية تحقيق الديموقراطية في المنطقة”. وقد صوتت دولة عربية واحدة ضد القرار وهي موريتانيا بينما امتنعت العربية السعودية وجيبوتي، بينما لم تحضر كل من الأردن وقطر والبحرين جلسة التصويت.
اما منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الدولية، التي مارست ضغوطا من أجل دفع مجلس حقوق الإنسان الى إعطاء إشارة واضحة ، فيبدو أنها حصلت على ما كانت ترغب في تحقيقه” إذ قالت منظمة هومان رايتس ووتش “يجب أن يتوصل الرئيس بشار الأسد برسالة واضحة ولا لبس فيها من مجلس حقوق الإنسان مفادها أن القمع العنيف للمظاهرات السلمية أمر غير مقبول وله تداعيات” مثلما جاء على لسان ممثلة المنظمة في جنيف جولي روفيرو.
يواجه الرئيس السوري بشار الاسد انشقاقا نادر الحدوث داخل حزب البعث الحاكم كما ظهرت علامات على استياء في الجيش بسبب حملة قمع عنيفة لاحتجاجات مطالبة بالديمقراطية قالت جماعة حقوقية يوم الخميس إنها أسفرت عن سقوط 500 قتيل.
واستقال 200 من اعضاء حزب البعث في جنوب سوريا بعد ان ارسلت حكومة دمشق الدبابات لقمع الاحتجاجات في مدينة درعا التي اندلعت فيها انتفاضة ضد حكم الاسد قبل ستة أسابيع.
وقال دبلوماسيون ان هناك بوادر استياء داخل الجيش وغالبيته من السنة في حين ان معظم قياداته من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الاسد.
ودعت جماعة الاخوان المسلمين السورية المحظورة في بيان يوم الخميس السوريين الى الخروج الى الشوارع في احتجاجات للمطالبة بالحرية بينما قالت وزارة الداخلية انه يجب على المواطنين ألا يتظاهروا بدون ترخيص وذلك من اجل حماية “أمن واستقرار الوطن.”
هذه هي المرة الاولى التي توجه فيها الجماعة -التي توجد قيادتها في المنفى- دعوة مباشرة الي مظاهرات في سوريا منذ بدء الاحتجاجات ضد حكم الاسد السلطوي قبل ستة اسابيع.
وتصاعدت الانتقادات للاسد منذ ان قتل 100 شخص في احتجاجات يوم الجمعة ودخلت الدبابات درعا. وتقول الولايات المتحدة انها تبحث تشديد العقوبات على سوريا كما تبحث الحكومات الاوروبية القضية يوم الجمعة.
ودعا وزير الخارجية الاسترالي كيفين رود يوم الخميس الى فرض عقوبات دولية على سوريا بسبب اجراءاتها الامنية القاسية ضد المحتجين وقال ان على الامم المتحدة ان ترسل مبعوثا خاصا الى سوريا للتحقيق في أعمال القتل.
لكن روسيا والصين ولبنان عرقلوا محاولة أوروبية لاستصدار قرار من مجلس الامن الدولي يدين الحملة. وقالت الصين يوم الخميس ان على سوريا أن تحل مشاكلها من خلال الحوار في حين دعت روسيا الحكومة السورية لتقديم المسؤولين عن القتل للعدالة.
وأنحت سوريا باللائمة على جماعات اسلامية مسلحة في أعمال القتل واتهمت ساسة في لبنان المجاور باذكاء العنف وهو اتهام نفوه.
وقال نشطاء حقوقيون ان اطلاق نار واعتقالات وقعت يوم الخميس في الزبداني على بعد نحو 35 كيلومترا جنوب غربي العاصمة دمشق. وقالت المنظمة السورية لحقوق الانسان (سواسية) يوم الخميس ان عدد القتلى في ستة أسابيع من الاحتجاجات ارتفع الى 500 على الاقل.
وقالت سواسية في بيان “نناشد الدول المتحضرة التحرك الفوري لردع النظام السوري واجباره على الكف عن القتل والتعذيب والاعتقال وعمليات الحصار. ويأتي الهجوم العسكري على درعا وحملة الاعتقالات بينما يستمر النظام السوري بعمليات القتل المنظمة ضد شعبه التي أدت الى مقتل 500 مدني على الاقل.”
وتحكم أسرة الاسد سوريا منذ تولى الرئيس الراحل حافظ الاسد -والد بشار- السلطة في أعقاب انقلاب في 1970 . وأبقى بشار النظام السياسي الشمولي الذي ورثه في عام 2000 في حين وسعت الاسرة نطاق سيطرتها على اقتصاد البلاد المنهك.
من خالد يعقوب عويس
رويترز
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.