إندماج الأجانب.. على سويسرا التعلم من تجارب البلدان المجاورة
تحتل سويسرا مراتب متأخرة في قائمة البلدان عندما يتعلق الأمر بسياسات إدماج الأجانب، وبإمكانها ان تستفيد الكثير من الدروس من تجربة السويد التي تتربع على رأس قائمة الدول بحسب مؤشّر سياسة إدماج المهاجرين (Mipex).
فقد شهدت كل من سويسرا والسويد هذا الأسبوع جدلا حول سياسة الاندماج، في شكل رثاء بالنسبة للأولى، وفي صورة احتفال بالنسبة للثانية، وذلك عقب الكشف عن نتائج الدراسة التي أنجزها المجلس البريطاني حول سياسات الهجرة المتبعة في 31 بلدا مختلفا.
وفي الوقت الذي احتلت فيه السويد المرتبة الأولى بحسب مؤشر سياسة إدماج المهاجرين، تراجعت سويسرا ثلاث درجات منذ آخر إستطلاع أنجز سنة 2007، لتحتل بذلك المرتبة 23.
أظهرت هذه الدراسة كذلك أن فرنسا وإيطاليا وألمانيا جميعها حققت نتائج أفضل في مجال الاندماج مقارنة بسويسرا التي فشلت في أغلب الأحيان في الوفاء بمعايير الإتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا.
هذه الدراسة التي أنجزت خلال عام 2010 أخذت في اعتبارها التعديلات القانونية التي أدخلتها سويسرا بشأن ملف الأجانب في الفترة المتراوحة بين بداية عام 2007 ومايو 2010، ومن ذلك التعديلات التي شملها قانون طرد المجرمين الأجانب الذي أقرّ في إستفتاء عام نظمته سويسرا في 28 نوفمبر 2010.
وطبقا لمؤشر سياسة إدماج الأجانب لم يحدث “تغيّرا كبيرا” في سويسرا في تلك الفترة على الرغم من دخول قوانين جديدة حيّز التنفيذ. ولم يبد لأصحاب الدراسة أن هناك اختيارات سويسرية “مشجّعة على الانذماج، ولو بعض الشيء”. فالمهاجرون يواجهون مضايقات عديدة عندما يتعلق الأمر بالإقامة طويلة الأمد، او عندما يطالبون بالجواز السويسري، أو الحق في لمّ شمل العائلة الواحدة. كذلك تحد القوانين السويسرية من فرص الحصول على عمل بالنسبة للأجانب من غير مواطني الإتحاد الأوروبي.
وتحوز سويسرا على ثاني أسوء رصيد في مجال السياسات المكافحة للتمييز من بين البلدان الإحدى والثلاثين التي شملتها الدراسة، حيث لا توجد فيها أي قوانين تحمي ضحايا هذه الممارسات التمييزية على خلاف جميع البلدان الأخرى.
ولم يساعد النظام الفدرالي المتبع في سويسرا على تحسين هذا الوضع. وأشار التقرير إلى أن “الشروط المعقّدة والثقيلة” لقوانين منح الجنسية المتبعة على مستوى الكانتونات “غير مشجعة بالمرة” على الاندماج، ولم يجد التقرير أي إيجابية للنظام السويسري على هذا المستوى. وبلغ الأمر إلى حد التأكيد على أنه “لا يوجد تعريف للإندماج” من الأصل في هذا البلد.
النظام الفدرالي حجر عثرة
هذا التقرير، ترى دنيس إفيوناي مادار، من المنتدى السويسري لدراسات الهجرة والسكان التابع لجامعة نوشاتيل، ترى أنه يمثّل استقصاء مرجعيا، وهي تتفق مع كل النتائج التي توصّل إليها. (ويذكر أن هذا المنتدى هو الذي زوّد أصحاب هذه الدراسات بالبيانات المتعلقة باوضاع المهاجرين في سويسرا).
وتضيف مادار وقد علت صوتها نبرة من السخرية: “أعتقد أن هذا التقرير يعكس الواقع كما هو، حتى وإن كان من الصّعب على سويسرا في بعض الأحيان القبول بأنها ليست الأفضل (بإستمرار)”.
وتابعت في حديث أدلت به إلى swissinfo.ch: “بالطبع توجد العديد من المشكلات، فنظرا لكون سويسرا بلدا فدراليا، متكونا من كانتونات مختلفة عن بعضها البعض، لا يكون هذا الأمر سهلا دائما. قد تقول لي أن الوضع كذلك أيضا في ألمانيا، والنمسا، والولايات المتحدة، لكن المشكلة في سويسرا هو وجود تباينات كبيرة حتى على المستوى الجهوي، فضلا عن التعدد اللغوي الموجود فيها”.
غير أن هذه الخبيرة تتدارك قائلة: “على المستوى الفدرالي، الأمور تسير في الإتجاه الصحيح. ونحن بصدد محاولة تفعيل بعض الإجراءات، لكن يجب الاعتراف بأن هناك اختلاف في وجهات النظر بين بعض الكانتونات والحكومة الفدرالية، وإن كان هذا لا يلغي أن بعض الكانتونات قد حققت إنجازات مهمة في هذا المستوى”.
وقد أقرّ مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الفدرالي) التماسا قانونيا حديثا يدعو إلى توحيد سياسة إدماج الأجانب على المستوى الوطني، وان يتجسد ذلك عبر تنفيذ قواعد وإجراءات موحّدة، ومتفق عليها.
إلا أن بعض الكانتونات، وبعض المجموعات المحلية شككت في جدوى هذه الخطوة، وذهب بعض الساسة المحليين إلى حد رفض تدخل الحكومة الفدرالية في طريقة معالجتهم لملف الأجانب.
دفن الرأس في الرمال
بينما تتزايد مظاهر التمييز العنصري في سويسرا، أشارت مادار إلى أن السويسريين كانوا إلى عهد قريب يتهيّبون من الحديث في هذا الموضوع، ويصل بهم الحال إلى حد رفض الإقرار بحصول أي نوع من التمييز بين الأفراد في ميدان العمل. وإذا كان التطرق إلى هذه المشكلة لم يعد من المحرمات اليوم، فإنه لا تزال هناك مشكلة في كيفية إدارة الحوار حولها، وسبل التقدّم في مكافحتها.
كذلك تقرّ كريستينا هاوسمّان، العضو بمنظمة humanrights.ch غير الحكومية بأن هناك: “مشكلة حقيقية في سويسرا”. وقالت في حديث إلى swissinfo.ch: “ليس لدينا أي قانون يحظر التمييز على أساس من الجنس أو العرق. وليس هناك أي وسيلة قانونية متاحة لرفع شكاوى ضد التمييز الممارس في ميدان العمل أو السكن. كل ما لدينا قوانين عامة جدا، غير قابلة للتنفيذ، لأنه يتوجب على المدّعي توفير الحجج على تعرضه للتمييز، أو يضطر إلى دفع جميع نفقات المحكمة”.
ودائما بحسب هاوسمّان: “في هذه النقطة بالذات، توجد سويسرا في آخر الترتيب، ويوجد نص توجيهي من الإتحاد الأوروبي سبق أن طالب البلدان الأعضاء فيه بسن هذا النوع من القوانين”.
أما منتقدي هذه الدراسة فيرون أنها لا تعكس إلا واقع البلدان التي لها تشريعات واضحة في مجال الإندماج، وبالتالي فهي لا تقدم صورة حقيقية عن مدى تنفيذ سياسات الاندماج على المستوى الميداني.
وقال طوماس كيسلر، الخبير في مجال الاندماج بمدينة بازل السويسرية في حديث سابق إلى صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة في زيورخ: “البلدان التي يشير إليها مؤشر اندماج الأجانب على أنها بلدان نموذجية وناجحة لديها قوانين اندماج مثالية، لكن تلك القوانين شرعت لإعطاء صورة ناصعة على تلك البلدان فقط”.
وبالنسبة لهذا الخبير: “الأداء الاقتصادي هو العامل الأهم في إنجاح الإندماج، والدليل على نجاح مسار الاندماج في سويسرا هو أن المهاجرين الذين يحملون رخص إقامة من صنف B يدفعون ضرائب أعلى قيمة من المواطنين السويسريين”. ودائما بحسب كيسلر: “الكثير من البلدان لديها أفضل القواعد والمبادئ الدستورية حول قضايا الإندماج، لكن الواقع شيئا آخر تماما”.
الإقتداء بالسويد
السؤال المطروح هنا: ما هو الشيء الذي قامت به السويد، البلد النموذج في مجال إدماج الأجانب، ولم يفعله غيرها؟
يجيب عن هذا السؤال طوماس هودلستون، أحد أعضاء مجموعة تنادي بوضع سياسات هجرة عادلة، واحد الذين ساهموا في إنجاز هذه الدراسة: “أعتقد أنه يوجد في السويد توافق وإرادة سياسية للعمل من أجل المساواة في الحقوق وفي الفرص. وقد تم تضمين ذلك في قوانين وتشريعات”.
ومن أبرز نتائج “مؤشر سياسة إدماج المهاجرين” هو أن المهم بالنسبة لسياسات الإندماج، ليس بالضرورة تاريخ البلاد، وكونها أرض هجرة تقليديا، بل الإرادة السياسية المتوفرة لدى حكومتها لإدماج الأجانب”.
وأضاف هودلستون: “في أغلب البلدان الأوروبية، تتاح للعمال المهاجرين الشرعيين فرص الحصول على وظائف، وهو ما يسمح لهم بالمساهمة الفاعلة في بناء إقتصاد هذه البلدان. وبعد مرور خمس سنوات يصبح هؤلاء من المقيمين لمدة طويلة، ومع الوقت تصبح هذه الفئة تتمتع أكثر فأكثر بحماية القوانين المكافحة للتمييز العنصري والعرقي”.
ويختم هودلستون: “أعتقد أن هذه هي أهم النقاط التي يمكن لسويسرا أن تتعلمها من البلدان المجاورة لها”.
يشرف على إنجاز مؤشر سياسة إدماج المهاجرين (Mipex ) كل من المجلس البريطاني ومجموعة سياسات الهجرة، ويساهم في تمويل هذه الدراسة الصندوق الأوروبي لدعم إدماج سكان البلدان الواقعة خارج الإطار الإتحاد الأوروبي. ويقوم هذا المؤشر بدراسة وقياس درجات تقدم عمليات إدماج المهاجرين في جميع البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى النرويج، وسويسرا، وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.
أظهر مؤشر 2010 ان أداء السويد في مجال سياسة الاندماج كان الأفضل تليها مباشرة البرتغال ثم كندا. وأما بقية البلدان التي جاءت في المراتب العشر الأولى فهي: فنلندا، وهولندا، وبلجيكا، والنرويج، وإسبانيا، والولايات المتحدة، ثم إيطاليا.
أسند مؤشر سياسات إدماج الأجانب لعام 2010 لسويسرا 43 نقطة من مجموع 100 نقطة، وبذلك أصبح هذا البلد يحتل المرتبة 23 من بين مجموع البلدان (31) التي شملها التحقيق. وقد تركزت هذه الدراسة على عام 2010، وأشارت إلى أن سويسرا لم تشهد تغيرات كبيرة يمكن ذكرها منذ 2007 في هذا المجال.
على مستوى سياسات الاندماج، لم تحصل سويسرا على نقاط إيجابية تذكر، نظرا لغياب إجراءات فعلية وحقيقية تساعد على الإندماج، مما جعل هذه الأخيرة تأتي في مرتبة متأخرة عن بعض البلدان التي شهدت إصلاحات في هذا المجال.
وجود شروط معقدة للحصول على المواطنة السويسرية وهي “غير مشجّعة بالمرة” على الإندماج، وقد أسندت الدراسة إلى سويسرا في هذا الباب صفر نقطة.
من التضييقات التي يشهدها المهاجرون في سويسرا العراقيل التي تضعها القوانين أمام جمع أفراد الأسرة، بإستقدامهم من البلدان الأخرى. والإجراءات المتبعة في هذا المجال اعقد بكثير مما هو متبع في البلدان الأوروبية المجاورة.
الطلبة المنحدرون من أصول أجنبية يواجهون نفس التحديات للحصول على الخدمات التعليمية مثل ما هو الحال في البلدان الأخرى، لكن تتاح لهم فرص أفضل لدراسة لغاتهم وثقافتهم الأصلية. بمقتضى اتفاقية HarmoS.
هناك تضييق على فرص العمل بالنسبة للأجانب المنحدرين من بلدان من خارج الإتحاد الأوروبي. والنقاط التي حصلت عليها سويسرا في هذا الباب أقل من تلك التي حصلت عليها إسبانيا او إيطاليا مثلا المعروفتان تقليديا بأنهما بلدا هجرة.
بإمكان المهاجرين في سويسرا المشاركة في الاقتراع على المستوى المحلي والكانتوني في بعض الجهات، ويتاح لهم التمتع ببعض الحريات.
توجد في سويسرا أسوأ حماية قانونية ضد التمييز العنصري والعرقي والديني، ولا توجد أي قوانين يمكن ان يستند إليها الأجنبي أو أي مؤسسات يكون قرارها ملزما بهذا الشأن.
(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.