“إنها صفعة للأحزاب السياسية الكبرى”
سجلت الأحزاب السياسية الكبرى تراجعا في انتخابات 23 أكتوبر، فيما عززت تيارات الوسط مواقعها . ويرى استاذ العلوم السياسية جورج لوتس أن انعدام المرونة في الحملة الانتخابية هو الذي أفقد الأحزاب السياسية الكبرى الكثير من الأصوات.
swissinfo.ch: لقد مني حزب الشعب السويسري المعروف في الخارج بدعمه لمبادرة ضد بناء المآذن والمتمسك بخط متشدد ضد الأجانب، بشكل لم يكن متوقعا بهزيمة كبرى. هل فاجأتكم هذه النتيجة؟
جورج لوتس: نعم لقد فوجئت بذلك. لقد كان متوقعا أن يتم على الأقل وقف التقدم الذي كان يعرفه حزب الشعب السويسري. ولكن ما فاجأني هو أنه يُمنى بهزيمة كبرى وأن يتراجع بهذه النسبة من النقاط.
ما السبب في هذه الهزيمة لأكبر حزب سياسي في البلاد؟
جورج لوتس: لم يكن حزب الشعب السويسري وحده بل إن كل الأحزاب الكبرى تمسكت بشدة في حملتها الانتخابية ببرامجها العادية في وقت كان فيه اهتمام الناس منكبا على تأثيرات الأزمة الاقتصادية وعلى تداعيات الفرنك القوي. ومن هذا المنطلق أعتقد بأن الأحزاب الكبرى وبالأخص حزب الشعب السويسري، قد دفعت ثمن تمسكها بموضوع واحد في حملتها الانتخابية.
وماذا يعني ذلك الآن بعد أن لم يتمكن منذ اربع سنوات من التفوق على اليسار . هل يعني ذلك أننا في نهاية المطاف؟
جورج لوتس: جزئيا على ألأقل. فحزب الشعب السويسري يبقى أقوى حزب في الجناح اليميني. كما أنه لم يغير من لهجته أو من قوتها في السنوات الأخيرة. كما أشك في أن يقوم بذلك في المستقبل القريب.
كما أن تيار اليسار هو الآخر ما زال قويا. فالأقطاب سواء من اليسار او من اليمين عرفت توقفا عن التقدم، بل حتى أنها سجلت تراجعا طفيفا. وما نشاهده اليوم هو بعض التشتت في تيار الوسط.
بالفعل لقد عرفت تيارات الوسط تمزقا أكثر رغم أنها أصبحت أكثر قوة. ماذا يعني هذا التمزق بالنسبة لعمل البرلمان؟
جورج لوتس: أعتقد بأن عمل البرلمان سيصبح أكثر صعوبة في معظمه. لقد عرفت قوى معتدلة انقسامات كبرى ، هذه القوى التي كانت في ما مضى تسهر على تشكيل التحالفات، والتي ستضطر اليوم للبحث عن التنسيق فيما بينها على الرغم من اختلاف أهدافها السياسية في أغلب الأحيان.
يُضاف الى ذلك أن على هذه القوى أن تثبت وجودها خلال السنوات الأربع القادمة. وهذا ما سيتم على حساب أحزاب الوسط الأخرى . فهذه الأحزاب لا يمكن أن تشكل تحالفا وتقول ببساطة بأنها تعمل معا بدون تحفظ، بل على كل منها أن يحاول تحديد معالم توجهه السياسي والحدود التي تفصله عن باقي الأحزاب الأخرى. وهذا ما سيعمل على تعقيد عمل البرلمان أكثر.
فقد اختفت الآن مخاوف أحزاب الوسط وبالخصوص مخاوفها من حزب الشعب السويسري . إذ رأينا كيف أن حزب الشعب السويسري رغم ارتفاع نفقات حملته الانتخابية لم يتمكن من هزيمتها في الموضوع الرئيسي لحملته. وبهذا يكون حزب الشعب السويسري قد فقد جانبا من قوة تهديده في الحياة السياسية اليومية.
إذا ما نظرنا للأشياء من الخارج يبدو أن الأمور بقيت على حالها أو لم تعرف تغييرات كبيرة. فقد بقيت الأحزاب السياسية السبع الكبرى في مواقعها. فهل سيعمل هذا التوازن السياسي على شل النشاط في سويسرا؟
جورج لوتس: لا يمكنني قول ذلك. إذ عُرفت سويسرا دوما في الماضي بإحدى نقاط القوة المتمثلة في تواجد قوى سياسية عديدة مرتبطة بالحكومة ولكنها تلعب من حين لآخر دور المعارضة. وهذا ما سيعود بقوة في السياسة السويسرية ويطبعها في المستقبل.
سيتم انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية في منتصف شهر ديسمبر القادم. كيف ستؤثر التغييرات الحاصلة اليوم على هذه الانتخابات المقبلة؟
جورج لوتس: يبدو لي أن الأمور في معظمها اصبحت أكثر انفتاحا. إذ لا يتعلق الأمر بانتخاب أعضاء الحكومة دفعة واحدة لأن النظام الانتخابي السويسري يقضي بانتخاب كل عضو تلو الآخر وهذا يعني أنه يجب الحصول على الأغلبية بالنسبة لكل عضو.
وحتى حزب الشعب السويسري عليه البحث عن استمالة الأغلبية إذا ما رغب في ترشيح أحد أعضائه لمنافسة وزيرة المالية إيفلين فيدمر – شلومبف من الحزب البورجوازي الديمقراطي (كانت عضوا سابقا في حزب الشعب – التحرير). وهو ما قد يصعب تحقيقه خصوصا في الأدوار النهائية من عملية التصويت. وهذا ما قد ينبئ بإمكانية بقاء التشكيلة السياسية على ما هي عليه حتى بعد الإنتخابات .
في تونس كانت نسبة المشاركة في الانتخابات في حدود 70%، أما في سويسرا فلم تتجاوز الخمسين بالمائة . ما السبب في ذلك؟
جورج لوتس: الأوضاع في سويسرا تعتبر أكثر استقرارا، والتغييرات التي حدثت ليست قوية بالمقارنة مع ما يحدث في العالم. وبالتالي قد تنتج عن ذلك حكومة مستقرة نسبيا.
وفي سويسرا بإمكان الناخب أن يعود من حين لآخر الى صناديق الاقتراع في تصويت مباشر لإبداء رأيه في كل القضايا. هذه كلها عوامل تشرح أسباب بقاء نسبة المشاركة في سويسرا متدنية لهذا الحد.
حزب الشعب. بحصوله على 26،6% بقِـي اليمين المحافظ والشعبوي بعيدا عن الوصول إلى 30%، وهو الهدف الذي رسمه قادة الحزب في بداية الحملة الانتخابية، مع ذلك، يظل الحزب الأول في البلاد بحصوله على 54 مقعدا في مجلس النواب، أي أنه خسِـر 8 مقاعد مقارنة بعام 2007، وهي المرة الأولى التي يتراجع فيها منذ انطلاق مسيرته المظفرة عام 1991.
وسط اليمين. تعزّز، لكنه تفتّـت. فقد تمكّـن الخُـضر الليبراليون والحزب البورجوازي الديمقراطي من الظفر مجتمعيْـن بـ 21 مقعدا وبأكثر من 10% من أصوات الناخبين. في الأثناء، واصل الحزب الديمقراطي المسيحي تراجُـعه وخسِـر 3 مقاعد. أما الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي أشارت التكهنات إلى احتمال تكبُّـده خسارة كبيرة، فقد اكتفى بفِـقدان 5 مقاعد ولم يعُـد يتوفّـر إلا على 30 مقعدا.
اليسار. بقـي الحزب الاشتراكي مستقِـرا، حيث تحصّـل على 46 مقعدا (بزيادة 3 مقاعد) وعلى 18،7% من أصوات الناخبين. أما الخُـضر، فقد خسِـروا 5 نواب ليقتصر عدد ممثليهم في مجلس النواب على 13، في حين تراجعت نسبة الناخبين الذين صوّتوا لهم إلى 8% (مقابل 9،6% قبل أربعة أعوام).
مجلس الشيوخ. لا زالت النتائج غير نهائية، حيث لم تسمح النتائج المُـعلن عنها يوم الأحد 23 أكتوبر إلا بتحديد أسماء الفائزين بـ 27 مقعدا من بين 46. في المقابل، سيحسِـم الدور الثاني، الذي ينظم على فترات متباعدة تُـختتم يوم 4 ديسمبر، النتيجة النهائية للمقاعد الـ 19 المتبقية.
تشهد سويسرا تنظيم انتخابات برلمانية كل اربع سنوات.
يعتمد النظام الانتخابي السويسري على مبدأ النسبية: ولا يبدي الناخبون من الشعب رأيهم في اختيار الأحزاب او المرشحين من أحزاب بحالها فحسب، بل في الاختيار حتى بين المرشحين من نفس الحزب.
يتألف البرلمان السويسري من 200 مقعد لمجلس النواب، و 46 مقعد لمجلس الشيوخ (يسمى أيضا مجلس الكانتونات).
توجد في الوقت الحالي خمسة أحزاب ممثلة في الحكومة الفدرالية: الحزب الليبيرالي- الراديكالي والحزب الاشتراكي كل منهما بممثلين، وحزب الشعب السويسري، والحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب البورجوازي الديمقراطي كل بممثل واحد.
(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.