الأردن على أبواب عام جديد.. بين استذكار أزمات 2010 والتفكير فيما هو آتٍ!
مع بداية العام المُـقبل، من المتوقَّـع أن تكون الحكومة الأردنية، برئاسة سمير الرفاعي، قد اجتازت امتحان الثقة النيابية، السَّـهل والمحسوم سلفاً من مجلس النواب الجديد الوديع والمسالم، بمعدّل مرتفع جداً من الأصوات، يكاد يكون من الأعلى نِـسبةً، منذ عودة الحياة النيابية عام 1989.
عندما يجلس الرفاعي (رئيس الوزراء) في ليلة رأس السنة، محتفِـلاً بالثقة النيابية العالية ويستعيد شريط العام الماضي، فسيأخذ نفَـساً عميقاً، مغمِّـضاً عينيه ومُـستحضِـراً أزمة المعلِّـمين، التي تسبب بها وزير التربية والتعليم السابق، الذي أفلَـت لسانه بعبارات مُـسيئة للمعلمين، ففتح الباب لأكبر حركة لهُـم في تاريخ المملكة، تطالب بحقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية.
وإذا حرّك الرئيس رأْسه وخرَج من كابوس تلك الأزمة، فستقفِـز أمام عينيه حركة المتقاعِـدين العسكريين الجديدة، التي قدّمت خِـطاباً سياسياً معارضاً غيْـر مسبوق، وشكَّـلت له إزعاجاً كبيراً لحساسية المِـساحة السياسية والأمنية التي تتحرّك فيها.
من ثمّ، إذا خرج من هذه وتلك، فإنّه سيصطدِم بذاكرة عمّـال المياومة، الذين أنهت وزارة الزراعة خَـدماتهم، فاعتصموا أمام الديوان الملكي ورئاسة الوزراء وأصبحوا قضية رأيٍ عام في الإعلام، المحلي والخارجي.
عام صعب على كل الأصعدة
بلا شك، لم يكُـن عاماً سهلاً على الإطلاق، فشريط الأزمات يشمَـل أزمته مع الإعلام الإلكتروني الجديد، عندما اصطدم معه، فألّب عليه الإعلاميون الإلكترونيون، الفضاء الداخلي والخارجي، وتدخَّـلت جهات حقوقية عالمية ومحلية ودبلوماسية، لتعديل قانون الجرائم الإلكترونية.
سيضع الرئيس يده على فمِـه وأنفه، متأمِّـلاً في الأزمة الاقتصادية العاصفة التي وجدها أمامه في اليوم الأول من التشكيل، والمناورة التي أجراها وزير ماليته المحنّـك مع أرقام العجز والمديونية المرتفعة، وساحة المناورة الأهَـم مع الإعلام والرأي العام، لتمرير جملة من السياسات التي تَـزيد الضغوط والعِـبء الاقتصادي على المواطنين، الذين يعانون أصلاً من انخفاض القوّة الشرائية للدِّينار الأردني، أمام حجم الغلاء والرسوم والضرائب المُـرهقة.
حتى الانتخابات النيابية، التي أجراها مؤخّراً وكان يطمح أن تكون علامة مسجّـلة له في تاريخه السياسي، لم تمُـر بسلام وأمان، وكانت هنالك منغِّـصات كبيرة عليه: أولاً، مقاطعة الإخوان المسلمين، الحركة المعارضة الكُـبرى في البلاد، وقد تسبّب ذلك له بفِـقدان البريق السياسي للانتخابات وغِـياب المعارضة التقليدية، وبإضعاف نِـسبة مشاركة “الأردنيين من أصْـل فلسطيني” في الاقتراع، ومن ثَـم، انخِـفاض تمثيلهم في المقاعد البرلمانية إلى نسبة 15% فقط.
ولم يسلم الرئيس يوم الانتخابات وما تلاه من عوْدة الاحتجاجات الشعبية على النتائج ومن العنف الاجتماعي، وأصرّ الشباب المحتقن في مدينة السلط أن يذكِّـره قبل نهاية العام بأزمة العنف الاجتماعي، وجاءت مباراة الفيصلي والوحدات، حين اعتدى الدرك على جمهور نادي “مخيم اللاجئين”، لتسدل الستار مؤقتاً على عام الأزمات وتفتحه بعد قليل على عام جديد، لن يكون بالضرورة أفضل حالاً من العام السابق!
القادم ليس أسهل: أزمات تلِـد أخرى!
أكاد أرسم ملامح وجه الرئيس وهو يتذكّـر – عشية عام 2011 – تلك الأحداث والزوابع التي مرّ بها، فسيشَـبِّك يديْـه وراء رأسه ويعيد ظهره قليلاً إلى الوراء، ثم يأخذ نفَـساً عميقاً ويسأل نفسه: ماذا ينتظرني في العام المقبل إذن؟ هل سيكون أقل توتراً أم أنّ الأزمات والصعوبات ستبقى تُـلاحقني وتُـؤرقني وتمنَـع عن جفوني النوم الهادئ؟!
عند هذه اللحظة تحديداً، سيغيِّـر جلسته ويحرّك يديه من خلف رأسه ويفرك جبينه بهما، ويفكّر فوراً في الأزمة المالية المُـستمرة ومشروع الموازنة والطريقة التي يُـمكن للحكومة أن تتعامل بها، لإبقاء العجْـز تحت سقْـف معيَّـن، فلا يتجاوز الحدّ المقبول بالنسبة للموازنة، ويفكّر في الطريقة التي يواجه بها المديونية، من دون زيادة العجز ومن دون الاضطرار إلى دُيون أخرى مرتفعة.
ذلك يعني مزيداً من الضرائب ورفْـع الدّعم عن سِـلع أساسية أخرى، سيغمض عينيه ويتصوّر ردود الفعل المتوقَّـعة فيما إذا أعادت الحكومة فتْـح ملف رفع الدّعم عن “أسطوانة الغاز”: ماذا سيكون موقف البرلمان؟ بالتأكيد سيُـغازِل الشارع ويؤجِّـج العواطف ضدّ الحكومة. فالنائب لا يريد أن يفقد قاعدته الاجتماعية لعُـيون الرئيس، ولم يبْـق للحكومة أي مغانِـم تقدّمها للنواب مع “مدوّنة السلوك” بين المؤسستيْـن، التي تمنع القنوات الخلفية والعلاقات الجانبية لتمرير المشاريع والسياسات.
ماذا لو انطلقت شرارة مِـن هنا أو هناك في هذه الأجواء الاجتماعية والسياسية المحتقنة، وقام بعض الناس بإشعال خيْـبات الأمل والمخاوف في الشارع وفي المدن المقلقة (الجنوب والسلط)؟! سيقول الرئيس في نفسه “إنّه سيناريو أسوَد بلا شك”، وسيستحضر فوراً في ذاكرته انتفاضة الجنوب ضد والِـده، عندما كان الأخير رئيساً للوزراء في عام 1989، حين انهار الدِّينار وانفجرت الاحتجاجات حتى أسقطت حكومة والِـده، ولن يغيب جدّه سمير الرفاعي، الأول عن هذا الشريط، وقد عجز عن الحصول على ثقة البرلمان واستقال، ثم حُـلّ البرلمان حينها.
قضية “موارد”
سيغمض الرئيس عينيه، ويحرّك رأسه يميناً ،هرَباً من هذا السيناريو، ليفتحهما مرّة أخرى متذكِّـراً أنّ هنالك قضية فساد كبيرة وخطِـرة عنوانها “موارد”، تمسّ أموال القوات المسلّحة الأردنية وتشكّل اليوم كابوساً مقلقاً، إذ مطلوب من الحكومة تسديد القروض الكبيرة على الشركة، فيما لم تفلِـح محاولات الحكومة بإقناع الضمان الاجتماعي بشراء بعض المشاريع الفاشلة للمؤسسة المُـتداعية.
على صعوبة الجانب المالي، فإنّ الجانب السياسي والإعلامي في القضية، أخطَـر. فمَـن هم الأشخاص الذين سيُـحوَّلون إلى القضاء على خلفِـية هذه القضية؟ وهنالك أسماء كبيرة ورفيعة، سيردِّد مرّة أخرى الأسئلة التي تطارد القضية منذ اليوم الأول: “كيف يمكن تكييفها، قانونياً وسياسياً، لإبقاء أشخاص وإخراج آخرين؟ كيف سيتعامَـل الإعلام والبرلمان مع الموضوع؟ ومِـن ثمّ، هل سنضع المتَّـهمين إلى جِـوار زملائهم المتَّـهمين في قضية توسِـعة المصفاة من كِـبار المسؤولين في سجن سلحوب الفاخر الجديد؟ حسناً، ماذا لَـو خرج فهد الخيطان أو ميسرة ملص أو موقع إلكتروني غاضب، وأثار موضوع هذا السِّـجن ومدى العدالة والمساواة بين الناس في السجون، كيف سنبرِّر ذلك؟
بالتأكيد، لا يريد الرئيس أن ينغِّـص على نفسه هذه الليلة الجميلة والاستراحة القصيرة بين العاميْـن، سيفرك عينيه ويحرّك رأسه يساراً لنسيان قصة “موارد”، لكن ذلك لن يشفع له من الهروب من هاجسه الأكبر، مصير الحكومة وإلى متى سيبقى رئيساً للوزراء وهل سيقوم بدفع فاتورة الأوضاع الاقتصادية كامِـلةً والأزمات السياسية ثمّ يقدّم للرئيس المقبل “كرسي الرئاسة” على طَـبق من ذهب؟ وماذا سيفعل بعدها؟ هل سيبقى مطروحاً في المستقبل في العمل السياسي؟ أم أنّ قاعدة “عدم عودة رؤساء الوزراء في عهد الملك عبد الله الثاني”، تنطبق عليه هو أيضاً؟!
سنة جديدة وأزمة مُـزمنة
هذه الأسئلة تُـرهق الرجل في ليلة رأس السنة، لكنه بحاجة إلى نصيحة مُـخلِـصة وصادقة: “ماذا أعمل؟!”، لا يريد هذه المرة استشارة والِـده المُـخضرم في السياسة الأردنية. فهو يعرف رأيه جيّداً. مَـن يمكن أن يسأل هنا؟ يرفع الهاتف على أحد أبرز الكتّـاب والمعلّـقين السياسيين المعروف بمواقفه الجريئة، مع فهد الخيطان..؟
ماذا نتوقع أن يجيبه الخيطان، يقول “التحدّي الحقيقي أمام الرئيس في مواجهة كل تلك الأزمات، هو أن يدير شؤون الحُـكم بأقصى قَـدر من النزاهة والشفافية وأن يخْـطو خطوات نوعِـية وحقيقية باتِّـجاه الإصلاح السياسي وبصورة خاصة في مجال مكافحة الفساد”.
يضيف الخيطان في نصيحته (تصريح خاص بـ swissinfo.ch) “التركيز على الجانب السياسي قد يعوِّض أو يُـوازن الجانب الاقتصادي، الذي لا تملك الحكومة فيه حلولاً سحرية. والتقديرات كافة، تشير إلى أنّ العام المقبل أصعَـب وأسوأ اقتصادياً من السابق. فمجال الإنجاز الحقيقي والانتصار النوعي للرئيس، هو في المُـضي في إصلاح سياسي جاد وإثبات النزاهة ومكافحة الفساد والشفافية. فهذه ستمنحه دعماً قوياً في مواجهة ملفّـات أكثر صعوبة”.
يفكّر الرئيس في نصيحة الخيطان ويسأل نفسه: “هل يمكن فِـعلاً تحقيقها؟! ثم يفيق من هذا التفكير العميق مع إعلان ساعة بداية عام 2011، وإلى جواره أصدقاءه من الوزراء: أيمن الصفدي وفارس قطارنة وزيد القسوس ورجل الأعمال وائل قعوار، يقولون له “عام جميل دولة الرئيس”، يجيبهم “حتى وإن كان كذلك، فلن يكون سهلاً على الإطلاق؟!”
عمان (رويترز) – دعا العاهل الأردني الملك عبد الله يوم الأحد 28 نوفمبر 2010 إلى تعديل قانون الانتخابات الأردني، الذي سيوسِّـع دائرة التمثيل، بعد انتخابات قاطعها الإسلاميون وقابلها الناخبون في المدن الكبرى بعدم الاكتراث.
وقال العاهل الأردني أمام الاجتماع الأول للبرلمان المنتخَـب حديثا والذي يضُـم 120 مقعدا سيْـطر عليها الموالون للملك من أبناء القبائل، إن الحاجة إلى قانون انتخابات دائم يوسِّـع التمثيل، أصبحت ملحة. وقال الملك عبد الله “ستعمل حكومتِـي على إيجاد الظروف الكفِـيلة بتطوير الحياة السياسية في شتّـى مظاهرها”.
وأعاد الملك، الذي يملك سلطات واسعة في تعيين الحكومات وحلّ البرلمان، تعيين رئيس الوزراء سمير الرفاعي الأسبوع الماضي، ليعطيه فرصة أوسع للتصدّي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية المُـتزايدة.
ويضيق قانون الانتخابات الحالي من تمثيل المدن الكبرى، وهي معاقل الإسلاميين والفلسطينيين لصالح مناطق بالكاد مأهُـولة بالقبائل المحافظة، التي تنحاز للمِـلكية والنظام التقليدي للقانون.
وشهدت الانتخابات لا مبالاة من الناخبين في المدن الكبرى، بينما جاء إقبال الناخبين في المناطق القبلية مضاعفا.
ويدعو الإسلاميون والليبراليون وكذلك عدد من شيوخ القبائل إلى تعديل القانون، الذي يقولون إنه يضمن تلاعُـب السلطات في النتائج لصالح المُـوالين للحكومة وتعميق المنافسة بين عشائر القبيلة الواحدة.
واندلعت أعمال الشغب المناهضة للحكومة في عدد من المناطق الحضرية والبدوية في الأيام التالية على الانتخابات، احتجاجا على نتائج بعض رموز القبائل الذين يزعمون أنها دليل على التدخّـل الحكومي.
ويقول محللون إن التشكيل الموالي للملك في البرلمان، يعني أنه من غيْـر المُـحتمل أن يتصدّى لالتزام الملك عبد الله باتفاق السلام مع إسرائيل الموقَّـع عام 1994.
وأدت مقاطعة الإسلاميين للانتخابات إلى تقليص هيمنة النواب الأردنيين، الذين تعود أصولهم إلى الضفة الغربية، ليهبط التمثيل إلى 13 نائبا فقط يمثلون أغلبية سكان الأردن، البالغ عددهم ما يقرب من سبعة ملايين نسمة.
ويخشى العديد من الأردنيين أن يؤدّي ضعف البرلمان إلى إذعان الأردن إلى تسوية للنزاع العربي – الإسرائيلي، لا تضع في الاعتبار عودة اللاجئين وتقبل التوطين الإجباري للعديد من المواطنين من أصل فلسطيني في الأردن.
ومن المتوقع أن يتبنى البرلمان الجديد سياسات اقتصادية صارمة تقرها الحكومة، التي يعيِّـنها الملك بهدف زيادة النمُـو وخفض العجْـز في الميزانية، الذي وصل للمرة الأولى إلى ملياري دولار.
وأكد الملك عبد الله على “ضرورة أن يواكب الإصلاح الاقتصادي، إصلاح سياسي يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.