“الإتحاد من أجل المتوسط” يتعثر.. ومسارات التعاون الثنائي والإقليمي تتطور
انْـهار المشروع الإسباني - الفرنسي لإخراج "الإتحاد من أجل المتوسط" من غرفة العِـناية المركّـزة وضخّ دماء جديدة في شرايينه.
فقد ألغت مدريد، التي تَـرأَس الإتحاد الأوروبي، القمّـة التي كانت دعَـت إليها في برشلونة في السابع من يونيو المقبل، بعدما جال وزير خارجيتها ميغال أنخيل موراتينوس على العواصم العربية المعنية، لإقناعها بحضور القمة، على رغم إصْـرار أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي وزعيم الحزب المتطرف “إسرائيل بيتنا”، على حضور القمة المتوسطية، ضِـمن الوفد الذي سيقوده نتانياهو.
استخدم موراتينوس كل ما لديه من دهاء وحِـنكة واستثمر صداقاته مع الحكومات العربية، التي نسجها بأناة، أيام كان موفدا دائما للإتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، لكن الحكومات العربية التي أعلنت أنها ستمتنِـع عن الحضور إذا شارك ليبرمان في القمّـة، لم تكن تملك مَـخرَجا من الإحراج الشديد الذي سبّـبه لها تصريح الوزير الإسرائيلي من طوكيو، حيث أكّـد أنه سيذهب إلى برشلونة وأن “لا أحد يُـمكن أن يُـملِـي على الدولة العِـبرية تشكيلة وفدها”.
ربما كانت هذه المعركة، التي ارتدت لبوس الدبلوماسية، في مثابة الشجرة التي تُخفي غابة الخلافات المتوسطية، وهي بالأساس خلافات عربية – أوروبية قبل أن تكون عربية – إسرائيلية. وما من شك بأن التجاذب الحادّ الذي حصل حوْل تلك المسألة، أعطى صورة عن نُـكهة الأجواء التي كانت ستسود القمّـة، لو انعُـقِـدت.
وبدا واضحا أن الموقف من حلّ الصِّـراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كان سيشكل مجدّدا العُـبوَة الموْقُـوتة التي ستنفجِـر بين أيدي المنظِّـمين وتقضي ربّـما على “الإتحاد من أجل المتوسط” نهائيا، مثلما أطاحت بمسار برشلونة، وفي أفضل الحالات، كان مصير القمة سيكون مُـشابها للقمة التي دعت إليها إسبانيا في الذكرى العاشرة لمؤتمر برشلونة سنة 2005، والتي قاطعها جميع الزّعماء العرب، عدا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ومع هذا الإخفاق الجديد، أصبحت الخُـطوات التي اعتَـقد الأوروبيون أنهم حقّـقوها باختيار برشلونة مقرّا دائما لأمانة “الإتحاد من أجل المتوسط” وتسمية الدبلوماسي الأردني أحمد مساعدة أمينا عاما له، إطارا أجْـوَف بلا فاعِـلية تُذكر.
فرصة مهدورة؟
مع ذلك، يتحسّـر كثيرون على فشل محاولة عقد القمة الأورو- متوسطية الثانية ويروْن أنها كانت ستُـشكِّـل أفضل إطار لدفْـع المشاريع الإقليمية الكُـبرى، “التي أشبعت دراسة وآن أوان تجسيدها”، كما قالت لـ swissinfo.ch وزيرة العدل الفرنسية السابقة إليزابيت غيغو.
كانت غيغو، النائبة الحالية والتي تقلّـبت في مناصب وزارية مُـختلفة طيلة حُـكم الاشتراكيين المديد في فرنسا، تُـشارك في مؤتمر اقتصادي في تونس، عندما ورد نبأ إلغاء قمة “الإتحاد من أجل المتوسط”. تألّـمت للإلغاء وشرحت أسبابه البعيدة التي عزَتها إلى “أن أوروبا والمتوسط وإفريقيا، مرشّـحة لتكون ثلاثة دوائر تشكِّـل أحد الأعمِـدة الفِـقرية للنظام الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين”، واعترفت بأن سياسة الجوار الأوروبية تُـراوح مكانها، على رغم أن الإتحاد الأوروبي رصَـد لها اعتمادات بـ 600 مليون يورو سنويا، واعتبرت أن المشاريع الكُـبرى الموضوعة على جدول الأعمال المتوسطي، مهِـمّـة جدا للجانبيْـن في المستقبل، وهي “الخطّـة الشمسية المتوسطية” الرّامية لتوسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية ومصادِر الطاقة المتجدِّدة الأخرى والطُّـرقات السيارة البحرية، التي ستُـنشِّـط النقل بين موانِـئ الضفّـتيْـن، وإزالة التلوث من المتوسط وتأسيس بنك متوسطي وإنشاء قناة تلفزيونية متوسطية، بالإضافة إلى التعاون في مجال الحماية المدنية.
وحذرت وزيرة العدل السابقة من أن الفشل النِّـهائي لمشروع الإتحاد من أجل المتوسط، “سيُـهمِّـش المنطقة ويُحوِّلها إلى ضاحية تعيش على أطراف العوْلمة وبمُـستوى نمُـو خفيض، ممّـا يُعقِّـد مشاكل البطالة والفقر والهجرة، التي تنخر بنيانها أصلا”، لكنها حثّـت الأوروبيين أيضا على التمسُّـك بجنوب المتوسط، بوصفه الامتداد الطبيعي لأوروبا، مُذكِّـرة بأن وزْن سكان القارّة العجوز (500 مليون نسمة)، الذين يمثلون حاليا 8% من سكان العالم، سيتراجَـع إلى 5% فقط في غضون نِـصف قرن، ممّـا يُحتِّـم في رأيها، الاتِّـكال على الشراكة مع جنوب المتوسط والقارّة الإفريقية (1.8 مليار ساكن)، لإيجاد توازُن مع الكُـتل الدولية، التي يُحتَـسب سكانها بمليار نسمة فأكثر.
فهل تعني هذه الحماسة أن الوزيرة الاشتراكية، التي تحتلّ اليوم موقِـعا قياديا في الحزب الاشتراكي الفرنسي المُـعارض، تُؤيِّـد مشروع غريمها اليميني ساركوزي، الذي أطلق هذا الإتحاد من باريس في 2008؟ لم تَـر غيغو غضاضة في الردّ على السؤال بالإيجاب، مُعتبِـرة أن الإتحاد مشروع إستراتيجي يستجيب لدوافع تاريخية وسياسية واقتصادية، “ممّـا يجعله يتسامى على الخِـلافات بين اليسار واليمين”.
وذكّـرت في هذا السياق، بأن الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، دافع عن رؤية مُـماثلة تجمَـع بين أوروبا والمتوسط وتكون مقدِّمة لتكامُـل بين إفريقيا وأوروبا لاحِـقا، في عالم تتنازعه المصالح الاقتصادية بين الكُـتل المتنافسة، غير أن هذه الفِـكرة تبدو غيْـر واقعية، لأنها مبْـنِـية على التمنِّـيات، وليس على واقِـع التحفّـظات العربية على المشاركة في أيّ مسار مع الأوروبيين، تكون إسرائيل طرفا فيه.
وأكّـد وزراء خارجية دول عربية عِـدّة، من بينهم الوزير الجزائري مراد مدلسي أنه “لا يمكننا الجلوس على مائدة واحدة إلى جانب عُـضو في الإتحاد (من أجل المتوسط)، يعتدي على عُـضو آخر في الإتحاد نفسه ويضطهد شعبه”، وحتى لو انعُـقِـد المؤتمر، فإن مصادِر فرنسية وعربية مُـختلفة شكّـكت في عقْـده في مستوى القمّـة، لأن الجزائر تركت مشاركتها معلّـقة وتونس لم تكُـن متحمِّـسة للقمة، لأنها لم تحصل على منصب الأمانة العامة للاتحاد، الذي أسنِـد للمرشّـح الأردني، فيما تغيب العاهل المغربي الملك محمد السادس عن حضور القمة الأولى في باريس.
وكانت صحيفة “الباييس” الإسبانية، أول من تنبّـأ في عددها الصادر يوم 12 مايو 2010، بإخفاق الجهود الرامية لعقد القمة الأورو – متوسطية، موضِّـحة أن الدول العربية لم تكن مُعترِضة على حضور وفد إسرائيلي أعمال القمة، وإنما على وجود ليبرمان ضمن ذلك الوفد. ويُـمكن القول أن إسبانيا كرّرت ما فعلته فرنسا، حين ألغت في أواخر السنة الماضية مؤتمراً لوزراء خارجية دول البحر المتوسط، كان مفروضاً عقده في اسطنبول، بعد فشل الجهود الفرنسية لإقناع مصر بسحب معارضتها مشاركة ليبرمان في المؤتمر.
فراغ مؤسّـسي
غير أن جان باتيست بوفي، الباحث الفرنسي في “معهد توماس مور” للأبحاث الإستراتيجية في بروكسل، قلّـل من أهمية الإخفاق في عقد مؤتمر مدريد المتوسطي، مشيرا إلى أن ذلك “لن يمنع المشاريع المتّـفق عليها من التقدّم على سكّـة الإنجاز”، بل رأى بوفي أن الخلافات الناشئة عن محاولات عقْـد اجتماعات “الاتحاد من أجل المتوسط”، صارت هي الأخرى إحدى العقبات الهامة أمام التعاون الإقليمي، “الذي كان يمكن أن يتقدّم في قطاعات فنية عديدة من دون غطاء سياسي من القمم أو الاجتماعات الوزارية”، على حدّ قوله في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، لكنه اعترف بوجود “فراغ مؤسّـسي” على الصعيد المتوسطي، بسبب غياب أي إطار جامِـع لدول المنطقة، على غِـرار منظمة “أسيان” في جنوب آسيا أو “مركوسور” في أمريكا الجنوبية.
وفي مقارنة مع مسار البناء الأوروبي، أشار إلى أن بُناة الوحدة الأوروبية بدؤوا بحلّ الصراعات وتكريس الصّلح، بعد حروب مدمّـرة، ثم أقاموا تعاونا في مجال الحديد والصّـلب، قبل أن ينتقلوا تدريجيا إلى مراتِـب أعلى.
ودعا بوفي إلى التخلّـي عن النظرة الطوباوية للمتوسط، باعتباره عالَـما موحدا متجانسا مُستجليا عدة وحدات إقليمية تؤلف هذا الفضاء الفسيح، من بينها مجموعة 5 + 5 التي تضُـم بلدان الحوض الغربي للمتوسط (وهي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال ومالطا من الضفة الشمالية، ثم الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وليبيا من الجنوبية)، ورأى أنها تحمل مقوِّمات التَّـكامل والاندماج، أكثر من سِـواها، إذ تتوق إسبانيا لإبرام اتفاقات أوسع مع الشركاء المغاربيين ضِـمن مجموعة 5+5 تطاول التصدّي للهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والمخدرات.
ومن هذه الزاوية، كان الإجتماع السنوي الأخير لوزراء خارجية هذه المجموعة في تونس، مؤشرا قويا على حدودها، رغم أنها لا تواجه العراقيل التي واجهها مسار برشلونة والإتحاد من أجل المتوسط، فهم لم يستطيعوا الاتفاق على عقْـد قمة ثانية للمجموعة التي أبصرت النور في تونس في عام 2003، لكنهم تعهَّـدوا بتوحيد جهودهم لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وكان لافتا أن ستيفان فولي، مفوّض الإتحاد الأوروبي المكلَّـف بمسار التوسعة والجِـوار، قد حضر الاجتماعات إلى جانب الحبيب بن يحيى، الأمين العام للإتحاد المغاربي، بصفتهما مُـراقبيْـن. واستطاعت البلدان العشرة أن تحافِـظ على وتيرة سنوية للإجتماعات الوزارية، التي تشمل وزراء الداخلية والدفاع والخارجية والهجرة والتربية.
وتركّـزت مطالب الوزراء المغاربيين في اجتماع تونس، على حثِّ الاتحاد الأوروبي على الاضطلاع بدوْر أكبَـر في “تعزيز مسار الاندماج المغاربي، من خلال تقديم دعْـم مالي خصوصي، لرفد جهود الاندماج الإقليمي والمساهمة في تمويل المشاريع المغاربية المُـشترَكة في المجالات الحيوية، مثل الطاقة والبنية التحتية والبحث العلمي”.
وتحدّثوا عن ضرورة إنشاء “مجلس اقتصادي ومالي أورو – متوسطي”، بمشاركة حكَّـام المصارف المركزية، لتعزيز الشراكة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، كما حثُّـوا أيضا على تأسيس بنك أورو- متوسطي يعمل في ارتباط وثيق مع المؤسسات المالية الدولية والوكالات الوطنية لدعم التنمية.
لكن الموضوع الذي حظِـي بالإجماع، هو توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب وإحكام التنسيق لمراقبة السواحل، منعاً للهجرة غير المشروعة من السواحل الجنوبية للمتوسط نحو البلدان الأوروبية. ولوحظ أن المفوّض الأوروبي فولي، دعا دول ضفَّـتيْ المتوسط إلى إعطاء هذه المسألة “الأهمية اللازمة والعمل المُـشترك باتِّـجاه الحدّ من الهجرة غير الشرعية، مقابل دعم الهجرة المنظمة والتركيز على العلاقات المباشرة وتنقّـل الأشخاص”، وأكّـد أن اجتماعات تونس تطرّقت أيضا لظاهرة تصاعُـد اليمين في أوروبا، مع التركيز بالخصوص على أهمية الحوار بين الحضارات والثقافات وعلى اعتبار “الحوار بين بلدان مجموعة 5 + 5، أحد الأطُـر المُـثلى لحلّ هذه المسائل، نظرا لما يجمع الضفّـتيْـن من مصالح مشتركة”.
وعلى رغم أن اجتماع تونس سبقه اجتماع تنسيقي لوزراء الخارجية المغاربيين، ظلّـت الأجواء مشحونة بالخلافات بين الرباط والجزائر على خلفِـية المداولات الأخيرة في مجلس الأمن الدولي بشأن ملف الصحراء، إذ انتقد الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي موقِـف الجزائر حِـيال العلاقات المُـتدهورة مع بلاده، وصرّح على هامش الاجتماعات بأن هذه العلاقات “لم تعرف أيّ تطوّر على مستوى التطبيع أو معاودة فتح الحدود”، مشيراً إلى أن ذلك يعيق الاندماج. وأضاف الفهري أن “الجميع يأسَـف لهذا الوضع الذي لا يساعد في دفْـع العمل الذي نقوم به وما نقرِّره مع الدول المتوسطية الأخرى”.
مرحلة تقاسُـم المسؤوليات
قُـصارى القول، أن محاور التعاون في إطار 5 + 5 تقتصِـر على الحاجات الأمنية والطاقية لأوروبا، بالإضافة للمشاغل التي تُـؤرق الرأي العام فيها، مثل مشروع بحث وكالة متوسطية لحماية المنظومة البيئية والسواحل، تتكفّـل بالأساس بتأمين التنسيق بين المشاريع والمبادرات التي تتنزّل في هذا الإطار أو إرساء حِـوار في المجال التجاري لإحكام التنسيق بين السياسات التجارية في المنطقة، لكن أدريانوس كوسنرويجتر، سفير الإتحاد الأوروبي لدى تونس وليبيا، اعتبر أن “الآفاق أوسع من ذلك بكثير”.
ورأى الدبلوماسي الأوروبي أن لدى البلدان المغاربية بشكل خاص فرصة للاستفادة من المشاريع الرئيسية الستة المُـبرمجة في إطار “الإتحاد من أجل المتوسط”، وأوضح في تصريح لـ swissinfo.ch “إننا نعيش الآن مرحلة تقاسُـم المسؤوليات بين الطرفيْـن، الجنوبي والشمالي، في الشراكة الأورو- متوسطية، مع تزايُـد المبادرات القادمة من الضفّـة الجنوبية، وتشكيل الأمانة العامة للإتحاد من أجل المتوسط بالتناصُـف، مما يؤشِّـر لإطلاق شراكة قائمة على مبدأيْ المُـساواة والتوازن”، على حد قوله.
ونفى ردّا على سؤال، أن يكون الهدف الإستراتيجي من الإتحاد هو تعزيز استقلالية أوروبا تجاه الغاز الروسي، بضمان تزويدها بالغاز الطبيعي من الضفة الجنوبية للمتوسط. ومع اعترافه بمركزية الرِّهان الطاقي لأوروبا، قال “لو كان هذا هدفنا، لتوجَّـهنا مباشرة إلى الجزائر أو ليبيا، التي ترفض الإنضمام إلى الإتحاد”.
أما عن موضوع الهجرة، فرأى أنه يحتاج إلى تنسيق مُـحكم، مشيرا إلى أن 30 ألف مهاجِـر غير شرعي وصلوا إلى سواحل إيطاليا قادمين من ليبيا في سنة 2008، بينما وصل ضعفهم من المغرب إلى إسبانيا في السنة نفسها. وشدّد على أن الأساس في التصدّي لتلك الظاهرة، هو تكثيف الإستثمار ودفع التنمية ومكافحة الفقر والفساد في البلدان المصدِّرة للمهاجرين، لتثبيتهم في أوطانهم.
وفي هذا السياق، أفادت أخيرا صحيفة “ليزيكو” lesechos الاقتصادية الفرنسية، أن الإتحاد الأوروبي يعتزِم رصْـد 8 إلى 10 مليارات يورو لتمويل مشاريع مُـدرجة في إطار الإتحاد من أجل المتوسط، ولم تتسَـنّ معرفة ما إذا كان إلغاء القمّـة، التي كانت مُـقرّرة في برشلونة، سيُـؤجّـل الإفراج عن تلك الاعتمادات أم لا. وفي مقدِّمة المُـموِّلين: البنك الألماني للتنمية والوكالة الفرنسية للتنمية والمصرف الأوروبي للاستثمار والبنك الدولي.
مشاريع في مجال الطاقة.. وبدائل “ثنائية”
وفي خط مُـوازٍ، تعمل البلدان الأوروبية المُـطلّـة على المتوسط، وخاصة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، على إقامة مشاريع إقليمية مع بلدان الضفة الجنوبية، لخدمة اقتصادياتها القومية. ومن المشاريع الكبيرة في هذا الإطار، تزويد تلك البلدان بالطاقة الكهربائية التي يتمّ إنتاجها في البلدان المغاربية.
وأطلقت فرنسا في هذا الإطار، مشروع “ترانسغرين” (Transgreen)، الذي يرمي لمَـدّ شبكة من الكوابل تحت البحر المتوسط لنقل الطاقة الكهربائية، ذات الضغط العالي، إلى المقاطعات الفرنسية. ومن المقرّر أن يستمِـر تنفيذ المشروع، الذي ينْـدَرِج في إطار “الخطّـة الشمسية المتوسطية” من 2010 إلى 2012.
ولدى أوروبا بديل آخر أيضا للتّـعويض عن إخفاق الصيغة الإقليمية للتعاون، التي حاول إرساءها “الإتحاد من أجل المتوسط”، وهو بديل التعاون الثنائي مع كل بلد من الضفة الجنوبية على حِـدَة، سواء في إطار منحِـه “المنزلة المتقدِّمة” أو إرساء شراكة مع مَـن كان مُغيَّـبا من مسار برشلونة، مثل ليبيا.
وأكّـد السفير كوسنرويجتر، الذي تابع المفاوضات مع الحكومة الليبية لـ swissinfo.ch أن الجانبيْـن يستعدّان للتّـوقيع على أول اتفاقِ تعاوُن بينهما، ما سيعزِّز الروابط التي ستؤمّـن للدول الأوروبية تجارة مُـربحة وتساعد على الحدّ من الهجرة غير الشرعية.
وكان الاتحاد الأوروبي رفَـع في عام 2004 العقوبات المفروضة على ليبيا، بعد أن تخلّـى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي عن برامج لتطوير أسلحة غير مشروعة، لكن الإتحاد لا يُـقيم – إلى حدّ الآن – علاقات رسمية مع ليبيا وليست له بعثة رسمية لتمثيله هناك، فالسفير كوسنرويجتر هو رسميا سفير لدى تونس فقط.
وسيرسي اتفاق الشراكة، الذي تمّ التفاوض في شأنه بين ليبيا والاتحاد الأوروبي، إطار عمل أسْـوة باتفاقات الشراكة مع المغرب وتونس والجزائر، وقد يُـفضي في نهاية المطاف إلى إقامة منطقة تجارة حرّة ومزيد من التعاون في شأن وقْـف تدفُّـق المهاجرين غير الشرعيين. وأبلغ محمد سيالة، أمين التعاون في وزارة الخارجية الليبية وكالة «رويترز» أن بعض الفصول المتعلِّـقة بالتجارة، ما زال يجرى النقاش حولها، ورجّـح أن يتِـم التوقيع على الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.
معنى ذلك، أن مشروع “الإتحاد من أجل المتوسط” سيعرج في المستقبل وأن الأوروبيين سيركِّـزون على بدائل أخرى تصبّ في مصلحتهم الإقتصادية والأمنية (فمحرك الاتفاق مع ليبيا مثلا أنها مُصدّر كبير للطاقة، وخاصة الغاز)، من دون التّـجاسر على مواجهة الملفات السياسية التي تُعطِّـل انطلاق مسار التعاون الجماعي.
تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch
مدريد – ا ف ب – أعلنت مصر وإسبانيا يوم الخميس 20 مايو 2010، تأجيل القمة الثانية للاتحاد من أجل المتوسط، التي كانت مقرَّرة في السابع من يونيو في برشلونة إلى شهر نوفمبر القادم، على أمل إحراز “تقدّم” في مُـباحثات السلام الغير مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
واتُّـخِـذ القرار بالتَّـشاور بين الرئيس المصري حسني مبارك ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، اللّذين يرأسان الاتحاد من أجل المتوسط، ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو.
ويشكِّـل هذا التأجيل نَـكسة دبلوماسية كبيرة أخرى للرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي، بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك اوباما عدم حضوره قمّـة الاتحاد الأوروبي، التي كانت مقرّرة في مايو، قبل تأجيلها.
وأعلن سليمان عواد، المتحدِّث باسم الرئاسة المصرية من أثينا، حيث يرافِـق الرئيس المصري، أنه تقرَّر تأجيل قمة الاتحاد من أجل المتوسط، “لضمان أكبر قَـدْر من النّـجاح لها وعلى أمل أن يكون هناك تقدُّم ملموس في المفاوضات الغير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لاستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط”.
وقالت وزارة الخارجية الإسبانية من جهتها لوكالة فرانس بريس، إن التأجيل يهدِف “إلى منْـح المزيد من الوقت” للمباحثات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأوضحت الوزارة في بيان أن القمة ستُـعقَـد “في الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر القادم في برشلونة”، بهدف “توفير الظروف الكفِـيلة بضمان نجاحها”. وأضافت أن وزراء خارجية مصر وفرنسا وإسبانيا سيجتمعون يوم الأحد في القاهرة من أجل “الاتِّـفاق على كيفية هذا التأجيل”.
وأطْـلِـقت المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية يوم 9 مايو، برعاية الولايات المتحدة، في أجواء من التّـشكيك العام. ومن المقرَّر أن تستمِـر أربعة أشهر. وتسعى الولايات المتحدة منذ عدّة أشهر لإعادة إطلاق عملية السلام، المُـجمَّـدة منذ شهر ديسمبر 2008، إثر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، غير أن هذه المباحثات اصطدمت حال انطِـلاقها بالخلاف بشأن المُـستوطنات اليهودية، حيث ترفض إسرائيل الالتزام بتجميد الاستيطان في القدس الشرقية المحتلة.
وفي شهر أبريل الماضي، انتهى مؤتمر حول المياه إلى الفشل، بسبب خلاف عربي إسرائيلي حول الإشارة إلى “الأراضي المحتلة”، ما دلّ على الصعوبات التي تُـواجهها هذه المنظمة الفتِـية في تجسيد طموحها، لأن تكون محرِّك سلام في المنطقة.
ويضُـم الاتحاد من أجل المتوسط، الذي أطلق في 2008 ببادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الدول العربية المطِـلَّـة على المتوسط ودُول الاتحاد الأوروبي وتركيا وإسرائيل، وهو يطمح إلى تجاوز الأزمات السياسية في حوْض المتوسّـط، وخصوصا في الشرق الأوسط، عبْـر سلسلة من مشاريع التعاون الملموسة في مجالات عدّة، منها المياه والبيئة والطاقة.
وكانت غُـيوم الشكّ في انعقاد القمة الثانية للاتحاد، ظهرت حين أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يوم 11 مايو أنه سيُـشارك في القمة، رغم معارضة دول، مثل مصر وسوريا، اللتيْـن هدَّدتا بمقاطعة القمة في حال مشاركة ليبرمان. وفور ذلك، زار وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس الشرق الأوسط، في مسعىً للتّـهدئة. واعتبر لدى عودته من الجولة، أن انعقاد القمة أصبح “مضمونا بنسبة 90%”، غير أن دبلوماسيين أوروبيين أبدَوا لوكالة فرانس بريس، تفاؤلا أقل.
وكان دبلوماسي في بروكسل قال “إن الاتجاه هو للتأجيل، وذلك على الأقل في انتظار معرِفة ما ستُـسفِـر عنه المباحثات غير المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، مشيرا إلى أنه “لا أحد يرغَـب حقيقة في الاجتماع من أجل الاجتماع”، إذا ما انتهت القمة إلى فشل.
وأشار دبلوماسي في مدريد إلى تأجيل القمة إلى شهر نوفمبر بعد انتخابات نصف الولاية في الولايات المتحدة، حين يكون بإمكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقديم خُـطّـة جديدة للسلام في الشرق الأوسط.
(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء بتاريخ 20 مايو 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.