مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنسجام بين الهويات السويسرية “لا يُـقدّر بثمن”

Keystone

رغم انقضاء أكثر من 160 عاما على ميلاد سويسرا الحديثة، لا زالت المناطق الجنوبية المتحدثة بالإيطالية، تجِـد مشقّـة في الحصول على التفهّـم والإعتراف من طرف الأغلبية التي تُـعمِّـر البلاد، شمال سلسلة جبال الألب.

وقد أقام الجدل الذي يرافِـق منذ عدة أسابيع التنافس الانتخابي المقبل على خلافة الوزير باسكال كوشبان، الدليل مرة أخرى على هذه الوضعية، التي دفعت جمعية “الضمير السويسري” إلى الدعوة إلى عدم التغافل عن القيمة التي تكتسيها مختلف الهويات السويسرية.

خلال لقاء جرى مؤخرا في برن، صرّح ريميجو راتّـي، رئيس الجمعية – بطريقة لا تخلو من استفزاز متعمّـد – أن “التيتشينو لا يريد أن يتحول إلى الحيّ اللاتيني لزيورخ ولا لكازينو ميلانو”. ويرى الخبير الاقتصادي، أصيل التيتشينو، أنه يجب على سويسرا الواقعة وراء جبال الألب، “أن تُـعيد اعتبار سويسرا المتحدثة بالإيطالية، عنصُـرا أساسيا لبلادنا”.

في هذا السياق، وفّـر الموعِـد الإنتخابي المُـقرر لـ 16 سبتمبر (حيث سيجتمع أعضاء غرفتي البرلمان الفدرالي في برن لانتخاب خلف لوزير الشؤون الداخلية المستقيل) فُـرصة لإعمال الرأي مجدّدا حول القضايا المرتبطة بالدور والوزن السياسي للمناطق السويسرية المتحدثة بالإيطالية، ضمن مؤسسات الكنفدرالية.

وتبعا لذلك، نظمت جمعية “الضمير السويسري” يوم الخميس 3 سبتمبر 2009 ندوة صحفية في برن خُـصِّـصت لإدارة النقاش حول هوية وخصوصيات ما يُـعرف بـ “سويسرا الإيطالية” وكانتون تيتشينو بالخصوص.

نظام فدرالي تنافُـسي

يُمكن القول أن هذا الجزء الجنوبي من البلاد، قد نجح – على المستوى الثقافي – في اقتطاع حضور يُـحسد عليه من طرف الآخرين بفضل مهرجان الفيلم في لوكارنو وواقِـعه الجامعي الجديد. في المقابل، برزت للوجود ظاهرة جديدة من وجهة نظر سياسية، حيث شدّد كل من الخبير في العلوم السياسية أوسكار ماتسوليني والاقتصادي ريميجو راتّـي، على أن “النظام الفدرالي السويسري بصدد التحوّل إلى نظام تنافسي أكثر فأكثر”.

وسبق للخبيرين اللذين اشتركا مؤخرا في تأليف كتاب يحمل عنوان “هويات في زمن العولمة. تحدّيات سويسرا الإيطالية”، في التنديد بهذا المنطِـق “غير السليم سويسريا”، الذي أدّى – حسب رأيهما – إلى تهميش اللغة الإيطالية في الإدارة الفدرالية والذي “يُـساهم في نوع من العزل وفي تقدّم التيارات الشعبوية، جنوب جبال الألب”.

أوسكار ماتسوليني سلّـط المزيد من الأضواء على هذا المفهوم كما عرض بعض المراحل في مسيرة تطوّر النظام السياسي السويسري، وذكّـر الرجل الذي يُـدرِّس في جامعتَـيْ جنيف ولوزان، بالفترة الذهبية للنظام الفدرالي، التي استمرّت من ثلاثينيات إلى تسعينيات القرن العشرين، وقال: “في تلك الفترة، بدت للعيان تأثيرات السِّـلم الاجتماعية ونُـموّ الرفاهية الاقتصادية واندماج جميع القوى الرئيسية في الحكومة الفدرالية”. في المقابل، تتميّـز الحقبة الحالية، بتوجّـه أكبر نحو مزيد من التنافسية وإضعاف الأنموذج التعاوني السويسري، وتبعا لذلك، “طفت على السطح مجددا توتّـرات قديمة بين المركز والأطراف، بين برن (العاصمة الفدرالية) وبيللينزونا (عاصمة كانتون تيتشينو)”.

التحديات قد تتحوّل إلى فرَص

خلال المناقشات، ذكّـر عدد من المتدخلين بالتحديات والفُـرص التي يجب على كانتون تيتشينو أن يقتنصها في المستقبل، وعاد ريميجو راتّـي مجددا للتشديد على أن سويسرا المتحدثة بالإيطالية، تتوفّـر على إمكانيات هائلة، تحتاج أن تُـقدّر حق قدرها. ونوّه إلى أن “اللغة الإيطالية تلعب دورا مميّـزا بعد اللغة الألمانية في العلاقات التجارية مع الخارج”.

في هذا السياق، دعا الخبير الاقتصادي إلى التعاطي مع موقع كانتون تيتشينو والمناطق المتحدثة بالإيطالية عموما، في مجال أوسع من الحدود الوطنية الضيقة، بحكم وجوده على اتصال وثيق، جغرافي وثقافي، مع الفضاء الحضري لمدينة ميلانو وللمناطق الحدودية مع شمال إيطاليا، التي تُـعتبر من أهمِّ المحرِّكات الاقتصادية لأوروبا، لذلك، فإن “المراهنة على (المسألة) الإيطالية، تعني إمكانية الاعتماد أيضا على اتِّـصالات مع منطقة حدودية تُـلامِـس إقليميْ لومبارديا وبيامونتي، اللّذين يفوق عدد سكانهما عشرة ملايين شخص”.

في سياق آخر، سيؤدّي افتتاح نفق الغوتهارد الأساسي إلى تقريب التيتشينو من زيورخ وستكون سويسرا المتحدِّثة بالإيطالية، مدعوّة للعِـب دور “الجِـسر” بين الثقافات وإلى تعزيز الروابط بين المناطق الواقعة شمال وجنوب سلسلة جبال الألب.

قيمة التنوّع

بطبيعة الحال، سجلت التطورات السياسة الأخيرة حضورها في النقاش، وبحُـكم اقتراب موعد انتخاب خليفة للوزير باسكال كوشبان في الحكومة الفدرالية، تطرّق البعض إلى مسألة التمثيل السياسي للمناطق السويسرية المتحدثة بالإيطالية على المستوى الفدرالي.

السيدة جويل كونتس، الكاتبة والصحفية في يومية “لوتون”، الصادرة في جنيف، حذّرت في مداخلتها من التوجّـهات الرامية إلى اختصار مبدإ المساواة بين الثقافات في بلد يمتاز بتعدديته، مثل سويسرا، إلى مجرّد مسألة تتعلّـق بالأغلبية والأقلية، بمعنى أن “المجموعة الأكثر عددا، تحصُـل على العدد الأكبر من الممثلين”، وهو منطِـق يُـمكن أن يؤدي إلى اعتبار انتخاب ممثل عن “سويسرا الثالثة” (إضافة إلى المتحدثين بالألمانية والفرنسية) في الحكومة الفدرالية، مجرّد حدث شاذٍّ أو استثنائي.

على العكس من ذلك، ترى الإعلامية المتحدثة بالفرنسية، أن المساواة والإنسجام بين الثقافات في سويسرا، تُـمثِّـل “قيمة هائلة لا تُـقدّر بثمن”، بل تصر على أنه “يجب تخصيص مقعد لسويسرا المتحدثة بالإيطالية على الدوام في الحكومة الفدرالية”، على حد تعبيرها.

لوكا بيتي – swissinfo.ch

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

تأسست جمعية “الضمير السويسري” في عام 1948، وهي عبارة عن مجموعة تفكير خاصة بالمناطق المتحدثة بالإيطالية من سويسرا، تسعى إلى ديمومة الحِـسّ المدني وتحسيس السكان بالتحديات التي تواجهها البلاد.

بوجه خاص، تريد الجمعية تقديم مساهمة فيما يتعلّـق بتعزيز الهويات المختلفة واللغات والثقافات، المتواجدة في البلاد، والدفاع عنها.

تنظم الجمعية، التي تضمّ حاليا في صفوفها حوالي 600 عضو، نقاشات وتُـصدِر دراسات معمّـقة حول قضايا تتعلّـق بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

منذ ميلاد سويسرا الحديثة في عام 1848، كان نصيب سويسرا الإيطالية في الحكومة الفدرالية 7 وزراء يقدُمون جميعا من كانتون تيتشينو.

الأول كان ستيفانو فرانشيني، الذي شارك في الحكومة من 1848 إلى 1857. وعلى إثره، جاء جيوفاني باتّـيستا بيودا (1857 – 1864).

بفضل جوزيبّـي موطّـا، الذي انتُـخب في عام 1911، وأنريكو تشيليو، استمر حضور الأقلية المتحدثة بالإيطالية بدون انقطاع في الحكومة الفدرالية حتى عام 1950. وإثر ذلك، تمّ تمثيلها في برن من 1954 إلى 1959 من طرف جوزيبّـي ليبُـوري، ثم من 1966 إلى 1973، من طرف نيلّـو تشيليو، وأخيرا، من عام 1986 إلى 1999 من جانب فلافيو كوتي.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية