الاتفاق مع ليبيا يثير “أزمة دستورية مُصغرة” داخل سويسرا
مازال الاعتذار الذي قدمه رئيس الكنفدرالية هانس-رودولف ميرتس لليبيا الأسبوع الماضي والاتفاق الذي وقعه معها يثيران انتقادات عارمة في مختلف الأوساط السياسية والحكومية والقانونية في سويسرا، إذ يواجه السيد ميرتس اتهامات تتراوح بين تجاوز صلاحياته والتصرف بشكل منفرد والتهور.
وقد ذهب بعض المُعلقين الصحفيين إلى حد المطالبة باستقالة الرئيس إذا لم تفرج ليبيا عن الرهينتين السويسريتين.
أجمعت الصحف السويسرية الصادرة يومي الأحد والإثنين (23 و24 أغسطس الجاري) على انتقاد الخطوة التي قام بها رئيس الكنفدرالية هانس-رودولف ميرتس بزيارته الخاطفة إلى طرابلس يوم الخميس الماضي والتوقيع على اتفاقية بين سويسرا وليبيا لطي ملف الخلافات التي أثارها اعتقال نجل الزعيم الليبي هانيبال القذافي وزوجته آلين في 15 يوليو 2008 من قبل شرطة كانتون جنيف بسبب اتهامهما بإساءة اثنين من خدمهما العرب.
وقد تباينت قوة التعاليق الصادرة في مختلف أنحاء البلاد في انتقاد التصرف الانفرادي لرئيس الكنفدرالية الذي يترأس أيضا وزارة المالية، مشككة في صلاحياته من الناحية القانونية، ومتسائلة عن العواقب التي قد تترتب عنه داخليا، سواء في علاقات الوزراء فيما بينهم أو في علاقة الحكومة المركزية بحكومات الدويلات (الكانتونات) المكونة للكنفدرالية.
“تنازلات غير مُبررة”
فقد فتحت صحف يوم الأحد النيران ضد رئيس الكنفدرالية، بحيث وصفت صحيفة “زونطاغس تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في زيورخ) تحرك السيد ميرتس بـ “العملية المتهورة والساذجة”.
وأوردت الصحيفة الحسنة الإطلاع (عادة) بأن رئيس الكنفدرالية “ضرب عرض الحائط بكل التحذيرات والإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية، وسافر إلى ليبيا بدون أن يصحب معه خبيرا في القانون الدولي”. والنتيجة كما تقول الصحيفة: “بدل التعبير عن الأسف لما حدث لإبن القذافي، قدم اعتذارا عن عملية الاعتقال”، وبدل الحديث عن “تصرف مبالغ فيه” لشرطة جنيف، أصبح الحديث عن “عملية اعتقال تعسفية”. وأخيرا، تضيف الصحيفة: “عاد ميرتس بدون الرهينتين السويسريين اللتين كانتا بالنسبة للحكومة الفدرالية الشرط الذي يبرر هذا التحرك”.
وترى صحيفة “لوماتان” في عددها الصادر يوم الأحد تحت عنوان “التنازلات غير المبررة لميرتس” أن الرئيس السويسري “سمح لنفسه بحرية تصرف لم يخولها له المجلس الفدرالي”. وأضافت اليومية الناطقة بالفرنسية في لوزان: “وقد عاد بدون الرهائن وباتفاق مهين لسويسرا بعيد كل البعد عما سهرت على تحضيره وزارة الخارجية السويسرية”.
غضب سياسي ومطالب بالاستقالة
وركزت صحيفة “لاتريبون دو جنيف” يوم الإثنين على موضوع المواطنيـْن السويسريين في مقالة بعنوان “مصير هانس-رودولف ميرتس مرتبط بمصير الرهينتين”. وكتبت في هذا السياق: “بعد الاعتذار الذي قدمه في ليبيا، يواجه رئيس الكنفدرالية سيلا من الانتقادات ومطالبة بالاستقالة”.
وكانت هذه المطالبة باستقالة الرئيس السويسري أيضا عنوان جريدة “20 دقيقة” المجانية التي ترى أنه “إذا لم تعد الرهينتان فعلى ميرتس أن يستقيل”.
وحتى صحيفة “نويه زورخر تسايتونغ” الرصينة (تصدر بالألمانية في زيورخ)، أوردت تحت عنوان “عدم استحسان ومطالبة بالاستقالة”، مجمل الانتقادات التي أثارتها خطوة الرئيس السويسري في أوساط الحكومة الفدرالية ولدى الأوساط السياسية والحزبية السويسرية.
وترى الصحيفة أنه حتى لو تعمدت وزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري في العديد من المقابلات الصحفية عدم التعليق على خطوة السيد ميرتس، فإن معاونيها ممن كانوا ساهرين على متابعة هذا الملف بالخارجية ذهبوا إلى حد وصف تصرف الرئيس “باللامهني والأناني وبتصرف شبيه بتصرفات رؤساء جمهوريات الموز”.
من جهتها، لخصت صحيفة “آرغاور تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في بادن) تعليقات أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان السويسري على هذا التصرف. الممثلة البرلمانية من زيورخ كاتي ريكلين قالت “إن الرئيس تجاوز الصلاحيات المخولة له”، بينما اعتبر زميلها من حزب الشعب أولريخ شلور تقديم الاعتذار لليبيا “عملية غير مقبولة”، فيما أعرب الاشتراكي ماريو فيهر عن اعتقاده أن عدم إخطار باقي الوزراء بتفاصيل القرار “أمر مقلق”.
وإذا كانت العديد من الصحف قد أشارت إلى التصريحات المنتقدة التي جاءت على لسان بعض الوزراء إزاء تصرف رئيس الكنفدرالية ووزير المالية هانس-رودولف ميرتس أثناء زيارته لليبيا، فإن جريدة “بازلر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في بازل) نوهت إلى أن “وزير الدفاع أولي ماورر وحده الذي يقف الى جانب ميرتس”.
وذكرت الصحيفة بأن “وزيرة العدل والشرطة (إيفلين فيدمر-شلومبف) عبرت في صحيفة “زونطاغس تسايتونغ” عن تشكيكها في صلاحية الاتفاق الموقع في طرابلس.
من جانبها، أشارت وزيرة الاقتصاد دوريس لويتهارد في تصريحات للإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية إلى “ضرورة مناقشة الموضوع في جلسة الحكومة” (الأسبوعية التي ستعقد يوم الأربعاء القادم 26 أغسطس).
وإذا كان وزير الداخلية باسكال كوشبان قد امتنع عن الإدلاء برأيه يوم الجمعة بذريعة ” أنه لم يطلع على فحوى الاتفاق”، فإن صحيفة “بازلر تسايتونغ” أكدت بدورها “أن الوزير الوحيد الذي وقف إلى جانب الرئيس، هو وزير الدفاع أولي ماورر الذي اعتبر أن الرئيس تصرف تصرفا سليما”.
أزمة مع الكانتونات
صحيفة “دي زود أوست شفايتس” (تصدر بالألمانية في خور بكانتون غراوبوندن) تطرقت لتحليل الأخطاء المحتملة التي يكون الرئيس قد ارتكبها في توقيعه على الاتفاق مع ليبيا، معتمدة في ذلك على تحليل الخبير في القانون الدولي آلبير ستاهيل الذي يرى أن رئيس الكنفدرالية “وقع في اثنين من الأخطاء التي يجب عدم ارتكابها: التدخل في أمور الشرطة التي هي من صلاحيات الكانتونات، والمساس بمسالة الفصل بين السلط بتدخله في أمور العدالة”.
وتحت عنوان “تعاطف الكانتونات مع جنيف”، كتبت صحيفة “لو تون”: “في انتظار اتخاذ قرار في اجتماع مجلس الكانتونات يوم الجمعة للنظر في طلب التضامن الذي وجهته دويلة جنيف، عبرت العديد من الدويلات عن القلق بخصوص المساس بصلاحياتها في قضايا الشرطة والعدالة”.
وكانت نفس الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في جنيف قد تطرقت في طبعة الأحد – بعد تصريحات وزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر شلومبف – إلى ما قد تتسبب فيه تصرفات الرئيس من أضرار بالنسبة للبنية الفدرالية لسويسرا. وكتبت في هذا الصدد: “إن تصرف هانس-رودولف ميرتس أثار أزمة دستورية مصغرة”، مضيفة أن “دويلة جنيف بإمكانها الاعتماد على تضامن الكانتونات بعد التصريحات الأولية التي أدلى بها رئيس ندوة الحكومات المحلية في الدويلات” والتي عبر فيها عن “تفهم الغضب الذي تشعر به دويلة جنيف”.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
إن الجماهيرية العربية الليبيبة الشعبية الاشتراكية العظمى والاتحاد السويسري (ويشار إليهما فيما بعد بالطرفين).
رغبة منهما في تسوية الخلاف الناشئ عن حادثة اعتقال الدبلوماسي الليبي هانيبال معمر القذافي وما صاحب ذلك من إجراءات وتصرفات غير مبررة وغير ضرورية تجاهه وتجاه أسرته من قبل سلطات كانتون جنيف والسلطات الفيدرالية السويسرية قبل، أثناء، وبعد 15/07/2008.
اتفاقا على ما يلي:
أولا: – تعبر حكومة الاتحاد السويسري عن اعتذارها رسميا وعلنيا عن عملية القبض غير المبررة وغير الضرورية التي قامت بها شرطة جنيف بتاريخ 15/07/2008، على الدبلوماسي الليبي وأسرته، والأفعال المصاحبة من قبل شرطة جنيف، ومسؤولين سويسريين آخرين.
ثانيا: – يوافق الطرفان على إنشاء هيئة للتحكيم تتكون من ثلاثة محكمين على النحو التالي:-
أ. يعين كل طرف، خلال عشرة أيام من تاريخ التوقيع على هذه الاتفاقية، عضوا واحدا على أن يكون شخصية مستقلة من دولة ثالثة.
ب. يختار المحكمان المعينان وفقا للفقرة السابقة محكما ثالثا رئيسا للهيئة، وفي حالة عدم توصلهما إلى قرار في هذا الشأن خلال “30 يوما” من تاريخ توقيع هذا الاتفاق، يحال الأمر إلى رئيس محكمة العدل الدولية لتسمية المحكم الثالث.
ج. يتحدد اختصاص الهيئة بالنظر في الواقعة وملابساتها (…) .
(يمكن الإطلاع على النص الكامل للنسخة العربية للاتفاق الموقع بين سويسرا وليبيا بتاريخ 20 أغسطس 2009 في طرابلس من خلال النقر على الرابط الموافق أدناه)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.