الانقلاب العسكري الموريتاني بين تأييد مغربي ورفض جزائري
التطور التكنولوجي وتحول العالم إلى قرية صغيرة لم يُلغيا من قانون العلاقات الدولية حقّ الدول في حماية أمنها القومي خارج حدودها، إذا ما احترمت سيادة الدول المشمولة بأمنها القومي هذا.
وموريتانيا، التي كان المغرب حتى نهاية ستينات القرن الماضي يعتبرها جُـزءً من تُـرابه الوطني ولم يعترف باستقلالها وبتبادل السفراء معها، إلا بمناسبة القمة الإسلامية الأولى عام 1969، تبقى في الخطط السياسية والأمنية المغربية، جزءً من أمنه القومي، لذا، كان هناك تفهّـم دولي للموقف المغربي “الشاذ” في التعاطي الإيجابي مع انقلاب العسكر على الديمقراطية، وإبعاد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد منذ استقلالها، نهاية خمسينات القرن الماضي.
ثقـلٌ متميز لموريتانيا في سياسة المغرب
كان الموقف المغربي منذ اليوم الأول للانقلاب، الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، صمتا رسميا، وتأييدا أعلنته صحيفة مقرّبة من الأوساط الرسمية اعتبرت الانقلاب ضرورة للإصلاح الديمقراطي، وصحف مستقلة تحذِّر من مغبّـة الوقوف مع الانقلابيين، لأن ذلك سيكون سابقة مكروهة، بالإضافة إلى انعكاسات هذا الموقف على الموقف الدولي من القضايا المغربية، خاصة قضية الصحراء الغربية.
حسابات صانع القرار المغربي تختلف عن حسابات المراقبين، المحليين أو الدوليين. فإذا كانت موريتانيا جزءً من الأمن القومي المغربي، فإن في صناعة السياسة المغربية، وتحديدا في قضية الصحراء الغربية، يؤخذ الموقِـف الموريتاني، ليس فقط بعين الاعتبار، بل يكون له ثِـقل متميِّـز، إن كان لمحاذاتها للتّـراب المتنازع عليه وشراكتها المغرب في السنوات الأولى من النزاع في إدارة هذا التراب أو الأصول القبلية المتداخلة بين القبائل الصحراوية والقبائل الموريتانية، بالإضافة إلى أن موريتانيا حاضِـرة في كل المفاوضات التي جرت بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ انطلاقة هذه المفاوضات تحت رعاية بيريز ديكويلار، الأمين العام للأمم المتحدة في نهاية الثمانينات، أو تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، بصفته مبعوث الأمين العام للمنطقة من 1997 إلى 2004 في لشبونة أو برلين أو لندن أو في هيوستن، وأخيرا تحت رعاية بيتر فان فالسيوم في مانهاست، التي تجري منذ يونيو 2007.
الانفراد بالسلطة عجل بالتغيير
العاهل المغربي، وبُـعيد الانقلاب، أرسل إلى الجنرال محمد ولد عبد العزيز، أقرب المقربين إليه، محمد ياسين المنصوري، مدير المخابرات الخارجية والخبير بالشأن الموريتاني، وكان أول مسؤول دولي يزور نواكشوط بعد انقلاب 6 أغسطس، وسرِّبت إثر الزيارة تقارير عن دور المنصوري في إفراج الانقلابيين عن عدد من المسؤولين في عهد الرئيس ولد الشيخ عبد الله.
ولم يخرج تأييد صحيفة الصباح “لومتان” المغربية شبه الرسمية، للانقلاب الموريتاني بُـعيد ساعات من وقوعه عن دائرة عِـلم الرباط، ليس شرطا بموافقتها أو عدمه أو بوجود دور لها أو عدمه في التحركات داخل الجيش الموريتاني المُـناهض للرئيس المنتخب، وعدم ارتياح قادة الجيش “لإهمال الرئيس لهم في رسم وتنفيذ السياسات المحلية والإقليمية للبلاد”.
وتذهب أوساط مطّـلعة في الرباط إلى أن الديمقراطية والانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2007، كانت بمثابة “جِـسر” لعودة العسكر إلى الحكم ديمقراطيا، بترشيح الجنرال علي ولد فال للرئاسيات القادمة، إلا أن انفراد ولد الشيخ عبد الله بتدبير شؤون البلاد، عجل بالتحرك لتغييره.
دعمٌ مغربي في مقابل الرفض الجزائري
وكان موقف المغرب يُـعاكسه إقليميا موقف الجزائر الشقيق اللّـدود، والحاضر أبدا أمام المغرب في كل تحرّكاته، الإقليمية والدولية.
الجزائر تبنّـت موقفا مُـناهضا للانقلابيين ودعت لعودة الرئيس المنتخب والحياة الديمقراطية عند الجار الجنوبي، ورفض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقبال الجنرال محمد ولد الغزواني، الرجل الثاني في موريتانيا الجديدة وزميل الجنرال ولد عبد العزيز في الكُـليَّة العسكرية المغربية في مكناس.
والتقطت الرباط الموقف الجزائري لتذهب بعيدا في دعم موريتانيا العسكر. ورسميا، استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس مبعوثين موريتانيين، وبعث رسالة تضامُـن ودعم إلى الجنرال محمد ولد عبد العزيز، إثر الهجوم الذي شنّـه مجهولون على دورية عسكرية موريتانية، ذهب ضحيتها مدني و11 جنديا، ووصف الهجوم بـ “العدوان الإرهابي الآثم، الذي ذهب ضحية همجيته المَـقيتة، مجموعة من ضباط وجنود الجيش الموريتاني أثناء قيامهم بواجبهم الوطني في حِـفظ أمن واستقرار وحوزة بلدكم الشقيق”.
وأكد الملك محمد السادس “وقوف المملكة المغربية الراسخ إلى جانب موريتانيا الشقيقة، دولة وشعبا، من أجل صيانة سيادتها من أي تدخّـل أو عدوان أجنبي، وعن وحدتها الوطنية والترابية والحفاظ على أمنها واستقرارها، باعتباره جزءَ لا يتجزّأ من أمن المغرب، بل ومن استقرار منطقتنا المغاربية ومحيطنا الجهوي في بلدان الساحل الشقيقة”.
ولاحظت مصادر دبلوماسية أن العاهل المغربي في عبارته “تدخل أو عدوان أجنبي”، كان يشير إلى تقارير تتداولها الأوساط الدبلوماسية عن دور جزائري في ذلك الهجوم “لإظهار موريتانيا في ظلّ العسكر، بلدا غير آمن وغير مستقرّ”، حسب ما أدلى به مصدر دبلوماسي لسويس انفو بالرباط.
المعادلة الصعبة..
كان مُـلفتا أن الرباط ذهبت فيما ذهبت إليه في تأييد الانقلاب الموريتاني، في ظل حملة دولية مناهضة لهذا الانقلاب. فالدبلوماسية المغربية تحرِص دائما على التّـماهي مع الأجواء الدولية، كما أنها في هذه المرحلة تحتاج إلى الدعم الدولي، خاصة الأمريكي والأوروبي، للوصول إلى الحكم الذاتي كتسوية سِـلمية لنزاع الصحراء الغربية.
نفس المصادر الدبلوماسية في العاصمة المغربية قالت لسويس انفو إن الرباط كانت تعلَـم الحدود التي تصل إليها المناهضة الغربية لما جرى في نواكشوط، وأن أصحاب هذه المواقف “يقدّرون” ظروف الرباط وحيْـثِـيات موقِـفها، ونقلت عن السفير الأمريكي بالرباط قوله، “إن لبلدينا ممّـا جرى في موريتانيا موقفين مختلفين”، لكنه لم يذهب أبعد من ذلك ولم يُـشر إلى انزعاج، بل ولا حتى العتَـب من هذا الموقف.
وشكّـل موقف الرئيس السنغالي عبدلاوي في الذهاب بتأييده المُـعلن لانقلاب موريتانيا أبعد مما ذهبت إليه الرباط، سندا لحركة دبلوماسية مغربية “لمساعدة موريتانيا والمجتمع الدولي المناهض لانقلابها على الخروج من مأزق لا أحد يعرف عواقبه على الإقليم في ظلّ الحرب الدولية على الإرهاب، والحديث عن تحركات لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في المنطقة واستهدافه لموريتانيا خلال الأيام القادمة”.
وتتحدث الأوساط الدبلوماسية عن تحرّك مغربي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للوصول إلى صيغة “الديمقراطية مع ضمان الاستقرار والأمن”، أي الاتفاق على انتخابات رئاسية جديدة بعد استقرار الأوضاع “وضمان عدم انحراف الديمقراطية عن مسارها، لضمان الأمن لموريتانيا والمنطقة”.
هي معادلة صعبة، لكن الرباط تُـدرك أن التشدّد الجزائري تُـجاه الانقلابيين الموريتانيين صبّ لمصلحتها. فعدم الوصول إلى تفاهم بين العسكر والتيارات والقوى السياسية الموريتانية والضغوط الدولية، في ظل التأييد السنغالي والدّعم المغربي، لن تُـنهي حُـكم العسكر ولن تُـضعفه، حتى لو عاد إلى ثكناته وسلّـم الحُـكم للمدنيين، لأن هؤلاء المدنيين لن يكونوا إلا منفّـذين لمقاربة العسكر وبرنامجهم، وهو ما يضمن للرباط، على الأقل خلال الشهور القادمة، موقِـفا موريتانيا من نزاع الصحراء الغربية غير مُـزعج أو مربك لمقاربتها لتسوية النزاع على أساس الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية.
محمود معروف – الرباط
استجاب رئيس المجلس الأعلى للدولة الموريتاني، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، للطلب الذي تقدمت به المملكة المغربية بخصوص إطلاق سراح المسؤولين الموالين للرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذين تم اعتقالهم مباشرة بعد احتجاز الرئيس في القصر الرئاسي. وبنفس القصر، استقبل الجنرال محمد ولد عبد العزيز مساء أول أمس محمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات، الذي نقل إلى رئيس المجلس الأعلى للدولة الموريتاني رسالة شفوية من الملك محمد السادس.
وبينما تعذر الاتصال بمدير «لادجيد» المخابرات، لمعرفة فحوى الرسالة الملكية التي نقلها إلى الحاكم الجديد لموريتانيا، كشف مصدر مقرب من المجلس الأعلى للدولة الموريتاني لـ «لمساء» أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز أجرى مشاورات مع مبعوث الملك محمد السادس حول الأوضاع الجديدة بجارتنا الجنوبية وتفاعلاتها الدولية.
كما كشف نفس المصدر أن زيارة ياسين المنصوري أتت لتقديم الشكر على استجابة الحكام الجدد لموريتانيا لمساعي المملكة المغربية لإطلاق سراح المعتقلين، كما ارتبطت بسياق الاطمئنان على صحة الرئيس المخلوع وعلى استقرار الوضع في البلاد. وحضر هذا اللقاء، إلى جانب الجنرال محمد ولد عبد العزيز، شياخ ولد اعل مدير ديوانه بصفته كرئيس للمجلس الأعلى للدولة، وإلى جانب ياسين المنصوري، حضر عبد الرحمن بنعمر، سفير المملكة بنواكشوط.
وكانت الدبلوماسية المغربية، حسب المقرب من المجلس الأعلى للدولة الموريتاني، هي من تدخلت لإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الانقلاب، ومن بينهم رئيس الحكومة يحيى ولد الواقف، ووزير الداخلية محمد ولد ارزيزيم، ومدير وكالة اللاجئين موسى افال، واحمد ولد سيدي باب، في الوقت الذي بقي فيه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله قيد الإقامة الجبرية.
وقال رئيس الوزراء المقال يحيى ولد أحمد الواقف، الذي حضر المهرجان الذي نظمته الجبهة الوطنية الموريتانية المناهضة للانقلاب بعد الإفراج عنه، إن الأسباب التي قدمت لتبرير الانقلاب لم تكن موضوعية. ورفض ولد أحمد الواقف القول بأن البلد عاش أزمة سياسية في الشهور الماضية، مؤكدا أن المؤسسات الدستورية، بما فيها البرلمان، ظلت تعمل دون تعطيل.
وذكر أن رفض الحكومة لدورة استثنائية طلبها النواب كانت فقط بسبب أنها لم تستكمل الشروط القانونية، وشدد على أن الرئيس السابق لم يتجاوز صلاحياته الدستورية التي منحها له القانون، بما في ذلك إقالة المسؤولين المدنيين والعسكريين. كما أكد يحيى ولد أحمد الواقف، بعد الإفراج عنه، أن الرئيس المخلوع يتمسك بالشرعية، ومعنوياته عالية، كما أكد أن ظروف سجنه هو الآخر كانت جيدة.
وتجدر الإشارة إلى أن زيارة المنصوري لم يكن يتوقع أن يعلن عنها رسميا، بحكم المنصب الذي يشغله صديق الملك كمسؤول عن جهاز المخابرات الخارجي، لكن الدور الذي أصبحت تضطلع به «لادجيد» مؤخرا، أصبح يتجاوز العمل الاستخباراتي الأمني الصرف، ليشمل حماية المصالح الاقتصادية والسياسية للمملكة، التي سجلت أول زيارة رسمية لمبعوثها عقب انقلاب 2005 وأهم زيارة على مستوى مسؤولي الدول بعد الانقلاب الأخير.
(المصدر: صحيفة المساء المغربية بتاريخ 15 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.