البرادعي.. حِـراك سياسي مُـتصاعد في مصر
للأسبوع الثاني على التوالي يقوم الدكتور محمد البرادعى بجولة مَـيدانية وسط الناس، الأولى كانت في مسجد الحُـسين في قلب القاهرة، بعد صلاة يوم الجمعة 26 مارس الماضى، والثانية كانت
وفي كِـلا الجولتيْـن، احتشد الناس حول الرجل ورفعوا شِـعارات تأييدٍ له، باعتباره مرشّـحا مُـحتملا للرئاسة وإبناً بارّاً لمصر وعالِـما له حيثية دولية. وبعض الشِّـعارات رأت في الرجل أنه بطل يُـحرِّر الوطن.
البديل والصّـاعق
الرجل نفسه يرى حرَكته الشعبِـية بديلا ثالثا لبديليْـن تحكَّـما في الحالة السياسية المصرية طِـوال العقود الثلاثة الماضية، وهما بديل الإخوان المسلمين، بطرحهم الدِّيني المحافظ، وبديل الحزب الوطني الحاكم، الذي يتعرّض لعملية نقْـد شعبي ونخبوي لا تتوقّـف، باعتباره مسؤولا عن حالة الجُـمود السياسي التي فَـرضت نفسها على مصر في العقديْـن الماضييْـن، وسبباً مُـباشرا في توقّـف التطور الديمقراطي وغِـياب الدّور الرِّيادي. ويرى نفسه محرِّكا للناس لكي يُـطالبوا بتغيير الدّستور، لاسيما موادّه المتعلِّـقة بفُـرص ترشح المستقلّـين، والتي تُـعدّ معدومة تقريبا، في ضوء الشروط الواردة في المادة 76، كما يرى نفسه أيضا نصيرا للِّـيبرالية السياسية والاقتصادية، التي عرفتها مصر في عصرٍ سابق، وتُـعدّ الآن مطلَـبا مقبولا من قِـطاعٍ عريضٍ من النّـخبة السياسية النَّـشطة، التي ترفض الوضع الرّاهن، بما فيه من جُـمود سياسي لا يتناسَـب مع طموحات المصريين ولا قدر مصر كدولة قائِـد في الإقليم.
كما يصوّر البرادعي نفسه بـ “عود الثقاب بجانب برميل بارود”، في تعبير مجازٍ يُـشير إلى استعداد المصريين للحركة والانطلاق، وأن كل ما ينتظرونه فقط، هو صاعِـق التّـفجير الذي يلهب الحماس ويطلق الطاقات الكامِـنة. تعبير مجازٍ لا يخلو من الاقتناع بأنّ الوضع المصري ناضِـج تماما لكي يصنع المُـعجزات والتغيّـرات الكُـبرى، وأن دوْر البرادعي هنا هو، قيادة الإلهام والتّـوجيه والتّـحفيز والتشجيع على الحركة.
إشكاليات عملية وتنظِـيمية
غيْـر أن حركة البرادعي في شقها التنظيمي، لا تخْـلو من إشكاليات عمَـلية، فهي حتى اللّـحظة تقوم على مِـحورية الرجل وسُـمعته الدولية، أو بعبارة أخرى، حركة الرجل الواحد في تماثُـلٍ مع الانتقادات التي توجِّـهها المعارضة للنظام ككل. ولا يبدو أن للحركة حتى اللحظة والمُـسمّـاة بالجمعية الوطنية للتّـغيير، أية أهداف كُـبرى، سِـوى تغيير الدّستور وموادّه المقيّـدة لترشيح المستقلِّـين، وتلك المتعلِّـقة بضمانات الانتخابات الشفّـافة والنّـزيهة.
وتنظيميا، هناك ومِـن قلْـب الجمعية، مَـن يرى وُجود ارتِـباكات تنظيمية كُـبرى لابُـد من مُـعالجتها. ومِـن المآخذ المُـتداولة، أن صُـنع القرار في الجمعية لا يتِـم بالتّـشاور، وإنما عبْـر مجموعة صغيرة تُـعلن عن تلك القرارات في الصحف، ليفاجَـأ بها أعضاء الجمعية. وكما أن البرادعي يُـعيِّـن أناسا مسؤولين عن أنشطة مُـعيّـنة، كمنسّـق لحركة جمْـع التوقيعات أو مسؤولا عن الحركة في المحافظات أو متحدِّثا إعلاميا، دون التّـشاور مع أحد، وأخيرا يُثار التساؤل عن الهدف مِـن جمْـع توقيعات مليون مصري وما هي الخُـطوة التالية لعريضة تتحدّث عن طموحات التّـغيير، التي لا خِـلاف عليها إجمالا.
مشكلاتٌ ذاتُ طابَـع تنظيمي، ربّـما سيُحل بعضا لاحِـقا، لكنها تعكِـس بقدرٍ ما طبيعة الحركة التي تبحث عن تأثير لها بين الناس والقوانين على السواء.
المصريون.. ثلاث مواقِـف
أما المصريون أنفسهم ومواقِـفهم تُـجاه البرادعي وحركته، فيُـمكن تقسيمهم إلى ثلاث أصناف: الأول، يهتَـم بما يفعله الرجل وتناصره وتعمل على مشاركته في إحداث تغيير جِـذري في الحالة السياسية الرّاهنة، ويعتبرون أنفسهم جزءً من هذا الحِـراك الجديد، الذي فرض نفسه، ويبدو أنه سوف يتصاعد تدريجيا في الآونة المُـقبلة، طالما استمرّ الرجل في النزول إلى الشارع ليُـحرِّك فيه المشاعِـر وإرادة التغيير الشعبي بوجهٍ عام.
والثاني، يراقِـب ما يفعله الرّجل ويُـتابع تحرّكاته، ولكنهم لا يؤيِّـدون كل ما يقول ويعتبرون أن عِـلمه ومنصِـبه الدولييْـن السابقيْـن، لا يؤهِّـلانه بالضرورة إلى رئاسة مصر وأن معيشته لسنوات طويلة في الخارج قد فصَـلت بين الرجل وبين الحالة المصرية بكلّ ما فيها وما عليها، وبعضٌ من هؤلاء، يأخذون على الرّجل انتقاداته للحِـقبة الناصرية وما تركته حتى اللّـحظة مِـن بعض مبادئ، ذات طبيعة اشتراكية، من قَـبيل بقاء واستمرار نسبة 50% من العمّـال والفلاحين في البرلمان المصري، رغم ما جرى من تغييرات كُـبرى على طبيعة المُـجتمع المصري في السنوات الخمسين الماضية.
أما الصِّـنف الثالث، فهم الرّافضون للرجل تماماً والذين يرون أنه جرى إسقاطه أو أنه جُـزء من لُـعبة أمريكية لإحداث تغيير في البلاد، ليس على هوى المصريين، وهؤلاء ينتقِـدون الرجل بما فيه وبما ليس فيه أيضا، وجزء مُـعتبر منهم يقِـفون مع بديل الحزب الوطني الحاكم ويؤيِّـدون خياراته المُـحتملة في ترشيح جمال مبارك رئيسا للبلاد في الانتخابات المقرّرة فى نهاية عام 2011، إن تطلّـب الأمر ذلك.
دوْر الزّمن وقُـوّته
هذه المعادلة الثُّـلاثِـية ليست ثابتة في قوة كل ضلع فيها. فهناك تغيير مُـحتمل في حجم وقيمة وقوّة كل ضلع منها، والزمن هنا يلعَـب دوره بكلّ قوة، لاسيما وأن الحِـراك الذي تشهده مصر الآن، يجري في خلفِـيته تطورّان هامّـان: الأول، يتعلق بصحّـة الرئيس مبارك بعد العملية الصّـعبة التي أجراها في أحد المستشفيات الألمانية الكُـبرى والمتخصِّـصة في إزالة الأورام. والثاني، ذلك الحِـوار الذي لم ينقطِـع يوما حوْل ضرورة تعْـيين نائِـب للرئيس يحُـل محلَّـه في أوقات الضرورة، التي يحدِّدها الدّستور، ومنها توقّـف الرئيس عن أداء مهامّ عمله لاعتبارات صحية.
التطوّر الأول يبدو محسوما إلى حدٍّ كبير. فطالما أن الرئيس يتمتّـع بصحّـته ويرى نفسه قادِرا على العطاء، فسيظَـل الوضْـع على ما هو عليه، أما تعْـيين نائب للرئيس، فهو في نظر الحُـكم ليس شرطا، والأمر يتعلّـق بإرادة الرئيس وليس أي طرفٍ آخر، فضلا عن أن الدستور يحدِّد طريقة انتِـقال السلطة في كل الظروف، ناهيك عن أن المؤسسات السيادية في مصر هي صاحِـبة الكلِـمة العُـليا، سواءٌ تمّ تعْـيين نائب للرئيس أم ظلّ المنصِـب غير معمول به.
هذان التطوّران يتعلّـقان أيضا بذلك الجدَل الذي لم يتوقّـف طِـوال السنوات الخمس الماضية، عما يُـعرف بتوريث السّـلطة وإعداد المسرح لنجْـل الرئيس جمال مبارك، لكي يكون المرشح الوحيد للحِـزب الوطني في انتخابات رئاسية مُـقبلة، إن قرّر الرئيس مبارك عدَم خَـوْضها لأي سبب كان، وبالتالي، يكون الأوْفَـر حظاً في الفوز بهذا المنصِـب الرفيع، خاصة في ضوء حركة الأحزاب الرسمية وعدَم توافُـر مُـنافسين لديْـها قادرين على الفوز أو المُـزاحمة الانتخابية الرئاسية أصلا.
اختلاف في طبيعة الجَـدَل
بيْـدَ أن موضوعية التحليل تتطلّـب ملاحظة أنَّ الجَـدل حول التوريث قبْـل الحِـراك السياسي المتصاعَـد حاليا والذي يقوده البرادعي، لم يعُـد هو الجدَل ذاته بعْـد هذا الحِـراك. ففكرة غِـياب البُـدلاء القادرين على قيادة البلاد، التي كانت الأساس الذي بَـنى عليه مؤيِّـدو جمال مبارك أنه البديل الوحيد الآمن للبلاد، باتت فاقدة الصلاحية، وإن لم يكُـن البرادعي هو البديل، فهناك بالقَـطع آخرون يُـمكن أن يكونوا هذا البديل المُـناسب، بما في ذلك كثيرون محسوبون على النظام الحاكم ذاته ولهم شعبية معقولة واحترام كبير بين العامّـة والنُّـخبة معا.
هكذا تتطوّر الأمور وتتغيَّـر معالِـمها، إلى حدّ أن بعض كِـبار المحسوبين على الحِـزب الحاكم باتوا يُـروِّجون إلى أن حِـراك البرادعي السياسي، يجب أن يُـؤخذ بجديّـة أكثر وأن على الحِـزب الحاكم أن يُـعِـدّ نفسه لمعركة سياسية كُـبرى، سواءٌ في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية المُـقبلة، بل هناك مَـن يقول إن على الحزب الحاكم أن يُـعدّ نفسه لاحتمالِ أن يكون حِـزبا من بيْـن عدّة أحزاب كبيرة ستفرض نفسها على الساحة، بحُـكم حركة الناس في الشارع، وهي الحركة التي تتزايد معدّلاتها بشكل ملمُـوس ولم يعُـد من المُـمكن مُـحاصرتها بآليات أمنية عفا عليها الزّمن ولم تعُـد تصلح لمواجهة طموحات الناس وتحرّكاتهم، سواء العفوية أو المنظّـمة.
د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch
القاهرة (رويترز) – تعارك محتجون مصريون يطالبون بانهاء حكم الرئيس حسني مبارك المستمر منذ 30 عاما يوم الثلاثاء 6 أبريل 2010 مع قوات الامن وألقت الشرطة القبض على عشرات منهم.
وهتف مجموعة من المحتجين يزيد عددهم على 200 وهم يحاولون التجمع في ميدان التحرير بوسط العاصمة “يسقط يسقط حسني مبارك”. وبعد دقائق أبعدت الشرطة نحو 12 محتجا يهتفون “حرية.. حرية” قرب مجلس الشعب.
وطوق مئات من أفراد قوات الامن مجموعات صغيرة في انحاء مختلفة من العاصمة وهي تحاول الوصول الى وسط المدينة للتظاهر.
وقال شهود عيان ان الشرطة ضربت محتجين بالعصي وسحبت عشرات منهم بعيدا كما أبعدت صحفيين واستولت على كاميرات كانت تستعملها وسائل الاعلام في تغطية الاحتجاج.
ومنذ أكثر من عام انحسرت موجة مظاهرات مناوئة للحكومة نظمتها غالبا الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي انبثقت عنها حركة شباب ستة ابريل والحملة الوطنية ضد التوريث وحركات أخرى صغيرة.
وقال مينا سمير وهو طالب في جامعة القاهرة “نريد ازالة الظلم وغيره من المساوئ.”
وكان نشطاء حركة شباب ستة ابريل الذين دعوا للاحتجاج يعتزمون التقدم بما قالوا انه مطالب اصلاح دستوري الى رئيس مجلس الشعب وتشمل رفع حالة الطواريء السارية منذ نحو 30 عاما والتي تخول الشرطة احتجاز الاشخاص لفترات يمكن أن تطول دون تقديمهم للمحاكمة.
وستجرى هذا العام انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى وانتخابات مجلس الشعب كما ستجرى انتخابات الرئاسة العام المقبل.
ويتوقع أن يحقق الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أغلبية ساحقة في الانتخابات التشريعية لكن منظمات تراقب حقوق الانسان تطالب باشراف دولي على الانتخابات التي تقول انها تشوبها مخالفات منذ وقت طويل.
ولم يقل مبارك (81 عاما) ان كان سيرشح نفسه لفترة رئاسة سادسة لكن مصريين كثيرين يقولون ان مبارك يعد ابنه جمال (46 عاما) الامين العام المساعد للحزب الوطني لخلافته فيما يسميه معارضون “توريث الحكم”.
لكن أعضاء قياديين في الحزب الوطني يقولون ان من حق جمال أن يرشح نفسه كأي عضو قيادي اخر في الاحزاب المصرح لها بالنشاط.
وتحول قواعد الترشح المنصوص عليها في الدستور بشكل كامل تقريبا دون ظهور منافس حقيقي لمرشح الحزب الحاكم.
وقبل المظاهرة قال عمر علي أحد منظمي حركة شباب ستة ابريل لرويترز “ما نطالب به بطريقة سلمية هو حرية سياسية لكل المصريين.” وأضاف “ما نهدف اليه هو احداث تحرك سياسي من أجل أن يطالب الناس بحقوقهم.”
وقال شهود عيان ان مجموعة من النشطاء تضم نحو 20 يتقدمها المرشح السابق للرئاسة أيمن نور الذي جاء تاليا لمبارك في انتخابات عام 2005 بقارق كبير من ألاصوات منعتها الشرطة من الوصول الى مكان المظاهرة في ميدان التحرير.
ونددت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الانسان بما وصفته برد الدولة العنيف على احتجاجات يوم الثلاثاء. وقال مالكولم سمارت المدير الاقليمي لمنظمة العفو الدولية “السلطات المصرية يجب ان تظهر التزامها بحقوق الانسان من خلال السماح بالاحتجاجات السلمية وحمايتها.”
وقال مصدر امني انه القي القبض على نحو 60 شخصا في وسط القاهرة للتظاهر بدون تصريح بينما قالت منظمة العفو وحركة ستة ابريل انه القي القبض على أكثر من 90 شخصا.
وقال مصدر ان الشرطة ألقت القبض في وقت سابق يوم الثلاثاء على سبعة طلاب كانوا متوجهين الى وسط العاصمة من جامعة حلوان في ضاحية تقع جنوبي القاهرة كما ألقت القبض على 16 طالبا كانوا قادمين من مدينة تقع جنوبي القاهرة.
وقالت محتجة شابة تدعى سلمى جعفر “اذا كانوا يريدون أن يأخذوا الناس فيجب أن يفعلوا ذلك بطريقة متحضرة… لا أحد معه سلاح… نحن نحاول أن نعبر عن رأينا.”
وبعد المظاهرة قال المنسق العام لحركة شباب ستة ابريل أحمد ماهر في بيان ان جماعته ستقاضي وزارة الداخلية. وأضاف أن ما حدث يبين خوف الحزب الحاكم من أي معارضة برغم قول الحزب انه يسمح بالديمقراطية.
وقالت وزارة الداخلية انها لم توافق على طلب تنظيم مظاهرة لنشطاء عدة جماعات من بينهم مؤيدون لمحمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يرفع مطالب اصلاحية أيضا.
وقالت هدى عبد المجيد التي ذكرت انها مديرة في البنك المركزي لرويترز “نحن نؤيد البرادعي لكن أساسا نريد تعديل الدستور.”
وكان البرادعي قد قال انه قد يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة لكنه قال لاحقا ان مسعاه الاساسي هو الضغط من أجل ادخال اصلاحات تكفل الترشح دون قيود للمنصب وعندها يمكن أن يترشح.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أبريل 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.