البرلمان السويسري يقطع الخطوة الأولى باتجاه التخلي نهائيا عن الطاقة النووية
حاز مشروع الحكومة السويسرية الهادف إلى إغلاق جميع المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية على موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال اقتراع أجري يوم الأربعاء 8 مايو 2011.
ودعا النواب الحكومة إلى إزالة كافة العراقيل الإدارية التي تقف أمام مشروعات الطاقة المتجددة، وإلى تشجيع الدراسات والأبحاث في هذا الميدان. لكن المجلس أبدى رغبته أيضا في الحد من قدرة المدافعين عن البيئة على عرقلة بناء منشآت للطاقة الرّيحية والهيدرولوجية.
وتظل القرارات التي اتخذت خلال مداولات يوم الأربعاء معلقة إلى حين حصولها على موافقة مجلس الشيوخ في مرحلة لاحقة. وقد يستغرق الأمر عدة سنوات قبل أن ينتهي البرلمان من مناقشة التعديلات القانونية اللازمة. وليس من المستبعد ان يقول الناخبون بدورهم كلمتهم من خلال صناديق الاقتراع في مرحلة من المراحل بشأن هذه الخطة.
وقبل أسبوعين، قررت الحكومة السويسرية إنهاء خدمة خمس مفاعلات للطاقة النووية بحلول 2034، وذلك بمجرد أن تصل الى آجال نهاية الخدمة المحددة لها. كما أعلنت من جهة أخرى نيتها في دعم مصادر الطاقة المتجددة وتشجيع وسائل الحد من إستهلاك الطاقة بدلا من بناء محطات نووية جديدة.
تغيير في التحالفات
أظهرت النقاشات الواسعة التي حدثت تحت قبة مجلس النواب (الغرفة السفلى من البرلمان الفدرالي)، تقاربا بين نواب الحزب الإشتراكي وأعضاء من أحزاب يمين الوسط في مواجهة نواب حزب الشعب (يمين شعبوي). أما نواب الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي يعتبر مقربا من الدوائر الاقتصادية، فقد احتفظوا بأصواتهم خلال هذا الإقتراع المهم .
وقال المؤيدون للمشروع، وهم من الحزب الإشتراكي وحزب الخضر خاصة، إن غلق المحطات النووية كان أمرا مُحبذا وواقعيا. وبالنسبة لهم فإن الذين لا يرغبون في التوصل إلى اتفاق سياسي لإحداث التغيير المطلوب بعد الكارثة التي شهدتها محطة فوكوشيما اليابانية يتنكرون للواقع. وفي هذا السياق، يقول روبرتو شميد، من الحزب الديمقراطي المسيحي: “لابد أن يكون هناك ما قبل فوكوشيما، وما بعدها”.
وفيما دعا المتحدثون إلى وضع سياسة واضحة في مجال الطاقة المستدامة والحلول المبتكرة لتجنيب الأجيال القادمة ويلات أي كارثة نووية، تعرض الحزب الليبرالي الراديكالي إلى موجة من الإنتقادات بسبب رفضه منح الدعم للمشروع الحكومي.
وقال إيريك نوسباومر، من الحزب الإشتراكي: “الآن، علينا أن لا نتهرّب من اتخاذ قرار حاسم بشأن الطاقة النووية”.
انتقادات المعترضين
في المقابل، اعتبر المعترضون أن مشروع الحكومة يفتقر إلى الإحساس بالمسؤولية، وليس واقعيا، ومضرّ باقتصاد البلاد. وقال هانسرودي فاندفلوخ، من حزب الشعب: “ربما تعتقد الحكومة أنها اتخذت القرار المناسب”.
أما فيليبو ليتينيغر، من الحزب الليبرالي الراديكالي، فاعتبر أن رفض الحكومة تعويض المنشآت النووية الحالية بأخرى تعتمد على أجيال جديدة من التكنولوجيا المتقدمة أشبه ما يكون “بفرض حظر على التكنولوجيا”.
وحذّر متحدثون آخرون من مغبة أن يؤدي التخلي عن الطاقة النووية إلى ارتفاع مشط في أسعار الكهرباء مما قد يؤدي إلى تأثير بالغ على القدرة التنافسية للإقتصاد السويسري.
من جهة أخرى، يتصوّر المعترضون أنه من ضرب الوهم والخيال الإعتقاد بأن مصادر الطاقة المتجددة سوف تسدّ الفجوة التي يمكن أن يحدثها تنفيذ قرار الحكومة بالتخلي تماما عن استخدام الطاقة النووية.
لا مفر من حلول وسط
دوريس لويتهارد، وزيرة الطاقة السويسرية كررت تأكيدها على أن الحكومة استندت في وضع مشروعها على الإعتبارات الإقتصادية، وعلى الإنشغال العام لدى السكان في ما يتعلّق بالطاقة النووية.
وأضافت الوزيرة بأن هناك امكانية لاعتماد إجراءات إضافية للحفاظ على الطاقة، وزيادة الإهتمام بمصادر الطاقة المتجددة، والتي لم تلعب إلى حد الآن سوى دور ثانوي في السياسة السويسرية في ميدان الطاقة.
وعبّرت الوزيرة عن كامل ثقتها في القدرة الإبتكارية التي تتمتع بها النخبة العلمية والشركات السويسرية على حد السواء. وقالت لويتهارد خلال كلمتها أمام نواب الشعب: “إن مشروع الحكومة القاضي بالخروج من الطاقة النووية بموفى 2034 يمنحنا الوقت الكافي للبحث عن حلول توافقية مع جميع الأطراف المعنية سواء من الدوائر الإقتصادية أو من السياسيين”. ويحتاج الأمر، حسب رأيها، إلى تعاون جميع الأطراف، وإلى تسلحها بالرغبة في التوصّل إلى حلول وسطى، وإلى قرارات واضحة لا لبس فيها.
النقاش الذي دار في مجلس النواب، استمر خمس ساعات، وأذيع مباشرة على الهواء، وتخلله تبادل لعبارات حادة بين نواب من أحزاب مختلفة وشهد مشاركة أزيد من 60 نائب، وعرض أكثر من 130 مقترح. ويذهب المراقبون في برن إلى أن القضايا البيئية، بما في ذلك مسألة استخدام الطاقة النووية، ستكون من القضايا الرئيسية في الحملة الإنتخابية التي سوف تسبق الإنتخابات العامة المُزمع تنظيمها في شهر أكتوبر القادم.
أشادت الصحف السويسرية الصادرة يوم الخميس 9 يونيو 2011 بمصادقة مجلس النواب على مشروع الحكومة الداعي إلى الخروج من الطاقة النووية بموفي 2034، لكنها ابدت شكها تجاه هذا القرار الذي يأتي في سياق كارثة فوكوشيما واقتراب موعد الحملة الانتخابية في اكتوبر القادم.
لا ليبرتي (تصدر في فريبورغ): “إنه قرار تاريخي بالنسبة لسويسرا لكن المرحلة التي سوف تلي تنفيذ هذا القرار تظل غامضة”.
بليك (تصدر في زيورخ): اعتبرت التصويت تتويجا للثقة في مصادر الطاقة المتجددة التي تبشّر بفرص إستثمارية كبيرة للإقتصاد وللشركات الصغرى والمتوسطة.
24 ساعة (لوزان): إنها إشارة قوية كان السويسريون ينتظرونها بعد حدوث كارثة فوكوشيما، لكن المشروع لا يزال مجرد رغبة، وعلينا الآن تحويله إلى واقع.
لوماتان (لوزان): تحذر الصحيفة من احتمال تحوّل هذا القرار الهام إلى مجرد “زوبعة في فنجان”، وترى أنه “لضمان انبلاج أسلوب جديد في التعاطي مع الشان اليومي، وظهور مصادر طاقة جديدة، لابد أن يتعزز التحالف غير المُعتاد الذي تشكل خلال نقاش مجلس النواب لمشروع الحكومة”.
لوتون (جنيف): تذكّر هذه الصحيفة بأن “الكهرباء الذي يتولد عن مصادر الطاقة البديلة لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الإنتاج، ولكي نعثر على بديل لنسبة 39% من الطاقة التي تولدها حاليا محطات الطاقة النووية، لابد من أن تتوحد كل الجهود، وتتجند لذلك”.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.