التأمينات الاجتماعية في سويسرا… مشكلة واحدة و”وَصَفات” مُتعدّدة
من المتَوقع أن تكون مسألة مُستقبل التأمينات الاجتماعية السويسرية، إحدى أهَـم القضايا المَطروحة على أنظار السلطة التشريعية القادمة. ومع أنَّ الهدف النهائي هو نفسه، إلّا أنَّ الطّـرُق المُـؤدِّية إلى هناك.. تختلف من حزب لآخر.
وخلال الدّورة التشريعية الحالية (2007 – 2011)، كان على عالـمَ السياسة في سويسرا، التعامل مِراراً مع هذه المسألة، ومع ما تَملكه كلٌّ من هذه التأمينات من ميزات، تبقى المخاوِف نفسها. وفي الوقت الحالي، يشكِّـل ارتفاع عدد المُستفيدين في سويسرا من المُستحقّـات المالية للتأمينات الإجتماعية، مُشكلة مالية كبيرة.
ارتفاع معدّلات الشيخوخة
في صندوق التأمين على الشيخوخة، تكمُـن المشكلة في زيادة أعداد المُسِـنّين من جِـهة، وما يرافقه من ارتفاع متوسّـط العمر المُتَوَقَّـع للسكان والإزدياد المُستمر للمُتقاعِـدين، مُقابِل انخفاض في أعداد الأيْـدي العاملة.
وفيما تَلوح فكرة زيادة السِـن للتقاعُـد – الذي يبلُـغ حالياً 64 عاماً للنساء مقابل 65 عاماً للرجال – في الأفق، منذ فترة طويلة، إلا أن الخطوة الأولى لزيادة سن التقاعد بالنسبة للمرأة، لا زالت غير مُكتملة بَعدُ.
وظَهَرت بهذا الخصوص بوادِر حَلٍّ وَسط في البرلمان، تَدعو إلى تَعويض الزيادة في سن التقاعد بالنسبة للمرأة، من خلال المساعدات المالية التي من شأنها تَسهيل التقاعد المَـرِن لِـذوي الدّخل المُنخفِـض. ولكن هذا الإقتراح قوبل بالرّفض من قِبَل أحزاب اليسار المعارِضة، التي كانت ترى بأن هذه المساعدات المالية، غير كافية. كما رفض حزب الإتحاد الديمقراطي الفدرالي (أقصى اليمين) من جهته، فكرة استخدام الأموال المُدَّخرة لتمويل مُـستحقات جديدة.
ولِلحَد من مصاريف صندوق التّـقاعد (الذي يُـسمى أيضاً بالعِـماد الأول، ويشمل التأمين والتأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة)، وافقت الغالبية اليمينية في البرلمان على خَفَض مُعدّل تَحويل التأمين الإضافي (وهو نظام تأمين اختياري، يأخذ شكلاً من أشكال الإدِّخار لدى البنوك أو شركات التأمين، للحصول على دخل تقاعدي إضافي وتحسين مستوى المعيشة عند التقاعد، ويسمى أيضاً بالعماد الثالث) إلى نسبة 0،4%.
من جهتها، عارضت أحزاب اليسار ونقابات العمال هذا التّخفيض وقامت بإجراء استفتاء عام، رَفَضَ فيه الناخبون السويسريون وبأغلبية ساحقة، خَفْض مُعدَّل التحويل، الذي يُحَدِّد أقساط معاشات التقاعد المِـهني. وفي نهاية المطاف، وقَدْر تعلُّـق الأمر بالمعاشات، ستنتهي الدّورة التشريعية الحالية للبرلمان دون تغييرات كبيرة.
تأثير الأزمة المالية
من جهة أخرى، تم إحراز تقدّم بشأن كل من صندوقيْ التأمين على العَجز (IV) والتأمين على البطالة (AL)، اللذَين عانا بشكل خاص من ضغوط كبيرة، نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية.
ومع الزيادة الهائلة لِلمُستفيدين من مُخَصّصات التأمين على العَجْز، ولاسيما غيْـر المؤهَّـلين منهم، لِمُواجهة مُتطلّـبات سوق العمل لأسباب نفسية، وأولئك الذين يعانون من الفَـقر، تراكَـم العَجز في هذا الصندوق، ليصل إلى أكثر من 13 مليار فرنك سويسري.
ولغرض استعادة السيطرة على هذه التكاليف، استخدم البرلمانيون السويسريون وسائل متعدِّدة، امتدّت من تَشديد المعايير التي تُمنَـح بموجبها هذه المعاشات، وحتى تحسين إجراءات إعادة التأهيل للإنخراط في سوق العمل من جديد. وقَبْل كل ذلك، رَفعُ قيمة ضريبة المبيعات – ولمدة محدودة تُـقدّر بِسَبع سنوات – من أجل “ملء” الهُـوّة المالية الناتجة.
وكان للأعداد المُتزايدة من العاطلين على العمل، تأثير شديد على صندوق التأمين على البطالة. وعلى ضوء تدهْـوُر الأوضاع المالية لهذا الصندوق، قرّر البرلمانيون استخدام نفس الإجراءات المُتَّـبَعة مع التأمين على العَجز، والتي تضمّـنت تمويلاً أفضل من خلال زيادة الإشتراكات من جهة، وخَفْض المُخصّـصات المدفوعة للمُستَحقين من جهة أخرى.
بين التقليل وعمليات التجميل
وبالنظر إلى انتماءاتهم السياسية، لا يستوي البرلمانيون في تقييمهم حول ما تَـمّ إنجازه حتى الآن. وترى أحزاب اليسار بأنَّ القرارات تسير باتجاه تفكيك أنظمة الرِّعاية الاجتماعية.
وفي هذا السياق، يقول آلان بيرسي، عضو مجلس الشيوخ، الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي: “نحن نلاحظ تدهوُراً عالمياً في أنظمة الرِّعاية الاجتماعية، وهذا ما وجدناه من خلال الدّورة التشريعية بأكملها. وعلى الرغم من ذلك، أنفقت الحكومة أموالاً طائلة في بعض المجالات، كما في حالة الضرائب المُنخفضة للشركات. وهنا، ثمة تطور غير متكافِـئ على حساب التأمينات الإجتماعية”.
من ناحيتها، ترى أحزاب اليمين بأنَّ المشاكل المتعلِّقـة بالضمانات الاجتماعية، لمْ تُحَلّ بالشكل الصحيح، وهو ما يُحلِّـله دومينيك باتيغ، النائب عن حزب الشعب (يمين شعبوي) قائلاً: “نحن نعيش في بلدٍ التنازلات، يصعب فيه جداً وَضْع ما يُنظر إليه كمكاسب إجتماعية موضع تساؤل”.
ويضيف معلِّـقاً: “هناك الكثير من النوايا الحسنة، كما توجد العديد من الأفكار، ولكن نتيجة الضغوط والتنازلات من أطراف مختلفة، أدّت إلى أن تكون هذه التغييرات ذات طبيعة رمزية أكثر. نحن نُجري بعض التّـصحيحات التَجميلية، للحصول على ضمير صافٍ، وقبل كل شيء، لتأجيل المشكلة إلى وقتٍ لاحق”.
بين الصراخ والمنشار
وبين هذين القطبيْـن، تدافع أحزاب الوسط عن حساباتها السياسية المُـتوازنة، التي تُتيح اتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية، مع تَجَنّـب مُعاقبة المُستفيدين من هذه الضمانات أكثر من اللاّزم.
وحول هذا الموضوع، يقول كريستيان داربولي، عضو مجلس الشيوخ ورئيس الحزب الديمقراطي المسيحي: “نحن نتقدم بخطوات صغيرة نحو تَعزيز الضمانات الإجتماعية”.
ويرد داربولي على الإنتقادات الموجَّـهة لحزبه من قِبَل الأحزاب الأخرى على الفور، قائلاً: “حينما نريد توفير فرنك واحد، يَحتَجّ الإشتراكيون ويصرخون في جميع الإتجاهات، ولو أطلَقنا العنان لحزب الشعب في استخدام “منشاره”، كما يحلو له، فلن تكون هناك ضمانات اجتماعية في هذا البلد أصلاً “.
على نفس الخط
بعد الإنتخابات البرلمانية الفدرالية في 23 أكتوبر القادم، ينتظر أن تحافظ جميع الأحزاب على نفس خط سيرها. ويلاحظ مَـن يقرأ برامج هذه الأحزاب، الأهمية الكبيرة التي تُـوليها لأنظمة الرعاية الاجتماعية وبِرَغبتها في الإحتفاظ بها جميعاً. ولكن المقترحات التي تقدمها لِتحقيق هذه الغاية، تبدو مختلفة.
وتود أحزاب الوسط مواصلة مسيرتها على خَط “تكييف الهياكل الإجتماعية إلى الواقع الحالي”، كما هو مُـدَّوَن في برنامج الحزب الديمقراطي المسيحي، وهو تكييفٌ يطلب رفع سِـن التقاعد للمرأة إلى 65 عاماً، على سبيل المثال. ويسلك الحزب الراديكالي الليبرالي من جهته نفس الطريق، حين يكتب بأنّه يريد “إصلاح نظام الضمانات الإجتماعية و إخراجه من الهاوية””.
من ناحيته، يرى حزب الشعب اليميني المتشدد، أنَّ “دولة الرّفاه تَخرج عن سَيطرتِنا وتقوم بِخَلق تكاليف مالية للأجيال القادمة”. ويملك الحزب رؤيته الخاصة في هذا المجال والتي تنص على رَفض أي نوعٍ من المساعدات الاجتماعية الجديدة وتَصحيح الخدمات المُتاحة حاليا، مع تتبُّـع حالات الاستغلال (وسوء الإستخدام)، وعلى الأخص عندما يتعلق الأمر بالأجانب. ويرى حزب الشعب بأن “المساعدات الاجتماعية، لا ينبغي أن تتحوّل إلى كرسي للإستجمام”.
أمّا أحزاب اليسار، فستستمر في تعبئِـتها ضد تفكيك نظام الرعاية الاجتماعية، وهو ما يُعَلِّـق عليه آلان بيرسي بالقول: “حين نرى مدى السهولة التي تُنفَق بها المليارات لِخَفْض ضرائب كبار المساهمين وعدم تَرَدد الحكومة في إنقاذ المصارف بِمنحِهم مساعدات بِمئات ملايين الفرنكات، يصبح من الصعب إدراك السبب الكامن في صعوبة تمويل صناديق الضمانات الاجتماعية. فهذه الضمانات هي جوهرة دولتنا”.
ويختتم بيرسي قائلاً: “علينا أن نكون حَذرين جداً، فيما لو أرَدْنا الإستمرار في الدّفع بإتجاه التَخفيض، وإلّا فإننا متوَجّهون الى الإنقسام والتفكيك وإلى فَردية المُجتمع، وهو أمرٌ سيكلفنا ثمناً باهظاً، عاجلا أم آجلا”.
في إطار الدورة التشريعية (البرلمانية) الماضية، استطاع الشعب أن يُدلي بآرائه لثلاث مرات حول مسودّات تخصّ أنظمة التأمينات الاجتماعية، ولكن ذلك لم يتَضَمَّن نظام التأمين الصحي.
التأمين على العَجز المستديم (الكلي أو الجزئي)
في 27 سبتمبر 2009: وافق الناخبون وبنسبة 54.6% على زيادة الرسوم (الضرائب) المفروضة على القيمة المُضافة لصالح صندوق التأمين على العَجز. وارتفعت الزيادة في النِّـسبة العادية للرسوم على القيمة المضافة بـ 0،4 نقطة. وكانت الزيادة على الرسوم “المُخَفضة” (التي تشمل الكتب والأدوية والمواد الغذائية) أقل، وبنسبة 0.1%، في حين زادت قيمة ضريبة القيمة المضافة “الخاصة” (التي تشمل القطاع الفندقي) بنسبة 0.2% وتقتصر هذه الزيادات على فترة سبع سنوات.
معاشات التقاعد
7 مارس 2011: رفض الناخبون بنسبة 72.7% خَفْض النسبة المئوية لرأس المال المتراكم للمعاشات التقاعدية، من 6.8% الى 6.4% كما كان مُقترحاً من قِبَل الحكومة الفدرالية والغالبية اليمينية في البرلمان. وكان نجاح هذا المُقترح سيعني أن المعاش التقاعدي لرأسمال قدره 100.000 فرنك سويسري، سيصبح 6400 فرنك بدلاً من 6800 فرنك سنوياً.
التأمين على البطالة:
في 26 سبتمبر 2009: وافق الناخبون على تَغييرٍ في تشريع يخُص نظام التأمين على البطالة، ينصُّ على زيادة المُساهمات المَدفوعة و إدخال مساهمة لذوي الدخول المرتفعة. كما أصبح القانون أكثر تشدداً في مجال التَخصيصات المالية مع الفئِة الشابة على وَجه الخصوص.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.