التحقيق في نشر صور هانيبال القذافي مستمر.. لكن لماذا التباطؤ؟
شهدت الأيام والساعات الأخيرة تصاعدا في وتيرة الشد والجذب بين طرابلس وبرن. وفيما تتمسك الجهات الرسمية السويسرية برفض مجرد التعليق على التصريحات والإعلانات الواردة من الجماهيرية، كشفت تصريحات إعلامية نُشرت على لسان سيف الإسلام القذافي عن وجود خلاف صامت داخل السلطة الليبية حول أسلوب إدارة ملف الخلاف مع سويسرا.
من جهة أخرى، أثارت الزيارة التي أداها يوم 1 مارس 2010 هانيبال القذافي إلى الرهينة السويسري ماكس غولدي في سجنه بضواحي طرابلس الى إثارة غضب جهات سويسرية عديدة بخصوص تباطؤ العدالة في جنيف في الكشف عن حقيقة تسريب صور هانيبال، من ملفات الشرطة ونشرها في صحيفة لاتريبون دو جنيف في بداية سبتمبر الماضي.
في سياق متصل، جاءت تصريحات دانيال زابيلي، النائب العام في كانتون جنيف التي أوردتها صحيفة “لوتون” في عددها الصادر يوم الأربعاء 3 مارس، لتتضمن تشديدا على حرص العدالة “في حال تعرف قاضية التحقيق على الجاني، على إنزال أشد العقوبات به بما في ذلك الحبس لثلاث سنوات (في الحد الأقصى) أو فرض غرامة مالية (في الحد الأدنى)”.
اتهام بالتباطؤ
فقد انطلقت الألسن منذ زيارة نجل الزعيم الليبي إلى رجل الأعمال غولدي في السجن الذي أودع فيه يوم 22 فبراير الماضي، للتساؤل عن تباطؤ سلطات دويلة جنيف في إدانة مرتكب أو مرتكبي جريمة تسريب الصور التي التقطتها الشرطة لهانيبال القذافي أثناء توقيفه في جنيف يوم 15 يوليو 2008 ، ونشرها في صحيفة لا تريبون دي جنيف في الرابع من سبتمبر 2009.
فقد وجه عضو مجلس النواب كارلو صوماروغا (من الحزب الإشتراكي) نداء إلى الحكومة المحلية لكانتون جنيف يطالبها فيه باتخاذ موقف واضح وقال: “بإمكان الحكومة أن تتدخل لتعرب عن أسفها لعملية التسريب التي سمحت بنشر صور هاينبال القذافي، وأن تعرب عن إتخاذ إجراءات إدارية عند التعرف على مرتكب الجريمة”. وأضاف، في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة لوتون، بأن على الحكومة أن تعترف بأن “هناك هفوات في نظام تتبع أثر الملفات الالكترونية، وأنها ستعمل جاهدة لتعزيز إجراءات حماية المعطيات الشخصية لكي لا يتكرر ذلك في المستقبل”.
أما زميله في مجلس النواب انطونيو هودجرس (من حزب الخضر) فيرى أن الحكومة “تتحمل المسؤولية في عملية التسريب، وكان لزاما عليها أن تنتقد ذلك بوضوح منذ البداية”، لكنه يرى أنه من غير الملائم تقديم اعتذار عن ذلك اليوم معتبرا أن في ذلك “رضوخا للإبتزاز الليبي وإضافة إهانة ذاتية أخرى”.
لكن هذا لا يعني أن الحكومة المحلية لكانتون جنيف لم تعرب من قبل عن انتقادها لعملية تسريب صور هانيبال القذافي ونشرها في الصحيفة، فقد سبق لها أن عبرت عن الأسف لنشر تلك الصور في لقاء أجرته مع وسائل الإعلام يوم 28 أكتوبر 2009. كما أن الوزير السابق الذي كان مكلفا بإدارة العدل والشرطة لوران موتينو (من الحزب الإشتراكي) اعتبر في 4 نوفمبر 2009 بأنه “من غير المقبول” تسريب تلك الصور.
انتقادات واتهامات للجهاز القضائي
في مقابل ذلك، بدت هذه التصريحات لكثيرين “غير قوية بما فيه الكفاية” وبالتالي لم تكن كافية لتقنع الجانب الليبي بإحراز تقدم في هذا الملف، لكن إصدار تصريح من جانب أعضاء الحكومة (أي السلطة التنفيذية) في قضية لا زالت بين يد العدالة قد يبدو أمرا غير طبيعي في نظام سياسي يفصل بين السلطات بل تدخلا في سير القضاء المستقل. وهو ما دفع بعض السياسيين إلى المطالبة بتوجيه اللوم والإنتقاد للعدالة بدل توجيهه للحكومة خصوصا وأن النيابة العامة فتحت تحقيقا في الموضوع منذ ستة أشهر ولم توجّه أي اتهام إلى أي كان لحد الساعة.
ومن ضمن هؤلاء المنتقدين، النائب البرلماني كريستان لوتشر (من الحزب الليبرالي) الذي طالب العدالة “بالتزام مزيد من الشفافية حول الإمكانيات المسخرة في هذا التحقيق، خصوصا وأن النائب العام دانيال زابيلي لم يُصدر إلا تصريحات قليلة بهذا الخصوص”.
أما ميشال هالبيران، رئيس فرع جنيف للحزب الراديكالي فذهب في معرض انتقاده إلى حد القول بأن “ليست الأمور بهذا التعقيد ولكن مع ذلك لا يتم إحراز أي تقدم”، وأضاف أنه “قد يكون اسم مرتكب عملية التسريب معروفا ولكن يُفضل عدم الإفصاح عنه”؟!. أما زميله إيف نيديغر، من حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) فيعتقد أنه “من الممكن أن تكون هناك آثار تدلل على القائم بعملية التسريب” وينتهي الى أنه “من الأحسن بالنسبة لقصر العدالة أن يقوم بعملية تحقيق سريعة وأن يضحي بمسؤول أو إثنين من موظفيه أو في أي مكان يتضح فيه أن هناك مسؤولية فيما حدث. ويجب طرد البعض حتى من النيابة العامة”، على حد قوله.
التحقيق أولوية بالنسبة للنائب العام
وفي تصريح مطول أدلى به إلى صحيفة “لوتون” الصادرة يوم 3 مارس 2010، أوضح النائب العام دانيال زابيلي في رد على جميع هذه الإنتقادات مدى إصراره وإصرار العدالة في كانتون جنيف على معرفة هوية مرتكبي عملية تسريب الصور، مشددا على الأولوية التي تكتسيها عملية التحقيق ونوعية العقوبات التي من المفروض إلحاقها بالمرتكب (أو المرتكبين) في حال التعرف عليهم.
وقدم زابيلي لأول مرة شروحا مفصلة عما قامت به النيابة العامة منذ تاريخ نشر صور هانيبال القذافي موضحا أنه “طلب القيام بتحقيق عند نشر الصور في صحيفة لاتريبون يوم 4 سبتمبر 2009. وأنه بمجرد التوصل بالتقرير، سلم الملف إلى قاضية التحقيق التي تواصل التحريات بدون توقف بالإشتراك مع إدارة التفتيش العامة التابعة للشرطة وتحت قيادة رئيسة شرطة جنيف”.
ومع أنه رفض تقديم مزيد من التفاصيل عن سير التحقيق، قدم النائب العام لكانتون جنيف بعض التوضيحات عن طبيعة التهمة التي قد توجه للشخص (أو الأشخاص) الذي رتب عملية التسريب والعقوبات التي تنتظره. وأوضح بأن “هناك انتهاك لسرية المهنة لأن الصور لم تكن ضمن ملف العدالة الخاص بقضية الخادمين.. ومن هنا يمكن استبعاد الأشخاص الأربعة من التهمة”. يضاف الى ذلك أن “أعوان العدالة لم يكن بإمكانهم الإطلاع على الصور نظرا لعدم قدرتهم على الدخول في بنك المعلومات الخاص بالشرطة”، لذلك “تتجه الأنظار نحو الشخص الذي له صلاحية الوصول الى الملفات الالكترونية التابعة للشرطة”، مثلما يقول دانيال زابللي.
في المقابل، حرص النائب العام لكانتون جنيف على تعداد التعقيدات التي ستلي احتمال توصل التحقيقات الجارية إلى تحديد هوية الذي سرب تلك الصور الى صحيفة لا تريبون دي جنيف، ونوه زابيلي بالخصوص إلى أن “التحقيقات التي لها علاقة بالملفات الالكترونية والبريد الإلكتروني صعبة ومعقدة وتعترضها ضوابط (أو تحديدات) قانونية عديدة وتتطلب وسائل تقنية كثيرة”. وحتى بالنسبة لما يسمح به القانون في مجال التنصت على المكالمات الهاتفية بأثر رجعي، يوضح دانيال زابللي أن “القانون (السويسري) لا يسمح بذلك إلا في حدود الستة اشهر التي تلت الحادث وهذا على خلاف ما هو معمول به في بلدان أخرى”.
وبالرغم من جميع هذه التعقيدات، شدد النائب العام على أن هذا الملف يحظى بالأولوية لديه وأنه في حال تعرف قاضية التحقيق على مرتكب التسريبات “ستتم معاملته كمجرم وسيتعرض لعقوبة سجن تمتد حتى ثلاث سنوات أو لغرامة مالية”، حسب تصريحاته.
في الأخير، يظل التساؤل مطروحا: هل تكفي هذه العقوبة في حال صدورها ضد الجاني (بعد أن يتم التعرف عليه)، لمحو الآثار المترتبة عن غلطة نشر صحيفة محلية لصور لم يكن فيها ما يفيد القارئ في فهم القضية المطروحة أي اعتقال نجل الزعيم الليبي وزوجته ألين في جنيف بسبب اتهامهما بسوء معاملة خادمين يعملان لديهما ؟!.
محمد شريف بالتعاون مع صحيفة “لوتون”– جنيف – swissinfo.ch
نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية عن مصادر ليبية رفيعة المستوى أن سيف الإسلام، النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، ورئيس «مؤسسة القذافي للتنمية»، غير راض عن مستوى أداء الدولة الليبية بشأن تصعيد الأزمة الأخيرة مع سويسرا، على خلفية حادث توقيف شقيقه الأصغر هانيبال، الذي كان برفقة أسرته صيف عام 2008 في مدينة جنيف.
ونقلت المصادر الليبية رفيعة المستوى للصحيفة عن نجل القذافي قوله: «أشعر بالحزن لهذه المعارك الدونكيشوتية. إنها معارك ضد طواحين الهواء، ومعارك غير واجبة»، معتبرا أن في داخل ليبيا مئات المعارك التي ينبغي الاهتمام بها مثل التخلف والتنمية والبنية التحتية والإسكان والتعليم وغيرها. وأضافت الصحيفة نقلا عن سيف الإسلام القذافي: “لسنا الآن في حاجة إلى معارك كي نفتعل معركة ضد سويسرا من أجل قصة خادم، هذا أمر محزن وفارغ جدا”.
وأكدت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أيضا أن نجل القذافي يشعر بالاستياء والغضب من عودة ليبيا إلى اصطناع وافتعال مشكلات لها مع بعض الدول وعلى رأسها سويسرا ودول الاتحاد الأوروبي. وقالت إن سيف الإسلام القذافي يستغرب بشدة من عودة ليبيا إلى مشكلاتها الخارجية بعدما خرجت منها، ونقلت عنه قوله إن «أداء الدولة الليبية لم يكن موفقا منذ البداية. إنه غباء سياسي»، على حد تعبيره.
وشددت المصادر نفسها التي تحدثت للصحيفة على أن الأزمة بين ليبيا وسويسرا “أخذت طابعا أكبر مما تحتمل”.
(المصدر: نقلا عن صحيفة “الشرق الأوسط” بتاريخ 3 مارس 2010)
15 يوليو2008، اعتقال نجل الزعيم الليبي هانيبال القذافي وزوجته آلين في جنيف بسبب سوء معاملة اثنين من الخدم العرب لديهما، ثم الافراج عنهما بعد تقديم كفالة مالية وعودتهما الى ليبيا.
19 أغسطس 2008: اعتقال رجلي أعمال سويسريين في ليبيا ماكس غولدي ورشيد حمداني بتهمة انتهاك قوانين الاقامة ومزاولة أنشطة تجارية بدون ترخيص، ثم الإفراج عنهما بعد تقديم كفالة مالية ولكن دون السماح لهما بمغادرة البلاد.
في خضم احتدام الأزمة الدبلوماسية بين ليبيا وسويسرا، أقدمت صحيفة لاتريبون دو جنيف في 4 سبتمبر 2009 بنشر صورة لهانيبال القذافي التقطتها الشرطة له أثناء توقيفه. وهي الصور التي يُقال إنها أثارت غضب الزعيم الليبي باعتبارها “مهينة”.
بعدها مباشرة قام النائب العام لكانتون جنيف دانيال زابيلي بطلب التحقيق في المسألة وتقديم تقرير له، قبل أن يحول الملف إلى قاضية تحقيق شرعت في إجراء الأبحاث على الفور ولا زالت مستمرة إلى اليوم.
في 28 اكتوبر 2009 عقدت الحكومة المحلية لكانتون جنيف ندوة صحفية وعبرت فيها عن “أسفها” لنشر الصور.
في 4 نوفمبر 2009 وصف وزير العدل والشرطة في كانتون جنيف آنذاك، لوران موتينو تسريب الصور بأنه “عمل غير مقبول”.
بالنظر إلى أنه من غير الممكن تقديم تفاصيل عن إجراءات قانونية يتم التحقيق فيها، ومن أجل تهدئة الإنتقادات المتزايدة لصمت النيابة العامة والحكومة المحلية لكانتون جنيف حول هذه القضية، أصدرت النيابة العامة في 18 فبراير 2010، بيانا أوضحت فيه “إصرارها وتصميمها على إنهاء التحقيق”.
1 مارس 2010: أدت زيارة هانيبال القذافي إلى ماكس غولدي المعتقل في سجن بضواحي طرابلس (اعتبرت استفزازا من طرف كثيرين في سويسرا)، إلى ارتفاع نبرة الأصوات المنتقدة لصمت النيابة العامة والحكومة المحلية لكانتون جنيف بخصوص قضية نشر الصور.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.