الجزائر تنفي اتهامات الثوار الليبيين وتتوجس من مستقبل العلاقات مع طرابلس
بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة في ليبيا، لا زالت النخبة السياسية في الجزائر ترفض التعليق على الإتهامات التي وجهها المجلس الوطني الإنتقالي للحكومة بـ "دعم معمر القذافي بالعدد والعتاد"، ويبدو أن مجرد الرد عليها من "الطابوهات التي لا يجب المساس بها".
ورغم المحاولات المتكررة، لم تحصل swissinfo.ch من منظمات حقوق الإنسان الجزائرية سواء منها المستقلة أو الحكومية على أي تصريح يؤكد أو ينفي ما ورد في الإتهامات الصادرة عن المعارضين لحكم القذافي، وغاية ما يقال هو أنه “يجب التحقيق في هذه الإتهامات لأنها خطيرة وعلى الحكومة الجزائرية أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة لإجراء تحقيق شفاف”، حسب تأكيد الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بجميع مكوناتها واختلافاتها الأيديولوجية.
مصدر من حزب الثقافة والديموقراطية، رفض الكشف عن هويته، أضاف في تصريحات لـ swissinfo.chأن “الأمر أشبه بقضية الصحراء الغربية، فسواء أيدتها أو خالفت الحكومة في توجهها ووقفت مع المغرب، فمن الأفضل لك أن تسكت لأن هذا من شأن (أصحاب القرار) في البلاد وهم قلة لا تتعدى أصابع اليد، بل وحتى الرئيس نفسه لا يمكنه مخالفتهم”.
الملفت أيضا في هذه القضية أن أبرز الصحافيين المعارضين في الجزائر، مثل فيصل مطاوي، لم يتمكن من تعدي “الخط الأحمر” الذي يدوّخ هذه الأيام رجال السياسة والإعلاميين الذين يريدون الخوض في هذا الموضوع واكتفى بالقول: “علينا التأكد من هذه الإتهامات وكشف الحقائق صعب في الظروف الحالية، إذ لابد من توفر أدلة مادية من قبل المجلس الإنتقالي الليبي تؤسس لرفع قضية ضد الدولة الجزائرية”.
شهود عيان
محاولة البحث عن الحقيقة دون المرور على الجهات التقليدية سواء كانت في المعارضة أو قريبة من الحكومة، يُـوصل إلى معلومات أخرى تتعلق بموضوع “المساعدات” الجزائرية للقذافي، من بينها ما صرح به لـ swissinfo.ch مواطنون من قرية الدبداب الواقعة بولاية إليزي (تبعد حوالي 1800 كلم جنوب شرق العاصمة)، من أنهم “شاهدوا خمس طائرات نقل تحط وتقلع من مطار إليزيا”، وأضافوا أن “الطائرات الخمس تابعة للجيش الجزائري”.
وأفاد المواطنون أيضا أنهم شاهدوا “عددا لا يُحصى من المواطنين الأفارقة ذوي البشرة السوداء، يتحلقون حول رجال بيض من الشمال قبل أن يتفرق الجميع ضاحكين وفي جميع الاتجاهات”، إلا أن محدثينا أخبروا swissinfo.ch أن بعض الأفارقة وقبل اختفاءهم أنفقوا مبالغ مالية معتبرة في مدينة إليزي قبل المغادرة إلى ليبيا. في الأثناء، تبقى أسئلة محيرة من قبيل “هل سلحت الجزائر مرتزقة وأرسلتهم إلى ليبيا؟ وهل دربتهم؟ ومن أي جنسيات هم؟” من دون جواب مقنع أو محدد.
المثير للحيرة فعلا هو الصمت المطبق للطبقة السياسية الجزائرية، واكتفاء الحكومة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بالنفي والتنديد. وفي هذا الصدد، علمت swissinfo.ch أن نشاطا كبيرا وحركة غير عادية تعرفها مكاتب مخابرات الجيش والشرطة والدرك، لتتبع أي تغير سياسي أو فكري لدى الجزائريين، خوفا من احتمال انتقال عدوى الثورة للبلد، كما لوحظ أن العديد من المنتسبين إلى هذه الهيئات أبدى “مرونة كبيرة في التعامل مع المواطنين في الفترة الأخيرة” بسبب التخوف الهائل لدى الحكومة من انتقال عدوى الثورة.
أما موضوع الإتهامات التي أطلقتها أوساط المعارضة الليبية، فقد تبين – حسب مصادر إعلامية جزائرية – أن القيادة العليا لمصالح الأمن، أعطت تعليمات لبعض الصحف “لتشويه سمعة الثوار الليبيين” وجعل المسألة تبدو وكأنها “تدخل غربي أطلسي” في ليبيا، وقد نشرت هذه التعليقات فعلا في غالبية الصحف الناطقة باللغة العربية، وفي ثلاث يوميات ناطقة باللغة الفرنسية.
في الوقت نفسه، اتسمت اللهجة الحكومية الجزائرية، بالعدائية تجاه الثوار الليبيين على اعتبار أن الجزائر – وحسب مصادر غربية مقيمة في الجزائر العاصمة – كانت قد أعلنت في آخر لقاء عسكري مع حلف شمال الأطلسي، أنها “لا توافق على مساعدة الثوار الليبيين” وبأنها “لن تتعامل بإيجابية” مع مجلسهم (الوطني الإنتقالي) في بنغازي.
وتستند الدولة الجزائرية في موقفها هذا، إلى اطمئنان داخلي يتعلق بهدوء غريب يعرفه الشارع الجزائري، ما أدى إلى اتخاذ مواقف حكومية على المستوى الدولي والدبلوماسي لا تعتبر أن ما يجري في بعض الدول العربية قد ينتقل إلى الجزائر، وهي مواقف تتناقض مع الظاهر من تحركات مصالح الأمن التي تنظر إلى كل صيحة أو تحرك احتجاجي بسيط على أنه “تهديد للنظام الجمهوري”.
عـلامة شـؤم؟
على صعيد آخر، تذهب بعض تحليلات الصالونات السياسية المقربة من مولود حمروش رئيس الحكومة الأسبق إلى التأكيد على أن انهيار النظام الليبي يمثل علامة شؤم للدولة الجزائرية “التي أسسها الرئيس الإنقلابي الراحل هواري بومدين”، على اعتبار أن خصرها الشرقي قد أصبح عاريا فيما انتهت كل النظم الشمولية التي تشبهها في كل من تونس وليبيا ومصر.
في الوقت نفسه، سيؤدي انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي (إن حصل يوما ما) إلى تحويل الجزائر إلى دولة تغرد خارج السرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن الأمل في حدوث تغيير جزائري داخلي سريع صعب المنال، بسبب أن التحركات الأمنية الحالية تجاه مسببات الثورة، تقوم بها الأجيال القديمة والمتوسطة داخل مصالح الأمن، وهي في مجملها لا تُحسن التعامل مع المواطنين ضمن إطار حر. لذلك ففي حال ازدياد الضغط الديمقراطي من جهة الشرق، وانضمام المغرب إلى مجلس التعاون، فإن احتمال حدوث “انفجار داخلي” لنظام الدولة، يصبح أمرا وارد الحدوث.
وبالرغم من كل هذه التطورات، يمكن القول أن رفض رجال السياسة وهيئات حقوق الإنسان التحدث بحرية بخصوص الإتهامات الصادرة عن المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا، يمثل قمة الرعب من النظام الأمني الجزائري الذي يمسك بخاصرة الدولة ويحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، بل إن مقتل ناشطيْن من المنتمين إلى “تنسيقية التغيير” المطالبين بتغيير النظام والقضاء على المخابرات العسكرية، قد زاد من هذا الرعب.
فقد قتل الناشطان (وهما رجل وامرأة) في ظروف مريبة بولايتي وهران والعاصمة جعلت من الصعب التكهن بما ستأتي به الأيام القادمة، لدرجة أن بعض المتشائمين من رجال الإعلام الجزائر، استذكر الأيام العصيبة لمذابح أحياء الرايس وبن طلحة عام 1997 عندما ذبح ثمانمائة (800) شخص في ظروف مريبة وقاسية، واتهمت حينها “الجماعة الإسلامية المسلحة” بأنها المخطط والمنفذ في آن واحد لما حدث.
ضغوط مرتقبة.. وحسم في الأفق
في الأثناء، تذهب بعض التحليلات السياسية إلى أن النظام الجزائري، سيزداد توترا في الأيام القادمة وخاصة إذا ما اختفى نظام العقيد معمر القذافي نهائيا، بل وسيزداد الضغط على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وهو الرجل المنهك بسبب المرض، وقد غادر الساحة جميع القادة الذي يعرفهم ويتفاهم معهم سياسيا، وهم بن علي ومبارك والقذافي.
في سياق متصل، تبقى التساؤلات قائمة حول “دور القيادات الأمنية الشابة أو الواعية التي تدعمها الطبقة السياسية ذات الوزن الشعبي مثل جبهة التحرير الوطني والإسلاميين وجبهة القوى الإشتراكية في إخراج الجزائر من الشرك الإقليمي والجيواستراتيجي الذي وقعت فيه” برأي البعض.
ومن جهة أخرى، هل ستتمكن هذه القيادات في قادم الأيام من إقناع رؤسائها بضرورة الإنسحاب بهدوء دون الإضطرار إلى استعمال العنف (الذي يترجم حسب التقاليد الجزائرية بمواجهات في الشوارع وضحايا من المدنيين، كشكل من أشكال صراع الأجنحة في البلاد وذلك منذ تشكيل أول خلية لجهاز الإستخبارات على يد عبد الحفيظ بوصوف عام 1958 في عز ثورة التحرير التي قادت إلى استقلال البلاد عن فرنسا)؟
أسئلة عديدة.. قد يُـسـرّع حسم الموقف الميداني والسياسي في ليبيا واتضاح الصورة فيها بتقديم إجابات واضحة عنها، ينتظرها الجميع في داخل الجزائر وجوارها الإقليمي المباشر على أحـرّ من الجمر.
17 أبريل 2011
أرسل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مذكرة إلى الجامعة العربية، طلب فيه إجراء اتصالات مع الجزائر، وتكليف لجنة تحقيق حول ما أسماه ”خروقات مشبوهة قام بها سلاح الجو الجزائري وكذلك الخطوط الجوية الجزائرية بنقل معدات عسكرية وأسلحة ومرتزقة لنظام القذافي”.
وكشفت المذكرة عن وجود “بيانات بشأن 51 رحلة طيران حطت في مطارات طرابلس والمعيتقة والأبرق” وجاء فيها أن “الرحلات التي قام بها سلاح الجو الجزائري لا تحمل أرقاما”، وهو دليل حسب المذكرة على ”سرية الرحلات”.
لكن الجزائر نفت الاتهامات ووصفتها بـ”المؤامرة التي تستهدف توريط الجزائر” في الصراع الدائر بين نظام القذافي والثوار.
19 أبريل 2011
نفى وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي لنظيره الفرنسي آلان جوبيه أنباء يروجها الثوار في ليبيا بشأن تزويد الجزائر نظام العقيد معمر القذافي بمئات العربات العسكرية والذخيرة لمواجهة معارضيه. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية في برقية لها بثت مساء الثلاثاء 19 أبريل 2011 أن مدلسي أجرى مع جوبيه اتصالا هاتفيا تناول أساسا الوضع السائد في منطقة المغرب العربي. وقالت وسائل إعلام محلية إن جوبيه استفسر من مدلسي عن مدى صحة الأنباء التي تروج حول أن الجزائر زودت القذافي بمئات من السيارات العسكرية تحمل ذخائر. وقال جوبيه “لقد طمأنني بأن ما يُروّج غير صحيح”.
26 أبريل 2011
أعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن رحيل العقيد معمر القذافي عن الحكم يجب ألا يكون «شرطا مُسبقا» للحل السلمي في ليبيا، متهما المجلس الوطني الانتقالي (المعارضة الليبية) بـ«تلويث الحقيقة»، وقال إن مسألة وصولهم إلى الحكم «احتمال غير وارد». وقال مدلسي في مقابلة مع صحيفة «الشروق» الجزائرية إن «رحيل القائد القذافي يجب أن يكون احتمالا واحدا من بين جملة الإحتمالات الأخرى.. وإذا أراد الليبيون ذلك فالجزائر ستحترم قرارهم».
وذكر مدلسي أن الجزائر «صرحت بصفة رسمية وواضحة بأنها تحترم قرار مجلس الأمن 1973 والقرار 1970 الذي يمنع تسرب وانتشار الأسلحة بصفة غير قانونية، وقلنا إننا نحترم القرار إذا كان هدفه إنسانيا يتعلق بحماية المدنيين، لكن ما يجري اليوم في الساحة الليبية وغيرها، يؤكد وجود نيات تتحدث عن حلول لم يتحدث عنها القرار صراحة».
3 مايو 2011
حذر وزير الخارجية الجزائري دحو ولد قابلية من توتر العلاقات بين بلاده وطرابلس في حال وصول الثوار الى مقاليد الحكم في ليبيا. وقال: «إن الثوار بادروا بالاساءة إلى الجزائر.. وفي اعتقادي أنه في حال وصولهم إلى الحكم ستكون العلاقات بين البلدين متوترة ومضطربة». وقال إن ما يجري في الأراضي الليبية قد يجعل حدود بلاده غير آمنة خاصة بالنسبة «لتسلل إرهابيين أو مشبوهين». ووصف ولد قابلية اتهامات المجلس الإنتقالي للجزائر بدعم القذافي وإرسال مرتزقة للقتال مع كتائبه مجددا بأنها «افتراءات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة».
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.